الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد:
فإن الجمعة يسعى إليها بالخشوع والطمأنينة والوقار لحضور هذا الخير والمشاركة فيه من الصلاة والذكر، وسماع ما ينفعك في أمر دينك ودنياك؛ لقول الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الجمعة:9].
ثم بعد ذلك أمر سبحانه بما ينفع الإنسان في الدنيا والآخرة، فقال: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة:10] أي اطلبوا الرزق والتمسوا الخير وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة:10] حتى لا تشغلكم أنواع البيع والشراء، وأنواع الملذات، وأنواع الحاجات العاجلة عن ذكر الله وعن أسباب الفلاح، فالفلاح في ذكر الله، والقيام بأمر الله، فلا ينبغي أن تطغى حاجات البدن على حاجات القلب والروح، ولا تطغى حاجات القلب والروح على حاجات البدن والدنيا. بل يراعى هذا وهذا، فالمسلمون يقومون بهذا وهذا؛ تارة لأمور دنياهم وحاجاتهم، فهذا يعمل في الزراعة في مزرعته، والآخر في دكانه ومتجره، والثالث في حاجات أخرى وأعمال أخرى مما أباح الله ، حتى يشترك الجميع في أنواع المشاريع الخيرية والأعمال المباحة النافعة، حتى يواسي الفقير وحتى يحسن إلى الناس.
وإذا جاءت الأوقات التي أوجب الله على الإنسان فيها شيئا بادر إلى طاعة الله وأداء ما أوجب الله عليه فلا تشغله حاجات عن حاجات، بل يعطي كل مقام ما يليق به ويعطي كل حاجة ما يناسبها، فهو حافظ لوقته مؤد لما أوجب الله عليه، طالب للرزق، ساع في أرض الله لطلب الحلال، ومعلوم أن الصلاة هي عمود الإسلام والركن الثاني من أركانه لقول النبي ﷺ: رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة.
وقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت متفق على صحته.
وقد ذكر النبي ﷺ لأصحابه يوما فضل الصلاة فقال: من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف[1].
وهذا الحديث الصحيح يعم صلاة الجمعة وغيرها من الصلوات الخمس، وفيه الوعد العظيم لمن حفظها واستقام عليها بأن تكون له نورا في الدنيا والآخرة وبرهانا ونجاة يوم القيامة، مع الوعيد الشديد لمن لم يحافظ عليها بأنه لا يكون له نور ولا برهان ولا نجاة ويحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف، وهذا يعم الصلوات الخمس بوجه عام وصلاة الجمعة بوجه خاص، ويعم أداءها في وقتها كما شرع الله، وفي الجماعة مع المسلمين.
وقال بعض أهل العلم: إنما ذكر النبي ﷺ حشر مضيع الصلاة مع هؤلاء الكفرة الذين هم من دعاة الكفر والضلال ومن أئمة الكفر تحذيرا من هذا الأمر، وتنفيرا منه حتى لا يتشبه المسلم بهؤلاء الكفرة لأنه إذا ضيعها بسبب الرياسة والملك فقد شابه فرعون -والعياذ بالله- الذي غره ملكه ورياسته حتى طغى وبغى، وقال: أنا ربكم الأعلى، فصار إلى النار، فلا ينبغي للمؤمن أن يتشبه بهذا الرئيس الضال الكافر فإذا تشبه به وشغل برياسته عما أوجب الله عليه حشر معه إلى النار.
وإن ضيع الصلاة بسبب الوزارة والوظيفة شابه هامان وزير فرعون فيحشر معه يوم القيامة إلى النار، وإن ضيع الصلاة من أجل المال والشهوات وإرضاء النفس وملاذها شابه قارون تاجر بني إسرائيل وطاغيتهم الذي طغى وبغى وعصى موسى عليه الصلاة والسلام وتكبر فخسف الله به وبداره الأرض؛ فمن تشبه به يحشر معه يوم القيامة، وإن شغل بالبيع والشراء، والأخذ والعطاء، والمعاملات شابه أبي بن خلف تاجر أهل مكة فيحشر معه إلى النار، نعوذ بالله من ذلك.
فعلينا معشر المسلمين أن نحذر هذه المشابهة، وعلى المسلم أن يعتني بالجمعة ويبادر إليها، فقد صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله علىى قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين[2] رواه مسلم في صحيحه. فإذا ختم على قلبه وصار من الغافلين هلك، قال تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:7] نسأل الله العافية.
