ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي فَضْلِ الفاتحة
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عبدالرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ أجبه حتى صليت، قال: فأتيته فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي قَالَ: ألم يقل الله تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ [الْأَنْفَالِ:24] ثُمَّ قَالَ: لَأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قبل أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ قُلْتَ لَأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَالَ: نَعَمْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُالشيخ: وهذا يدل على فضلها العظيم وأنها أعظم سورة في كتاب الله هذه الفاتحة أعظم سورة في كتاب الله لما اشتملت عليه من المعاني العظيمة التي يرجع إليها جميع القرآن؛ ولهذا أخبر ﷺ أنها أعظم سورة في كتاب الله وأنها السبع المثاني والقرآن العظيم وهذا يدل على أنها أنزلت في مكة؛ لأن الحجر من السور المكية وفيها: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87] وهذا يدل على عظم شأنها ومن تأملها وجد ذلك فإن فيها الثناء على الله وبيان صفاته العظيمة التي ترجع إليها جميع الصفات وبيان حقه على عباده وهو العبادة وإلى هذا ترجع جميع الآيات فإنها ترجع إلى الأوامر والنواهي وبيان حق الله وكله داخل في إِيَّاكَ نَعبدوَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] ثم إرشاده سبحانه لعباده أن يطلبوه الهداية اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] وهذا أيضاً شأنه عظيم؛ لأن طلبهم الهداية من ربهم عز وجل سبب لقيامهم بحقه الذي خلقهم من أجله وهو عبادته سبحانه وتعالى، فهذه السورة هي أم القرآن وهي القرآن العظيم، وهي السبع المثاني وهي الشفاء والرقية فينبغي للمؤمن أن يتدبرها كثيرًا ومن رحمة الله أن شرعها لنا في اليوم والليلة سبعة عشرة مرة فرضًا في الفرائض الخمس مع ما يحصل من قراءتها في النوافل وفي غير ذلك، تذكيرًا لمعناها العظيم، وهكذا الالتزام بما دلت عليه من أن العبادة لله والاستعانة بالله وطلبه الهداية مع الثناء عليه والإيمان بأنه الرحمن الرحيم، وبأنه الإله الحق، وبأنه رب العالمين، وبأنه مالك يوم الدين، فاجتمع فيها كل شيء.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُسَدَّدٍ وَعَلِي بْنِ الْمَدِينِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ بِهِ، وَرَوَاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ من التفسير، وأبو داوود وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ بِهِ، وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عبدالرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ لِلْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أنس رحمه الله مَا يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ رَوَاهُ مَالِكٌ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ الْحُرَقِيِّ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ مَوْلَى ابن عَامِرِ بْنِ كَرِيزٍ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَادَى أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَهُوَ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ لَحِقَهُ قَالَ فَوَضَعَ النَّبِيُّ ﷺ يَدَهُ عَلَى يَدِي وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يخرج من باب المسجد ثم قال ﷺ:إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لا تَخْرُجَ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ حَتَّى تَعْلَمَ سُورَةً مَا أُنْزِلَ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي القرآن مثلها قال أُبَيَّ رضي الله عنه: فَجَعَلْتُ أُبْطِئُ فِي الْمَشْيِ رَجَاءَ ذَلِكَ ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السُّورَةُ الَّتِي وَعَدْتَنِي؟ قَالَ: كَيْفَ تَقْرَأُ إِذَا افْتَتَحْتَ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هِيَ هَذِهِ السُّورَةُ وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُ فَأَبُو سَعِيدٍ هَذَا لَيْسَ بِأَبِي سَعِيدِ بْنِ المعلى كما اعتقده ابن الأثير في جَامِعِ الْأُصُولِ وَمَنْ تَبِعَهُ فَإِنَّ ابْنَ الْمُعَلَّى صَحَابِيٌّ أَنْصَارِيٌّ وَهَذَا تَابِعِيٌّ مِنْ مَوَالِي خُزَاعَةَ، وذاك الحديث متصل صحيح، وهذا ظاهره أنه مُنْقَطِعٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ أَبُو سَعِيدٍ هَذَا مِنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَإِنْ كَانَ قَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ فَهُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا عبدالرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ عبدالرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَ: يَا أُبَيُّ، فَالْتَفَتَ ثُمَّ لَمْ يُجِبْهُ، ثم قال: أبيّ، فخفف أبيّ ثُمَّ انْصَرَفْ إِلَى رَسُولٍ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيْ رَسُولَ الله قال: وعليك السلام مَا مَنَعَكَ أَيْ أُبَيُّ إِذْ دَعَوْتُكَ أَنْ تجيبني، قال: أي رسول الله إني كُنْتُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ: أَوَلَسْتَ تَجِدُ فِيمَا أوحى الله تعالى إلي اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24] قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَعُودُ. قال: أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل لَا فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْقرآن مِثْلُهَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إني لأرجو أن لا أَخْرُجَ مِنْ هَذَا الْبَابِ حَتَّى تَعْلَمَهَا، قَالَ: فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِي يُحَدِّثُنِي وَأَنَا أَتَبَطَّأُ مَخَافَةَ أَنْ يَبْلُغَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْحَدِيثَ، فَلِمَا دَنَوْنَا مِنَ الْبَابِ قُلْتُ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ مَا السُّورَةُ الَّتِي وَعَدْتَنِي؟ قَالَ: مَا تَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ أُمَّ الْقُرْآنِ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلَهَا إِنَّهَا السَّبْعُ الْمَثَانِي. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه فَذَكَرَهُ وَعِنْدَهُ: إِنَّهَا مِنَ السَّبْعِ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الَّذِي أُعْطِيتُهُ.الشيخ: وهذا على شرط مسلم.
ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مالك، ورواه عبدالله ابن الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عبدالْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَذَكَرَهُ مُطَوَّلًا بِنَحْوِهِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ.
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا عَنْ أَبِي عَمَّارٍ حُسَيْنِ بْنِ حُرَيْثٍ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى عَنْ عبدالْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ مِثْلَ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَهِيَ مَقْسُومَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نصفين. هَذَا لفظ النسائي، وقال الترمذي: حديث حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا هَاشِمٌ يَعْنِي ابْنَ الْبَرِيدِ، حَدَّثَنَا عبداللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنِ ابْنِ جَابِرٍ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ اَهَرَاقَ الماء فقلت: السلام عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، قَالَ فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، قَالَ: فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، قَالَ: فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَمْشِي وَأَنَا خَلْفَهُ حَتَّى دَخَلَ رَحْلَهُ وَدَخَلْتُ أَنَا الْمَسْجِدَ فَجَلَسْتُ كَئِيبًا حَزِينًا فَخَرَجَ عَلَيَّ رسول الله ﷺ وقد تَطَهَّرَ فَقَالَ: عَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وبركاته وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وبركاته وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ يَا عبداللَّهِ بْنَ جَابِرٍ بِأَخْيَرِ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ اقْرَأِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَتَّى تَخْتِمَهَا هَذَا إِسْنَادٌ جيد، وابن عقيل هذا يحتج بِهِ الْأَئِمَّةُ الْكِبَارُ وَعبداللَّهِ بْنُ جَابِرٍ هذا الصَّحَابِيُّ ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ هُوَ الْعَبْدِيُّ والله أعلم.الشيخ: عبدالله بن جابر هذا صحابي غريب، وعبدالله بن محمد بن عقيل مضعف في الحديث واختلط في آخر حياته وحصل له بعض التغير وفي هذا المتن نكارة؛ كونه النبيﷺ ترك السلام عليه حتى دخل في رحله ثم رد عليه السلام ثلاث مرات، ورد السلام يجوز من المؤمن وإن كان على غير طهارة وإن كان على طهاة فأفضل، فالحاصل أن في صحته نظر من جهة تأخيره السلام ثلاث مرات ولم يقل له شيئًا حتى دخل رحله ثم رجع، ورد السلام عليه ثلاث مرات فيه غرابة ونكارة، لكن له شاهد من حديث آخر.
الطالب: أبو سعيد مولى ابن عامر خزاعي مقبول من الرابعة، مسلم وأبو داود في المراسيل والنسائي وابن ماجه.
وَعبداللَّهِ بْنُ جَابِرٍ هذا الصَّحَابِيُّ ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ هُوَ الْعَبْدِيُّ، وَيُقَالُ إِنَّهُ عبداللَّهِ بْنُ جَابِرٍ الْأَنْصَارِيُّ الْبَيَاضِيُّ فِيمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ.
وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَمْثَالِهِ عَلَى تَفَاضُلِ بَعْضِ الْآيَاتِ وَالسُّوَرِ عَلَى بَعْضٍ كَمَا هُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَابْنُ الحفار مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى إِلَى أَنَّهُ لَا تَفَاضُلَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ كَلَامُ اللَّهِ، وَلِئَلَّا يُوهِمَ التَّفْضِيلُ نَقْصَ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ فَاضِلًا، نَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَأَبِي حَاتِمِ بْنِ حيان الْبَسْتِيِّ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَرِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ مالك.الشيخ: هذا القول ضعيف جداً، والصواب أن القرآن يتفاضل وإن كان كله عظيمًا ولكن الله الذي جعل فيه التفاضل، كما أن الرسل يتفاضلون والأنبياء يتفاضلون فهكذا كلام الله يتفاضل، فالآيات التي في التوحيد والإيمان غير الآيات التي في الأحكام، والفاتحة غير السور الأخرى؛ ولهذا جاء بهذا الحديث الصحيح وفي الأحاديث الصحيحة حديث أبي هريرة وحديث أبي سعيد بن المعلى وما جاء في معناهما تفضيل الفاتحة وأنها أعظم السور، وجاء في آية الكرسي أنها أعظم آية في الصحيح أعظم آية في كتاب الله، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] أنها تعدل ثلث القرآن، فالحاصل أنه يتفاضل وإن كان هو كلام الرب عز وجل وكله عظيم وكله فاضل، وكله حجة وكله خير من الله لكن لا مانع من كونه يتفاضل.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ: حدثنا محمد بن المثنى، وحدثنا وهب حدثنا هشام عن محمد عن مَعبد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كُنَّا فِي مَسِيرٍ لَنَا، فَنَزَلْنَا فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ فَقَالَتْ: إِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ سَلِيمٌ وَإِنَّ نَفَرَنَا غُيَّبٌ فَهَلْ مِنْكُمْ رَاقٍ؟ فَقَامَ مَعَهَا رَجُلٌ مَا كنا نأبنه برقية فرقاه فبرأ، فَأَمَرَ لَهُ بِثَلَاثِينَ شَاةً وَسَقَانَا لَبَنًا. فَلَمَّا رَجَعَ قُلْنَا لَهُ: أَكُنْتَ تُحْسِنُ رُقْيَةً أَوْ كنت ترقي؟الشيخ: يقال رقاه يرقيه إذا قرأ عليه مثل رواه يرويه يعني إذا قرأ عليه ونفث عليه، ويقال رقي يرقى إذا صعد
فقال: لَا مَا رَقَيْتُ إِلَّا بِأُمِّ الْكِتَابِ قُلْنَا: لَا تُحَدِّثُوا شَيْئًا حَتَّى نَأْتِيَ أَوْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَاهُ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: وَمَا كَانَ يُدْرِيهِ أَنَّهَا رُقْيَةٌ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ.
وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ: حَدَّثَنَا عبدالْوَارِثِ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ حَدَّثَنِي مَعبدبْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِهَذَا، وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامٍ وَهُوَ ابْنُ حَسَّانَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ بِهِ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخدري هُوَ الَّذِي رَقَى ذَلِكَ السَّلِيمَ يَعْنِي اللَّدِيغَ يسمونه بذلك تفاؤلا.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْأَحْوَصِ سَلَّامِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ رُزَيْقٍ عَنْ عبداللَّهِ بْنِ عِيسَى بْنِ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وعنده جبرائيل، إِذْ سَمِعَ نَقِيضًا فَوْقَهُ فَرَفَعَ جِبْرِيلُ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: هَذَا بَابٌ قَدْ فُتِحَ مِنَ السَّمَاءِ مَا فُتِحَ قَطُّ، قَالَ: فَنَزَلَ منه ملك فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة الْبَقَرَةِ لَنْ تَقْرَأَ حَرْفًا مِنْهُمَا إِلَّا أُوتِيتُهُ، وَهَذَا لَفْظُ النَّسَائِيِّ.الشيخ: وهذا مما احتج به على أنها نزلت مرتين، أنزلت في مكة وأنزلت في المدينة مع هذا الملك الخاص، خواتيم سورة البقرة آمن الرسول الآيتين.
