السؤال: سماحة الشيخ: يكثر في بعض مجالس الناس الجدال العقيم، والكلام في قضايا لا تعنيهم. ما الذي ينبغي عمله في مثل هذه المناسبات وهذه الاجتماعات -جزاكم الله خيرًا؟
الجواب: المشروع للمؤمن الحذر من المجالس التي فيها الجدل والخصام والمراء بدون فائدة، لا يحضرها ولا يشارك فيها؛ لأنها تفضي إلى الباطل أو إلى الكذب، وإلى القول بغير علم.
أما المجالس التي فيها ذكر الله، وفيها التعاون على الخير، وفيها البحث العلمي والتفقه في الدين، هذه مجالس طيبة، أما مجالس الجدل والنزاع والخصومات والمراء، فينبغي الحذر منها وعدم المشاركة فيها.
السؤال: سماحة الشيخ: هل للمؤلف أن يحتكر الكتاب المؤلف الذي ألفه؟ وهل يدخل هذا في كتم العلم؟
الجواب: إذا كان المؤلف قد اقتنع بأن كتابه مفيد، وأنه قد أدى فيه الواجب، فلا يجوز له عدم نشره بين الناس ولا احتكاره، بل ينشره بين الناس نصحًا لله ولعباده.
أما إذا كان عنده شك وعنده تردد، فله أن يمنع منه حتى يجزم بالشيء، وحتى يزول الإشكال، وحتى يطمئن إلى أن ما قاله صواب وحق؛ لأن العلم يجب نشره بين الناس ويجب تعميمه.
يقول النبي ﷺ: من سئل عن علم فكتمه أُلجم يوم القيامة بلجام من نار[1]، والله يقول سبحانه في كتابه العظيم: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:159، 160].
فإذا كان عنده علم وبصيرة، واقتنع بأن هذا مما شرعه الله، ومما دل عليه الكتاب أو السنة الصحيحة، فلا يكتم ولا يحتكر ولا يحتجز شيئًا، بل يبثه بين الناس وينشره بين الناس؛ رجاء أن ينفع الله به العباد.
السؤال: سماحة الشيخ: عطَّل البعض من الناس فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل وُجِد من يُخذِّل من يقوم بهذا العمل. لعل لكم توجيه ونصيحة حول أهمية هذا الغرض؟
الجواب: نعم. هذه الفريضة من أهم الواجبات. فالله سبحانه أوجب على أهل الإيمان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعل ذلك من أسباب صلاح الجميع، قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71]، فجعله من إيمانهم؛ كالصلاة والزكاة، قال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [آل عمران:110]. وتوعد بني إسرائيل ولعنهم على عدم تناهيهم عن المنكر، فقال : لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79].
وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطرًا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم يلعنكم كما لعنهم[2].
وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، أوشك أن يعمهم الله بعقابه[3] نسأل الله العافية.
ويقول جل وعلا: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [آل عمران:104]. يعني فرض كفاية، إذا قام به في المحلة المعينة من يكفي سقط عن الباقين، إذا كان في قرية أو قبيلة أو في هجرة أو في أي محل وقام به بهذا الواجب من يكفي، صار من حق الباقين سنة من باب التعاون على البر والتقوى؛ لأن المقصود حصل، وهو أن هذا قام به؛ نهاهم فانتهوا، إذا نهاهم عن المنكر فانتهوا حصل المطلوب.
السؤال: سماحة الشيخ/ طالب العلم المبتدئ ما هو الأفضل له: أن يلتزم شيخًا واحدًا، أم يأخذ عن أكثر من شيخ؟
الجواب: لا أعلم في هذا شيئًا منصوصًا، لكن طالب العلم يتحرى من هو أقرب على أن يفهم كلامه، ومن هو أعرف بالدين، وأعلم باجتهاده بين المسلمين بأنه صاحب سنة وصاحب بصيرة وصاحب علم؛ يتحرى من العلماء من يظهر بين المسلمين ويشتهر بين المسلمين علمه، وفضله، واتباعه للسنة؛ حتى يستفيد من علمه، ويستفيد من توجيهاته.
ولا يقتصر على واحد إذا عرف أن هذا وهذا من أهل السنة، وأنهم علماء حق، فالحمد لله إذا أخذ عن هذا وعن هذا؛ قد يكون أخذه عن زيد أنفع من عمرو، وقد يكون من عمرو أنفع له من زيد؛ يعني يتحرى ويستفيد من الجميع من زيد وعمرو، يعني من علماء زمنه ووقته وعلماء بلده؛ فقد يستفيد من هذا أكثر من هذا، وقد يكون هذا أحسن بيانًا من الآخر؛ فلا يقتصر على واحد مادام من أهل السنة، وأهل الخير، وسمعتهم طيبة، معروفون بالعقيدة الطيبة والسمعة الحسنة، والعلم، فيأخذ منهم؛ لا بأس أن يحضر هذا ويحضر هذا، يستفيد من هذا ويستفيد من هذا، كله طيب، وهذا من باب الحيطة في الدين؛ كونه يسمع من هذا ومن هذا من أهل السنة والجماعة؛ حتى لا يفوته شيء مما يجب عليه؛ فإن بعض الأساتذة قد يفوت عليه بعض شيء، قد يشغل عن بعض المسائل، فإذا استفاد من هذا وهذا -وهم كلهم من أهل السنة- فهذا أكمل وأحسن.