فهذا يدل على أن من تساهل بأمر الله وضيع ما أوجب الله عليه فهو معرض لأن يختم على قلبه وسمعه، ولأن توضع الغشاوة على بصره فلا يهتدي إلى الحق، ولا يبصره، وبذلك يعلم أن الجمعة شأنها عظيم والتساهل بها خطير فالواجب على أهل الإسلام أن يعتنوا بها، وأن يحافظوا عليها مع بقية الصلوات الخمس حتى يستفيدوا مما شرع الله فيها، وحتى يتذكروا ما يترتب على هذا الاجتماع من الخير العظيم: من التعارف والتواصل والتعاون على البر والتقوى وسماع العظات والخطب، والتأثر بذلك، مع ما يترتب على ذلك من الخير الكثير والأجر العظيم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزيارة بعضهم لبعض، والمناصحة والتعاون على إقامة المشاريع الخيرية والتعرف على ما قد يخفي عليهم من أمور الإسلام ولا سيما إذا اعتنى الخطباء بالخطب وأعطوها ما تستحق من الإعداد والتحضير والعناية بما يهم الناس في أمور دينهم ودنياهم كما نبه على ذلك أهل العلم، فإن الخطيب عليه واجب عظيم: أن يعنى بالخطبة حتى يبين لإخوانه ما قد يخفى عليهم من أحكام الله، فتكون كل خطبة فيها إرشادات وتوجيهات، وفيها تعريف بالأحكام التي قد تخفى على الناس وتذكير لهم بما أوجب الله عليهم وما حرم عليهم، وتحذيرهم من كل ما نهى الله عنه إلى غير ذلك مما يحسن من الخطيب توجيههم وإرشادهم إليه ولا سيما مشاكل الوقت، وما قد يخفى عليهم من أحكامها.
والناس فيهم الجاهل، وفيهم الغافل، وفيهم المتبصر، فالمتبصر يزداد علما ويتذكر ما قد يخفى عليه، والناسي يتذكر، والجاهل يتعلم، فتكون الفائدة عامة للجميع، ومن المصائب الإعراض عن حلقات العلم وعدم الاستفادة من خطب الجمعة فيزداد الجاهل جهلا، وتستحكم على الناس الغفلة، فتمرض القلوب، وتعرض عن ذكر الله، وتصد عن الحق بسبب تراكم الذنوب عليها، فإذا أذنب المرء ذنبا نكت في قلبه نكتة سوداء، كما قاله النبي ﷺ، فإن هو تاب ورجع صقلت، وإن هو استمر في الذنوب، صارت نكتة إلى نكتة، وذنبا إلى ذنب حتى يسود القلب، وحتى يعلوه الران، وهذا هو المعنى في قوله جل وعلا: كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] يعني: من السيئات والمعاصي، فالإنسان إذا تساهل في المعاصي وتكاثرت على قلبه الذنوب أسود وانتكس حتى لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، فيجب الحذر من شر الذنوب، ويجب لزوم التوبة دائما، وينبغي للعبد أن يكون عنده حرص على حلقات العلم وسماع الخطب المفيدة، والمذاكرة بين الإخوان، ومطالعة الكتب النافعة إذا كان يقرأ، حتى يستفيد خيرا إلى خير، ونورا إلى نور، وعلما إلى علم، وأهم ذلك العناية بالقرآن الكريم، والإكثار من تلاوته والاستماع لمن يقرؤه. لأن الله سبحانه جعله نورا وهدى وشفاء للقلوب من أمراضها، كما قال سبحانه: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] وقال تعالى: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت:44] وقال سبحانه: كِتَابٌٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ والآيات [ص:29] في هذا المعنى كثيرة.
وفي الحديث الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: اقرءوا هذا القرآن فإنه يأتي شفيعا لأصحابه يومم القيامة[3] أخرجه مسلم في صحيحه.
والمعنى: أنه يشفع لأصحابه الذين كانوا يعملون به في الدنيا كما بين ذلك عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر وهو قوله ﷺ: يؤتى بالقرآن يوم القيامة وبأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما[4] رواه مسلم أيضا في صحيحه.
وقال عليه الصلاة والسلام: من قرأ حرفا من القرآن فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف[5] والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وكثير من الناس اليوم شغلوا باللذات والخروج إلى النزهة حتى ضيعوا الجمعات، فحرموا من سماع ما فيها من العظات والذكرى، واستمرت الغفلة الدهر الطويل، فإن الإنسان إذا كان لا يحضر حلقات العلم، ولا يسمع الخطب، ولا يعتني بما ينقل عن أهل العلم فإنه تزداد غفلته، وربما يقسو قلبه حتى يطبع عليه، ويختم عليه فيكون من الغافلين -نعوذ بالله من ذلك- فالمؤمن يجب أن يحرص على الجمعة وعلى بقية الصلوات في الجماعة حتى يستفيد من الخطب والمحاضرات وحلقات العلم، وحتى يتأسى به غيره، وإذا كان ولا بد من النزهة في العطل والجمعة والخميس، فليحرص على أن يكون بقرب بلد فإذا جاء وقت الصلاة ذهب إليها وصلى معهم الجمعة حتى لا تفوته الجمعة وحتى لا يفوته هذا الخير العظيم.
