الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، ونسأله التوفيق لإصابة الحق إنه على كل شيء قدير.
أما بعد: فلما كان الكثير من كتاب العصر قد التبس عليهم الأمر في أمر الجهاد، وخاض كثير منهم في ذلك بغير علم، وظنوا أن الجهاد إنما شرع للدفاع عن الإسلام وعن أهل الإسلام، ولم يشرع ليغزو المسلمون أعداءهم في بلادهم ويطالبوهم بالإسلام ويدعوهم إليه، فإن استجابوا وإلا قاتلوهم على ذلك، حتى تكون كلمة الله هي العليا، ودينه هو الظاهر؛ لما كان هذا واقعًا من بعض الناس وصدر فيه رسائل وكتابات كثيرة، رأيت أن من المستحسن بل مما ينبغي أن تكون محاضرتي في هذه الليلة في هذا الشأن بعنوان: (ليس الجهاد للدفاع فقط).
فأقول والله هو الموفق والهادي إلى سواء السبيل:
إن الله وله الحمد والمنة بعث الرسل وأنزل الكتب لهداية الثقلين من الجن والإنس، ولإخراجهم من الظلمات إلى النور فضلًا منه وإحسانًا، وكان الله قد فطر العباد على معرفته وتوحيده وخلقهم لهذا الأمر، خلقهم ليعبدوه ويطيعوه، ولكنه سبحانه لعلمه بأحوالهم وأن عقولهم لا يمكن أن تستقل بمعرفة تفاصيل عبادته التي ترضيه ، ولا يمكن أن تستقل بمعرفة الأحكام العادلة التي ينبغي أن يسيروا عليها، ولا يمكن أن تستقل بمعرفة الأخلاق والصفات التي ينبغي أن يتخلقوا بها.
أرسل رسلًا مبشرين ومنذرين؛ ليوجهوا أهل الأرض من المكلفين إلى توحيده سبحانه والإخلاص له، وبيان الأخلاق والأعمال التي ترضيه سبحانه، وليحذروهم من الأعمال والأخلاق التي تغضبه ، وليرسموا لهم النظم والخطط التي ينبغي أن يسيروا عليها، وأنزل الكتب لإيضاح هذا الأمر وبيانه؛ لأنه سبحانه هو العالم بأحوال عباده، العالم بما يصلحهم، العالم بما فيه سعادتهم العاجلة والآجلة، فهو عالم بأحوالهم الحاضرة وبأحوالهم الماضية وبأحوالهم المستقبلة، فلهذا أرسل الرسل وأنزل الكتب؛ لبيان حقه والإرشاد إليه، وتوجيه الناس إلى أسباب النجاة وإلى طرق السعادة في المعاش والمعاد، وأنزل الكتب لبيان هذا الأمر العظيم.
قال جل وعلا في كتابه المبين: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [البقرة:257] وقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا [الأحزاب:41-44] وقال : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] وقال : لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَاا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحديد:25].
وبين الله أنه هو الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور، وذلك بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وبين أن رسله أرسلوا بالبينات، وأنزل معهم سبحانه الكتاب والميزان بالقسط. والمراد بالكتاب: الكتب السماوية وهي كلامه جل وعلا، وهو الذي لا أصدق منه: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء:123] والميزان وهو: العدل، يعني: الشرائع المستقيمة، والأحكام العادلة، التي تشتمل على أسباب السعادة في الدنيا والآخرة.
هكذا أرسل الرسل، وهكذا أنزل الكتب، أنزل الكتب السماوية التي أشرفها وأعظمها كتاب الله العظيم القرآن، وأنزل قبل ذلك التوراة والإنجيل وكتبًا أخرى على أنبيائه ورسله، عليهم الصلاة والسلام، فيها الشرائع والأحكام والتوجيه إلى الخير والتحذير من الشر، وكان فيما مضى يرسل إلى كل قوم رسولًا منهم يوجههم إلى الخير، ويأمرهم بتوحيد الله وينذرهم من الشرك بالله، ويشرع سبحانه لهم الشرائع، وهو الحكيم العليم الرحيم جل وعلا، وكل رسول أرسله الله إلى أمة أرسله بالتوحيد الذي هو زبدة دعوة الرسل كلهم، وأمرهم بحب الله جل وعلا والإخلاص له وتوجيه القلوب إليه سبحانه، وشرع لهم من الشرائع على لسان رسولهم ما يليق بهم وبمجتمعهم وزمانهم وظروفهم على ما تقتضيه حكمة الرب ، ورحمته ولطفه جل وعلا، وعلمه بأحوالهم .
ولما كانت رسالة محمد ﷺ رسالة عامة إلى جميع أهل الأرض من جن وإنس، أرسله الله بشريعة صالحة لجميع أهل الأرض في زمانه، وبعد زمانه إلى يوم القيامة، عليه الصلاة والسلام.
هكذا اقتضت حكمة الله ، واجتمعت الرسل على الأصول والأسس، عليهم الصلاة والسلام، وتنوعت الشرائع على حسب ظروف الأمم وأحوالهم وبيئاتهم، على ما تقتضيه حكمة الخالق العليم، ورحمته ، وإحسانه إليهم ولطفه بهم جل وعلا.
أما جنس التوحيد الذي هو أصل الأصول، فقد اجتمعت الرسل عليه، وهكذا بقية الأصول كوجوب الصدق والعدل وتحريم الكذب والظلم، والأمر بمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال والنهي عن ضدها، فهذه الأصول اجتمعت عليها الرسل، عليهم الصلاة والسلام، كما قال : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النمل:36] وقال : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكََ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:35] وقال : رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165].
ومن الأصول الأساسية: الإيمان بالله ورسوله وتوحيده، والإخلاص له، والإيمان باليوم الآخر، وبالجنة والنار، والإيمان بجميع الرسل وعدم التفريق بينهم، وما أشبه هذه الأصول، هذا كله مما اجتمعت عليه الرسل جميعًا، وقد جاءت الكتب الإلهية كلها يصدّق بعضها بعضًا، ويؤيد بعضها بعضًا.
أما جنس الفروع فقد تنوعت بها الشرائع، فقد يباح في شريعة من المسائل الفرعية ما يحرم في الشريعة الأخرى، وقد يحرم في شريعة سابقة ما يباح في شريعة لاحقة، ومن هذا أن الله جل وعلا بعث عيسى، عليه الصلاة والسلام، بشريعة التوراة مع التخفيف والتيسير لبعض ما فيها، وإخبارهم ببعض ما اختلفوا فيه، وإحلال بعض ما حرم عليهم في التوراة، كل هذا من لطفه وتيسيره جل وعلا، كما قال لما ذكر التوراة والإنجيل والقرآن قال بعد هذا كله: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة:48].