السؤال: لو وجد موسوعة فقهية شاملة على المذاهب الأربعة. هل تفي بغرض المتعلم يا سماحة الشيخ؟
الجواب: يوجد موسوعات، لكن ما كل موسوعة تكفي، بل لابد يحتاج إلى الدليل؛ لأن بعض الموسوعات قد يكون فيها الدليل كافيًا وقد لا يكفي، فإذا وجدت موسوعة فيها إقامة الدليل استفد، وذلك خير عظيم.
والمقصود أن طالب العلم لا يكتفي بموسوعة كتاب حتى يقتنع بوجود النص الكافي -إذا كان من أهل العلم- أما إذا كان من العامة، فيسأل أهل العلم، لكن طالب العلم يعتني بالأدلة، ويطالع الكتاب الفلاني والفلاني حتى تتم الفائدة. ولا يكتفي بموسوعة ألفها فلان أو فلان، فقد يكون قصر في الأدلة، وقد يكون تساهل في الأدلة؛ فطالب العلم يعتني، يراجع مثل: صحيح البخاري، صحيح مسلم، السنن الأربعة، مسند أحمد، حتى يقف على السند الصحيح الذي تبرأ به الذمة، وإذا كان صاحب الموسوعة قد بسط الكلام وأوضح الأدلة الشرعية، فهذا لا بأس به إذا اقتنع به.
السؤال: سماحة الشيخ: انتشرت بين الطلبة هذه الورقة، مكتوب عليها: علاج ضيق الصدر أيام الامتحانات: نضع اليد على الصدر، ونقرأ: (الفاتحة) ثلاث مرات، يقرأ آية الكرسي ثلاث مرات، يقرأ من قوله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ [البقرة:285] من سورة (البقرة)، إلى آخر الآيات ثلاث مرات، ويقرأ آخر آيتين من سورة (الحشر) ثلاث مرات، ويقرأ أول عشر آيات من سورة (الصافات)، وآخر آيتين من سورة (القلم)، وسورة: (الكافرون)، و(الصمد)، و(المعوذتين)؛ كل واحدة ثلاث مرات. ويقرأ دعاء: "أذهب الباس رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك؛ شفاء لا يغادر سقمًا" سبع مرات.
والدعاء: "أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيني" لمدة ثلاثة أيام. هذه الدعوات وهذه الأمور هل هي واردة يا شيخ؟
الجواب: الترتيب ليس على هذا الترتيب، لكن يسأل ربه الشفاء، والحمد لله، يسأل ربه، الذي ورد: أذهب البأس رب الناس واشف؛ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا[4]. يكرر ثلاث مرات: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك؛ من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك[5]، إذا كررها ثلاث مرات لا بأس.
قل هو الله أحد، و(المعوذتين)، يكررها ثلاث مرات صباحًا ومساء وعند النوم.
هذا وارد طيب، المقصود أن يتحرى الوارد فقط، أما من كيسه يرتب الأشياء من كيسه. ما عليها دليل، لكن إذا تحرى الوارد بالأدلة الشرعية في كتب الأذكار، وكتب الأدلة فالحمد لله.
السؤال: سماحة الشيخ: حلق جماعات تحفيظ القرآن في هذا البلد المبارك نفع الله بها نفعًا عظيمًا. بماذا توجهون معلمي هذه الحلق وطلابها؟
الجواب: نوجههم ونوصيهم بتقوى الله، والاستمرار في هذا الخير، والصبر على هذا الخير، والإخلاص لوجه الله -جل وعلا- في التعلم والتعليم؛ لأن تعلم القرآن وحفظ القرآن من أهم القربات ومن أفضل القربات. فنوصي الجميع -المعلم والمتعلم- نوصيهم بتقوى الله، والعمل بما علموا، والإخلاص لله في العمل؛ حتى يبارك الله في أعمالهم، حتى يوفقوا في أعمالهم.
ألا وهي أن الطالب يتعلم لكي يستفيد ويعمل، والمعلم يقصد وجه الله في تعليم الطالب وتوجيهه إلى الخير، يرجو من عند الله المثوبة -وإن أخذ أجرة- يرجو ما عند الله ويحتسب الأجر، وينصح في تعليمه، ويجتهد في الأسباب التي توصل المعلومات إلى الطالب وتستقر في ذهنه.
