خطورة السفر إلى بلاد الكفار

أما السفر إلى بلاد الكفار فهذا بلاؤه عظيم، وإذا سافر إلى هناك خلع ربقة الحياء، وخلع التحرز والاحتياط، وتوسع في كل شيء، إلا من عصم الله، توسع في الفساد، في الخمور والزنا والاختلاط بالكفرة، فالشر عظيم في السفر إلى بلاد الكفار، وقد جاء الإسلام بتحريم ذلك يقول النبي عليه السلام: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين، وأخبر عن أولئك الذين تتوفاهم الملائكة وجرى عليهم ما جرى قرعتهم الملائكة أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:97]، الذين أقاموا بين المشركين ولم يهاجروا، قال ابن كثير رحمه الله: أجمع العلماء على تحريم الإقامة بين أظهر المشركين لمن استطاع الهجرة، تحرم الإقامة بينهم بالإجماع إذا استطاع الهجرة، إذا كان في بلاد لا يستطيع فيها إظهار دينه ولا الدعوة إلى دين الله يحرم عليه الإقامة بين أظهرهم، بل يجب الهجرة مع القدرة.

أما هؤلاء الذين توجه الشباب الذي يحمل الثانوية أو المتوسطة يتوجه يبتعث إلى بلاد الكفار إلى أمريكا وإلى إنجلترا وإلى فرنسا هذا خطره عظيم، هذا شره عظيم، هذا منكر لا يجوز أبدًا، لا من المعارف، ولا من الدفاع، ولا من الحرس الوطني، ولا من غير ذلك، ولا من التجار أنفسهم، لا يجوز أن يبعثوا أولادهم ولا بناتهم إلى هنالك إلى بلاد فيها الكفر والشر والفساد العظيم، فإن الولد في الغالب لا يسلم، وبالبنت أشد خطرًا وأعظم، فلا يجوز أبدًا الابتعاث إلى تلك البلاد الكافرة، وإذا كان ولا بد فليبتعث الرجل العاقل العالم المتبصر الذي يدعو إلى الله بعد الشهادة الجامعية، وبعد التأكد من اتزانه وعقله ودينه وبصيرته يبتعث بالدعوة إلى الله، وللأمور الضرورية إلى هناك؛ ليدعو إلى الله، وليبصر الناس، وليقضي الحاجة التي تراد من سفره إلى هنالك، أما أن يبعث من هب ودب من الشباب وغير الشباب لحاجات دنيوية فهذا خطره عظيم، وفساده كبير، حتى السفر للمرض للعلاج فيه خطر، قد يجوز للضرورة إذا لم يتيسر له العلاج في بلده، ومع ذلك فيه خطر عظيم، وإنما سافر للمرض للحاجة الشديدة ليس كالذي يسافر لغير ذلك؛ لفرجة والنزهة والسياحة هذا لا يجوز، هذا فيه أخطار عظيمة، وفساد كبير، إلا إذا كان ذا علم وذا بصيرة وذا هدى وذا أمانة معروف ويدعو إلى الله ويرشد إلى الله ويظهر دينه ويعلم الناس الخير اجتهد فيه مصالح في سفره وفي دعوته إلى الله  عز وجل، أما أن يسافر شباب جاهل وشباب على خطر عظيم وعلمه قليل يسافر إلى بلاد كافرة يعلن فيها الكفر بالله ويشرب فيها الخمور ويعلن فيها الزنا في كل مكان واللواط والفساد الكبير في كل مكان فهذا خطره عظيم، وقل أن يرجع الطالب سالمًا، فقد يكفر بالله هناك، وقد تفسد أخلاقه، ولا يرجع سالمًا، إلا القليل الغالب لا يرجعون سالمين لما يشاهدون هناك من أنواع الفساد والبلاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فالواجب على أهل الإسلام أينما كانوا الواجب عليهم أن يخافوا الله، وأن يراقبوا الله، وأن يحذروا هذه الأسفار لبناتهم أو أبنائهم، وأن يعاونوا الحكومة ويجاهدوا مع الحكومة ومع المسؤولين في الحكومة على عدم سفر هؤلاء، وأن يحرصوا كل الحرص على أن تكون دراساتهم كلها في الداخل، وأن يطلب لهم الأساتذة والمدرسون من الخارج حتى يحضروا، فالدولة بحمد الله قوية وتستطيع إحضار الأساتذة والمدرسين لكل فن، ولكل حاجة، ويبقى الطالب في بلاده وبين أهله وبين إخوانه فهذا أقل ضررًا وأقل خطرًا.

نسأل الله أن يوفق الدولة والمسلمين لكل خير، نسأل الله أن يحفظ بلادنا وأبناءنا وبناتنا من كل سوء، ونسأل الله أن يحفظ مجتمعنا من كل شر.

وقد نبه الشيخ صالح على ما حصل بسبب دعوة الشيخ محمد رحمه الله ابن عبد الوهاب ومناصرة آل سعود للدعوة من الخير العظيم في هذه البلاد في هذه الجزيرة في نجد وفي غيرها، حصل بذلك الخير العظيم، والطهر من الشرك والفساد، وكانت بلاد نجد مثل غيرها وأشر في الكفر بالله، وظهور الفساد والزنا والفواحش، وتحكيم غير شريعة الله إلى غير ذلك، فجاء الله بهذه الدعوة المباركة في منتصف القرن الثاني عشر دعوة الشيخ محمد رحمة الله عليه، فدعا إلى الله وناصره علماء الحق، وناصره آل سعود، واستقام من ذلك خير عظيم وجهاد كبير ودعوة انتشرت بين الناس حتى ظهر دين الله في هذه البلاد، وحتى ذهب الشرك، وحتى هدمت الأبنية على القبور، وحتى قضي على الأصنام والأوثان، وحتى ظهر الحق واندمغ الباطل، وزالت آثاره بأسباب الدعوة المباركة، وبسبب الجهاد العظيم، وتنفيذ حدود الله، وتنفيذ التعزيرات الشرعية لمن خالف أمر الله، وصارت هذه البلاد مضرب المثل في الاستقامة والهدى والأمن والخير، وصارت تذكر بأحوال المسلمين في المدينة في عهد النبي ﷺ وعهد الصديق وعهد عمر وعهد عثمان رضي الله عنهم؛ بسبب قلة البدع، بل عدم البدع، وانتشار الخير، ووجود الدعوة إلى الله، وظهور التوحيد، وعدم الشرك.

ثم انتشرت هذه الدعوة في البلاد المجاورة في الشام وفي مصر وفي العراق، ثم انتقلت إلى الهند، وانتقلت إلى بلدان كثيرة، نقلها العلماء والأخيار وتصرفوا هناك بالدعوة إلى الله ، وانتشرت المؤلفات الإسلامية في الدعوة إلى التوحيد بأسباب هذه الدعوة الطيبة المباركة، فجزى الله الشيخ محمد وأنصاره وأعوانه جزاهم الله خيرا، وجعل البركة والخير في بقيتهم، وهداهم صراطه المستقيم، ووفق علماء المسلمين وإيانا جميعًا لما فيه رضاه، ولما فيه صلاح قلوبنا وأعمالنا وعبادتنا إلى صراطه المستقيم.