وهو سبحانه حكيم في شرعه عليم بما يصلح عباده وما يستطيعون، كما أنه حكيم في أقداره ، قال جل وعلا: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:44، 45] هذا كله في شريعة التوراة، وقد أقره الله لهذه الأمة وبينه لهم مقرًّا له ومشرعًا في هذه الأمة، وجاءت السنة تؤيد ذلك وتبين أن هذا شرع الله لهذه الأمة في النفس والعين والأنف والأذن والسن، كما هو في شريعة الله المعلومة من كتابه سبحانه، ومن سنة رسوله، عليه أفضل الصلاة والسلام، ثم قال بعد ذلك: وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ [المائدة:46] فدل ذلك على أن هذا الكتاب العظيم وهو الإنجيل، فيه هدى ونور وفيه مواعظ وتوجيهات، ثم قال بعد ذلك: وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ [المائدة:47] فدل على أن فيه أحكامًا يحكم بها أهل الإنجيل من علماء بني إسرائيل، ومعلوم أن عيسى، عليه الصلاة والسلام، أرسل بشريعة التوراة، ومع ذلك أرسل بأشياء غير ما في التوراة، وفي شريعته أيضًا تخفيف وتيسير لبعض ما في التوراة، ثم قال بعد هذا: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47] ثم قال : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنََ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة:48] هكذا قال لنبيه محمد، عليه الصلاة والسلام، وأنزل كتابه القرآن بالحق؛ لأن الله أنزله بالحق وللحق، فهو جاء مشتملًا على الحق ومؤيدًا للحق وشارعًا للحق، ومصدقًا لما بين يديه من الكتب الماضية والرسل الماضين فيما جاؤوا به.
فكتاب الله العظيم القرآن مصدق للرسل الماضين، ومصدق للكتب الماضية، وشاهد أنها من عند الله ، التوراة والإنجيل والزبور وصحف موسى وإبراهيم وغيرها من الكتب التي أنزلها الله على الرسل، عليهم الصلاة والسلام، ثم بيّن الله جل وعلا أن لكل منهم شرعةً ومنهاجًا، فدل ذلك على أن الشرائع التي جاء بها الأنبياء والرسل متنوعة، كما بيّن الأسس من الإيمان بالله ورسله والملائكة والكتب والإيمان باليوم الآخر والإيمان بالجنة والنار والقدر، وغير هذا من الأحكام العامة التي توجب العدل والصدق وتحريم الظلم والكذب ونحو ذلك فهذه أصول عامة متبعة.
وكان من حكمته أن أرسل كل رسول بلسان قومه، حتى يفقههم ويفهمهم ما بعث به إليهم بصورة واضحة، وبيان واضح؛ ولهذا قال : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ الآية [إبراهيم:4].
ولما كان محمد ﷺ من العرب، وكان العرب هم أول الناس يستمعون دعوته، ويواجههم بدعوته، أرسله الله بلسانهم، وإن كان رسولًا للجميع، عليه الصلاة والسلام، ولكن الله أرسله بلسان قومه، وجعل قومه مبلغين ودعاة إلى من وراءهم من الأمم، وأمر الناس جميعًا باتباع هذا النبي، عليه الصلاة والسلام، والسير على منهاجه، فوجب عليهم أن يتبعوه، وأن يعرفوا لغته ولغة كتاب الله العظيم، وهذا النبي العظيم هو محمد عليه الصلاة والسلام، بعثه الله رحمة للعالمين جميعًا، كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] فكما أرسل الرسل قبله رحمة لمن أرسلوا إليه ليوجهوهم وليزيلوا عنهم الظلم والفساد وأحكام الطواغيت، وليحلوا مكان ذلك النظم الصالحة والأحكام العادلة، وهكذا أرسل الله محمدًا ﷺ أيضًا، ليقضي على النظم الفاسدة في المجتمع الإنساني، والأخلاق المنحرفة والظلم والجور، وليحل محلها نظمًا صالحة وأحكامًا عادلة.
فبعثه ﷺ ربه ليزيل ما في الأرض من الظلم والطغيان وليقضي على الفساد، وليزيح النظم الفاسدة والطواغيت المستبدة، الذين يتحكمون في الناس بالباطل، ويظلمونهم ويتعدون على حقوقهم، ويستعبدونهم.
فبعث الله هذا النبي، عليه الصلاة والسلام؛ ليزيل هذه النظم الفاسدة، والأخلاق الظالمة، وليقضي على الطغاة المتجبرين، والقادة المفسدين، وليحل محل ذلك قادة مصلحين، ونظمًا عادلة مستقيمة، وشرائع حكيمة عادلة توقف الناس عند حدهم، ولا تفرق بين أبيض وأسود، ولا بين أحمر وغيره، ولا بين غني وفقير، ولا بين شريف عند الناس ووضيع عندهم، بل جعل شريعته لا تفرق بين الناس، بل توجههم جميعًا وتأمرهم وتنهاهم جميعًا، وبين الله أن أكرم الناس عند الله هو أتقاهم، كما قال جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [الحجرات:13] ولم يقل لتتفاخروا، أو ليترفع بعضكم على بعض، أو يستعبد بعضكم بعضًا، أو يفخر بعضكم على بعض، ولكن قال: لِتَعَارَفُوا ثم قال سبحانه: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13] وقال النبيﷺ: إن الله أوحى إلي أن تواضعوا؛ حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد خرجه مسلم في صحيحه. وقال الله جل وعلا في القرآن الكريم: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان:18].
فهذا النبي العظيم، عليه الصلاة والسلام، أرسله الله برسالة عامة ونظام شامل عام في جميع الشؤون العبادية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والحربية وغير ذلك من شؤون الناس، فما ترك شيئًا إلا وأرشد إلى حكم الله فيه، وقال فيه : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ:28] وقال : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب:45، 46] فبين الله أن هذا الرسول سراج منير للناس ينير لهم الطريق ويهديهم السبيل إلى ربهم سبحانه - عليه الصلاة والسلام - الذي من استقام على دينه نجا وفاز بالخير والعاقبة الحميدة، ومن حاد عنه باء بالخيبة والخسارة والذل والهوان، وقال : قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [المائدة:15، 16]. هكذا قال جل وعلا في هذا النبي العظيم وكتابه المبين.