فهذا يتقي الله، وهذا يتقي الله، يكون عند كل واحد إخلاص ورغبة في الخير، وأن يتعلم ما يرضي الله ويتقرب لديه، وأن يستعين بما أعطاه الله من علم على طاعة الله.
السؤال: وقع كثير من الناس في ديون كثيرة. ما نصيحتكم للتاجر والمدين وغيرهم في هذه الأمور -سماحة الشيخ؟
الجواب: النصيحة أن الإنسان يجتهد في الاقتصاد وعدم الدين، ويفرح بما أغناه الله عن الدين مهما أمكن، وإذا احتاج للدين فيكون عنده نية أن يسدد الدين، وأنه يجتهد في سداد الدين إذا اضطر إليه؛ لقول النبي ﷺ: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله[6] فليجتهد في النية الصالحة، ولا يستدين إلا إذا دعت إليه الضرورة، ولا يستكثر من الدين؛ فإنه قد يعجز عن الأداء؛ فينبغي له الاقتصاد في أموره، وتحري الاقتصاد في ملبسه ومأكله ومشربه وغير ذلك؛ حتى لا يحتاج للدين الكثير.
وإذا احتاج للدين، فليجتهد في أسباب قضاء الدين بالطرق التي يستطيعها، مع النية الصالحة؛ نيته أن يبادر بالدين من حين يتيسر له ذلك، لا يتساهل؛ يعني يكون عنده نية صالحة أنه يعمل ويجتهد لقضاء الدين.
السؤال: سماحة الشيخ: كثير من الناس يكتب في وصيته وقفًا، ثم تتعطل منافع هذا الوقف، ويحصل النزاع بين الورثة حول هذا الوقف. بماذا تنصحون المسلم إذا أراد أن يكتب وصيته؛ لاسيما إن كان من أهل الأموال؟
الجواب: يوصي بالشيء الذي يناسب؛ يوصي بالثلث، بالربع، بالخمس، في وجوه البر وأعمال الخير، وإذا كان من ذريته محتاج، يعطى من الغلة حتى لا يقع النزاع، يوصي بالثلث بالربع بالخمس في وجه البر وأعمال الخير، وإذا جعل في أضحية فلا بأس، وإذا قال: من احتاج من ذريتي يعطى قدر حاجته فلا بأس أو من أقاربي؛ حتى لا يقع النزاع.
يكون الشيء واضحًا، على بصيرة للناظر الذي يتولى الوقف؛ حتى يفرق غلته على الوجه الذي بينه في الوصية، على وجه واضح ليس فيه شبهة؛ لأن بعض الناس قد يتشدد في وصيته، وقد يقول: للورثة الباقي، ثم يحصل مشقة بينهم؛ قد لا يبقى إلا القليل، ثم يُبطن ويروح بطن، ويتوالى الناس ويكثرون فيحصل مشقة كبيرة.
لكن إذا قال في غلة مثل ما قال الزبير بن العوام وجماعة في وصيتهم، وابن عمر: "للمحتاج من الذرية"، إذا قال: المحتاج من الذرية يُعطى من غلة الوقف كذا وكذا، هذا لا بأس.
السؤال: فيما يتعلق في تخريج الأحاديث -يا سماحة الشيخ- وتعديل الرواة وتجريحهم، هناك من يرى أن باب علم الرجال معلّق، أو انتهى من قديم. كيف ترون ذلك يا سماحة الشيخ؟
الجواب: لا. هذا ليس بصحيح، بل علم الرجال والنظر في الأحاديث باقٍ [7]، ولم يمض، بل لا يزال. فأهل العلم عليهم أن يعتنوا بهذا، ويراجعوا الأحاديث، ويميزوا بين صحيحها وسقيمها، ويرشدوا الناس إلى ذلك، ولا يقفوا عند ذكر فلان أو فلان، بل يتابع؛ مثل (المنتقى)، مثل (بلوغ المرام)، مثل (السنن الأربعة)، مثل (مسند أحمد)، يراجع الأسانيد ويعتني بها، ويعرف صحيحها من سقيمها؛ حتى يستفيد من ذلك ويفيد غيره.
هكذا شأن طالب العلم الذي قد وفقه الله لمعرفة الأحاديث ومعرفة أسانيدها، ومعرفة أحوال الرجال، واشتغل بهذا الشيء؛ يكون فيه فائدة عظيمة له ولغيره.
السؤال: الفتوى بغير علم يا سماحة الشيخ. هل من كلمة لأولئك الذين يفتون الناس بغير علم؟
الجواب: نعم. الواجب على طالب العلم أن يحذر من الفتوى بغير علم، يقول النبي ﷺ: من يقل عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار[8]. الواجب على الإنسان أن يتحرى العلم ويتحرى الدليل حتى يفتي على بصيرة، ولا يفتي على الله بغير علم.