ويدل على هذا أيضاً قوله جل وعلا: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ [الشعراء:193-194] وهو جبرائيل وهذا يعم القرآن كله، ثم هذا الملك غير جبرائيل جاء بالفاتحة وآخر سورة البقرة فهذا نزول ثان تأكيد للنزول الأول مع هذا الملك الجديد، فيكون بعض القرآن يأتي به ملك آخر غير جبرائيل؛ تأكيدًا لما نزل به جبرائيل، وإلا فقد نزل به جبرائيل جميعًا.
وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ حَدِيثٌ آخَرُ، قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ (هُوَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الْعَلَاءِ، (يَعْنِي ابْنَ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ يعقوب الحرقي) عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بأُمَّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ -ثَلَاثًا- غَيْرُ تَمَامٍ. فقيل لأبي هريرة: إنا نكون خلف الإمام، فقال: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِﷺيَقُولُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عبدي، وإذا قال: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَالَ اللَّهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال الله: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي، فإذا قال: إِيَّاكَ نَعبدوَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ قال الله: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَقَدْ رَوَيَاهُ أَيْضًا عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهِ، وَفِي هَذَا السِّيَاقِ فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ.
وَهكَذَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الْعَلَاءِ وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي السَّائِبِ هَكَذَا.
وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي السَّائِبِ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَسَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ عَنْهُ فَقَالَ: كِلَا الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ، مَنْ قَالَ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ وَعَنِ العلاء عن أبي السائب. وقد روى هذا الحديث عبدالله بن الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مطولا.
وقال ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ الْمَرْوَزِيُّ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ سعيد عن مطرف بن طريف عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عبداللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلَهُ مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعبدالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ قَالَ: حَمِدَنِي عَبْدِي وَإِذَا قَالَ: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَالَ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، ثُمَّ قَالَ: هَذَا لِي وَلَهُ مَا بَقِيَ. وَهَذَا غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
الْكَلَامُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْفَاتِحَةِ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَدْ أَطْلَقَ فِيهِ لَفْظَ الصَّلَاةِ، وَالْمُرَادُ الْقِرَاءَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا [الْإِسْرَاءِ:110] أَيْ بِقِرَاءَتِكَ كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهَكَذَا قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» ثُمَّ بين تفصيل هذه القسمة في قراءة الفاتحة فَدَلَّ عَلَى عِظَمِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَّهَا من أكبر أركانها إذا أُطْلِقَتِ الْعِبَادَةُ وَأُرِيدَ بِهَا جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْهَا هو الْقِرَاءَةُ، كَمَا أَطْلَقَ لَفْظَ الْقِرَاءَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي قَوْلِهِ: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً [الْإِسْرَاءِ:78] وَالْمُرَادُ صَلَاةُ الْفَجْرِ كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ يَشْهَدُهَا مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فَدَلَّ هَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ اتِّفَاقٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةٍ نَذْكُرُهَا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، وَذَلِكَ أَنَّهُ هَلْ يَتَعَيَّنُ لِلْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ غير فَاتِحَةُ الْكِتَابِ أَمْ تُجْزِئُ هِيَ أَوْ غَيْرُهَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ، أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بَلْ مَهْمَا قَرَأَ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ أَجْزَأَهُ فِي الصَّلَاةِ وَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [الْمُزَّمِّلِ:20] وَبِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الْمُسِيءِ في صَلَاتَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لَهُ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ قَالُوا فَأَمَرَهُ بِقِرَاءَةِ مَا تَيَسَّرَ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الْفَاتِحَةَ وَلَا غَيْرَهَا فدل على ما قلنا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَتَعَيَّنُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ بِدُونِهَا، وَهُوَ قَوْلُ بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابُهُمْ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ حَيْثُ قَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ وَالْخِدَاجُ هُوَ النَّاقِصُ كَمَا فَسَّرَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ غَيْرُ تَمَامٍ.
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَفِي صَحِيحِ ابْنِ خزيمة وابن حبان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ وَوَجْهُ الْمُنَاظَرَةِ هَاهُنَا يَطُولُ ذِكْرُهُ وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى مَأْخَذِهِمْ فِي ذَلِكَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ.الشيخ: وهذا القول الأخير هو الصواب، وهو قول الجمهور؛ فإنه مفسر لقوله: فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [الْمُزَّمِّلِ:20] ومفسر لقوله: ثم اقرأ بما تيسر من القرآن فالآية والحديث مطلقان، وحديث عبادة وما جاء في معناه حديث مفسر واضح، ويحمل المجمل والمطلق على المفسر.
... أن يقال عام الآية عامة والحديث عام فاقرأ ما تيسر معك من القرآن وكذا فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل:20] هذا عام، وحديث عبادة وما جاء في معناه خاص، والخاص يقضي على العام، والمقيد يقضي على المطلق، ولهذا ذهب الجمهور إلى تعين الفاتحة وأن الواجب أن تكون القراءة بالفاتحة في جميع الصلوات النفل والفرض، على الإمام والمأموم والمنفرد أما الإمام والمنفرد فهو محل إجماع أنه لا بدّ من قراءتها وأما المأموم فهل تجب عليه أو يتحملها عنه الإمام؟ والأظهر أنه لا يتحملها بل تجب عليه لعموم الأدلة ولما جاء في حديث عبادة: لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها وحديث: فهي خداج فهي خداج رواه مسلم في الصحيح واضح في وجوبها.
ثُمَّ إِنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ تَجِبُ قِرَاءَتُهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا تَجِبُ قِرَاءَتُهَا فِي مُعْظَمِ الرَّكَعَاتِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَأَكْثَرُ الْبَصْرِيِّينَ: إِنَّمَا تَجِبُ قِرَاءَتُهَا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ أَخْذًا بِمُطْلَقِ الْحَدِيثِ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَا تَتَعَيَّنُ قِرَاءَتُهَا بَلْ لَوْ قَرَأَ بِغَيْرِهَا أَجْزَأَهُ لِقَوْلِهِ تعالى: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل:20] وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ فِي فَرِيضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَفِي صِحَّةِ هَذَا نظر وموضع تحرير هذا كله في كتاب الأحكام الكبير والله أعلم.
والوجه الثَّالِثُ: هَلْ تَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ:
[أَحَدُهَا] أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهَا كَمَا تَجِبُ عَلَى إِمَامِهِ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
[وَالثَّانِي] لَا تَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ قراءة بالكلية لا الفاتحة ولا غيرها ولا فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ وَلَا السِّرِّيَّةِ، لِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عبداللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺأَنَّهُ قَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ. وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ وَهَبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرٍ مِنْ كَلَامِهِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ] أَنَّهُ تَجِبُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَأْمُومِ فِي السِّرِّيَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ، ولا يجب ذلك فِي الْجَهْرِيَّةِ لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ، وَهَكَذَا رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّﷺ أَنَّهُ قَالَ: وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا وَقَدْ صَحَّحَهُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَيْضًا، فَدَلَّ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَرِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رحمه الله تعالى.الشيخ: والأظهر وجوبها حتى في الجهرية؛ لأن العام يقضي عليه الخاص، وأحاديث الفاتحة خاصة فتقضي على جميع العمومات فيقرأها في الجهرية والسرية الإمام والمأموم والمنفرد كلهم يقرؤون الفاتحة في كل ركعة، فالأظهر والصواب أنها تقرأ في كل ركعة.
وَالْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ هَاهُنَا بَيَانُ اخْتِصَاصِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ بِأَحْكَامٍ لَا تَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهَا مِنَ السُّوَرِ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ حَدَّثَنَا غَسَّانُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا وَضَعْتَ جَنْبَكَ على الفراش وقرأت فاتحة الكتاب وقل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَقَدْ أَمِنْتَ مِنْ كُلِّ شيء إلا الموت.الأسئلة:
س: هل في هذا الحديث مشروعية قراءة الفاتحة عند النوم؟
ج: لا أعرف قد تتبعته وما ورد فيها شيء صحيح، لا أعلم فيها شيء صحيح، المعروف عند النوم قراءة آية الكرسي، وقل هو الله أحد والمعوذتين، وقراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في كل ليلة سواء كان عند النوم أو قبل النوم، أما قراءة الفاتحة عند النوم فما أعرفه إلا من هذا الحديث وغسان كما يعلم ليس ممن يعتمد عليه.
لكن أعجب من المؤلف عدم التنبيه مع حفظه وجلالته فسبحان الله!.
تَفْسِيرِ الِاسْتِعَاذَةِ وأحكامها
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ. وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الْأَعْرَافِ:199-200] وَقَالَ تَعَالَى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (96) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [الْمُؤْمِنُونَ:96-97] وَقَالَ تَعَالَى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فُصِّلَتْ:34-36] فَهَذِهِ ثَلَاثُ آيَاتٍ لَيْسَ لَهُنَّ رابعة في معناها وهو أن الله تعالى يَأْمُرُ بِمُصَانَعَةِ الْعَدُوِّ الْإِنْسِيِّ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ لِيَرُدَّهُ عَنْهُ طَبْعُهُ الطَّيِّبُ الْأَصْلِ عما هو فيه من الأذى إِلَى الْمُوَادَّةِ وَالْمُصَافَاةِ، وَيَأْمُرُ بِالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ مِنَ الْعَدُوِّ الشَّيْطَانِيِّ لَا مَحَالَةَ إِذْ لَا يَقْبَلُ مُصَانَعَةً وَلَا إِحْسَانًا وَلَا يَبْتَغِي غَيْرَ هَلَاكِ ابْنِ آدَمَ لِشِدَّةِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ آدَمَ مِنْ قَبْلُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ [الأعراف:27] وقال تَعَالَى: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ [فَاطِرٍ:6] وَقَالَ: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا [الْكَهْفِ:50] وَقَدْ أَقْسَمَ للوالد آدم عليه السلام أنه له لَمِنَ النَّاصِحِينَ وَكَذَبَ فَكَيْفَ مُعَامَلَتُهُ لَنَا وَقَدْ قَالَ: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص:82-83] وَقَالَ تَعَالَى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ [النَّحْلِ:98-100].
قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ وَغَيْرِهِمْ: نَتَعَوَّذُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، وَاعْتَمَدُوا عَلَى ظَاهِرِ سِيَاقِ الْآيَةِ، وَلِدَفْعِ الْإِعْجَابِ بَعْدَ فَرَاغِ الْعِبَادَةِ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلى ذلك حمزة فيما نقله عنه ابن قلوقا، وَأَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ، حَكَى ذَلِكَ أَبُو الْقَاسِمِ يُوسُفُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ جُبَارَةَ الْهُذَلِيُّ الْمَغْرِبِيُّ في كتابه «الْكَامِلِ» وَرُوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا وَهُوَ غريب. ونقله مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَدَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيِّ الظَّاهِرِيِّ.
وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ عَنِ الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: أن الاستعاذة إنما تكون قبل التلاوة لدفع الموسوس فيها وَمَعْنَى الْآيَةِ عِنْدَهُمْ فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ [النَّحْلِ:98] أَيْ إِذَا أردت القراءة كقوله تعالى: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ [الْمَائِدَةِ:6] أَيْ إِذَا أَرَدْتُمُ الْقِيَامَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِذَلِكَ.الشيخ: بهذا المقال يوضح الحافظ ابن كثير رحمه الله أخذًا من الآيات الكريمات والأحاديث الصحيحة النبوية عداوة هذا الشيطان وحرصه على إغواء بني آدم، وأنه عدو مبين لا حيلة فيه ولا مصانعة معه ولا طريق إلى النجاة منه إلا بالاستعاذة بالله منه سبحانه وتعالى الذي خلقه وأنظره، فلا طريق للنجاة منه إلا بالتعوذ بالله واللجأ إلى الله، والاستقامة على طاعته سبحانه وتعالى هذا هو الطريق الذي به النجاة من عدو الله الشيطان ووساوسه وذريته وأعوانه.
أما العدو الإنسي فيمكن أن يصانع بالمال، ولهذا قال عز وجل: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ [المؤمنون:96] ثم قال بعد ذلك: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [المؤمنون:97، 98] فأمره أن يدفع بالتي هي أحسن السيئة فيما بينه وبين الناس.
وهكذا قوله عز وجل ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34] وقال جل وعلا: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199] ثم قال بعدها: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف:200].
فالشيطان إنما الطريق الوحيد للاستعاذة منه ومن مكائده التعوذ بالله من همزاته ونزغاته، والاستغاثة بالله، والاستقامة على دينه وطاعته سبحانه، والحذر من طاعة الشيطان، فإنك لو فتحت له الباب أعنته على نفسك، متى عصيت ربك فقد فتحت الباب فالمعصية تعينه عليك أما الطاعات فهي ضده وهي عون لك عليها ومن أسباب توفيق الله لك وحمايته لك ومن جملة ذلك الاستعاذة تستعيذ به سبحانه في كل مكان وفي كل زمان تلجأ إلى الله دائمًا أن يعيذك من الشيطان ونزغاته.
