بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة الطيبة المتعلقة بحكم الدعوة إلى الله، وتفاصيل شأنها، وقد تولاها صاحب الفضيلة: الشيخ أحمد بن عبد الرحمن الشريف، والشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك، وقد أجادا وأفادا وأوضحا ما ينبغي إيضاحه، فنسأل الله لهما جزيل المثوبة، وعظيم الأجر، كما أسأله سبحانه أن يزيدنا وإياكم وإياهما علمًا وهدى وصلاحًا وتوفيقًا، وأن ينفعنا جميعًا بما سمعنا وعلمنا، وأن يرزقنا وإياكم المسارعة إلى مراضيه، والابتعاد عن مساخطه ومناهيه.
لا شك أن الدعوة إلى الله أمرها عظيم، وهي شأن الرسل عليهم الصلاة والسلام، فإن الله بعثهم دعاة للخلق، وهداة لهم بالحق والهدى الذي بعثهم الله به، فمقام الدعوة مقام عظيم، وهو مقام الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهو مقام أتباعهم من أهل العلم والهدى، فما أولى أهل العلم بأن يقوموا بهذا الواجب، وأن يعنوا به غاية العناية، فالمسلمون وغيرهم في أشد الحاجة إلى الدعوة، قال الله جل وعلا لبني إسرائيل: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24]، فالدعوة إلى الله والعناية بأسباب هداية الخلق إلى ما خلقوا له من طاعة الله وعبادته لها شأن عظيم وفضل كبير، ويكفي في هذا قوله سبحانه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33]، فليس هناك من هو أحسن قولًا ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا، فأفضل الناس وأحسن الناس قولًا وأرشدهم عملًا هم الدعاة إلى الله على بصيرة وعن إخلاص ورغبة صادقة فيما عند الله، ثم مع ذلك يعمل من الصالحات، وهذا هو شأن الرسل جميعًا عليهم السلام، وهو شأن أتباعهم بإحسان دعوة وعلم وهدى وعمل صالح.
وذكر جمع من أهل العلم أن من هؤلاء المؤذنين، فإنهم من الدعاة إلى الله، قد ذكر جمع من أهل العلم أنه يدخل في الآية المؤذنون، فإنهم دعاة إلى دين الله، دعاة إلى توحيد الله، وإلى الشهادة أن محمدًا رسول الله، وإلى تكبير الله وتعظيمه، وإلى هذه الصلاة التي هي عمود الإسلام، فما أعظم أجرهم، إذا أصلح الله نياتهم فلهم أجر عظيم، ولهم عواقب حميدة على حسب إخلاصهم وصدقهم وجهادهم في هذا.
وممن يدخل في الآية: معلم الناس الخير، وهم الدعاة إلى الله، كل من دعا إلى الخير وعلم الناس الخير فهو من الدعاة إلى الله، وممن تشملهم هذه الآية إذا تخلقوا بما فيها من الإخلاص لله والعمل الصالح، والاستقامة على الإسلام وعدم النكول عن الانتساب إليه، بل يدعو إلى الله ويعمل الصالحات، وينتسب للإسلام عن قناعة وعن رغبة فيما عند الله، وعن علم بأنه هو دين الله.
وقد أوضح الشيخان لكم شيئًا كثيرًا مما يتعلق بالدعوة، وأنها فرض على المسلمين في الأصل، فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين، فالرسل في أوقاتهم يقومون بها، وفيهم الكفاية، وفيمن يتبعهم ويعلمونهم بما يجب من البلاغ، ثم بعدهم العلماء المخلصون الصادقون إذا قاموا بالواجب وكفوا المدعوين سقط بهم الواجب، وصارت الدعوة في حق الباقين سنة مؤكدة وعملًا عظيمًا.