إن هذا الكتاب وهذا الرسول يخرج الله بهما الناس من الظلمات إلى النور من ظلمات الكفر والجهل والظلم والاستبداد والاستعباد إلى نور التوحيد والإيمان، إلى نور الهدى والعدل، إلى سعة الإسلام، بدلًا من جور الملوك والطغاة، وبدلًا من أحكامهم الظالمة الجائرة، فشريعة الله التي بعث بها نبيه محمدًا ﷺ شريعة كاملة، شريعة فيها الهدى والنور، وفيها العدل والحكمة، وفيها إنصاف المظلوم من الظالم، وتوجيه الناس إلى أسباب السعادة، وإلزامهم بالحق والعدل، ومنعهم من الظلم والجور، وربطهم بالأخوة الإيمانية، وأمرهم بالتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والصبر عليه، والتآخي والنصح من بعضهم لبعض، وفيها تخليصهم من الظلم والجور والبغي والكذب وسائر أنواع الفساد؛ حتى يكونوا جميعًا إخوة متحابين في الله، متعاونين على البر والتقوى، ينصح كل واحد الآخر، ويؤدي الأمانة، ولا يغش أخاه ولا يخونه، ولا يكذبه، ولا يحقره، ولا يغتابه، ولا ينم عليه، بل يحب له كل خير ويكره له كل شر، كما قال جل وعلا: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10] وقال-عليه الصلاة والسلام: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه
وفي الصحيحين عن جرير بن عبدالله البجلي قال: (بايعت النبي ﷺ على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم). وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: الدين النصيحة قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم خرجه مسلم في صحيحه. وقال سبحانه في كتابه العزيز في عموم الرسالة قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158].
وأخبر أن هذا الرسول يزكيهم من أخلاقهم الذميمة وأعمالهم المنكرة إلى أخلاق صالحة وإلى أعمال مستقيمة، قال جل وعلا: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164] وقال جل وعلا: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] إلى غير ذلك من الآيات الدالات على نصحه، عليه الصلاة والسلام، وأن الله بعثه ليعلم الناس ويرشد الناس ويزكي الناس ويخرج الناس من الظلمات إلى النور، من ظلمات جهلهم وكفرهم وأخلاقهم الذميمة إلى نور الإيمان والتوحيد، وإلى سعادة الأخلاق الكريمة والعدل والصلاح والإصلاح.
ولما كانت الأرض قبل بعثته، عليه الصلاة والسلام، مملوءة من الظلم والجهل والكفر، وكان الشرك قد عم الناس وعم البلاد وانتشر فيها الفساد إلا ما شاء الله من بقايا يسيرة من أهل الكتاب ماتوا أو معظمهم قبل بعثته، عليه الصلاة والسلام، لما كان الأمر هكذا رحم الله أهل الأرض ولطف بهم سبحانه وبعث فيهم هذا الرسول العظيم محمدًا، عليه الصلاة والسلام، وهم في أشد الحاجة بل الضرورة إلى بعثته وإرساله، فبعثه الله بأشرف كتاب وأشرف رسالة وأعمها فأنقذ الله به الأمة، وأخرج الله به أهل الأرض من الظلمات إلى النور، أخرجهم الله به من الضلالة إلى الهدى، أخرجهم الله به من الجور والظلم والعسف إلى العدل والإنصاف والحرية الكاملة المقيدة بقيود الشريعة، وأمره حينما بعثه بالدعوة إلى الله والإرشاد إليه وإقامة الحجج على ما بعثه الله به من الدين الحق والصراط المستقيم، فلم يزل هكذا يدعو إلى الله ويرشد في مكة، عليه الصلاة والسلام، وهكذا من أسلم معه من أهل مكة يقوم بدوره في الدعوة على حسب حاله، تارة في السر وتارة في العلن كما هو معلوم.
فمكث في مكة، عليه الصلاة والسلام، ثلاثة عشر عامًا يدعو إلى الله وينذر قومه ويوجههم إلى الخير، ويتلو عليهم كتاب الله، ويدعوهم إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ولم يأمره الله بقتالهم، وإنما هي دعوة فقط ليس فيها قتال بل توجيه وإرشاد وإيضاح للحق والخلق الكريم، وتحذير من خلافه بالكلام الطيب واللطف والجدال بالتي هي أحسن، كما قال جل وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] وقال جل وعلا: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [الحجر:85] وقال سبحانه: وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا [المزمل:10] وقال سبحانه: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الحجر:94] إلى أمثال هذه الآيات التي فيها الأمر بالصفح والإعراض عنهم والجدال بالتي هي أحسن إلى غير ذلك، وليس فيها الأمر بقتالهم، لأن المقام لا يتحمل ذلك؛ لأن المسلمين قليلون، وأعداؤهم كثيرون وبأيديهم السلطان والقوة، فكان من حكمة الله أن منع رسوله والمسلمين من الجهاد باليد، وأمرهم بالاكتفاء بالجهاد باللسان والدعوة، وأمرهم أن يكفوا أيديهم عن القتال، فهدى الله بذلك من هدى من المسلمين كالصديق وعمر الفاروق وعثمان وعلي والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وعبدالله بن مسعود وعبدالرحمن بن عوف وسعيد بن زيد وطلحة بن عبيد الله، وجم غفير من الصحابة، رضي الله عن الجميع وأرضاهم.
ولما صدع النبي بالدعوة وبين بطلان آلهتهم التي يعبدونها من دون الله وأرشدهم إلى توحيد الله والإخلاص له، عظُم على أهل مكة ذلك واشتد عليهم الأمر؛ لأنهم يعظمون تلك الآلهة، ولأن كثيرًا منهم يرى في عبادتها والتعلق بها حفظًا لرئاسته ومنزلته وسيطرته على الضعفاء، وصاروا يحاولون الذود عنها ويكذبون على الرسول ﷺ أكاذيب كثيرة وينفرون الناس عنه، ويقولون عنه إنه شاعر، وتارة مجنون، وتارة ساحر، وتارة كذاب، إلى غير ذلك، وهي أقاويل كلها باطلة وهم يعلمون أنها باطلة، أعني أعيانهم ورؤساءهم وأهل الحل والعقد منهم، كما قال سبحانه: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33] ولكن ليس لهم حيلة إلا أن يقولوا هكذا من الكذب والفرية والتزييف على الضعفاء من أهل مكة ومن غيرهم، فأبى الله إلا أن يتم نوره ويظهر الحق ويدمغ الباطل ولو كره الكافرون، فلم يزل يدعوهم، عليه الصلاة والسلام، ولم يزل يناظر الناس ويتلو عليهم كتاب الله ويرشدهم إلى ما بعثه الله به، ويصدع بأمر ربه حتى ظهرت الدعوة في مكة وانتشرت وسمع بها الناس العرب وغيرهم في البوادي والمدن، فصارت الوفود تأتي إلى النبي ﷺ ويتصلون به سرًّا، ويسمعون منه، عليه الصلاة والسلام، حتى فشا الإسلام وظهر وبان لأهل مكة، فعند ذلك شمّروا عن ساعد العداوة وآذوا الرسول وآذوا أصحابه إيذاءً شديدًا، وأمرهم معروف في السير والتاريخ، فمنهم من عذب بالرمضاء، ومنهم من عذب بغير ذلك.