وعند القراءة يقول سبحانه: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98] قال بعضهم: أنك تستعيذ بعد القراءة حتى لا تعجب بها وحتى لا يوقعك في العجب والكبرياء، وقال بعضهم: تستعيذ بالله في أولها وبعد الفراغ منها.
والصواب الذي عليه جمهور أهل العلم أن الاستعاذة تكون في أول القراءة حتى تبتغي طرد الشيطان في قراءتك فمعنى قوله سبحانه: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98] معناه فإذا أردت قراءة فاستعذ بالله مثل ما في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فاغسلوا وجوهكم [المائدة:6] أي إذا أردتم القيام وأنتم على غير طهارة فاغسلوا وجوهكم، ومثل قوله عليه الصلاة والسلام: {ذا دخل أحدكم الخلاء فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث يعني إذا أراد الدخول، وهكذا قوله سبحانه وتعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ أي إذا أردت القراءة فاستعذ تتقي بذلك شر عدو الله وتتقي مكايده وتلبيسه وبهذا يعلم طالب العلم بأنه في أشد الحاجة بل في أشد الضرورة لإعانة ربه له على هذا العدو وإعاذته له منه، ودفاعه عنه فهو خير مدافع عن الذين آمنوا.
فالجأ إلى الله في كل حال واستعن به في كل حال من هذا العدو ومن سائر الأعداء لعلك تنجو لعلك توفق إذا صدقت.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بن أنس حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ الرِّفَاعِيِّ الْيَشْكُرِيِّ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْتَفْتَحَ صَلَاتَهُ وَكَبَّرَ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ وَيَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثَلَاثًا-ثُمَّ يَقُولُ-أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ وَقَدْ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ رِوَايَةِ جعفر بن سليمان عن علي بن علي وهو الرفاعي، وقال الترمذي: هو أشهر شيء فِي هَذَا الْبَابِ، وَقَدْ فَسَّرَ الْهَمْزَ بِالْمَوْتَةِ وَهِيَ الْخَنْقُ، وَالنَّفْخَ بِالْكِبْرِ وَالنَّفْثَ بِالشِّعْرِ.
كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَاصِمٍ العنزي عن نافع بن جبير بن المطعم عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺحِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ثَلَاثًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا ثَلَاثًا، سُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ثَلَاثًا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ قال عمرو: همزه الْمُوْتَةُ وَنَفْخُهُ الْكِبْرُ وَنَفْثُهُ الشِّعْرُ.الشيخ: الموتة يعني الصرع، صرع الإنسان يشبه الموت يسقط كأنه ميت وهو الخنق.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عبدالرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَهَمْزِهِ ونفخه ونفثه قال: همزه الموتة ونفخه الكبر ونفثه الشعر.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺإِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا عبداللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانِ الكوفي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هاشم بْنِ الْبَرِيدِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عبدالْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: تَلَاحَى رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَتَمَزَّعَ أَنْفُ أَحَدِهِمَا غَضَبًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِنِّي لأعلم شيئا لو قاله لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عِيسَى الْمَرْوَزِيِّ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِي، بِهِ.
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ زَائِدَةَ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى عَنْ جَرِيرِ بْنِ عبدالْحَمِيدِ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ في اليوم والليلة عَنْ بُنْدَارٍ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ عَنِ الثَّوْرِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ ثلاثتهم عن عبدالملك بن عمير عَنْ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَغَضِبَ أَحَدُهُمَا غضبا شديدا حتى يخيل إِلَيَّ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَتَمَزَّعُ أَنْفُهُ مِنْ شِدَّةِ غَضَبِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنِّي لِأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ ما يجد من الغضب فقال: مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ قال: فجعل معاذ يأمره فأبى وَجَعَلَ يَزْدَادُ غَضَبًا وَهَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: مُرْسَلٌ، يَعْنِي أَنَّ عبدالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى لَمْ يَلْقَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ فَإِنَّهُ مَاتَ قَبْلَ سَنَةِ عِشْرِينَ.
قُلْتُ: وَقَدْ يَكُونُ عبدالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى سَمِعَهُ مِنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَبَلَّغَهُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فَإِنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ شَهِدَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ صرد رضي الله عنه: اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺوَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ فَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ إِنِّي لِأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَقَالُوا لِلرَّجُلِ أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ. وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا مَعَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ.الشيخ: وهذا الذي قال: لست بمجنون! حمله ذلك على شدة الغضب، مع شدة الغضب ما وعى، فلم يرعوي لأن غضبه قد استولى عليه، أو كان لا يؤمن بالله وبرسوله، ولهذا لم يقل ولم يستجب ولم يقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لما سمع كلام الرسول ﷺ.
فهذا إما أن يكون مع شدة غضبه صار كالمجنون لا يعي ما يقول، وإما أنه كان منافقًا لا يرعوي لما يقوله الرسولﷺ. نسأل الله السلامة.
وَقَدْ جَاءَ فِي الِاسْتِعَاذَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا هَاهُنَا وَمَوْطِنُهَا كِتَابُ الْأَذْكَارِ وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوَّلَ مَا نَزَلَ بِالْقُرْآنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَمَرَهُ بِالِاسْتِعَاذَةِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عِمَارَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو رَوْقٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنْ عبداللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ اسْتَعِذْ قَالَ: أَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» ثُمَّ قَالَ: قُلْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثُمَّ قَالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ قَالَ عبداللَّهِ: وَهِيَ أَوَّلُ سُورَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ بِلِسَانِ جِبْرِيلَ.
وَهَذَا الْأَثَرُ غَرِيبٌ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ لِيُعْرَفَ فَإِنَّ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفًا وَانْقِطَاعًا.
وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ مُسْتَحَبَّةٌ لَيْسَتْ بِمُتَحَتِّمَةٍ يَأْثَمُ تَارِكُهَا، وحكى الرازي عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وُجُوبَهَا فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا كُلَّمَا أَرَادَ الْقِرَاءَةَ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِذَا تَعَوَّذَ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي عُمْرِهِ فَقَدْ كَفَى فِي إِسْقَاطِ الْوُجُوبِ وَاحْتَجَّ الرازي لِعَطَاءٍ بِظَاهِرِ الْآيَةِ (فَاسْتَعِذْ) وَهُوَ أَمْرٌ ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ وَبِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّﷺ عَلَيْهَا وَلِأَنَّهَا تَدْرَأُ شَرَّ الشَّيْطَانِ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَلِأَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ أَحْوَطُ وَهُوَ أَحَدُ مَسَالِكِ الْوُجُوبِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ وَاجِبَةٌ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ دُونَ أُمَّتِهِ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَتَعَوَّذُ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَيَتَعَوَّذُ لِقِيَامِ رمضان في أول ليلة منه.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الْإِمْلَاءِ يَجْهَرُ بِالتَّعَوُّذِ وَإِنْ أَسَرَّ فَلَا يَضُرُّ، وَقَالَ فِي «الْأُمِّ» بِالتَّخْيِيرِ لِأَنَّهُ أَسَرَّ ابْنُ عُمَرَ وَجَهَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا عَدَا الرَّكْعَةِ الْأُولَى هَلْ يُسْتَحَبُّ التَّعَوُّذُ فِيهَا عَلَى قَوْلَيْنِ وَرُجَّحَ عَدَمَ الِاسْتِحْبَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.الشيخ: الجمهور على أنها سنة مؤكدة عند بدء القراءة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أما البسملة فهي متأكدة أكثر في أول كل سورة ما عدا براءة حتى قال بعض أهل العلم: إنها آية من كل سورة فلا بدّ من قراءتها، وقال آخرون أنها آية من الفاتحة دون غيرها.
والصواب أنها آية مستقلة ليست من الفاتحة ولا من غيرها لكن مستقلة بدءًا للسور وفتحًا للسور وتبركًا باسمه سبحانه وتعالى عند بدء كل سورة ما عدا براءة فإن الصحابة لما جمعوا القرآن شكوا في الأنفال وبراءة هل هما سورتان أم سورة واحدة؟ ولهذا لم يكتبوا بينهما بسم الله الرحمن الرحيم كما قال عثمان.
فينبغي للمؤمن أن يقرأ البسملة في أول كل سورة وينبغي لها أن يتعوذ أيضاً قبل ذلك حتى يجمع بين السنتين. وهذا الذي عليه جمهور أهل العلم.
وأما قول عطاء بالوجوب فله قوة لظاهر الأوامر فينبغي للمؤمن ألا يدعها أبدًا لأن الله أمر بذلك والرسول ﷺ فعلها واستمر عليها، فينبغي للمؤمن إذا أراد القراءة أن يبدأ بالتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم يضم إليها البسملة إن كان من أول السورة وإن كان من أثناء السورة فالأمر واسع إن أتى بالبسملة فلا بأس، وإن اكتفى بالاستعاذة كفى، وظاهر الآية الكريمة أنه يكتفى بالاستعاذة إلا إذا أراد أن يبدأ بالسورة بدأها بالاستعاذة ثم التسمية، حتى يجمع بين السنتين.
وأما قوله عن مالك أنه كان يستعيذ في النفل أو في رمضان فهذا لا وجه له، بل الذي عليه جمهور أهل العلم التسمية والاستعاذة في الليل والنهار وفي الفرض وفي النفل، وفي الصلاة وخارجها.
فَإِذَا قَالَ الْمُسْتَعِيذُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ كَفَى ذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَزَادَ بَعْضُهُمْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ، وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّ الله هو السميع العليم، قال الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَقُولُ: أَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، لِمُطَابَقَةِ أَمْرِ الْآيَةِ وَلِحَدِيثِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ كَمَا تَقَدَّمَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مِنْ هَذَا.الشيخ: والإنسان مخير إذا قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، كله حسن، وهكذا من همزه ونفخه ونفثه كل هذه استجارة الله واستعاذة به سبحانه وتعالى.
ثُمَّ الِاسْتِعَاذَةُ فِي الصَّلَاةِ إِنَّمَا هِيَ لِلتِّلَاوَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: بَلْ لِلصَّلَاةِ، فَعَلَى هَذَا يَتَعَوَّذُ الْمَأْمُومُ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْرَأُ وَيَتَعَوَّذُ فِي الْعِيدِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَالْجُمْهُورُ بَعْدَهَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَمِنْ لَطَائِفِ الِاسْتِعَاذَةِ أَنَّهَا طَهَارَةٌ لِلْفَمِ مِمَّا كَانَ يتعاطاه من اللغو والرفث وتطييب له وهو لِتِلَاوَةِ كَلَامِ اللَّهِ وَهِيَ اسْتِعَانَةٌ بِاللَّهِ وَاعْتِرَافٌ لَهُ بِالْقُدْرَةِ وَلِلْعبدبِالضَّعْفِ وَالْعَجْزِ عَنْ مُقَاوَمَةِ هَذَا الْعَدُوِّ الْمُبِينِ الْبَاطِنِيِّ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ وَدَفْعِهِ إِلَّا اللَّهُ الَّذِي خَلَقَهُ وَلَا يَقْبَلُ مُصَانَعَةً وَلَا يُدَارَى بِالْإِحْسَانِ بِخِلَافِ الْعَدُوِّ مِنْ نَوْعِ الْإِنْسَانِ كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذلك آيات من الْقُرْآنِ فِي ثَلَاثٍ مِنَ الْمَثَانِي وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا [الْإِسْرَاءِ:65] وَقَدْ نَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ لِمُقَاتَلَةِ العدو البشري فمن قتله العدو الظاهري الْبَشَرِيُّ كَانَ شَهِيدًا، وَمِنْ قَتَلَهُ الْعَدُوُّ الْبَاطِنِيُّ كان طريدا، ومن غلبه العدو الظاهري كان مأجورا، ومن قهره العدو الباطني كَانَ مَفْتُونًا أَوْ مَوْزُورًا، وَلَمَّا كَانَ الشَّيْطَانُ يَرَى الْإِنْسَانَ مِنْ حَيْثُ لَا يَرَاهُ اسْتَعَاذَ مِنْهُ بِالَّذِي يَرَاهُ وَلَا يَرَاهُ الشَّيْطَانُ.س: الاستعاذة عند التثاؤب؟
ج: لا أعرف لها أصلا، لكن معروف أنه من الشيطان، التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب واستعاذ بالله فلا نعلم فيه بأسًا. لكن لا أعلم أن ورد فيه شيئًا، إنما يفعله الناس؛ لأنهم يعلمون أن التثاؤب من الشيطان.