أما ما ذكره بعض الناس عما يقع في بعض البلدان الإسلامية خارج هذه البلاد من صلاة الظهر مع الجمعة قائلين إن الجمعة إذا كانت في بلد جمعاته متعددة قد تكون غير صحيحة فينبغي الاحتياط بصلاة الظهر بعدها خشية أن تكون أقيمت على غير وجه شرعي، وهذا القول خطأ محض، وهذا العمل بدعة؛ لأنه مخالف للأدلة الشرعية ولما درج عليه المسلمون في الأعصار والأمصار في أول هذه الأمة لما احتيج إلى تعدد الجمع، فلا يجوز إحداث صلاة لم يأذن بها الله سبحانه. إنما أوجب على عباده في اليوم والليلة خمس صلوات في يوم الجمعة وغيره، فلا يجوز إحداث سادسة لا في يوم الجمعة ولا في غيره، لأن ذلك مخالف للأدلة الشرعية ولما أجمع عليه سلف الأمة وقد قال الله سبحانه: أمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21] وقال النبي ﷺ: من أحدث في أمرنا هذا ما ليسس فيه فهو رد متفق على صحته. وأخرجه مسلم رحمه الله بلفظ: من عمل عملا ليسس عليه أمرنا فهو رد والمعنى فهو مردود عليه، والله المسئول أن يوفق المسلمين جميعا حكومات وشعوبا للفقه في الدين والاستقامة عليه والحذر مما يخالف ذلك إنه ولي ذلك والقادر عليه[6].
فإن الجمعة يسعى إليها بالخشوع والطمأنينة والوقار لحضور هذا الخير والمشاركة فيه من الصلاة والذكر، وسماع ما ينفعك في أمر دينك ودنياك؛ لقول الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الجمعة:9].
ثم بعد ذلك أمر سبحانه بما ينفع الإنسان في الدنيا والآخرة، فقال: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة:10] أي اطلبوا الرزق والتمسوا الخير وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة:10] حتى لا تشغلكم أنواع البيع والشراء، وأنواع الملذات، وأنواع الحاجات العاجلة عن ذكر الله وعن أسباب الفلاح، فالفلاح في ذكر الله، والقيام بأمر الله، فلا ينبغي أن تطغى حاجات البدن على حاجات القلب والروح، ولا تطغى حاجات القلب والروح على حاجات البدن والدنيا. بل يراعى هذا وهذا، فالمسلمون يقومون بهذا وهذا؛ تارة لأمور دنياهم وحاجاتهم، فهذا يعمل في الزراعة في مزرعته، والآخر في دكانه ومتجره، والثالث في حاجات أخرى وأعمال أخرى مما أباح الله ، حتى يشترك الجميع في أنواع المشاريع الخيرية والأعمال المباحة النافعة، حتى يواسي الفقير وحتى يحسن إلى الناس.
وإذا جاءت الأوقات التي أوجب الله على الإنسان فيها شيئا بادر إلى طاعة الله وأداء ما أوجب الله عليه فلا تشغله حاجات عن حاجات، بل يعطي كل مقام ما يليق به ويعطي كل حاجة ما يناسبها، فهو حافظ لوقته مؤد لما أوجب الله عليه، طالب للرزق، ساع في أرض الله لطلب الحلال، ومعلوم أن الصلاة هي عمود الإسلام والركن الثاني من أركانه لقول النبي ﷺ: رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة.
وقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت متفق على صحته.
وقد ذكر النبي ﷺ لأصحابه يوما فضل الصلاة فقال: من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف[1].
وهذا الحديث الصحيح يعم صلاة الجمعة وغيرها من الصلوات الخمس، وفيه الوعد العظيم لمن حفظها واستقام عليها بأن تكون له نورا في الدنيا والآخرة وبرهانا ونجاة يوم القيامة، مع الوعيد الشديد لمن لم يحافظ عليها بأنه لا يكون له نور ولا برهان ولا نجاة ويحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف، وهذا يعم الصلوات الخمس بوجه عام وصلاة الجمعة بوجه خاص، ويعم أداءها في وقتها كما شرع الله، وفي الجماعة مع المسلمين.