المقصود: أن العلم دين، والفتوى دين؛ فلابد أن الإنسان يتقيد بما أوجب الله عليه، فلا يفتي بغير علم، بل يتحرى وينظر إلى الأدلة من الكتاب والسنة، ويفتي على ضوء الأدلة، وإلا فليرشدهم إلى غيره. ولا يجوز له أن يقول على الله بغير علم، الله يقول جل وعلا: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف:33].
فجعل القول عليه بغير علم فوق مرتبة الشرك؛ لما يترتب على القول على الله بغير علم من الفساد الكبير والشر العظيم؛ قد يبيح ما حرم الله، وقد يوجب ما لا يوجبه الله، فقد يقع في شرور كثيرة.
وأخبر -جل وعلا- في آية أخرى أن هذا من أمر الشيطان: إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء -يعني الشيطان- ...وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة:169].
فالواجب على طالب العلم أن يتحرى الحق، وأن يحذر من القول على الله بغير علم، وإذا كان لا يستطيع ذلك فليرشدهم إلى غيره، ولا يتكلم ولا يقول على الله بغير علم. نسأل الله السلامة.
السؤال: الدعوة إلى الله من أَجَلِّ الأعمال ومن أفضلها. بماذا تنصحون الدعاة إلى الله ؟ وهل الدعوة واجبة على كل مسلم؟
الجواب: نعم. الدعوة واجبة على كل مسلم حسب طاقته؛ على أهل العلم طاقتهم، وعلى الآخرين طاقتهم. الواجب على أهل العلم أن يبلغوا دعوة الله ويرشدوا، كل مسلم عليه نصيبه حسب علمه.
المسلم الذي يرى أن جاره أو قريبه مقصر في الصلاة أو لا يصلي في المسجد ينصحه؛ لأن هذا أمر عام، يعلمه العامي وطالب العلم، يقول: يا أخي اتق الله، أنا ما أشوفك تصلي في الجماعة. اتق الله. بادر إلى الصلاة في جماعة. أو يراه عاقًا لوالده أو لأحدهما ينصحه؛ هذا شيء يعلمه الخاص والعام، ما يختص بأهل العلم، أو يعرف أنه يشرب الخمر ينصحه، أو يتعاطى التدخين ينصحه، وهكذا، أو يعرف منه الغيبة والنميمة؛ ينصحه ويقول له: اتق الله. دع هذه المعاصي وراقب الله جل وعلا واحذر غضبه عليك.
المقصود: أن كل إنسان حسب طاقته ينصح ويوجه إلى الخير.
السؤال: الدعاء جماعة بعد الصلاة في الأيام العادية. ما حكمه إذا استمر عليه البعض من الناس؟
الجواب: هذا من البدع؛ الإنسان يدعو ربه وحده -ما يحتاج يجتمع مع مجموعة- ويدعو بينه وبين ربه. أما يكون لهم إمامًا يدعو بهم؛ يرفع يديه ويدعون، ليس له أصل. هذا من المحدثات. والله يهدينا وإخواننا المسلمين.
السؤال: نختم هذا اللقاء يا سماحة الشيخ بسؤال، وهو: أفضل الأدعية التي يجب على المسلم أن يرددها؛ سواء في الصلاة أو في غيرها؟
الجواب: أفضلها: الذكر؛ لا إله إلا الله، أفضل الدعاء: لا إله إلا الله، لكن هناك دعوات مخصوصة. وأحسن الدعاء: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، يردد هذا في آخر الصلاة، في سجوده، في أوقاته الأخرى؛ لأنه دعاء جامع.
وكذلك: "اللهم اغفر لي ذنبي كله؛ دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره، اللهم إني اسألك رضاك والجنة، وأعوذ بك من سخطك والنار"، دعوات جامعة "اللهم أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل". في سجوده يقول: "اللهم اغفر لي ذنبي، واغفر لي وارحمني وارزقني وعافني، اللهم اغفر لي ذنبي كله؛ دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره، اللهم اغفر لي ولوالدي ولجميع المسلمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"؛ لقوله ﷺ: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؛ فأكثروا الدعاء[9]، والحديث الآخر: وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء؛ فقمن أن يستجاب لك[10].
فينبغي أن يكثر من الدعوات الطيبة؛ سؤال الجنة، التعوذ بالله من النار، سؤال العفو: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عني، اللهم أصلح قلبي وعملي، اللهم اغفر لي ولوالدي»؛ يتحرى الدعوات المناسبة[11].
الجواب: المشروع للمؤمن الحذر من المجالس التي فيها الجدل والخصام والمراء بدون فائدة، لا يحضرها ولا يشارك فيها؛ لأنها تفضي إلى الباطل أو إلى الكذب، وإلى القول بغير علم.
