ومن جملة الأسباب التي ابتلي بها الكثير من الناس: أنه ليس لهم هم في نصر دين الله، وليس له نية صالحة في نصر دين الله، وإنما يهمه أن ينصر نفسه حتى يدرك هذا الكرسي، أو هذه القرية، أو هذا البلد، ويكون تحت سيطرته وولايته ولا يهمه بعد ذلك ما وقع في المسلمين من شر وبلاء، ولا يهمه أن يخذل الملك الفلاني المسلم أو الرئيس الفلاني المسلم، أو تؤخذ البلاد الأخرى أو ما أشبه ذلك، لا يهمه إلا أن يحصل له ما يريد في البلد الفلاني، أو الإقليم الفلاني، أو المنطقة الفلانية، أو ما أشبه ذلك، وليس قصده من ذلك إعلاء دين الله، وليس قصده من ذلك نصر دين الله، وإنما قصده نفع نفسه، وأن يكون باقيًا في كرسي حكمه، وأن تكون له السيطرة، يأخذ ويعطي ويأكل ويشرب إلى غير ذلك.
ومن البلاء العظيم والشر الكثير الاشتغال بالتناحر بين قادة المسلمين ضد عدوهم ليتناحروا فيما بينهم، وكل واحد يكيد للآخر، ويريد الإطاحة به بدلًا من أن يريد رفعه ونصره وضمه إليه، فمن هنا وجد العدو الفرصة؛ فأطاح بهذا، وأطاح بهذا، ونصر هذا، وخذل هذا، حتى تمكن منهم جميعًا، وحتى استولى على الكثير من بلادهم، وحتى أخذ خيارات بلادهم، وتقوى بها، فتناحر المسلمون، تناحر القادة وتكالبهم على الرياسة، وحرص هذا على إطاحة بهذا، وهذا على إطاحة بهذا، وعدم تعاونهم على أن يقوموا جميعًا، وأن ينصروا دين الله جميعًا، وأن يكونوا يدًا واحدة، وبناء واحدًا وجسدًا واحدًا ضد أعداء الله، هذا العمل الذي فعلوه هو الذي جرى به ما جرى من النقص العظيم مع بقية الأسباب الأخرى.
ومن درس التاريخ وقرأ ما كان عليه الناس وما وقع في الناس بعد القرون المفضلة وبعد الجهاد العظيم لسلفنا الصالح يعرف هذا الذي وقع من التناحر بين القادة والرؤساء، وما وقع من المعاصي والشرور والغفلة عن الله وعن دار الآخرة، وما وقع من الجهل العظيم والتقليد الأعمى والتشاغل بما يضر ولا ينفع.