وقال بعض أهل العلم: إنما ذكر النبي ﷺ حشر مضيع الصلاة مع هؤلاء الكفرة الذين هم من دعاة الكفر والضلال ومن أئمة الكفر تحذيرا من هذا الأمر، وتنفيرا منه حتى لا يتشبه المسلم بهؤلاء الكفرة لأنه إذا ضيعها بسبب الرياسة والملك فقد شابه فرعون -والعياذ بالله- الذي غره ملكه ورياسته حتى طغى وبغى، وقال: أنا ربكم الأعلى، فصار إلى النار، فلا ينبغي للمؤمن أن يتشبه بهذا الرئيس الضال الكافر فإذا تشبه به وشغل برياسته عما أوجب الله عليه حشر معه إلى النار.
وإن ضيع الصلاة بسبب الوزارة والوظيفة شابه هامان وزير فرعون فيحشر معه يوم القيامة إلى النار، وإن ضيع الصلاة من أجل المال والشهوات وإرضاء النفس وملاذها شابه قارون تاجر بني إسرائيل وطاغيتهم الذي طغى وبغى وعصى موسى عليه الصلاة والسلام وتكبر فخسف الله به وبداره الأرض؛ فمن تشبه به يحشر معه يوم القيامة، وإن شغل بالبيع والشراء، والأخذ والعطاء، والمعاملات شابه أبي بن خلف تاجر أهل مكة فيحشر معه إلى النار، نعوذ بالله من ذلك.
فعلينا معشر المسلمين أن نحذر هذه المشابهة، وعلى المسلم أن يعتني بالجمعة ويبادر إليها، فقد صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله علىى قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين[2] رواه مسلم في صحيحه. فإذا ختم على قلبه وصار من الغافلين هلك، قال تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:7] نسأل الله العافية.
فهذا يدل على أن من تساهل بأمر الله وضيع ما أوجب الله عليه فهو معرض لأن يختم على قلبه وسمعه، ولأن توضع الغشاوة على بصره فلا يهتدي إلى الحق، ولا يبصره، وبذلك يعلم أن الجمعة شأنها عظيم والتساهل بها خطير فالواجب على أهل الإسلام أن يعتنوا بها، وأن يحافظوا عليها مع بقية الصلوات الخمس حتى يستفيدوا مما شرع الله فيها، وحتى يتذكروا ما يترتب على هذا الاجتماع من الخير العظيم: من التعارف والتواصل والتعاون على البر والتقوى وسماع العظات والخطب، والتأثر بذلك، مع ما يترتب على ذلك من الخير الكثير والأجر العظيم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزيارة بعضهم لبعض، والمناصحة والتعاون على إقامة المشاريع الخيرية والتعرف على ما قد يخفي عليهم من أمور الإسلام ولا سيما إذا اعتنى الخطباء بالخطب وأعطوها ما تستحق من الإعداد والتحضير والعناية بما يهم الناس في أمور دينهم ودنياهم كما نبه على ذلك أهل العلم، فإن الخطيب عليه واجب عظيم: أن يعنى بالخطبة حتى يبين لإخوانه ما قد يخفى عليهم من أحكام الله، فتكون كل خطبة فيها إرشادات وتوجيهات، وفيها تعريف بالأحكام التي قد تخفى على الناس وتذكير لهم بما أوجب الله عليهم وما حرم عليهم، وتحذيرهم من كل ما نهى الله عنه إلى غير ذلك مما يحسن من الخطيب توجيههم وإرشادهم إليه ولا سيما مشاكل الوقت، وما قد يخفى عليهم من أحكامها.
والناس فيهم الجاهل، وفيهم الغافل، وفيهم المتبصر، فالمتبصر يزداد علما ويتذكر ما قد يخفى عليه، والناسي يتذكر، والجاهل يتعلم، فتكون الفائدة عامة للجميع، ومن المصائب الإعراض عن حلقات العلم وعدم الاستفادة من خطب الجمعة فيزداد الجاهل جهلا، وتستحكم على الناس الغفلة، فتمرض القلوب، وتعرض عن ذكر الله، وتصد عن الحق بسبب تراكم الذنوب عليها، فإذا أذنب المرء ذنبا نكت في قلبه نكتة سوداء، كما قاله النبي ﷺ، فإن هو تاب ورجع صقلت، وإن هو استمر في الذنوب، صارت نكتة إلى نكتة، وذنبا إلى ذنب حتى يسود القلب، وحتى يعلوه الران، وهذا هو المعنى في قوله جل وعلا: كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] يعني: من السيئات والمعاصي، فالإنسان إذا تساهل في المعاصي وتكاثرت على قلبه الذنوب أسود وانتكس حتى لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، فيجب الحذر من شر الذنوب، ويجب لزوم التوبة دائما، وينبغي للعبد أن يكون عنده حرص على حلقات العلم وسماع الخطب المفيدة، والمذاكرة بين الإخوان، ومطالعة الكتب النافعة إذا كان يقرأ، حتى يستفيد خيرا إلى خير، ونورا إلى نور، وعلما إلى علم، وأهم ذلك العناية بالقرآن الكريم، والإكثار من تلاوته والاستماع لمن يقرؤه. لأن الله سبحانه جعله نورا وهدى وشفاء للقلوب من أمراضها، كما قال سبحانه: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] وقال تعالى: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت:44] وقال سبحانه: كِتَابٌٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ والآيات [ص:29] في هذا المعنى كثيرة.