فلما اشتد الأمر بأصحاب الرسول ﷺ واشتد بهم الأذى أذن لهم ﷺ بالهجرة إلى الحبشة، فهاجر من هاجر إلى الحبشة ومكثوا هناك ما شاء الله، ثم بلغهم أن هناك تساهلًا من المشركين، وروي أنه بلغهم أنهم أسلموا لما سجدوا مع النبي ﷺ في سورة النجم، فرجع من رجع منهم، فاشتد عليهم الأذى، فهاجروا الهجرة الثانية إلى الحبشة، وبقوا هناك إلى أن قدموا على النبي ﷺ عام خيبر من الحبشة مع جعفر بن أبي طالب، رضي الله عنه وعنهم.
ثم استمرت الحال والشدة على الرسول ﷺ في مكة، وجرى ما جرى في حصاره في شعب أبي طالب وغير هذا من الأذى، ثم إن الله جل وعلا بعد ذلك أذن له بالهجرة إلى المدينة بعدما يسر الله له من الأنصار من يساعده ويحميه ويؤويه، فإن الأنصار، رضي الله عنهم وأرضاهم، من الأوس والخزرج لما بلغتهم الدعوة اتصلوا بالنبي ﷺ واجتمعوا به عند العقبة في منى مرات، ثم في المرة الأخيرة بايعوه، بايعه منهم جماعة فوق السبعين، فبايعوه على الإسلام وعلى أن ينصروه ويحموه مما يحموا منه نساءهم وذرياتهم، وطلبوا منه أن يهاجر إليهم فوافق على ذلك، عليه الصلاة والسلام، وأذن لأصحابه بالهجرة، ثم انتظر أمر ربه فأذن الله له بعد ذلك فهاجر إلى المدينة، فلله الحمد والمنة.
وكان ﷺ في مكة، كما هو معلوم، لم يكن يجاهدهم باليد ولا بالسيف، ولكنه كان يجاهد بالدعوة والتوجيه والإرشاد والتبصير والعظة والتذكير وتلاوة القرآن، كما قال الله تعالى: وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا [الفرقان:52] وهكذا كان أصحابه ﷺ الذين بقوا في مكة، كانوا هكذا إذا تمكنوا من الدعوة بذلوها لمن يتصل بهم في التوجيه والإرشاد والنصيحة، ولكن مع هذا كله، فالمسلمون قليلون والكفار أكثر ولهم السلطة ولهم اليد في مكة، ولهذا قال الشاعر ويروى ذلك لحسان :
دعا المصطفى دهرًا بـمكة لم يجب | وقد لان منه جانب وخطاب |
فلما دعا والسيف صلت بكفه | له أسلموا واستسلموا وأنابوا |
هكذا كانت الحال بمكة، إنما أجاب القليل وامتنع الأكثرون بسبب المآكل والرئاسة والكبر والحسد والبغي، لا عن جهل بالحق، ولا عن رغبة في الباطل، لأنهم يعرفون أنه رسول الله وأنه صادق، وكانوا يسمونه الأمين عليه الصلاة والسلام، ولكن الحسد والبغي وحب الرئاسة والتسلط على الأمة يمنع الكثير من الناس عن قبول الحق، وهكذا عظماء الروم وفارس ورؤساؤهم وأعيانهم ليس يخفى عليهم الحق وأدلته وبراهينه، ولكن السلطان والرئاسة واستعباد الناس وما يلتحق بهذا يمنعهم من الخضوع إلى الحق، ولما سأل هرقل أبا سفيان عن صفات النبي ﷺ وأخبره أبو سفيان بذلك؛ عرف أنه رسول الله، واتضح له أنه نبي الله، ودعا أمته لذلك، فلما رأى منهم النفرة وعدم الاستجابة نكص على عقبيه ورجع عما أظهر وقال: (إنما فعلت هذا وقلت ما قلت لأمتحنكم وأعرف صلابتكم في دينكم) ثم استمر على دين قومه وطغيانه وكفره، نسأل الله العافية؛ فآثر الدنيا على الآخرة.
وهكذا أشباهه ونظراؤه يحملهم البغي والحسد وحب الرئاسة على خلاف الحق وعلى التنكر له ولأهله كما سبق في قوله جل وعلا: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:23] هكذا يقول ربنا عن فرعون وقومه: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل:14] وقال الله عن موسى، عليه الصلاة والسلام، أنه قال لفرعون: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ [الإسراء:102].
فهؤلاء الكفرة من الكبراء والأعيان يعرفون الحق، وأن ما جاءت به الرسل هو الحق، ولكن تمنعهم الرئاسات والتسلط على العباد وظلم العباد والاستبداد بالخيرات، يمنعهم ذلك من قبول الحق؛ لأنهم يعرفون أنهم إذا قبلوا صاروا أتباعًا، وهم لا يرضون بذلك إنما يريدون أن يكونوا متبوعين ورؤساء ومتحكمين ومتسلطين، فالإسلام جاء ليحارب هؤلاء ويقضي عليهم ليقيم دولة صالحة بقيادة صالحة، يؤثرون حق الله وإنصاف الناس ويرضون بما يرضى به إخوانهم، ولا يتجبرون ولا يتكبرون، بل ينصفون إخوانهم ويسعون في صلاحهم وفلاحهم، ويحكمون بينهم بالعدل، ويشتركون معهم في الخيرات، ولا يستبدون بها عنهم.
هكذا بعث الله نبيه محمدًا ﷺ بدين شامل ونظام عادل وشرائع مستقيمة، تكسح نظم الفساد، وتزيل أحكام الطغاة، وتقضي على طرق الفساد وأخلاق المفسدين، وتوجب على المسلمين اتباع هذا النظام المنزل في كتاب الله وسنة رسولهﷺ، كما توجب عليهم هذه الشريعة أن يتخلقوا بالعدل والإنصاف، وأن يستقيموا على ما شرعه الله لهم، وأن يحافظوا على ذلك، وأن ينصف بعضهم بعضًا، وأن يؤدي الأمانة بعضهم لبعض، وأن يحكموا فيما بينهم بشرع الله، وأن يحاربوا الفساد والضلال وطرق الغي والغواية.