أما المجالس التي فيها ذكر الله، وفيها التعاون على الخير، وفيها البحث العلمي والتفقه في الدين، هذه مجالس طيبة، أما مجالس الجدل والنزاع والخصومات والمراء، فينبغي الحذر منها وعدم المشاركة فيها.
السؤال: سماحة الشيخ: هل للمؤلف أن يحتكر الكتاب المؤلف الذي ألفه؟ وهل يدخل هذا في كتم العلم؟
الجواب: إذا كان المؤلف قد اقتنع بأن كتابه مفيد، وأنه قد أدى فيه الواجب، فلا يجوز له عدم نشره بين الناس ولا احتكاره، بل ينشره بين الناس نصحًا لله ولعباده.
أما إذا كان عنده شك وعنده تردد، فله أن يمنع منه حتى يجزم بالشيء، وحتى يزول الإشكال، وحتى يطمئن إلى أن ما قاله صواب وحق؛ لأن العلم يجب نشره بين الناس ويجب تعميمه.
يقول النبي ﷺ: من سئل عن علم فكتمه أُلجم يوم القيامة بلجام من نار[1]، والله يقول سبحانه في كتابه العظيم: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:159، 160].
فإذا كان عنده علم وبصيرة، واقتنع بأن هذا مما شرعه الله، ومما دل عليه الكتاب أو السنة الصحيحة، فلا يكتم ولا يحتكر ولا يحتجز شيئًا، بل يبثه بين الناس وينشره بين الناس؛ رجاء أن ينفع الله به العباد.
السؤال: سماحة الشيخ: عطَّل البعض من الناس فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل وُجِد من يُخذِّل من يقوم بهذا العمل. لعل لكم توجيه ونصيحة حول أهمية هذا الغرض؟
الجواب: نعم. هذه الفريضة من أهم الواجبات. فالله سبحانه أوجب على أهل الإيمان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعل ذلك من أسباب صلاح الجميع، قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71]، فجعله من إيمانهم؛ كالصلاة والزكاة، قال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [آل عمران:110]. وتوعد بني إسرائيل ولعنهم على عدم تناهيهم عن المنكر، فقال : لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79].
وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطرًا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم يلعنكم كما لعنهم[2].
وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، أوشك أن يعمهم الله بعقابه[3] نسأل الله العافية.
ويقول جل وعلا: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [آل عمران:104]. يعني فرض كفاية، إذا قام به في المحلة المعينة من يكفي سقط عن الباقين، إذا كان في قرية أو قبيلة أو في هجرة أو في أي محل وقام به بهذا الواجب من يكفي، صار من حق الباقين سنة من باب التعاون على البر والتقوى؛ لأن المقصود حصل، وهو أن هذا قام به؛ نهاهم فانتهوا، إذا نهاهم عن المنكر فانتهوا حصل المطلوب.
السؤال: سماحة الشيخ/ طالب العلم المبتدئ ما هو الأفضل له: أن يلتزم شيخًا واحدًا، أم يأخذ عن أكثر من شيخ؟
الجواب: لا أعلم في هذا شيئًا منصوصًا، لكن طالب العلم يتحرى من هو أقرب على أن يفهم كلامه، ومن هو أعرف بالدين، وأعلم باجتهاده بين المسلمين بأنه صاحب سنة وصاحب بصيرة وصاحب علم؛ يتحرى من العلماء من يظهر بين المسلمين ويشتهر بين المسلمين علمه، وفضله، واتباعه للسنة؛ حتى يستفيد من علمه، ويستفيد من توجيهاته.
ولا يقتصر على واحد إذا عرف أن هذا وهذا من أهل السنة، وأنهم علماء حق، فالحمد لله إذا أخذ عن هذا وعن هذا؛ قد يكون أخذه عن زيد أنفع من عمرو، وقد يكون من عمرو أنفع له من زيد؛ يعني يتحرى ويستفيد من الجميع من زيد وعمرو، يعني من علماء زمنه ووقته وعلماء بلده؛ فقد يستفيد من هذا أكثر من هذا، وقد يكون هذا أحسن بيانًا من الآخر؛ فلا يقتصر على واحد مادام من أهل السنة، وأهل الخير، وسمعتهم طيبة، معروفون بالعقيدة الطيبة والسمعة الحسنة، والعلم، فيأخذ منهم؛ لا بأس أن يحضر هذا ويحضر هذا، يستفيد من هذا ويستفيد من هذا، كله طيب، وهذا من باب الحيطة في الدين؛ كونه يسمع من هذا ومن هذا من أهل السنة والجماعة؛ حتى لا يفوته شيء مما يجب عليه؛ فإن بعض الأساتذة قد يفوت عليه بعض شيء، قد يشغل عن بعض المسائل، فإذا استفاد من هذا وهذا -وهم كلهم من أهل السنة- فهذا أكمل وأحسن.