وفي الحديث الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: اقرءوا هذا القرآن فإنه يأتي شفيعا لأصحابه يومم القيامة[3] أخرجه مسلم في صحيحه.
والمعنى: أنه يشفع لأصحابه الذين كانوا يعملون به في الدنيا كما بين ذلك عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر وهو قوله ﷺ: يؤتى بالقرآن يوم القيامة وبأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما[4] رواه مسلم أيضا في صحيحه.
وقال عليه الصلاة والسلام: من قرأ حرفا من القرآن فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف[5] والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وكثير من الناس اليوم شغلوا باللذات والخروج إلى النزهة حتى ضيعوا الجمعات، فحرموا من سماع ما فيها من العظات والذكرى، واستمرت الغفلة الدهر الطويل، فإن الإنسان إذا كان لا يحضر حلقات العلم، ولا يسمع الخطب، ولا يعتني بما ينقل عن أهل العلم فإنه تزداد غفلته، وربما يقسو قلبه حتى يطبع عليه، ويختم عليه فيكون من الغافلين -نعوذ بالله من ذلك- فالمؤمن يجب أن يحرص على الجمعة وعلى بقية الصلوات في الجماعة حتى يستفيد من الخطب والمحاضرات وحلقات العلم، وحتى يتأسى به غيره، وإذا كان ولا بد من النزهة في العطل والجمعة والخميس، فليحرص على أن يكون بقرب بلد فإذا جاء وقت الصلاة ذهب إليها وصلى معهم الجمعة حتى لا تفوته الجمعة وحتى لا يفوته هذا الخير العظيم.
أما ما ذكره بعض الناس عما يقع في بعض البلدان الإسلامية خارج هذه البلاد من صلاة الظهر مع الجمعة قائلين إن الجمعة إذا كانت في بلد جمعاته متعددة قد تكون غير صحيحة فينبغي الاحتياط بصلاة الظهر بعدها خشية أن تكون أقيمت على غير وجه شرعي، وهذا القول خطأ محض، وهذا العمل بدعة؛ لأنه مخالف للأدلة الشرعية ولما درج عليه المسلمون في الأعصار والأمصار في أول هذه الأمة لما احتيج إلى تعدد الجمع، فلا يجوز إحداث صلاة لم يأذن بها الله سبحانه. إنما أوجب على عباده في اليوم والليلة خمس صلوات في يوم الجمعة وغيره، فلا يجوز إحداث سادسة لا في يوم الجمعة ولا في غيره، لأن ذلك مخالف للأدلة الشرعية ولما أجمع عليه سلف الأمة وقد قال الله سبحانه: أمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21] وقال النبي ﷺ: من أحدث في أمرنا هذا ما ليسس فيه فهو رد متفق على صحته. وأخرجه مسلم رحمه الله بلفظ: من عمل عملا ليسس عليه أمرنا فهو رد والمعنى فهو مردود عليه، والله المسئول أن يوفق المسلمين جميعا حكومات وشعوبا للفقه في الدين والاستقامة عليه والحذر مما يخالف ذلك إنه ولي ذلك والقادر عليه[6].
- رواه أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) برقم (6288) والدارمي في (الرقائق) برقم (2605).
- رواه مسلم في (الجمعة) برقم (1432)، والنسائي في (الجمعة) برقم (1353).
- رواه مسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1337)، وأحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (21186).
- رواه مسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1338)، وأحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (21126).
- رواه الترمذي في (فضائل القرآن) برقم (2835).
- تعليق سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز على ندوة الجامع الكبير بعنوان (مكانة الجمعة في الإسلام) للشيخ الغزالي خليل عيد، والشيخ محمد بن حسن الدريعي، والشيخ محمد رأفت سعيد في 16 / 5 / 1402 هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 12/ 317).