فلما هاجر، عليه الصلاة والسلام، واستقر به القرار في المدينة المنورة، أمره الله بالتقوى وتطهيرها من الفساد وأهل الفساد، وعمارتها بالمصلحين والصالحين، فلما استقر به القرار في هذه البلاد المقدسة وحوله الأنصار والمهاجرون، استمر في الدعوة، عليه الصلاة والسلام، ونشر ما بعثه الله به من الهدى، وأذن الله له ولأصحابه في القتال والجهاد، وأنزل في ذلك قوله سبحانه: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج:39] ففي هذه الآية أذن لهم في الجهاد؛ لأنهم مظلومون، والمقصود: أن الله جل وعلا أذن لهم بالقتال والجهاد، ثم فرض الله ذلك وأوجبه بقوله جل وعلا: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ الآية [البقرة:216] وأوجب عليهم الجهاد والقتال، وأنزل فيه الآيات الكثيرات، وحرض عليه ، وأمر به في كتابه العظيم، وعلى لسان نبيهﷺ، فكان أولًا مباحًا مأذونًا فيه، ثم فريضة على الكفاية، كما قاله أهل العلم.
وقد يجب على الأعيان إذا اقتضت الأسباب ذلك، كما لو حضر الصف أو حصر بلده أو استنفره الإمام، ففي هذه المسائل الثلاث يتعين القتال إذا حضر الصفين، ليس له أن ينصرف ولا أن يفر، وكذلك إذا حاصر بلده العدو وجب عليه وعلى أهل البلد أن يقاتلوا ويدافعوا بكل ما يستطيعون من قوة، وكذلك إذا استنفره الإمام وجب النفير كما هو معروف في محله؛ فالمقصود أن الله فرض الجهاد وجعله فرضًا على المسلمين، وهو فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وصار في حقهم سنة مؤكدة، وقد يجب على الأعيان للأسباب التي تقتضي ذلك كما سبق.
فكان، عليه الصلاة والسلام، أولًا يقاتل إذا رأى المصلحة في ذلك، ويكف إذا رأى المصلحة في الترك، ثم أمره الله سبحانه بقتال من قاتله وبالكف عمن كف عنه، كما قال الله جل وعلا: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة:190] قال بعض السلف في هذه الآية: (إنه أمر في هذه الآية بقتال من قاتله، والكف عمن كف عنه)، وقال آخرون في هذه الآية: (إن هذه الآية ليس فيها ما يدل على هذا المعنى، وإنما فيها أنه أمر بالقتال للذين يقاتلون، أي من شأنهم أن يقاتلوا..إلخ. ويصدوا عن سبيل الله، وهم الرجال المكلفون القادرون على القتال، بخلاف الذين ليس من شأنهم القتال كالنساء والصبيان والرهبان والعميان والزمناء وأشباههم، فهؤلاء لا يقاتلون لأنهم ليسوا من أهل القتال) وهذا التفسير كما سيأتي إن شاء الله تعالى أظهر وأوضح في معنى الآية، ولهذا قال بعدها بقليل: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:193] فعلم بذلك أنه أراد قتال الكفار لا من قاتل فقط، بل أراد قتال الكفار جميعًا حتى يكون الدين كله لله، وحتى لا تكون فتنة، والفتنة الشرك، وأن يفتن الناس بعضهم بعضًا عن دينهم، فتطلق الفتنة على الشرك كما قال تعالى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة:191] يعني الشرك، وتطلق أيضًا على ما يقوم به بعض الكفار من قتل بعض الناس والتعدي عليهم وإلجائهم إلى أن يكفروا بالله ، فالله أمر بقتالهم حتى لا تكون فتنة، يعني حتى لا يقع شرك في الأمة، وحتى لا يقع ظلم من الكفار للمسلمين بصدهم وقتالهم حتى يرجعوا عن الحق.
وقال في سورة النساء: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا [النساء:91-93] قالوا فهذه الآيات فيها الدلالة على أن الله جل وعلا أمر نبيه ﷺ والمسلمين أن يقاتلوا من قاتلهم، وأن يكفوا عمن اعتزل القتال وكف عنهم.
ثم أنزل الله بعد ذلك آية السيف في سورة براءة، وهي قوله جل وعلا: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة:5] قال العلماء، رحمة الله عليهم: إن هذه الآية ناسخة لجميع الآيات التي فيها الصفح والكف عن المشركين، والتي فيها الكف عن قتال من لم يقاتل، قالوا: فهذه آية السيف هي آية القتال، آية الجهاد، آية التشمير عن ساعد الجد وعن المال والنفس لقتال أعداء الله حتى يدخلوا في دين الله، وحتى يتوبوا من شركهم ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام.
هذا هو المعروف في كلام أهل العلم من المفسرين وغير المفسرين، كلهم قالوا فيما علمنا واطلعنا عليه من كلامهم: إن هذه الآية وما جاء في معناها ناسخة لما مضى قبلها من الآيات التي فيها الأمر بالعفو والصفح وقتال من قاتل والكف عمن كف، ومثلها قوله جل وعلا في سورة الأنفال: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال:39] ومثلها قوله جل وعلا في سورة براءة بعد ذلك: وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:36] ومثلها قوله جل وعلا: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29] فأمر الله بقتال أهل الكتاب، ولم يأمر بالكف عنهم إلا إذا أدوا الجزية عن صغار، ولم يقل: حتى يعطوا الجزية أو يكفوا عنا، بل قال: حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، واكتفى بذلك، وقال في الآية السابقة آية السيف: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5] وقال في آية أخرى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11].
فدل ذلك على أنه لا يكف عن الكفار إلا إذا تابوا من كفرهم ورجعوا إلى دين الله واستمسكوا بما شرع الله، فهؤلاء هم الذين يكف عنهم ويكون لهم ما لنا وعليهم ما علينا، لكن أهل الكتاب إذا بذلوا الجزية عن يد وهم صاغرون كففنا عنهم، وإن لم يسلموا، أما من سواهم فلا بد من الإسلام أو السيف، ويلحق بأهل الكتاب المجوس؛ لما رواه البخاري في صحيحه -رحمه الله- عن عبدالرحمن بن عوف أن النبيﷺ: (أخذ الجزية من مجوس هجر)، فصار المجوس ملحقين بأهل الكتاب في أخذ الجزية فقط، لا في حل طعامهم ونسائهم، فهذه الطوائف الثلاث تؤخذ منهم الجزية، هذا محل وفاق بين أهل العلم فإما أن يسلموا، وإما أن يؤدوا الجزية، وإما القتال، وفي آخر الزمان إذا نزل عيسى، عليه الصلاة والسلام، زال هذا الأمر، فأخذ الجزية مؤجل ومؤقت إلى نزول عيسى، فإذا نزل عيسى، عليه الصلاة والسلام، انتهى هذا الشرع ووجب بعد ذلك إما الإسلام وإما السيف، هكذا يحكم عيسى، عليه السلام، بهذه الشريعة المحمدية، والأحاديث الواردة في ذلك تدل على أن أخذ الجزية مؤقت إلى نزوله، عليه الصلاة والسلام.