السؤال: لو وجد موسوعة فقهية شاملة على المذاهب الأربعة. هل تفي بغرض المتعلم يا سماحة الشيخ؟
الجواب: يوجد موسوعات، لكن ما كل موسوعة تكفي، بل لابد يحتاج إلى الدليل؛ لأن بعض الموسوعات قد يكون فيها الدليل كافيًا وقد لا يكفي، فإذا وجدت موسوعة فيها إقامة الدليل استفد، وذلك خير عظيم.
والمقصود أن طالب العلم لا يكتفي بموسوعة كتاب حتى يقتنع بوجود النص الكافي -إذا كان من أهل العلم- أما إذا كان من العامة، فيسأل أهل العلم، لكن طالب العلم يعتني بالأدلة، ويطالع الكتاب الفلاني والفلاني حتى تتم الفائدة. ولا يكتفي بموسوعة ألفها فلان أو فلان، فقد يكون قصر في الأدلة، وقد يكون تساهل في الأدلة؛ فطالب العلم يعتني، يراجع مثل: صحيح البخاري، صحيح مسلم، السنن الأربعة، مسند أحمد، حتى يقف على السند الصحيح الذي تبرأ به الذمة، وإذا كان صاحب الموسوعة قد بسط الكلام وأوضح الأدلة الشرعية، فهذا لا بأس به إذا اقتنع به.
السؤال: سماحة الشيخ: انتشرت بين الطلبة هذه الورقة، مكتوب عليها: علاج ضيق الصدر أيام الامتحانات: نضع اليد على الصدر، ونقرأ: (الفاتحة) ثلاث مرات، يقرأ آية الكرسي ثلاث مرات، يقرأ من قوله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ [البقرة:285] من سورة (البقرة)، إلى آخر الآيات ثلاث مرات، ويقرأ آخر آيتين من سورة (الحشر) ثلاث مرات، ويقرأ أول عشر آيات من سورة (الصافات)، وآخر آيتين من سورة (القلم)، وسورة: (الكافرون)، و(الصمد)، و(المعوذتين)؛ كل واحدة ثلاث مرات. ويقرأ دعاء: "أذهب الباس رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك؛ شفاء لا يغادر سقمًا" سبع مرات.
والدعاء: "أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيني" لمدة ثلاثة أيام. هذه الدعوات وهذه الأمور هل هي واردة يا شيخ؟
الجواب: الترتيب ليس على هذا الترتيب، لكن يسأل ربه الشفاء، والحمد لله، يسأل ربه، الذي ورد: أذهب البأس رب الناس واشف؛ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا[4]. يكرر ثلاث مرات: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك؛ من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك[5]، إذا كررها ثلاث مرات لا بأس.
قل هو الله أحد، و(المعوذتين)، يكررها ثلاث مرات صباحًا ومساء وعند النوم.
هذا وارد طيب، المقصود أن يتحرى الوارد فقط، أما من كيسه يرتب الأشياء من كيسه. ما عليها دليل، لكن إذا تحرى الوارد بالأدلة الشرعية في كتب الأذكار، وكتب الأدلة فالحمد لله.
السؤال: سماحة الشيخ: حلق جماعات تحفيظ القرآن في هذا البلد المبارك نفع الله بها نفعًا عظيمًا. بماذا توجهون معلمي هذه الحلق وطلابها؟
الجواب: نوجههم ونوصيهم بتقوى الله، والاستمرار في هذا الخير، والصبر على هذا الخير، والإخلاص لوجه الله -جل وعلا- في التعلم والتعليم؛ لأن تعلم القرآن وحفظ القرآن من أهم القربات ومن أفضل القربات. فنوصي الجميع -المعلم والمتعلم- نوصيهم بتقوى الله، والعمل بما علموا، والإخلاص لله في العمل؛ حتى يبارك الله في أعمالهم، حتى يوفقوا في أعمالهم.
ألا وهي أن الطالب يتعلم لكي يستفيد ويعمل، والمعلم يقصد وجه الله في تعليم الطالب وتوجيهه إلى الخير، يرجو من عند الله المثوبة -وإن أخذ أجرة- يرجو ما عند الله ويحتسب الأجر، وينصح في تعليمه، ويجتهد في الأسباب التي توصل المعلومات إلى الطالب وتستقر في ذهنه.
فهذا يتقي الله، وهذا يتقي الله، يكون عند كل واحد إخلاص ورغبة في الخير، وأن يتعلم ما يرضي الله ويتقرب لديه، وأن يستعين بما أعطاه الله من علم على طاعة الله.