وعدو الله الشيطان وسائر شياطين الجن لا يصدهم عنك ولا يمنعهم منك إلا مولاك سبحانه فهو القادر عليهم جل وعلا، فجدير بالمؤمن أن يلجأ إلى الله دائمًا وأن يستعين به من الشيطان في جميع الأحوال، وأن يتخذ أسباب ذلك من طاعة الله ورسوله والبعد عما نهى الله عنه ورسوله، فإن الإقدام على المعاصي من أعظم الأسباب التي تعينه عليك وتمكنه منك، فإن من عصى الله فتح لعدوه الباب، وكلما زادت المعاصي زاد اتساع الباب واتساع الخرق لدنو الشيطان وتمكنه منك، وكلما أغلقت الباب واجتهدت في إغلاقه بأداء الواجبات وترك المحرمات كنت أبعد ما يكون عن عدوك الشيطان.
وَأَمَرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ مِنْ شَيْطَانِ الْجِنِّ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ رَشْوَةً وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ جَمِيلٌ لِأَنَّهُ شِرِّيرٌ بِالطَّبْعِ وَلَا يَكُفُّهُ عَنْكَ إِلَّا الَّذِي خَلَقَهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ لَا أَعْلَمُ لَهُنَّ رَابِعَةً قَوْلُهُ فِي الْأَعْرَافِ: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ [الْأَعْرَافِ:199] فَهَذَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمُعَامَلَةِ الْأَعْدَاءِ مِنَ الْبَشَرِ ثُمَّ قَالَ: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الْأَعْرَافِ:200] وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [الْمُؤْمِنُونَ:96-98] وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ حم السَّجْدَةِ: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فُصِّلَتْ:34-36].الشيخ: وتقدم التنبيه على هذا.
وَقِيلَ رَجِيمٌ بِمَعْنَى رَاجِمٍ لِأَنَّهُ يَرْجُمُ النَّاسَ بِالْوَسَاوِسِ والربائث والأول أشهر وأصح.الشيخ: يعني الأول أنه بمعنى مطرود يعني يطرد ويبعد عن رحمة الله.
[سورة الفاتحة (1): آية 1]
[بسم الله الرحمن الرحيم] افْتَتَحَ بِهَا الصَّحَابَةُ كِتَابَ اللَّهِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا بَعْضُ آيَةٍ مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ.الشيخ: وهي في قوله جل وعلا: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30]
ثم اختلفوا هل هِيَ آيَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ أَوْ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ كُتِبَتْ فِي أولها أو أنها بعض آية من كُلِّ سُورَةٍ أَوْ أَنَّهَا كَذَلِكَ فِي الْفَاتِحَةِ دُونَ غَيْرِهَا أَوْ أَنَّهَا إِنَّمَا كُتِبَتْ لِلْفَصْلِ لَا أَنَّهَا آيَةٌ عَلَى أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ سَلَفًا وَخَلَفًا وَذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَبُو عبداللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ فِي مُسْتَدْرَكِهِ أَيْضًا، وَرُوِيَ مُرْسَلًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
وَفِي صَحِيحِ ابْنِ خزيمة عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَرَأَ الْبَسْمَلَةَ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ وَعَدَّهَا آيَةً، لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ هَارُونَ البلخي، وفيه ضعف، عن ابن جريح عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْهَا.الشيخ: وعمر هذا ليس بشيء، عمر هذا متهم بالكذب. والصواب أنها آية مستقلة من كتاب الله جل وعلا فصل بين السور، آية مستقلة وليست من الفاتحة ولا من غيرها، فهي آية مستقلة للفصل بين السور وهذا أحسن ما قاله العلماء فيها وهي بعض آية من سورة النمل، والفاتحة سبع آيات من دونها، أولها الحمد لله رب العالمين وآخرها غير المغضوب عليهم ولا الضآلين.
لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ هَارُونَ البلخي، وفيه ضعف، عن ابن جريح عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْهَا.
وَرَوَى لَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مُتَابِعًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَرَوَى مِثْلَهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا. وَمِمَّنْ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهَا آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ إِلَّا بَرَاءَةٌ: ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَلِيٌّ، وَمِنَ التَّابِعِينَ: عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَبِهِ يَقُولُ عبداللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا: لَيْسَتْ آيَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ وَلَا مِنْ غَيْرِهَا مِنَ السُّوَرِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ مَذْهَبِهِ هِيَ آيَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ وَلَيْسَتْ مِنْ غَيْرِهَا وَعَنْهُ أَنَّهَا بَعْضُ آيَةٍ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ وَهُمَا غَرِيبَانِ.
وَقَالَ دَاوُدُ: هِيَ آيَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ لا منها، وهذا رِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَحَكَاهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ، وَهُمَا مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمُ الله. هذا ما يتعلق بكونها آية من الفاتحة أم لا.الشيخ: وهذا أحسنها أنها آية مستقلة فليست من الفاتحة ولا من غيرها، ولكنها بعض آية من سورة النمل.
فأما الجهر بها فَمُفَرَّعٌ عَلَى هَذَا، فَمَنْ رَأَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْفَاتِحَةِ فَلَا يَجْهَرُ بِهَا وَكَذَا مَنْ قَالَ إِنَّهَا آيَةٌ مِنْ أَوَّلِهَا، وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِأَنَّهَا مِنْ أَوَائِلِ السُّوَرِ فَاخْتَلَفُوا، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى أَنَّهُ يَجْهَرُ بِهَا مَعَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ طَوَائِفٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ سَلَفًا وَخَلَفًا، فَجَهَرَ بِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةُ وَحَكَاهُ ابْنُ عبدالْبَرِّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَنَقَلَهُ الْخَطِيبُ عَنِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَهُوَ غَرِيبٌ، وَمِنَ التَّابِعِينَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ وَأَبِي قِلَابَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَابْنِ مُحَمَّدٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَسَالِمٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وعبيد وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَأَبِي وَائِلٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعَلِيِّ بْنِ عبدالله ابن عَبَّاسٍ وَابْنِهِ مُحَمَّدٍ وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَعُمَرَ بْنِ عبدالْعَزِيزِ وَالْأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ وَحَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَأَبِي الشَّعْثَاءِ وَمَكْحُولٍ وَعبداللَّهِ بْنِ مَعْقِلِ بْنِ مُقَرِّنٍ زَادَ الْبَيْهَقِيُّ وَعبداللَّهِ بْنُ صفوان ومحمد بن الْحَنَفِيَّةِ. زَادَ ابْنُ عبدالْبَرِّ: وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ.
وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا بَعْضُ الْفَاتِحَةِ فَيُجْهَرُ بِهَا كَسَائِرِ أَبْعَاضِهَا وَأَيْضًا فَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ في صحيحهما وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى فَجَهَرَ فِي قِرَاءَتِهِ بِالْبَسْمَلَةِ وَقَالَ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ: إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَصَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْخَطِيبُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ. وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ، والرحيم ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: كَانَتْ قراءته مدّا، ثم قرأ ببسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَمُدُّ بِسْمِ اللَّهِ وَيَمُدُّ الرَّحْمَنِ وَيَمُدُّ الرَّحِيمِ.
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَصَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَمُسْتَدْرَكِ الحاكم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يقطع قراءته: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسناده صحيح.الشيخ: يعني يقف على رؤوس الآي لا يسردها، من باب الترتيل.
وروى الإمام أبو عبدالله الشافعي وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ فَتَرَكَ الْبَسْمَلَةَ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ مَنْ حَضَرَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ذَلِكَ فَلَمَّا صَلَّى الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ بَسْمَلَ.
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا كِفَايَةٌ وَمَقْنَعٌ فِي الِاحْتِجَاجِ لِهَذَا الْقَوْلِ عَمَّا عَدَاهَا.
فَأَمَّا الْمُعَارَضَاتُ وَالرِّوَايَاتُ الْغَرِيبَةُ وَتَطْرِيقُهَا وَتَعْلِيلُهَا وَتَضْعِيفُهَا وَتَقْرِيرُهَا فَلَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ أَنَّهُ لَا يُجْهَرُ بِالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا هُوَ الثَّابِتُ عَنِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَعبداللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَطَوَائِفٍ مِنْ سَلَفِ التَّابِعِينَ وَالْخَلَفِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ.
وَعِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ الْبَسْمَلَةَ بِالْكُلِّيَّةِ لَا جَهْرًا وَلَا سِرًّا وَاحْتَجُّوا بِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بالتكبير والقراءة بالحمد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَبِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وعثمان فكانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين. ولمسلم: ولا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا.الشيخ: وهذا هو الأصح من أقوال العلماء وهو قول أكثر الجمهور أن السنة الإسرار بالبسملة لا يجهر بها وهذا هو الثابت عن الخلفاء الراشدين وجمهور أهل العلم، ومذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد حتى أن مالكًا رحمه الله لا يرى قراءتها بالكلية، ولكنه قول ضعيف، والصواب أنها تقرأ لكن سرًا.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عبدالرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ أجبه حتى صليت، قال: فأتيته فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي قَالَ: ألم يقل الله تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ [الْأَنْفَالِ:24] ثُمَّ قَالَ: لَأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قبل أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ قُلْتَ لَأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَالَ: نَعَمْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُالشيخ: وهذا يدل على فضلها العظيم وأنها أعظم سورة في كتاب الله هذه الفاتحة أعظم سورة في كتاب الله لما اشتملت عليه من المعاني العظيمة التي يرجع إليها جميع القرآن؛ ولهذا أخبر ﷺ أنها أعظم سورة في كتاب الله وأنها السبع المثاني والقرآن العظيم وهذا يدل على أنها أنزلت في مكة؛ لأن الحجر من السور المكية وفيها: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87] وهذا يدل على عظم شأنها ومن تأملها وجد ذلك فإن فيها الثناء على الله وبيان صفاته العظيمة التي ترجع إليها جميع الصفات وبيان حقه على عباده وهو العبادة وإلى هذا ترجع جميع الآيات فإنها ترجع إلى الأوامر والنواهي وبيان حق الله وكله داخل في إِيَّاكَ نَعبدوَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] ثم إرشاده سبحانه لعباده أن يطلبوه الهداية اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] وهذا أيضاً شأنه عظيم؛ لأن طلبهم الهداية من ربهم عز وجل سبب لقيامهم بحقه الذي خلقهم من أجله وهو عبادته سبحانه وتعالى، فهذه السورة هي أم القرآن وهي القرآن العظيم، وهي السبع المثاني وهي الشفاء والرقية فينبغي للمؤمن أن يتدبرها كثيرًا ومن رحمة الله أن شرعها لنا في اليوم والليلة سبعة عشرة مرة فرضًا في الفرائض الخمس مع ما يحصل من قراءتها في النوافل وفي غير ذلك، تذكيرًا لمعناها العظيم، وهكذا الالتزام بما دلت عليه من أن العبادة لله والاستعانة بالله وطلبه الهداية مع الثناء عليه والإيمان بأنه الرحمن الرحيم، وبأنه الإله الحق، وبأنه رب العالمين، وبأنه مالك يوم الدين، فاجتمع فيها كل شيء.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُسَدَّدٍ وَعَلِي بْنِ الْمَدِينِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ بِهِ، وَرَوَاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ من التفسير، وأبو داوود وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ بِهِ، وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عبدالرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ لِلْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أنس رحمه الله مَا يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ رَوَاهُ مَالِكٌ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ الْحُرَقِيِّ: أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ مَوْلَى ابن عَامِرِ بْنِ كَرِيزٍ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَادَى أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَهُوَ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ لَحِقَهُ قَالَ فَوَضَعَ النَّبِيُّ ﷺ يَدَهُ عَلَى يَدِي وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يخرج من باب المسجد ثم قال ﷺ:إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لا تَخْرُجَ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ حَتَّى تَعْلَمَ سُورَةً مَا أُنْزِلَ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي القرآن مثلها قال أُبَيَّ رضي الله عنه: فَجَعَلْتُ أُبْطِئُ فِي الْمَشْيِ رَجَاءَ ذَلِكَ ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السُّورَةُ الَّتِي وَعَدْتَنِي؟ قَالَ: كَيْفَ تَقْرَأُ إِذَا افْتَتَحْتَ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هِيَ هَذِهِ السُّورَةُ وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُ فَأَبُو سَعِيدٍ هَذَا لَيْسَ بِأَبِي سَعِيدِ بْنِ المعلى كما اعتقده ابن الأثير في جَامِعِ الْأُصُولِ وَمَنْ تَبِعَهُ فَإِنَّ ابْنَ الْمُعَلَّى صَحَابِيٌّ أَنْصَارِيٌّ وَهَذَا تَابِعِيٌّ مِنْ مَوَالِي خُزَاعَةَ، وذاك الحديث متصل صحيح، وهذا ظاهره أنه مُنْقَطِعٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ أَبُو سَعِيدٍ هَذَا مِنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَإِنْ كَانَ قَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ فَهُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا عبدالرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ عبدالرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَ: يَا أُبَيُّ، فَالْتَفَتَ ثُمَّ لَمْ يُجِبْهُ، ثم قال: أبيّ، فخفف أبيّ ثُمَّ انْصَرَفْ إِلَى رَسُولٍ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيْ رَسُولَ الله قال: وعليك السلام مَا مَنَعَكَ أَيْ أُبَيُّ إِذْ دَعَوْتُكَ أَنْ تجيبني، قال: أي رسول الله إني كُنْتُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ: أَوَلَسْتَ تَجِدُ فِيمَا أوحى الله تعالى إلي اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24] قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَعُودُ. قال: أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل لَا فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْقرآن مِثْلُهَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إني لأرجو أن لا أَخْرُجَ مِنْ هَذَا الْبَابِ حَتَّى تَعْلَمَهَا، قَالَ: فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِي يُحَدِّثُنِي وَأَنَا أَتَبَطَّأُ مَخَافَةَ أَنْ يَبْلُغَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْحَدِيثَ، فَلِمَا دَنَوْنَا مِنَ الْبَابِ قُلْتُ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ مَا السُّورَةُ الَّتِي وَعَدْتَنِي؟ قَالَ: مَا تَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ أُمَّ الْقُرْآنِ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلَهَا إِنَّهَا السَّبْعُ الْمَثَانِي. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه فَذَكَرَهُ وَعِنْدَهُ: إِنَّهَا مِنَ السَّبْعِ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الَّذِي أُعْطِيتُهُ.الشيخ: وهذا على شرط مسلم.
ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مالك، ورواه عبدالله ابن الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عبدالْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَذَكَرَهُ مُطَوَّلًا بِنَحْوِهِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ.
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا عَنْ أَبِي عَمَّارٍ حُسَيْنِ بْنِ حُرَيْثٍ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى عَنْ عبدالْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ مِثْلَ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَهِيَ مَقْسُومَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نصفين. هَذَا لفظ النسائي، وقال الترمذي: حديث حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا هَاشِمٌ يَعْنِي ابْنَ الْبَرِيدِ، حَدَّثَنَا عبداللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنِ ابْنِ جَابِرٍ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ اَهَرَاقَ الماء فقلت: السلام عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، قَالَ فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، قَالَ: فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، قَالَ: فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَمْشِي وَأَنَا خَلْفَهُ حَتَّى دَخَلَ رَحْلَهُ وَدَخَلْتُ أَنَا الْمَسْجِدَ فَجَلَسْتُ كَئِيبًا حَزِينًا فَخَرَجَ عَلَيَّ رسول الله ﷺ وقد تَطَهَّرَ فَقَالَ: عَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وبركاته وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وبركاته وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ يَا عبداللَّهِ بْنَ جَابِرٍ بِأَخْيَرِ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ اقْرَأِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَتَّى تَخْتِمَهَا هَذَا إِسْنَادٌ جيد، وابن عقيل هذا يحتج بِهِ الْأَئِمَّةُ الْكِبَارُ وَعبداللَّهِ بْنُ جَابِرٍ هذا الصَّحَابِيُّ ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ هُوَ الْعَبْدِيُّ والله أعلم.الشيخ: عبدالله بن جابر هذا صحابي غريب، وعبدالله بن محمد بن عقيل مضعف في الحديث واختلط في آخر حياته وحصل له بعض التغير وفي هذا المتن نكارة؛ كونه النبيﷺ ترك السلام عليه حتى دخل في رحله ثم رد عليه السلام ثلاث مرات، ورد السلام يجوز من المؤمن وإن كان على غير طهارة وإن كان على طهاة فأفضل، فالحاصل أن في صحته نظر من جهة تأخيره السلام ثلاث مرات ولم يقل له شيئًا حتى دخل رحله ثم رجع، ورد السلام عليه ثلاث مرات فيه غرابة ونكارة، لكن له شاهد من حديث آخر.
الطالب: أبو سعيد مولى ابن عامر خزاعي مقبول من الرابعة، مسلم وأبو داود في المراسيل والنسائي وابن ماجه.
وَعبداللَّهِ بْنُ جَابِرٍ هذا الصَّحَابِيُّ ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ هُوَ الْعَبْدِيُّ، وَيُقَالُ إِنَّهُ عبداللَّهِ بْنُ جَابِرٍ الْأَنْصَارِيُّ الْبَيَاضِيُّ فِيمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ.
وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَمْثَالِهِ عَلَى تَفَاضُلِ بَعْضِ الْآيَاتِ وَالسُّوَرِ عَلَى بَعْضٍ كَمَا هُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَابْنُ الحفار مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى إِلَى أَنَّهُ لَا تَفَاضُلَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ كَلَامُ اللَّهِ، وَلِئَلَّا يُوهِمَ التَّفْضِيلُ نَقْصَ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ فَاضِلًا، نَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَأَبِي حَاتِمِ بْنِ حيان الْبَسْتِيِّ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَرِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ مالك.الشيخ: هذا القول ضعيف جداً، والصواب أن القرآن يتفاضل وإن كان كله عظيمًا ولكن الله الذي جعل فيه التفاضل، كما أن الرسل يتفاضلون والأنبياء يتفاضلون فهكذا كلام الله يتفاضل، فالآيات التي في التوحيد والإيمان غير الآيات التي في الأحكام، والفاتحة غير السور الأخرى؛ ولهذا جاء بهذا الحديث الصحيح وفي الأحاديث الصحيحة حديث أبي هريرة وحديث أبي سعيد بن المعلى وما جاء في معناهما تفضيل الفاتحة وأنها أعظم السور، وجاء في آية الكرسي أنها أعظم آية في الصحيح أعظم آية في كتاب الله، وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] أنها تعدل ثلث القرآن، فالحاصل أنه يتفاضل وإن كان هو كلام الرب عز وجل وكله عظيم وكله فاضل، وكله حجة وكله خير من الله لكن لا مانع من كونه يتفاضل.
حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ: حدثنا محمد بن المثنى، وحدثنا وهب حدثنا هشام عن محمد عن مَعبد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كُنَّا فِي مَسِيرٍ لَنَا، فَنَزَلْنَا فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ فَقَالَتْ: إِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ سَلِيمٌ وَإِنَّ نَفَرَنَا غُيَّبٌ فَهَلْ مِنْكُمْ رَاقٍ؟ فَقَامَ مَعَهَا رَجُلٌ مَا كنا نأبنه برقية فرقاه فبرأ، فَأَمَرَ لَهُ بِثَلَاثِينَ شَاةً وَسَقَانَا لَبَنًا. فَلَمَّا رَجَعَ قُلْنَا لَهُ: أَكُنْتَ تُحْسِنُ رُقْيَةً أَوْ كنت ترقي؟الشيخ: يقال رقاه يرقيه إذا قرأ عليه مثل رواه يرويه يعني إذا قرأ عليه ونفث عليه، ويقال رقي يرقى إذا صعد
فقال: لَا مَا رَقَيْتُ إِلَّا بِأُمِّ الْكِتَابِ قُلْنَا: لَا تُحَدِّثُوا شَيْئًا حَتَّى نَأْتِيَ أَوْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَاهُ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: وَمَا كَانَ يُدْرِيهِ أَنَّهَا رُقْيَةٌ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ.
وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ: حَدَّثَنَا عبدالْوَارِثِ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ حَدَّثَنِي مَعبدبْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِهَذَا، وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامٍ وَهُوَ ابْنُ حَسَّانَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ بِهِ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخدري هُوَ الَّذِي رَقَى ذَلِكَ السَّلِيمَ يَعْنِي اللَّدِيغَ يسمونه بذلك تفاؤلا.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْأَحْوَصِ سَلَّامِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ رُزَيْقٍ عَنْ عبداللَّهِ بْنِ عِيسَى بْنِ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وعنده جبرائيل، إِذْ سَمِعَ نَقِيضًا فَوْقَهُ فَرَفَعَ جِبْرِيلُ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: هَذَا بَابٌ قَدْ فُتِحَ مِنَ السَّمَاءِ مَا فُتِحَ قَطُّ، قَالَ: فَنَزَلَ منه ملك فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة الْبَقَرَةِ لَنْ تَقْرَأَ حَرْفًا مِنْهُمَا إِلَّا أُوتِيتُهُ، وَهَذَا لَفْظُ النَّسَائِيِّ.الشيخ: وهذا مما احتج به على أنها نزلت مرتين، أنزلت في مكة وأنزلت في المدينة مع هذا الملك الخاص، خواتيم سورة البقرة آمن الرسول الآيتين.
ويدل على هذا أيضاً قوله جل وعلا: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ [الشعراء:193-194] وهو جبرائيل وهذا يعم القرآن كله، ثم هذا الملك غير جبرائيل جاء بالفاتحة وآخر سورة البقرة فهذا نزول ثان تأكيد للنزول الأول مع هذا الملك الجديد، فيكون بعض القرآن يأتي به ملك آخر غير جبرائيل؛ تأكيدًا لما نزل به جبرائيل، وإلا فقد نزل به جبرائيل جميعًا.
وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ حَدِيثٌ آخَرُ، قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ (هُوَ ابْنُ رَاهَوَيْهِ) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الْعَلَاءِ، (يَعْنِي ابْنَ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ يعقوب الحرقي) عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بأُمَّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ -ثَلَاثًا- غَيْرُ تَمَامٍ. فقيل لأبي هريرة: إنا نكون خلف الإمام، فقال: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِﷺيَقُولُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عبدي، وإذا قال: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَالَ اللَّهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال الله: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي، فإذا قال: إِيَّاكَ نَعبدوَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ قال الله: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَقَدْ رَوَيَاهُ أَيْضًا عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهِ، وَفِي هَذَا السِّيَاقِ فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ.
وَهكَذَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الْعَلَاءِ وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي السَّائِبِ هَكَذَا.
وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي السَّائِبِ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَسَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ عَنْهُ فَقَالَ: كِلَا الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ، مَنْ قَالَ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ وَعَنِ العلاء عن أبي السائب. وقد روى هذا الحديث عبدالله بن الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مطولا.
وقال ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ الْمَرْوَزِيُّ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ بْنُ سعيد عن مطرف بن طريف عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عبداللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلَهُ مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعبدالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ قَالَ: حَمِدَنِي عَبْدِي وَإِذَا قَالَ: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَالَ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، ثُمَّ قَالَ: هَذَا لِي وَلَهُ مَا بَقِيَ. وَهَذَا غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
الْكَلَامُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْفَاتِحَةِ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَدْ أَطْلَقَ فِيهِ لَفْظَ الصَّلَاةِ، وَالْمُرَادُ الْقِرَاءَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا [الْإِسْرَاءِ:110] أَيْ بِقِرَاءَتِكَ كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهَكَذَا قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» ثُمَّ بين تفصيل هذه القسمة في قراءة الفاتحة فَدَلَّ عَلَى عِظَمِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَّهَا من أكبر أركانها إذا أُطْلِقَتِ الْعِبَادَةُ وَأُرِيدَ بِهَا جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْهَا هو الْقِرَاءَةُ، كَمَا أَطْلَقَ لَفْظَ الْقِرَاءَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي قَوْلِهِ: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً [الْإِسْرَاءِ:78] وَالْمُرَادُ صَلَاةُ الْفَجْرِ كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ يَشْهَدُهَا مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فَدَلَّ هَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ اتِّفَاقٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةٍ نَذْكُرُهَا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، وَذَلِكَ أَنَّهُ هَلْ يَتَعَيَّنُ لِلْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ غير فَاتِحَةُ الْكِتَابِ أَمْ تُجْزِئُ هِيَ أَوْ غَيْرُهَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ، أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بَلْ مَهْمَا قَرَأَ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ أَجْزَأَهُ فِي الصَّلَاةِ وَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [الْمُزَّمِّلِ:20] وَبِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الْمُسِيءِ في صَلَاتَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لَهُ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ قَالُوا فَأَمَرَهُ بِقِرَاءَةِ مَا تَيَسَّرَ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الْفَاتِحَةَ وَلَا غَيْرَهَا فدل على ما قلنا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَتَعَيَّنُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ بِدُونِهَا، وَهُوَ قَوْلُ بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابُهُمْ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ حَيْثُ قَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ وَالْخِدَاجُ هُوَ النَّاقِصُ كَمَا فَسَّرَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ غَيْرُ تَمَامٍ.