وقد أوضح، عليه الصلاة والسلام، أن أخذ الجزية مؤقت إلى نزول عيسى، فإذا نزل عيسى حكم فيهم بالسيف أو الإسلام، وترك الجزية، وذلك بتقرير النبي ﷺ وشرعه؛ لأن رسول الله ﷺ أخبر بذلك وأقره، فدل ذلك على أن هذا هو شرعه في آخر الزمان.
واختلف أهل العلم فيما عدا هذه الطوائف الثلاث من العجم وعباد الأوثان، فقال بعض أهل العلم: تؤخذ الجزية من جميع المشركين عربهم وعجمهم ولا يُستثنى أحد، وهذا هو المنقول عن مالك، ونسبه إليه القرطبي -رحمه الله- في تفسيره، والحافظ ابن كثير في تفسيره، وهو: (أن الجزية تؤخذ من الجميع من العرب والعجم). وقال أبو حنيفة رحمه الله: (تؤخذ من العجم جميعًا كاليهود والنصارى والمجوس ولا تؤخذ من العرب).
وقال أحمد والشافعي وجماعة من العلماء: (إنما تؤخذ من أهل الكتاب والمجوس فقط؛ لأن الأصل قتال الكفار وعدم رفع السيف عنهم حتى يسلموا، ولم يأت رفع السيف بعد بذل الجزية إلا في هذه الطوائف الثلاث اليهود والنصارى والمجوس). جاء الكتاب في اليهود والنصارى، وجاءت السنة الصريحة في المجوس ومن سواهم، لا يرفع عنهم السيف بل لا بد من الإسلام أو السيف فقط؛ لأن الله جل وعلا قال: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5] ولم يقل: أو كفوا عنكم، وقال: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [التوبة:5] فعمم بقتالهم جميعًا، وتعليق الحكم بالوصف المشتق يدل على أنه هو العلة، فلما علق الحكم بالمشركين والكفار ولمن ترك الدين ولم يدن بالحق؛ عرف أن هذا هو العلة وأنه هو المقتضي لقتالهم، فالعلة: الكفر بالله مع شرط كونه من أهل القتال لا من غيرهم، فإذا كانوا من أهل القتال قاتلناهم حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية إن كانوا من اليهود والنصارى والمجوس، أو حتى يسلموا فقط إذا كانوا من غير هؤلاء الطوائف الثلاث، وإلا فالسيف.
لكن من ليس من أهل القتال كالنساء والأولاد والعميان والمجانين والرهبان وأرباب الصوامع والزمنى، ومن ليس من شأنهم القتال؛ لكونهم لا يستطيعون كمن تقدم ذكرهم، وهكذا الشيوخ الفانون؛ فهؤلاء لا يُقاتلون عند جمهور العلماء؛ لأنهم ليسوا من أهل القتال، فمن محاسن الإسلام تركهم وعدم قتالهم، وفيه أيضًا دعوة لهم ولأهاليهم وقومهم إلى الإسلام إذا عرفوا أن الإسلام يرحم هؤلاء ويعطف عليهم ولا يقتلهم، فهذا من أسباب دخولهم في الإسلام أو عدم تفانيهم في العداء له.
وبعض أهل العلم حكى الإجماع على عدم قتل النساء والصبيان، وقد ثبت عن رسول الله، عليه الصلاة والسلام، النهي عن قتل النساء والصبيان في الأحاديث الصحيحة، وقد جاء في أحاديث السنن النهي عن قتل الرهبان والشيوخ الفانين وأشباههم.
وذكر بعض أهل العلم أن آية السيف وهي قوله جل وعلا: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة:5] الآية ليست ناسخة، ولكن الأحوال تختلف، وهكذا قوله جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ الآية [التوبة:73] وقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:123] وهكذا قوله سبحانه: وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:36] وهكذا قوله سبحانه: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال:39] فهذه الآيات وما في معناها قال بعض أهل العلم: ليست ناسخة لآيات الكف عمن كف عنا وقتال من قاتلنا، وليست ناسخة لقوله: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة:256]، ولكن الأحوال تختلف، فإذا قوي المسلمون وصارت لهم السلطة والقوة والهيبة؛ استعملوا آية السيف وما جاء في معناها وعملوا بها، وقاتلوا جميع الكفار حتى يدخلوا في دين الله أو يؤدوا الجزية، إما مطلقًا كما هو قول مالك -رحمه الله- وجماعة، وإما من اليهود والنصارى والمجوس على القول الآخر، وإذا ضعف المسلمون ولم يقووا على قتال الجميع فلا بأس أن يقاتلوا بحسب قدرتهم ويكفوا عمن كف عنهم إذا لم يستطيعوا ذلك، فيكون الأمر إلى ولي الأمر إن شاء قاتل، وإن شاء كف، وإن شاء قاتل قومًا دون قوم على حسب القوة والقدرة والمصلحة للمسلمين، لا على حسب هواه وشهوته، ولكن ينظر للمسلمين وينظر لحالهم وقوتهم. فإن ضعف المسلمون استعمل الآيات المكية؛ لما في الآيات المكية من الدعوة والبيان والإرشاد والكف عن القتال عند الضعف، وإذا قوي المسلمون قاتلوا حسب القدرة فيقاتلون من بدأهم بالقتال وقصدهم في بلادهم ويكفون عمن كف عنهم، فينظرون في المصلحة التي تقتضيها قواعد الإسلام وتقتضيها الرحمة للمسلمين والنظر في العواقب، كما فعل النبي ﷺ في مكة وفي المدينة أول ما هاجر.
وإذا صار عندهم من القوة والسلطان والقدرة والسلاح ما يستطيعون به قتال جميع الكفار أعلنوها حربًا شعواء للجميع، وأعلنوا الجهاد للجميع كما أعلن الصحابة ذلك في زمن الصديق وعمر وعثمان، ، وكما أعلن ذلك الرسول ﷺ في حياته بعد نزول آية السيف، وتوجه إلى تبوك لقتال الروم، وأرسل قبل ذلك جيش مؤتة لقتال الروم عام 8 من الهجرة، وجهز جيش أسامة في آخر حياتهﷺ.
