الإجابة عن أسئلة لجريدة المدينة

أكد سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء أن دعاة الباطل كثيرون، فالواجب الحذر والتثبت وعدم الإصغاء إلى أهل الباطل والإشاعات الباطلة، أما الدعاة إلى الخير الموثوق بهم فيؤخذ بأخبارهم وينتفع بها.
وإن القائم بالإصلاح بين الناس ينبغي أن يكون ذا حلم وتقوى لله، وأن يكون جوادا كريما سخيا.. وهو جدير بأن يساعد ويعان حتى ولو من الزكاة.
وأن التكبر يدعو إلى الظلم والكذب وعدم الإنصاف في القول والعمل، والمتكبرون على خطر أن يقصمهم الله، فالواجب على كل مسلم أن يتواضع وأن يحذر الكبر وأن يتذكر عظمة الله تعالى.
جاء ذلك في إجابة لسماحته على عدة أسئلة لـ " المدينة "

أ - كيفية علاج الكبر واكتساب التواضع.
س: تكاثرت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة في الأمر بالتواضع للحق والخلق والثناء على المتواضعين وذكر ثوابهم العاجل، كما تكاثرت النصوص كالنهي عن الكبر والتكبر والتعاظم وبيان عقوبة المتكبرين، فبأي شيء يكون علاج الكبر واكتساب التواضع؟
ج: لا شك أن الواجب على كل مسلم أن يحذر الكبر وأن يتواضع و من تواضع لله درجة رفعه الله درجة ومن تكبر فهو على خطر أن يقصمه الله - نسأل الله العافية - قال رجل: يا رسول الله، إني أحب أن يكون ثوبي حسنا ونعلي حسنا، أفذلك من الكبر؟ فقال الرسول ﷺ: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس بطر الحق: أي رد الحق، إذا خالف هواه رده، وغمط الناس أي احتقار الناس، فالناس في عينه دونه، يحتقرهم، يرى نفسه فوقهم؛ إما لفصاحته وإما لغناه وإما لوظيفته وإما لأسباب أخرى يتخيلها، وقد يكون فقيرا، في الحديث الصحيح يقول الرسول ﷺ: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر عائل: أي فقير، ومع فقره يستكبر ويبتلى بالكبر، فالكبر يدعو إليه المال والغنى، ومع فقره فهو يستكبر، فالكبر سجية له وطبيعة له.
 أما التواضع: فهو لين الجانب وحسن الخلق وعدم الترفع على الناس، كما قال ﷺ: إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا» «البر حسن الخلق.
فليتذكر عظمة الله ويتذكر أن الله هو الذي أعطاه المال، وأعطاه الوظيفة، وأعطاه الجاه، وأعطاه الوجه الحسن، أو غير ذلك.. يتذكر أن من شكر ذلك التواضع وعدم التكبر، لا يتكبر لمال أو لوظيفة أو لنسب أو لجمال أو لقوة أو لغير ذلك، بل يتذكر أن هذه من نعم الله، وأن من شكرها أن يتواضع، وأن يحقر نفسه، وألا يتكبر على إخوانه ويترفع عليهم.
 فالتكبر يدعو إلى الظلم والكذب وعدم الإنصاف في القول والعمل، يرى نفسه فوق أخيه، إما لمال وإما لجمال وإما لوظيفة وإما لنسب وإما لأشياء متوهمة، ولهذا قال ﷺ: الكبر بطر الحق وغمط الناس يعني: رد الحق إذا خالف هواه هذا تكبر، وغمط الناس: احتقار الناس، يراهم دونه وأنهم ليسوا جديرين بأن ينصفهم أو يبدأهم بالسلام أو يجيب دعوتهم أو ما أشبه ذلك.
وإذا تذكر ضعفه وأنه من نطفة ضعيفة من ماء مهين، وأنه يحتاج إلى حمام لقضاء الحاجة، وأنه يأكل من هنا ويخرج من هنا، وأنه إذا لم يستقم على طاعة الله صار إلى النار، عرف ضعفه وأنه مسكين، ولا يجوز له أن يتكبر.

ب - إصـلاح ذات البين
س: ما الصفات التي ينبغي أن تتوفر فيمن يريـد أن يقـوم بإصلاح ذات البين؟
ج: ينبغي أن يكون ذا حلم وتقوى لله وعمل صالح وإنصاف للنفس من النفس؛ حتى يتوسط بين الناس بما أعطاه الله من العلم والبصيرة والإنصاف والتواضع، حتى يتوسط بين من زين لهم الشيطان الاختلاف والفرقة.
ومن صفاته أن يكون جوادا كريما سخيا يستطيع أن يبذل المال في الإصلاح بين الناس، فالمصلح من صفاته الخلق الحسن والتواضع والجود والكرم وطيب الكلام وحسن الكلام وعدم سوء الكلام.
يتوسط بكلام طيب وأسلوب حسن ورفق وجود وكرم، إذا دعت الحاجة إلى وليمة أو مساعدة بذل حتى يتمكن من الصلح، ومما يتعلق بالصلح أيضا بذل المال ولو بطريق السلفة والقرض، يتحمل حمالة يقترض من بعض إخوانه ليصلح بين المتنازعين والمختلفين من قبيلتين أو قرابتين أو أخوين أو ما أشبه ذلك، قد يحتاج إلى بذل المال ولو بالاقتراض ويعطى من الزكاة إذا تحمل للإصلاح، فالمصلح بين الناس جدير بأن يساعد ويعان حتى ولو من الزكاة، في الحديث الصحيح أن الرسول ﷺ قال: إن المسألة لا تحل لأحد إلا لأحد ثلاثة - وذكر منهم - رجلا تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك رواه مسلم في صحيحه.
 
جـ - دعـاة الباطـل
س: للشائعات أثر عظيم في تفتيت وحدة الأمة وتفريق الصف الإسلامي، وقد يسمع الإنسان بعض الإشاعات، فما توجيه سماحتكم لمن يسمع هذه الإشاعات؟ ماذا عليه أن يعمل تجاهها؟ وماذا يجب عليه أن يقول؟
ج: الواجب الحذر، فدعاة الباطل كثيرون، والمشيعون للباطل كثيرون، فالواجب التثبت وعدم الإصغاء إلى أهل الباطل والإشاعات الباطلة، وقد أدب الله عباده ووجههم إلى الخير فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: 6] تبينوا: أي تثبتوا.
والجاهل والمجهول حكمه حكم الفاسق، فلا بد من التثبت قد يكون فاسقا، إذا كنت تجهل حاله فقد يكون فاسقا، أما إذا كان ثقة معروفا بالإيمان والتقوى يؤخذ بخبره لكن على الطريقة الإسلامية، يؤخذ خبره ويعمل بما فيه بالتوجيه الشرعي، إن كان ناصحا قبلت نصيحته، إن كان مرشدا إلى شيء ينفع أخذ منه، إن كان محذرا قبل منه وهكذا، كما نقبل الحديث من رواة الأخبار الثقات عن النبي ﷺ ومن المصلحين، ومن المؤذن على من سمع إجابة الدعوة.
 فالدعاة إلى الخير الموثوق بهم يؤخذ بأخبارهم وينتفع بأخبارهم وتوضع أخبارهم على الطريقة السليمة على الوجه الشرعي مع التثبت في كل شيء، أما المجهول والفاسق فيتثبت في خبره ولا يعمل بخبره حتى تقوم الدلائل على صحته وصدقه[1].
  1. نشرت في جريدة المدينة في 6 / 7 / 1416 هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 9/ 267).