السؤال: وقع كثير من الناس في ديون كثيرة. ما نصيحتكم للتاجر والمدين وغيرهم في هذه الأمور -سماحة الشيخ؟
الجواب: النصيحة أن الإنسان يجتهد في الاقتصاد وعدم الدين، ويفرح بما أغناه الله عن الدين مهما أمكن، وإذا احتاج للدين فيكون عنده نية أن يسدد الدين، وأنه يجتهد في سداد الدين إذا اضطر إليه؛ لقول النبي ﷺ: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله[6] فليجتهد في النية الصالحة، ولا يستدين إلا إذا دعت إليه الضرورة، ولا يستكثر من الدين؛ فإنه قد يعجز عن الأداء؛ فينبغي له الاقتصاد في أموره، وتحري الاقتصاد في ملبسه ومأكله ومشربه وغير ذلك؛ حتى لا يحتاج للدين الكثير.
وإذا احتاج للدين، فليجتهد في أسباب قضاء الدين بالطرق التي يستطيعها، مع النية الصالحة؛ نيته أن يبادر بالدين من حين يتيسر له ذلك، لا يتساهل؛ يعني يكون عنده نية صالحة أنه يعمل ويجتهد لقضاء الدين.
السؤال: سماحة الشيخ: كثير من الناس يكتب في وصيته وقفًا، ثم تتعطل منافع هذا الوقف، ويحصل النزاع بين الورثة حول هذا الوقف. بماذا تنصحون المسلم إذا أراد أن يكتب وصيته؛ لاسيما إن كان من أهل الأموال؟
الجواب: يوصي بالشيء الذي يناسب؛ يوصي بالثلث، بالربع، بالخمس، في وجوه البر وأعمال الخير، وإذا كان من ذريته محتاج، يعطى من الغلة حتى لا يقع النزاع، يوصي بالثلث بالربع بالخمس في وجه البر وأعمال الخير، وإذا جعل في أضحية فلا بأس، وإذا قال: من احتاج من ذريتي يعطى قدر حاجته فلا بأس أو من أقاربي؛ حتى لا يقع النزاع.
يكون الشيء واضحًا، على بصيرة للناظر الذي يتولى الوقف؛ حتى يفرق غلته على الوجه الذي بينه في الوصية، على وجه واضح ليس فيه شبهة؛ لأن بعض الناس قد يتشدد في وصيته، وقد يقول: للورثة الباقي، ثم يحصل مشقة بينهم؛ قد لا يبقى إلا القليل، ثم يُبطن ويروح بطن، ويتوالى الناس ويكثرون فيحصل مشقة كبيرة.
لكن إذا قال في غلة مثل ما قال الزبير بن العوام وجماعة في وصيتهم، وابن عمر: "للمحتاج من الذرية"، إذا قال: المحتاج من الذرية يُعطى من غلة الوقف كذا وكذا، هذا لا بأس.
السؤال: فيما يتعلق في تخريج الأحاديث -يا سماحة الشيخ- وتعديل الرواة وتجريحهم، هناك من يرى أن باب علم الرجال معلّق، أو انتهى من قديم. كيف ترون ذلك يا سماحة الشيخ؟
الجواب: لا. هذا ليس بصحيح، بل علم الرجال والنظر في الأحاديث باقٍ [7]، ولم يمض، بل لا يزال. فأهل العلم عليهم أن يعتنوا بهذا، ويراجعوا الأحاديث، ويميزوا بين صحيحها وسقيمها، ويرشدوا الناس إلى ذلك، ولا يقفوا عند ذكر فلان أو فلان، بل يتابع؛ مثل (المنتقى)، مثل (بلوغ المرام)، مثل (السنن الأربعة)، مثل (مسند أحمد)، يراجع الأسانيد ويعتني بها، ويعرف صحيحها من سقيمها؛ حتى يستفيد من ذلك ويفيد غيره.
هكذا شأن طالب العلم الذي قد وفقه الله لمعرفة الأحاديث ومعرفة أسانيدها، ومعرفة أحوال الرجال، واشتغل بهذا الشيء؛ يكون فيه فائدة عظيمة له ولغيره.
السؤال: الفتوى بغير علم يا سماحة الشيخ. هل من كلمة لأولئك الذين يفتون الناس بغير علم؟
الجواب: نعم. الواجب على طالب العلم أن يحذر من الفتوى بغير علم، يقول النبي ﷺ: من يقل عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار[8]. الواجب على الإنسان أن يتحرى العلم ويتحرى الدليل حتى يفتي على بصيرة، ولا يفتي على الله بغير علم.
المقصود: أن العلم دين، والفتوى دين؛ فلابد أن الإنسان يتقيد بما أوجب الله عليه، فلا يفتي بغير علم، بل يتحرى وينظر إلى الأدلة من الكتاب والسنة، ويفتي على ضوء الأدلة، وإلا فليرشدهم إلى غيره. ولا يجوز له أن يقول على الله بغير علم، الله يقول جل وعلا: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف:33].
فجعل القول عليه بغير علم فوق مرتبة الشرك؛ لما يترتب على القول على الله بغير علم من الفساد الكبير والشر العظيم؛ قد يبيح ما حرم الله، وقد يوجب ما لا يوجبه الله، فقد يقع في شرور كثيرة.