وهذا القول ذكره أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، واختاره وقال: (إنه ليس هناك نسخ، ولكنه اختلاف في الأحوال؛ لأن أمر المسلمين في أول الأمر ليس بالقوي، وليس عندهم قدرة كاملة، فأذن لهم في القتال لمن قاتلهم فقط، ولما كان عندهم من القدرة بعد الهجرة ما يستطيعون به الدفاع أمروا بقتال من قاتلهم وبالكف عمن كف عنهم، فلما قوي الإسلام وقوي أهله وانتشر المسلمون ودخل الناس في دين الله أفواجًا، أمروا بقتال جميع الكفار ونبذ العهود وألا يكفوا إلا عن أهل الجزية من اليهود والنصارى والمجوس إذا بذلوها عن يد وهم صاغرون) وهذا القول اختاره جمع من أهل العلم، واختاره الحافظ ابن كثير -رحمه الله- عند قوله جل وعلا في كتابه العظيم: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الأنفال:61] وهذا القول أظهر وأبين في الدليل؛ لأن القاعدة الأصولية أنه لا يصار إلى النسخ إلا عند تعذر الجمع بين الأدلة، والجمع هنا غير متعذر، كما تقدم بيانه والله ولي التوفيق.
أما ما يتعلق بالجزية فقول من قال إنها تؤخذ من الجميع أظهر إلا من العرب خاصة، ووجه ذلك ما ثبت في الصحيح عن بريدة أن النبي ﷺ كان إذا بعث أميرًا على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: امض باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله فعلق الحكم بالكفر، فدل ذلك على أنهم يقاتلون لكفرهم إذا كانوا من أهل القتال، كما تدل عليه آيات أخرى.
ثم قالﷺ: اغزوا في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا، ثم قال بعد هذا: وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم، ادعهم إلى الإسلام ثم قال بعد ذلك: فإن أبوا، فاسألهم الجزية ثم قال بعد ذلك: فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم.
فأمر ﷺ أميره على الجيش والسرية أن يدعو الأعداء أولا للإسلام، فإن أجابوا كف عنهم، فإن أبوا دعاهم إلى الجزية، فإن أجابوا كف عنهم، وإلا فاستعان بالله وقاتلهم، ولم يفرق بين اليهود والنصارى وغيرهم، بل قال: عدوك من المشركين، وهذا يظهر منه العموم، ولكن ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن عامة العلماء لم يروا أخذها من العرب، قالوا: لأن رسول الله ﷺ وهو الذي تنزل عليه الآيات، وهو أعلم بمعناها لم يأخذها من العرب، بل قاتلهم حتى دخلوا في الإسلام، وهكذا الصحابة بعده لم يقبلوها من عربي، بل قاتلوا العرب في الجزيرة حتى دخلوا كلهم في دين الله، والله جل وعلا قال في حقهم وغيرهم: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5] وقال في الآية الأخرى: فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11] ولم يذكر الجزية في هذا المكان.
فالقول بأنها لا تؤخذ من العرب هو الأقوى والأظهر والأقرب، وأما من سواهم فقول من قال بعموم النص- أعني حديث بريدة - أظهر، أخذًا بالأدلة من القرآن والسنة جميعًا، ولأن المقصود من الجهاد هو إخضاعهم للحق ودعوتهم إليه، وأن يكفوا عنا أذاهم وظلمهم، فإذا فعلوا ذلك ودخلوا في دين الله، فالحمد لله، وإن أبوا طالبناهم بالجزية، فإن بذلوها والتزموا الصغار والشروط التي تُملى عليهم قبلناها منهم وكففنا عنهم، فإن أبوا أن يدخلوا في الإسلام، وأن يبذلوا الجزية قاتلناهم؛ لما في ذلك من المصلحة لهم وللمسلمين، ولأن ذلك هو الموافق لحديث بريدة مع الآيات في اليهود والنصارى، ومع حديث عبدالرحمن في المجوس.
أما العرب فإن النبي ﷺ والخلفاء الراشدين لم يأخذوها منهم، وهكذا مِن بعدهم الأئمة، ويتضح من سيرتهم وعملهم أنه لا يجوز أن يبقى العرب على الشرك بالله أبدًا، بل إما أن يحملوا هذه الرسالة ويبلغوها الناس، وإما أن يقضى عليهم فلا يبقوا في الأرض، أما بقاؤهم بالجزية فغير لائق، ولهذا جرى النبي ﷺ وأصحابه وخلفاؤه على عدم قبولها من العرب، وإنما قبلوها من الأعاجم كالمجوس وأشباههم، كما قبلوها من اليهود والنصارى.
أما قول من قال بأن القتال للدفاع فقط، فهذا القول ما علمته لأحد من العلماء القدامى، أن الجهاد شرع في الإسلام بعد آية السيف للدفاع فقط، وأن الكفار لا يبدءون بالقتال، وإنما يشرع للدفاع فقط.
وقد كتب بعض إخواننا رسالة في الرد على هذا القول، وفي الرد على رسالة افتراها بعض الناس على شيخ الإسلام ابن تيمية زعم فيها أنه يرى أن الجهاد للدفاع فقط. وهذا الكاتب هو فضيلة العلامة: الشيخ سليمان بن حمدان، رسالة ذكر فيها أن هذا القول منقول عن بعض أهل الكوفة، وإنما اشتهر بين الكتاب مؤخرًا. وأما العلماء فلم يشتهر بينهم، وإنما المعروف بين العلماء أن الرسول ﷺ بعدما هاجر أذن له في القتال مطلقًا، ثم فرض عليه الجهاد وأمر بأن يقاتل من قاتل، ويكف عمن كف، ثم بعد ذلك أنزل الله عليه الآيات الآمرة بالجهاد مطلقًا، وعدم الكف عن أحد حتى يدخل في دين الله أو يؤدي الجزية إن كان من أهلها كما تقدم، وهذا هو المعروف في كلام أهل العلم.
وقد تقدم ذكر قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الجمع بين النصوص، وأنه هو الأقرب ولا نسخ، وإنما تختلف الأحوال بقوة المسلمين وضعفهم: فإذا ضعف المسلمون جاهدوا بحسب حالهم، وإذا عجزوا عن ذلك اكتفوا بالدعوة، وإذا قووا بعض القوة قاتلوا من بدأهم ومن قرب منهم وكفوا عمن كف عنهم، وإذا قووا وصار لهم السلطان والغلبة قاتلوا الجميع وجاهدوا الجميع حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية، إلا من لا تؤخذ منهم كالعرب عند جمع من أهل العلم.
وقد تعلق بعض الكتاب الذين قالوا: إن الجهاد للدفاع فقط بآيات لا حجة لهم فيها، وقد سبق الجواب عنها، ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله. ومعلوم أن الدفاع قد أوجبه الله على المسلمين ضد من اعتدى عليهم، كما قال تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة:194] وكما في الآيات السابقة.
والإسلام جاء بدعوة الكفار أولًا إلى الدخول فيه، فإن أبوا فالجزية، فإن أبوا وجب قتالهم مع القدرة، كما تقدم في حديث بريدة، وإن رأى ولي الأمر المصالحة وعدم القتال لأسباب تتعلق بمصلحة المسلمين؛ جاز ذلك لقوله سبحانه: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا الآية [الأنفال:61] ولفعله ﷺ مع أهل مكة يوم الحديبية.