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَفِي صَحِيحِ ابْنِ خزيمة وابن حبان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ وَوَجْهُ الْمُنَاظَرَةِ هَاهُنَا يَطُولُ ذِكْرُهُ وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى مَأْخَذِهِمْ فِي ذَلِكَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ.الشيخ: وهذا القول الأخير هو الصواب، وهو قول الجمهور؛ فإنه مفسر لقوله: فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [الْمُزَّمِّلِ:20] ومفسر لقوله: ثم اقرأ بما تيسر من القرآن فالآية والحديث مطلقان، وحديث عبادة وما جاء في معناه حديث مفسر واضح، ويحمل المجمل والمطلق على المفسر.
... أن يقال عام الآية عامة والحديث عام فاقرأ ما تيسر معك من القرآن وكذا فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل:20] هذا عام، وحديث عبادة وما جاء في معناه خاص، والخاص يقضي على العام، والمقيد يقضي على المطلق، ولهذا ذهب الجمهور إلى تعين الفاتحة وأن الواجب أن تكون القراءة بالفاتحة في جميع الصلوات النفل والفرض، على الإمام والمأموم والمنفرد أما الإمام والمنفرد فهو محل إجماع أنه لا بدّ من قراءتها وأما المأموم فهل تجب عليه أو يتحملها عنه الإمام؟ والأظهر أنه لا يتحملها بل تجب عليه لعموم الأدلة ولما جاء في حديث عبادة: لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها وحديث: فهي خداج فهي خداج رواه مسلم في الصحيح واضح في وجوبها.
ثُمَّ إِنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ تَجِبُ قِرَاءَتُهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا تَجِبُ قِرَاءَتُهَا فِي مُعْظَمِ الرَّكَعَاتِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَأَكْثَرُ الْبَصْرِيِّينَ: إِنَّمَا تَجِبُ قِرَاءَتُهَا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ أَخْذًا بِمُطْلَقِ الْحَدِيثِ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَا تَتَعَيَّنُ قِرَاءَتُهَا بَلْ لَوْ قَرَأَ بِغَيْرِهَا أَجْزَأَهُ لِقَوْلِهِ تعالى: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل:20] وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ فِي فَرِيضَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَفِي صِحَّةِ هَذَا نظر وموضع تحرير هذا كله في كتاب الأحكام الكبير والله أعلم.
والوجه الثَّالِثُ: هَلْ تَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ:
[أَحَدُهَا] أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهَا كَمَا تَجِبُ عَلَى إِمَامِهِ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
[وَالثَّانِي] لَا تَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ قراءة بالكلية لا الفاتحة ولا غيرها ولا فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ وَلَا السِّرِّيَّةِ، لِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عبداللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺأَنَّهُ قَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ. وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ وَهَبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرٍ مِنْ كَلَامِهِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ] أَنَّهُ تَجِبُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَأْمُومِ فِي السِّرِّيَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ، ولا يجب ذلك فِي الْجَهْرِيَّةِ لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ، وَهَكَذَا رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّﷺ أَنَّهُ قَالَ: وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا وَقَدْ صَحَّحَهُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَيْضًا، فَدَلَّ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَرِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رحمه الله تعالى.الشيخ: والأظهر وجوبها حتى في الجهرية؛ لأن العام يقضي عليه الخاص، وأحاديث الفاتحة خاصة فتقضي على جميع العمومات فيقرأها في الجهرية والسرية الإمام والمأموم والمنفرد كلهم يقرؤون الفاتحة في كل ركعة، فالأظهر والصواب أنها تقرأ في كل ركعة.
وَالْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ هَاهُنَا بَيَانُ اخْتِصَاصِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ بِأَحْكَامٍ لَا تَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهَا مِنَ السُّوَرِ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ حَدَّثَنَا غَسَّانُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا وَضَعْتَ جَنْبَكَ على الفراش وقرأت فاتحة الكتاب وقل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَقَدْ أَمِنْتَ مِنْ كُلِّ شيء إلا الموت.الأسئلة:
س: هل في هذا الحديث مشروعية قراءة الفاتحة عند النوم؟
ج: لا أعرف قد تتبعته وما ورد فيها شيء صحيح، لا أعلم فيها شيء صحيح، المعروف عند النوم قراءة آية الكرسي، وقل هو الله أحد والمعوذتين، وقراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في كل ليلة سواء كان عند النوم أو قبل النوم، أما قراءة الفاتحة عند النوم فما أعرفه إلا من هذا الحديث وغسان كما يعلم ليس ممن يعتمد عليه.
لكن أعجب من المؤلف عدم التنبيه مع حفظه وجلالته فسبحان الله!.
تَفْسِيرِ الِاسْتِعَاذَةِ وأحكامها
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ. وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الْأَعْرَافِ:199-200] وَقَالَ تَعَالَى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (96) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [الْمُؤْمِنُونَ:96-97] وَقَالَ تَعَالَى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فُصِّلَتْ:34-36] فَهَذِهِ ثَلَاثُ آيَاتٍ لَيْسَ لَهُنَّ رابعة في معناها وهو أن الله تعالى يَأْمُرُ بِمُصَانَعَةِ الْعَدُوِّ الْإِنْسِيِّ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ لِيَرُدَّهُ عَنْهُ طَبْعُهُ الطَّيِّبُ الْأَصْلِ عما هو فيه من الأذى إِلَى الْمُوَادَّةِ وَالْمُصَافَاةِ، وَيَأْمُرُ بِالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ مِنَ الْعَدُوِّ الشَّيْطَانِيِّ لَا مَحَالَةَ إِذْ لَا يَقْبَلُ مُصَانَعَةً وَلَا إِحْسَانًا وَلَا يَبْتَغِي غَيْرَ هَلَاكِ ابْنِ آدَمَ لِشِدَّةِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ آدَمَ مِنْ قَبْلُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ [الأعراف:27] وقال تَعَالَى: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ [فَاطِرٍ:6] وَقَالَ: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا [الْكَهْفِ:50] وَقَدْ أَقْسَمَ للوالد آدم عليه السلام أنه له لَمِنَ النَّاصِحِينَ وَكَذَبَ فَكَيْفَ مُعَامَلَتُهُ لَنَا وَقَدْ قَالَ: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص:82-83] وَقَالَ تَعَالَى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ [النَّحْلِ:98-100].
قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ وَغَيْرِهِمْ: نَتَعَوَّذُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، وَاعْتَمَدُوا عَلَى ظَاهِرِ سِيَاقِ الْآيَةِ، وَلِدَفْعِ الْإِعْجَابِ بَعْدَ فَرَاغِ الْعِبَادَةِ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلى ذلك حمزة فيما نقله عنه ابن قلوقا، وَأَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ، حَكَى ذَلِكَ أَبُو الْقَاسِمِ يُوسُفُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ جُبَارَةَ الْهُذَلِيُّ الْمَغْرِبِيُّ في كتابه «الْكَامِلِ» وَرُوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا وَهُوَ غريب. ونقله مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَدَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيِّ الظَّاهِرِيِّ.
وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ عَنِ الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: أن الاستعاذة إنما تكون قبل التلاوة لدفع الموسوس فيها وَمَعْنَى الْآيَةِ عِنْدَهُمْ فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ [النَّحْلِ:98] أَيْ إِذَا أردت القراءة كقوله تعالى: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ [الْمَائِدَةِ:6] أَيْ إِذَا أَرَدْتُمُ الْقِيَامَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِذَلِكَ.الشيخ: بهذا المقال يوضح الحافظ ابن كثير رحمه الله أخذًا من الآيات الكريمات والأحاديث الصحيحة النبوية عداوة هذا الشيطان وحرصه على إغواء بني آدم، وأنه عدو مبين لا حيلة فيه ولا مصانعة معه ولا طريق إلى النجاة منه إلا بالاستعاذة بالله منه سبحانه وتعالى الذي خلقه وأنظره، فلا طريق للنجاة منه إلا بالتعوذ بالله واللجأ إلى الله، والاستقامة على طاعته سبحانه وتعالى هذا هو الطريق الذي به النجاة من عدو الله الشيطان ووساوسه وذريته وأعوانه.
أما العدو الإنسي فيمكن أن يصانع بالمال، ولهذا قال عز وجل: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ [المؤمنون:96] ثم قال بعد ذلك: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [المؤمنون:97، 98] فأمره أن يدفع بالتي هي أحسن السيئة فيما بينه وبين الناس.
وهكذا قوله عز وجل ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34] وقال جل وعلا: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199] ثم قال بعدها: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف:200].
فالشيطان إنما الطريق الوحيد للاستعاذة منه ومن مكائده التعوذ بالله من همزاته ونزغاته، والاستغاثة بالله، والاستقامة على دينه وطاعته سبحانه، والحذر من طاعة الشيطان، فإنك لو فتحت له الباب أعنته على نفسك، متى عصيت ربك فقد فتحت الباب فالمعصية تعينه عليك أما الطاعات فهي ضده وهي عون لك عليها ومن أسباب توفيق الله لك وحمايته لك ومن جملة ذلك الاستعاذة تستعيذ به سبحانه في كل مكان وفي كل زمان تلجأ إلى الله دائمًا أن يعيذك من الشيطان ونزغاته.
وعند القراءة يقول سبحانه: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98] قال بعضهم: أنك تستعيذ بعد القراءة حتى لا تعجب بها وحتى لا يوقعك في العجب والكبرياء، وقال بعضهم: تستعيذ بالله في أولها وبعد الفراغ منها.
والصواب الذي عليه جمهور أهل العلم أن الاستعاذة تكون في أول القراءة حتى تبتغي طرد الشيطان في قراءتك فمعنى قوله سبحانه: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98] معناه فإذا أردت قراءة فاستعذ بالله مثل ما في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فاغسلوا وجوهكم [المائدة:6] أي إذا أردتم القيام وأنتم على غير طهارة فاغسلوا وجوهكم، ومثل قوله عليه الصلاة والسلام: {ذا دخل أحدكم الخلاء فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث يعني إذا أراد الدخول، وهكذا قوله سبحانه وتعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ أي إذا أردت القراءة فاستعذ تتقي بذلك شر عدو الله وتتقي مكايده وتلبيسه وبهذا يعلم طالب العلم بأنه في أشد الحاجة بل في أشد الضرورة لإعانة ربه له على هذا العدو وإعاذته له منه، ودفاعه عنه فهو خير مدافع عن الذين آمنوا.
فالجأ إلى الله في كل حال واستعن به في كل حال من هذا العدو ومن سائر الأعداء لعلك تنجو لعلك توفق إذا صدقت.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بن أنس حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ الرِّفَاعِيِّ الْيَشْكُرِيِّ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْتَفْتَحَ صَلَاتَهُ وَكَبَّرَ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ وَيَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثَلَاثًا-ثُمَّ يَقُولُ-أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ وَقَدْ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ رِوَايَةِ جعفر بن سليمان عن علي بن علي وهو الرفاعي، وقال الترمذي: هو أشهر شيء فِي هَذَا الْبَابِ، وَقَدْ فَسَّرَ الْهَمْزَ بِالْمَوْتَةِ وَهِيَ الْخَنْقُ، وَالنَّفْخَ بِالْكِبْرِ وَالنَّفْثَ بِالشِّعْرِ.
كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَاصِمٍ العنزي عن نافع بن جبير بن المطعم عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺحِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ثَلَاثًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا ثَلَاثًا، سُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ثَلَاثًا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ قال عمرو: همزه الْمُوْتَةُ وَنَفْخُهُ الْكِبْرُ وَنَفْثُهُ الشِّعْرُ.الشيخ: الموتة يعني الصرع، صرع الإنسان يشبه الموت يسقط كأنه ميت وهو الخنق.
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عبدالرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَهَمْزِهِ ونفخه ونفثه قال: همزه الموتة ونفخه الكبر ونفثه الشعر.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺإِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا عبداللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانِ الكوفي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هاشم بْنِ الْبَرِيدِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عبدالْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: تَلَاحَى رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَتَمَزَّعَ أَنْفُ أَحَدِهِمَا غَضَبًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِنِّي لأعلم شيئا لو قاله لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عِيسَى الْمَرْوَزِيِّ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِي، بِهِ.
