وهكذا النصح في جميع الأمور جاء به الرسل كلهم دعوا الناس إلى النصح في كل أعمالهم، الرسل ناصحون وأمروا الناس بالنصح، وهكذا أتباعهم الصادقون نصحوا لله ونصحوا لعباد الله بعبادة الله وحده، باتباع الرسل، وفي اتباع الكتب المنزلة عليهم ليأخذوا بها ويستقيموا عليها، ولينصحوا الناس أيضًا ليفعلوا ما أمروا به، ويدعوا ما نهوا عنه، هكذا فعلت الرسل، وهكذا فعل أتباعهم، نصحوا لله ولعباد الله وحثوا الأمم على أن ينصحوا للكتب المنزلة عليهم وللرسول المبعوث إليهم ولولاة أمرهم ولعامتهم، حتى جاء الله بنبينا ﷺ وهو أكمل الرسل أعظمهم وأرفعهم قدرًا وأفضلهم رسالة عليه الصلاة والسلام وهو خاتمهم، فدعا الناس إلى هذا الأمر العظيم إلى توحيد الله والإخلاص له والنصح له ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وبذلك استقام أمر الناس، بالإخلاص والنصح تستقيم الأمور، وتصلح المجتمعات، ويستتب الأمن، ويعبد الله وحده، ويصلح المجتمع، ويقل فيه الشر، ويكثر فيه الخير، هكذا المجتمع الصالح المستقيم على الإخلاص لله والنصيحة لله ولعباد الله تستقيم حاله، ويستتب فيه الأمن، ويعين الناس بعضهم بعضًا على كل خير، ويتباعدون عن كل شر، ويعبد الله وحده، وتحكم شريعته بسبب التناصح والتعاون على البر والتقوى والتناهي عن الإثم والعدوان، وعلى هذا سائر أصحاب الرسول ﷺ وأتباعهم بإحسان.
فلما غير الناس غير عليهم، لما غير الناس في إخلاصهم وفي نصحهم غير عليهم وسلط عليهم الأعداء إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11]، حتى وصلت الحال إلى ما ترون من اختلال الأمور، وتمزق الناس وتمزق المسلمين إلى دويلات صغيرة، وإلى فساد عظيم، وإلى تعطيل للشريعة وعدم تحكيم لها إلا في القليل، وهذه كلها بلايا عظيمة وشرور كبيرة بلي بها المسلمون بسبب أعمالهم القبيحة، واختلافهم، وعدم تعاونهم على البر والتقوى، إلا من حفظ الله ممن بقي على الحق وقام بالحق وحكم الشرع المطهر، ولا سبيل إلى صلاح الناس ولا سبيل إلى صلاح مجتمعهم ولا سبيل إلى عزهم واستعادة مجدهم الغابر ومجدهم السليب لا سبيل إلى ذلك إلا بالعودة إلى ما كان عليه سلفهم الأول، فإنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا الذي صلح به أولها، والذي صلح به أولها هو النصح لله ولعباده والاستقامة على شريعة الله وتحكيم كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام في كل شيء، وبهذا يحصل النصح في كل الأمور، ويحصل الإخلاص لله في العبادة، ومن ذلك تحكيم الشريعة والتحاكم إليها، والوقوف عند حدود الله، وإلزام الناس بذلك وكفهم عن محارم الله، وإقامة الحدود عليهم؛ حتى تستقيم أحوالهم، وحتى تصلح مجتمعاتهم، وحتى ينصرهم الله على عدوهم، هذا هو الذي أمروا به، ووعدهم الله عليه النصر، وسار عليه سلفنا الصالح، فنصرهم الله وأيدهم، وأقام سلطانهم فلما غير من بعدهم غير عليهم.