وبذلك يُعلم أنه لا حاجة للقتال إذا نجحت الدعوة وأجاب الكفار إلى الدخول في الإسلام، فإن احتيج للقتال قوتل الكفار حينئذ بعد الدعوة والبيان والإرشاد، فإن أبوا فالجزية إن كانوا من أهلها، فإن أبوا وجب القتال أو المصالحة حسبما يراه ولي الأمر للمسلمين، إذا لم يكن لدى المسلمين قدرة على القتال كما تقدم، وقد تعلق القائلون بأن الجهاد للدفاع فقط بآيات ثلاث:
الأولى قوله جل وعلا: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا [البقرة:190] والجواب عن ذلك كما تقدم: أن هذه الآية ليس معناها القتال للدفاع، وإنما معناها القتال لمن كان شأنه القتال: كالرجل المكلف القوي، وترك من ليس شأنه القتال: كالمرأة والصبي ونحو ذلك، ولهذا قال بعدها: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:193] فاتضح بطلان هذا القول، ثم لو صح ما قالوا، فقد نسخت بآية السيف وانتهى الأمر بحمد الله.
والآية الثانية التي احتج بها من قال بأن الجهاد للدفاع هي قوله تعالى: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ [البقرة:256] وهذه لا حجة فيها؛ لأنها على الأصح مخصوصة بأهل الكتاب والمجوس وأشباههم، فإنهم لا يكرهون على الدخول في الإسلام إذا بذلوا الجزية، هذا هو أحد القولين في معناها.
والقول الثاني أنها منسوخة بآية السيف، ولا حاجة للنسخ، بل هي مخصوصة بأهل الكتاب كما جاء في التفسير عن عدة من الصحابة والسلف، فهي مخصوصة بأهل الكتاب ونحوهم، فلا يكرهون إذا أدوا الجزية، وهكذا من ألحق بهم من المجوس وغيرهم إذا أدوا الجزية فلا إكراه، ولأن الراجح لدى أئمة الحديث والأصول أنه لا يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع، وقد عرفت أن الجمع ممكن بما ذكرنا. فإن أبوا الإسلام والجزية قوتلوا كما دلت عليه الآيات الكريمات الأخرى.
والآية الثالثة التي تعلق بها من قال أن الجهاد للدفاع فقط قوله تعالى في سورة النساء: فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا [النساء:90] قالوا: من اعتزلنا وكف عنا لم نقاتله. وقد عرفت أن هذا كان في حال ضعف المسلمين أول ما هاجروا إلى المدينة، ثم نسخت بآية السيف وانتهى أمرها، أو أنها محمولة على أن هذا كان في حالة ضعف المسلمين، فإذا قووا أمروا بالقتال كما هو القول الآخر كما عرفت وهو عدم النسخ. وبهذا يعلم بطلان هذا القول، وأنه لا أساس له ولا وجه له من الصحة.
وقد ألف بعض الناس رسالة افتراها على شيخ الإسلام ابن تيمية وزعم أنه لا يرى القتال إلا لمن قاتل فقط، وهذه الرسالة لا شك أنها مفتراة وأنها كذب بلا ريب، وقد انتدب لها الشيخ العلامة سليمان بن سحمان - رحمة الله عليه - ورد عليها منذ أكثر من خمسين سنة، وقد أخبرني بذلك بعض مشايخنا.
ورد عليه أيضًا أخونا العلامة الشيخ سليمان بن حمدان - رحمه الله - القاضي سابقًا في المدينة المنورة كما ذكرنا آنفًا، ورده موجود بحمد الله، وهو رد حسن واف بالمقصود. فجزاه الله خيرًا.
وممن كتب في هذا أيضًا أخونا الشيخ صالح بن أحمد المصوعي - رحمه الله - فقد كتب فيها رسالة صغيرة، فنَّد فيها هذه المزاعم وأبطل ما قاله هؤلاء الكتبة بأن الجهاد في الإسلام للدفاع فقط.
وصنف أيضًا أخونا العلامة أبو الأعلى المودودي - رحمه الله - رسالة في الجهاد، وبين فيها بطلان هذا القول وأنه قول لا أساس له من الصحة.
ومن تأمل أدلة الكتاب والسنة ونظر في ذلك بعين البصيرة وتجرد عن الهوى والتقليد عرف قطعًا بطلان هذا القول، وأنه لا أساس له، ومما جاء في السنة في هذا الباب مؤيدًا للكتاب العزيز:
ما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول اللهﷺ: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله.
وما رواه الشيخان أيضًا من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول اللهﷺ: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وصلوا صلاتنا، وأكلوا ذبيحتنا، واستقبلوا قبلتنا، فلهم ما لنا وعليهم ما علينا.
ومن ذلك ما رواه مسلم في الصحيح عن أبي هريرة أن النبيﷺ: قال أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله .
ومن هذا ما رواه مسلم في الصحيح أيضًا عن طارق بن أشيم الأشجعي أن النبي ﷺ قال: من قال لا إله إلا الله... وفي لفظ: من وحّد الله وكفر بما يعبد من دون الله؛ حرم ماله ودمه وحسابه على الله.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وكلها تدل على أن القتال شرع لإزالة الكفر والضلال ودعوة الكفار للدخول في دين الله، لا لأنهم اعتدوا علينا فقط، ولهذا قالﷺ: فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ولم يقل فإذا كفوا عنا أو اعتزلونا، بل قال: حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك... الحديث.
فدل ذلك على أن المطلوب دخولهم في الإسلام وإلا فالسيف، إلا أهل الجزية كما تقدم، وإنما اقتصر - عليه الصلاة والسلام - على الشهادتين والصلاة والزكاة؛ لأنها الأسس العظيمة والأركان الكبرى، فمن أخذ بها ودان بها وتمسك بها فإنه يؤدي ما وراءها عن إيمان وعن اطمئنان وإذعان من باب أولى.
وهذا ما أردت التنبيه عليه باختصار وإيجاز، وأرجو أن يكون وافيًا بالمطلوب من بيان الحق وإزهاق الباطل.
وأسأل الله أن يوفقنا جميعًا للفقه في دينه والاستقامة عليه، وأن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يعلمنا ما ينفعنا ويهدينا لما فيه السعادة والنجاة، وأن يوفق المسلمين جميعًا للاستقامة على دينه والجهاد في سبيله، والحذر من مكايد الأعداء، إنه على كل شيء قدير.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين[1].
- محاضرة ألقاها سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز عندما كان نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في دار الحديث في أول موسم المحاضرات لعام 88-89هـ في الجهاد] (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 3/ 171).