وأخبر -جل وعلا- في آية أخرى أن هذا من أمر الشيطان: إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء -يعني الشيطان- ...وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة:169].
فالواجب على طالب العلم أن يتحرى الحق، وأن يحذر من القول على الله بغير علم، وإذا كان لا يستطيع ذلك فليرشدهم إلى غيره، ولا يتكلم ولا يقول على الله بغير علم. نسأل الله السلامة.
السؤال: الدعوة إلى الله من أَجَلِّ الأعمال ومن أفضلها. بماذا تنصحون الدعاة إلى الله ؟ وهل الدعوة واجبة على كل مسلم؟
الجواب: نعم. الدعوة واجبة على كل مسلم حسب طاقته؛ على أهل العلم طاقتهم، وعلى الآخرين طاقتهم. الواجب على أهل العلم أن يبلغوا دعوة الله ويرشدوا، كل مسلم عليه نصيبه حسب علمه.
المسلم الذي يرى أن جاره أو قريبه مقصر في الصلاة أو لا يصلي في المسجد ينصحه؛ لأن هذا أمر عام، يعلمه العامي وطالب العلم، يقول: يا أخي اتق الله، أنا ما أشوفك تصلي في الجماعة. اتق الله. بادر إلى الصلاة في جماعة. أو يراه عاقًا لوالده أو لأحدهما ينصحه؛ هذا شيء يعلمه الخاص والعام، ما يختص بأهل العلم، أو يعرف أنه يشرب الخمر ينصحه، أو يتعاطى التدخين ينصحه، وهكذا، أو يعرف منه الغيبة والنميمة؛ ينصحه ويقول له: اتق الله. دع هذه المعاصي وراقب الله جل وعلا واحذر غضبه عليك.
المقصود: أن كل إنسان حسب طاقته ينصح ويوجه إلى الخير.
السؤال: الدعاء جماعة بعد الصلاة في الأيام العادية. ما حكمه إذا استمر عليه البعض من الناس؟
الجواب: هذا من البدع؛ الإنسان يدعو ربه وحده -ما يحتاج يجتمع مع مجموعة- ويدعو بينه وبين ربه. أما يكون لهم إمامًا يدعو بهم؛ يرفع يديه ويدعون، ليس له أصل. هذا من المحدثات. والله يهدينا وإخواننا المسلمين.
السؤال: نختم هذا اللقاء يا سماحة الشيخ بسؤال، وهو: أفضل الأدعية التي يجب على المسلم أن يرددها؛ سواء في الصلاة أو في غيرها؟
الجواب: أفضلها: الذكر؛ لا إله إلا الله، أفضل الدعاء: لا إله إلا الله، لكن هناك دعوات مخصوصة. وأحسن الدعاء: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، يردد هذا في آخر الصلاة، في سجوده، في أوقاته الأخرى؛ لأنه دعاء جامع.
وكذلك: "اللهم اغفر لي ذنبي كله؛ دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره، اللهم إني اسألك رضاك والجنة، وأعوذ بك من سخطك والنار"، دعوات جامعة "اللهم أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل". في سجوده يقول: "اللهم اغفر لي ذنبي، واغفر لي وارحمني وارزقني وعافني، اللهم اغفر لي ذنبي كله؛ دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره، اللهم اغفر لي ولوالدي ولجميع المسلمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"؛ لقوله ﷺ: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؛ فأكثروا الدعاء[9]، والحديث الآخر: وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء؛ فقمن أن يستجاب لك[10].
فينبغي أن يكثر من الدعوات الطيبة؛ سؤال الجنة، التعوذ بالله من النار، سؤال العفو: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عني، اللهم أصلح قلبي وعملي، اللهم اغفر لي ولوالدي»؛ يتحرى الدعوات المناسبة[11].
- أخرجه الترمذي في سننه (كتاب العلم)، برقم: 2573..
- أخرجه أبو داود في سننه (كتاب الملاحم)، برقم: 3774.
- أخرجه الإمام أحمد في (مسند العشرة المبشرين بالجنة)، برقم: 16
- أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب المرضى)، برقم: 5243، ومسلم في صحيحه (كتاب السلام)، برقم: 4061.
- أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب السلام)، برقم: 4056.
- أخرجه البخاري في صحيحه كتاب (في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس)، برقم: 2212.
- لكن لا يدخل فيه إلا المختصون بهذا الفن، ممن درسوا مصطلح الحديث على أهل السنن وأهل المعرفة.
- أخرجه البخاري في صحيحه (كتاب العلم)، برقم: 106.
- أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب الصلاة)، برقم: 744.
- أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب الصلاة)، برقم: 738.
- نشر في (جريدة الرياض)، العدد: 10763، وتاريخ 12/ 8/ 1418هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 24/ 86).