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ زَائِدَةَ، وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى عَنْ جَرِيرِ بْنِ عبدالْحَمِيدِ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ في اليوم والليلة عَنْ بُنْدَارٍ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ عَنِ الثَّوْرِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ ثلاثتهم عن عبدالملك بن عمير عَنْ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَغَضِبَ أَحَدُهُمَا غضبا شديدا حتى يخيل إِلَيَّ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَتَمَزَّعُ أَنْفُهُ مِنْ شِدَّةِ غَضَبِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنِّي لِأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ ما يجد من الغضب فقال: مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ قال: فجعل معاذ يأمره فأبى وَجَعَلَ يَزْدَادُ غَضَبًا وَهَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: مُرْسَلٌ، يَعْنِي أَنَّ عبدالرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى لَمْ يَلْقَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ فَإِنَّهُ مَاتَ قَبْلَ سَنَةِ عِشْرِينَ.
قُلْتُ: وَقَدْ يَكُونُ عبدالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى سَمِعَهُ مِنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَبَلَّغَهُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فَإِنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ شَهِدَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ صرد رضي الله عنه: اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺوَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ فَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ إِنِّي لِأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَقَالُوا لِلرَّجُلِ أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ. وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا مَعَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ.الشيخ: وهذا الذي قال: لست بمجنون! حمله ذلك على شدة الغضب، مع شدة الغضب ما وعى، فلم يرعوي لأن غضبه قد استولى عليه، أو كان لا يؤمن بالله وبرسوله، ولهذا لم يقل ولم يستجب ولم يقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لما سمع كلام الرسول ﷺ.
فهذا إما أن يكون مع شدة غضبه صار كالمجنون لا يعي ما يقول، وإما أنه كان منافقًا لا يرعوي لما يقوله الرسولﷺ. نسأل الله السلامة.
وَقَدْ جَاءَ فِي الِاسْتِعَاذَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا هَاهُنَا وَمَوْطِنُهَا كِتَابُ الْأَذْكَارِ وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوَّلَ مَا نَزَلَ بِالْقُرْآنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَمَرَهُ بِالِاسْتِعَاذَةِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عِمَارَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو رَوْقٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنْ عبداللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ اسْتَعِذْ قَالَ: أَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» ثُمَّ قَالَ: قُلْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثُمَّ قَالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ قَالَ عبداللَّهِ: وَهِيَ أَوَّلُ سُورَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ بِلِسَانِ جِبْرِيلَ.
وَهَذَا الْأَثَرُ غَرِيبٌ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ لِيُعْرَفَ فَإِنَّ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفًا وَانْقِطَاعًا.
وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ مُسْتَحَبَّةٌ لَيْسَتْ بِمُتَحَتِّمَةٍ يَأْثَمُ تَارِكُهَا، وحكى الرازي عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وُجُوبَهَا فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا كُلَّمَا أَرَادَ الْقِرَاءَةَ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِذَا تَعَوَّذَ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي عُمْرِهِ فَقَدْ كَفَى فِي إِسْقَاطِ الْوُجُوبِ وَاحْتَجَّ الرازي لِعَطَاءٍ بِظَاهِرِ الْآيَةِ (فَاسْتَعِذْ) وَهُوَ أَمْرٌ ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ وَبِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّﷺ عَلَيْهَا وَلِأَنَّهَا تَدْرَأُ شَرَّ الشَّيْطَانِ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَلِأَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ أَحْوَطُ وَهُوَ أَحَدُ مَسَالِكِ الْوُجُوبِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ وَاجِبَةٌ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ دُونَ أُمَّتِهِ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَتَعَوَّذُ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَيَتَعَوَّذُ لِقِيَامِ رمضان في أول ليلة منه.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الْإِمْلَاءِ يَجْهَرُ بِالتَّعَوُّذِ وَإِنْ أَسَرَّ فَلَا يَضُرُّ، وَقَالَ فِي «الْأُمِّ» بِالتَّخْيِيرِ لِأَنَّهُ أَسَرَّ ابْنُ عُمَرَ وَجَهَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا عَدَا الرَّكْعَةِ الْأُولَى هَلْ يُسْتَحَبُّ التَّعَوُّذُ فِيهَا عَلَى قَوْلَيْنِ وَرُجَّحَ عَدَمَ الِاسْتِحْبَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.الشيخ: الجمهور على أنها سنة مؤكدة عند بدء القراءة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أما البسملة فهي متأكدة أكثر في أول كل سورة ما عدا براءة حتى قال بعض أهل العلم: إنها آية من كل سورة فلا بدّ من قراءتها، وقال آخرون أنها آية من الفاتحة دون غيرها.
والصواب أنها آية مستقلة ليست من الفاتحة ولا من غيرها لكن مستقلة بدءًا للسور وفتحًا للسور وتبركًا باسمه سبحانه وتعالى عند بدء كل سورة ما عدا براءة فإن الصحابة لما جمعوا القرآن شكوا في الأنفال وبراءة هل هما سورتان أم سورة واحدة؟ ولهذا لم يكتبوا بينهما بسم الله الرحمن الرحيم كما قال عثمان.
فينبغي للمؤمن أن يقرأ البسملة في أول كل سورة وينبغي لها أن يتعوذ أيضاً قبل ذلك حتى يجمع بين السنتين. وهذا الذي عليه جمهور أهل العلم.
وأما قول عطاء بالوجوب فله قوة لظاهر الأوامر فينبغي للمؤمن ألا يدعها أبدًا لأن الله أمر بذلك والرسول ﷺ فعلها واستمر عليها، فينبغي للمؤمن إذا أراد القراءة أن يبدأ بالتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم يضم إليها البسملة إن كان من أول السورة وإن كان من أثناء السورة فالأمر واسع إن أتى بالبسملة فلا بأس، وإن اكتفى بالاستعاذة كفى، وظاهر الآية الكريمة أنه يكتفى بالاستعاذة إلا إذا أراد أن يبدأ بالسورة بدأها بالاستعاذة ثم التسمية، حتى يجمع بين السنتين.
وأما قوله عن مالك أنه كان يستعيذ في النفل أو في رمضان فهذا لا وجه له، بل الذي عليه جمهور أهل العلم التسمية والاستعاذة في الليل والنهار وفي الفرض وفي النفل، وفي الصلاة وخارجها.
فَإِذَا قَالَ الْمُسْتَعِيذُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ كَفَى ذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَزَادَ بَعْضُهُمْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ، وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّ الله هو السميع العليم، قال الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَقُولُ: أَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، لِمُطَابَقَةِ أَمْرِ الْآيَةِ وَلِحَدِيثِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ كَمَا تَقَدَّمَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مِنْ هَذَا.الشيخ: والإنسان مخير إذا قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، كله حسن، وهكذا من همزه ونفخه ونفثه كل هذه استجارة الله واستعاذة به سبحانه وتعالى.
ثُمَّ الِاسْتِعَاذَةُ فِي الصَّلَاةِ إِنَّمَا هِيَ لِلتِّلَاوَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: بَلْ لِلصَّلَاةِ، فَعَلَى هَذَا يَتَعَوَّذُ الْمَأْمُومُ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْرَأُ وَيَتَعَوَّذُ فِي الْعِيدِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَالْجُمْهُورُ بَعْدَهَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَمِنْ لَطَائِفِ الِاسْتِعَاذَةِ أَنَّهَا طَهَارَةٌ لِلْفَمِ مِمَّا كَانَ يتعاطاه من اللغو والرفث وتطييب له وهو لِتِلَاوَةِ كَلَامِ اللَّهِ وَهِيَ اسْتِعَانَةٌ بِاللَّهِ وَاعْتِرَافٌ لَهُ بِالْقُدْرَةِ وَلِلْعبدبِالضَّعْفِ وَالْعَجْزِ عَنْ مُقَاوَمَةِ هَذَا الْعَدُوِّ الْمُبِينِ الْبَاطِنِيِّ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ وَدَفْعِهِ إِلَّا اللَّهُ الَّذِي خَلَقَهُ وَلَا يَقْبَلُ مُصَانَعَةً وَلَا يُدَارَى بِالْإِحْسَانِ بِخِلَافِ الْعَدُوِّ مِنْ نَوْعِ الْإِنْسَانِ كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذلك آيات من الْقُرْآنِ فِي ثَلَاثٍ مِنَ الْمَثَانِي وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا [الْإِسْرَاءِ:65] وَقَدْ نَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ لِمُقَاتَلَةِ العدو البشري فمن قتله العدو الظاهري الْبَشَرِيُّ كَانَ شَهِيدًا، وَمِنْ قَتَلَهُ الْعَدُوُّ الْبَاطِنِيُّ كان طريدا، ومن غلبه العدو الظاهري كان مأجورا، ومن قهره العدو الباطني كَانَ مَفْتُونًا أَوْ مَوْزُورًا، وَلَمَّا كَانَ الشَّيْطَانُ يَرَى الْإِنْسَانَ مِنْ حَيْثُ لَا يَرَاهُ اسْتَعَاذَ مِنْهُ بِالَّذِي يَرَاهُ وَلَا يَرَاهُ الشَّيْطَانُ.س: الاستعاذة عند التثاؤب؟
ج: لا أعرف لها أصلا، لكن معروف أنه من الشيطان، التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب واستعاذ بالله فلا نعلم فيه بأسًا. لكن لا أعلم أن ورد فيه شيئًا، إنما يفعله الناس؛ لأنهم يعلمون أن التثاؤب من الشيطان.
[فَصْلٌ] والاستعاذة هي الالتجاء إلى الله تعالى وَالِالْتِصَاقُ بِجَنَابِهِ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ وَالْعِيَاذَةُ تَكُونُ لِدَفْعِ الشَّرِّ وَاللِّيَاذُ يَكُونُ لِطَلَبِ جلب الخير كما قال المتنبي:
وَمَعْنَى أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ أَيْ أَسْتَجِيرُ بِجَنَابِ اللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ أَنْ يَضُرَّنِي فِي دِينِي أَوْ دُنْيَايَ أَوْ يَصُدَّنِي عَنْ فِعْلِ مَا أُمِرْتُ بِهِ، أَوْ يَحُثَّنِي عَلَى فِعْلِ مَا نُهِيتُ عَنْهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَكُفُّهُ عَنِ الْإِنْسَانِ إِلَّا اللَّهُ، وَلِهَذَا أمر تَعَالَى بِمُصَانَعَةِ شَيْطَانِ الْإِنْسِ وَمُدَارَاتِهِ بِإِسْدَاءِ الْجَمِيلِ إِلَيْهِ لِيَرُدَّهُ طَبْعُهُ عَمَّا هُوَ فِيهِ مِنَ الْأَذَى.
الشيخ: لهذا قال سبحانه: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34] فالإنسي يدفع بأشياء كثيرة من مقابلة السيئة بالإحسان من دفع المال من الشفاعة إليه بأقاربه وأخصائه إلى غير هذا. أما عدو الله الشيطان وجنوده فلا يدفعهم إلا الله سبحانه وتعالى، هو الذي بيده صدهم ودفعهم... ولهذا شرع سبحانه أن نلجأ إليه بالاستعاذة به من الشيطان الرجيم، عند القراءة وفي مواضع أخرى، فالمؤمن يلوذ بالله ويستعيذ به سبحانه وتعالى يعوذ به من شر الشيطان ويلوذ به في كل ما يرجوه ويؤمله، فالعياذة في دفع الشر، واللياذة في طلب الخير.يَا مَنْ أَلُوذُ بِهِ فِيمَا أُؤَمِّلُهُ | وَمَنْ أَعُوذُ بِهِ مِمَّنْ أُحَاذِرُهُ |
لَا تجْبُرُ النَّاسُ عَظْمًا أَنْتَ كَاسِرُهُ | وَلَا يَهِيضُونَ عَظْمًا أَنْتَ جابره |
وعدو الله الشيطان وسائر شياطين الجن لا يصدهم عنك ولا يمنعهم منك إلا مولاك سبحانه فهو القادر عليهم جل وعلا، فجدير بالمؤمن أن يلجأ إلى الله دائمًا وأن يستعين به من الشيطان في جميع الأحوال، وأن يتخذ أسباب ذلك من طاعة الله ورسوله والبعد عما نهى الله عنه ورسوله، فإن الإقدام على المعاصي من أعظم الأسباب التي تعينه عليك وتمكنه منك، فإن من عصى الله فتح لعدوه الباب، وكلما زادت المعاصي زاد اتساع الباب واتساع الخرق لدنو الشيطان وتمكنه منك، وكلما أغلقت الباب واجتهدت في إغلاقه بأداء الواجبات وترك المحرمات كنت أبعد ما يكون عن عدوك الشيطان.
وَأَمَرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ مِنْ شَيْطَانِ الْجِنِّ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ رَشْوَةً وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ جَمِيلٌ لِأَنَّهُ شِرِّيرٌ بِالطَّبْعِ وَلَا يَكُفُّهُ عَنْكَ إِلَّا الَّذِي خَلَقَهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ لَا أَعْلَمُ لَهُنَّ رَابِعَةً قَوْلُهُ فِي الْأَعْرَافِ: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ [الْأَعْرَافِ:199] فَهَذَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمُعَامَلَةِ الْأَعْدَاءِ مِنَ الْبَشَرِ ثُمَّ قَالَ: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الْأَعْرَافِ:200] وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [الْمُؤْمِنُونَ:96-98] وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ حم السَّجْدَةِ: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فُصِّلَتْ:34-36].الشيخ: وتقدم التنبيه على هذا.
والشيطان فِي لُغَةِ الْعَرَبِ مُشْتَقٌّ مِنْ شَطَنَ إِذَا بَعُدَ، فَهُوَ بَعِيدٌ بِطَبْعِهِ عَنْ طِبَاعِ الْبَشَرِ وَبَعِيدٌ بِفِسْقِهِ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَقِيلَ مُشْتَقٌّ مِنْ شَاطَ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ نَارٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: كِلَاهُمَا صَحِيحٌ فِي الْمَعْنَى وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الْعَرَبِ قَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ فِي ذِكْرِ مَا أوتي سليمان عليه السلام:
فَقَالَ: أَيُّمَا شَاطِنٍ وَلَمْ يَقُلْ أَيُّمَا شَائِطٍ.
وَقَالَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ وَهُوَ زِيَادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَابِرِ بْنِ ضَبَابِ بْنِ يَرْبُوعَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ سَعْدِ بن ذبيان:
يَقُولُ: بَعُدَتْ بِهَا طَرِيقٌ بَعِيدَةٌ.
وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: الْعَرَبُ تَقُولُ تَشَيْطَنَ فُلَانٌ إِذَا فَعَلَ فعل الشياطين ولو كان من شاط لقالوا تشيط فالشيطان مُشْتَقٌّ مِنَ الْبُعْدِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلِهَذَا يُسَمُّونَ كل من تَمَرَّدَ مِنْ جِنِّيٍّ وَإِنْسِيٍّ وَحَيَوَانٍ شَيْطَانًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [الْأَنْعَامِ:112].
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا أَبَا ذَرٍّ تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شياطين الإنس والجن فقلت أو للإنس شَيَاطِينُ؟ قَالَ: «نَعَمْ».
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَيْضًا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْأَحْمَرِ وَالْأَصْفَرِ؟ فَقَالَ: الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ركب برذونا فجعل يَتَبَخْتَرُ بِهِ فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ فَلَا يَزْدَادُ إِلَّا تَبَخْتُرًا فَنَزَلَ عَنْهُ وَقَالَ مَا حَمَلْتُمُونِي إِلَّا عَلَى شَيْطَانٍ مَا نَزَلْتُ عَنْهُ حَتَّى أَنْكَرْتُ نفسي. إسناده صحيح.
والرجيم فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ أَنَّهُ مَرْجُومٌ مَطْرُودٌ عَنِ الْخَيْرِ كُلِّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ [الْمُلْكِ:5] وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ [الصَّافَّاتِ:6-10] وَقَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ [الْحِجْرِ:16-18] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ وَقِيلَ رَجِيمٌ بِمَعْنَى رَاجِمٍ لِأَنَّهُ يَرْجُمُ النَّاسَ بِالْوَسَاوِسِ والربائث.
الشيخ: ربائث الشيء الذي يثبط عن الخير والطاعة، الربيث ما يربثك يعني ما يعوقك.أَيُّمَا شَاطِنٍ عَصَاهُ عَكَاهُ | ثُمَّ يُلْقَى فِي السِّجْنِ وَالْأَغْلَالِ |
وَقَالَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ وَهُوَ زِيَادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَابِرِ بْنِ ضَبَابِ بْنِ يَرْبُوعَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ سَعْدِ بن ذبيان:
نأت بسعاد عنك نوى شطون | فباتت والفؤاد بها رَهِينُ |
وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: الْعَرَبُ تَقُولُ تَشَيْطَنَ فُلَانٌ إِذَا فَعَلَ فعل الشياطين ولو كان من شاط لقالوا تشيط فالشيطان مُشْتَقٌّ مِنَ الْبُعْدِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلِهَذَا يُسَمُّونَ كل من تَمَرَّدَ مِنْ جِنِّيٍّ وَإِنْسِيٍّ وَحَيَوَانٍ شَيْطَانًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [الْأَنْعَامِ:112].
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا أَبَا ذَرٍّ تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شياطين الإنس والجن فقلت أو للإنس شَيَاطِينُ؟ قَالَ: «نَعَمْ».
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَيْضًا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْأَحْمَرِ وَالْأَصْفَرِ؟ فَقَالَ: الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ركب برذونا فجعل يَتَبَخْتَرُ بِهِ فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ فَلَا يَزْدَادُ إِلَّا تَبَخْتُرًا فَنَزَلَ عَنْهُ وَقَالَ مَا حَمَلْتُمُونِي إِلَّا عَلَى شَيْطَانٍ مَا نَزَلْتُ عَنْهُ حَتَّى أَنْكَرْتُ نفسي. إسناده صحيح.
والرجيم فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ أَنَّهُ مَرْجُومٌ مَطْرُودٌ عَنِ الْخَيْرِ كُلِّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ [الْمُلْكِ:5] وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ [الصَّافَّاتِ:6-10] وَقَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ [الْحِجْرِ:16-18] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ وَقِيلَ رَجِيمٌ بِمَعْنَى رَاجِمٍ لِأَنَّهُ يَرْجُمُ النَّاسَ بِالْوَسَاوِسِ والربائث.
وَقِيلَ رَجِيمٌ بِمَعْنَى رَاجِمٍ لِأَنَّهُ يَرْجُمُ النَّاسَ بِالْوَسَاوِسِ والربائث والأول أشهر وأصح.الشيخ: يعني الأول أنه بمعنى مطرود يعني يطرد ويبعد عن رحمة الله.
[سورة الفاتحة (1): آية 1]
[بسم الله الرحمن الرحيم] افْتَتَحَ بِهَا الصَّحَابَةُ كِتَابَ اللَّهِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا بَعْضُ آيَةٍ مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ.الشيخ: وهي في قوله جل وعلا: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30]
ثم اختلفوا هل هِيَ آيَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ أَوْ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ كُتِبَتْ فِي أولها أو أنها بعض آية من كُلِّ سُورَةٍ أَوْ أَنَّهَا كَذَلِكَ فِي الْفَاتِحَةِ دُونَ غَيْرِهَا أَوْ أَنَّهَا إِنَّمَا كُتِبَتْ لِلْفَصْلِ لَا أَنَّهَا آيَةٌ عَلَى أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ سَلَفًا وَخَلَفًا وَذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَبُو عبداللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ فِي مُسْتَدْرَكِهِ أَيْضًا، وَرُوِيَ مُرْسَلًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
وَفِي صَحِيحِ ابْنِ خزيمة عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَرَأَ الْبَسْمَلَةَ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ وَعَدَّهَا آيَةً، لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ هَارُونَ البلخي، وفيه ضعف، عن ابن جريح عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْهَا.الشيخ: وعمر هذا ليس بشيء، عمر هذا متهم بالكذب. والصواب أنها آية مستقلة من كتاب الله جل وعلا فصل بين السور، آية مستقلة وليست من الفاتحة ولا من غيرها، فهي آية مستقلة للفصل بين السور وهذا أحسن ما قاله العلماء فيها وهي بعض آية من سورة النمل، والفاتحة سبع آيات من دونها، أولها الحمد لله رب العالمين وآخرها غير المغضوب عليهم ولا الضآلين.
لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ هَارُونَ البلخي، وفيه ضعف، عن ابن جريح عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْهَا.
وَرَوَى لَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مُتَابِعًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَرَوَى مِثْلَهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا. وَمِمَّنْ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهَا آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ إِلَّا بَرَاءَةٌ: ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَلِيٌّ، وَمِنَ التَّابِعِينَ: عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَبِهِ يَقُولُ عبداللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا: لَيْسَتْ آيَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ وَلَا مِنْ غَيْرِهَا مِنَ السُّوَرِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ مَذْهَبِهِ هِيَ آيَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ وَلَيْسَتْ مِنْ غَيْرِهَا وَعَنْهُ أَنَّهَا بَعْضُ آيَةٍ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ وَهُمَا غَرِيبَانِ.
وَقَالَ دَاوُدُ: هِيَ آيَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ لا منها، وهذا رِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَحَكَاهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ، وَهُمَا مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمُ الله. هذا ما يتعلق بكونها آية من الفاتحة أم لا.الشيخ: وهذا أحسنها أنها آية مستقلة فليست من الفاتحة ولا من غيرها، ولكنها بعض آية من سورة النمل.
فأما الجهر بها فَمُفَرَّعٌ عَلَى هَذَا، فَمَنْ رَأَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْفَاتِحَةِ فَلَا يَجْهَرُ بِهَا وَكَذَا مَنْ قَالَ إِنَّهَا آيَةٌ مِنْ أَوَّلِهَا، وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِأَنَّهَا مِنْ أَوَائِلِ السُّوَرِ فَاخْتَلَفُوا، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى أَنَّهُ يَجْهَرُ بِهَا مَعَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ طَوَائِفٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ سَلَفًا وَخَلَفًا، فَجَهَرَ بِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةُ وَحَكَاهُ ابْنُ عبدالْبَرِّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَنَقَلَهُ الْخَطِيبُ عَنِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَهُوَ غَرِيبٌ، وَمِنَ التَّابِعِينَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ وَأَبِي قِلَابَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَابْنِ مُحَمَّدٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَسَالِمٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وعبيد وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَأَبِي وَائِلٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعَلِيِّ بْنِ عبدالله ابن عَبَّاسٍ وَابْنِهِ مُحَمَّدٍ وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَعُمَرَ بْنِ عبدالْعَزِيزِ وَالْأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ وَحَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَأَبِي الشَّعْثَاءِ وَمَكْحُولٍ وَعبداللَّهِ بْنِ مَعْقِلِ بْنِ مُقَرِّنٍ زَادَ الْبَيْهَقِيُّ وَعبداللَّهِ بْنُ صفوان ومحمد بن الْحَنَفِيَّةِ. زَادَ ابْنُ عبدالْبَرِّ: وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ.
وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا بَعْضُ الْفَاتِحَةِ فَيُجْهَرُ بِهَا كَسَائِرِ أَبْعَاضِهَا وَأَيْضًا فَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ في صحيحهما وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى فَجَهَرَ فِي قِرَاءَتِهِ بِالْبَسْمَلَةِ وَقَالَ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ: إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَصَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْخَطِيبُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ. وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ، والرحيم ثُمَّ قَالَ: صَحِيحٌ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: كَانَتْ قراءته مدّا، ثم قرأ ببسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَمُدُّ بِسْمِ اللَّهِ وَيَمُدُّ الرَّحْمَنِ وَيَمُدُّ الرَّحِيمِ.
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَصَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَمُسْتَدْرَكِ الحاكم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يقطع قراءته: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: إسناده صحيح.الشيخ: يعني يقف على رؤوس الآي لا يسردها، من باب الترتيل.
وروى الإمام أبو عبدالله الشافعي وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ فَتَرَكَ الْبَسْمَلَةَ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ مَنْ حَضَرَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ذَلِكَ فَلَمَّا صَلَّى الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ بَسْمَلَ.
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا كِفَايَةٌ وَمَقْنَعٌ فِي الِاحْتِجَاجِ لِهَذَا الْقَوْلِ عَمَّا عَدَاهَا.
فَأَمَّا الْمُعَارَضَاتُ وَالرِّوَايَاتُ الْغَرِيبَةُ وَتَطْرِيقُهَا وَتَعْلِيلُهَا وَتَضْعِيفُهَا وَتَقْرِيرُهَا فَلَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ أَنَّهُ لَا يُجْهَرُ بِالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا هُوَ الثَّابِتُ عَنِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَعبداللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَطَوَائِفٍ مِنْ سَلَفِ التَّابِعِينَ وَالْخَلَفِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ.
وَعِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ الْبَسْمَلَةَ بِالْكُلِّيَّةِ لَا جَهْرًا وَلَا سِرًّا وَاحْتَجُّوا بِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بالتكبير والقراءة بالحمد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَبِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وعثمان فكانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين. ولمسلم: ولا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا.الشيخ: وهذا هو الأصح من أقوال العلماء وهو قول أكثر الجمهور أن السنة الإسرار بالبسملة لا يجهر بها وهذا هو الثابت عن الخلفاء الراشدين وجمهور أهل العلم، ومذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد حتى أن مالكًا رحمه الله لا يرى قراءتها بالكلية، ولكنه قول ضعيف، والصواب أنها تقرأ لكن سرًا.