وكانت القرون الماضية على الإسلام من عهد آدم إلى نوح كانوا على الإسلام وإن وقع فيهم معاصٍ، كما قتل هابيل قابيل وهي معصية عظيمة لكن كانوا على التوحيد، ثم وقع الشرك في قوم نوح فعبدوا ودًا سواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا، وكانت لهم آلهة يعبدونها من دون الله فبعث الله لهم نوحًا عليه الصلاة والسلام يدعوهم إلى توحيد الله وينذرهم نقمة الله، فالذين اتبعوه هم أهل الإسلام وهم الناجون وهم الذين كانوا معه في السفينة كما قال سبحانه: فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ [العنكبوت:15] والباقون هلكوا بالغرق، أغرقهم الله فنبعت عليهم الأرض من تحتهم ونزل عليهم الماء من فوقهم فغرقوا جميعًا حتى صارت المياه فوق الجبل، وهلك أهل الأرض جميعًا، ولم ينج إلا من كان مع نوح في السفينة على ظهر الماء، وهكذا قوم هود لما عصوا هودًا وكابروا وعاندوا وكانوا هم أهل الأرض بعد نوح أرسل الله عليهم الريح العقيم وصار هود ومن معه من القليل الذين أسلموا، هم أهل الإسلام، هم أهل الهدى، والباقون هم أكثر الخلق هلكوا بالريح العقيم بسبب كفرهم وضلالهم.
وهكذا صالح بعد هود أرسله الله بالإسلام إلى قومه ثمود، ودعاهم إلى توحيد الله والإخلاص لله والأخذ بدين الإسلام، وهو توحيد الله والإسلام له والانقياد لأمره، فآمن القليل وصدقه القليل، والباقون أبوا وعنادوا وعقروا الناقة التي نهاهم عن عقرها وجعلها الله له آية وجعلها آية عظيمة، ناقة عظيمة يخرج منها اللبن يومًا وتشرب ماءهم يومًا، ناقة عظيمة لا تخطر على البال من كبرها وعظمها، فلما بطروا النعمة واستكبروا عن الحق كذبوا صالحًا وعقروا الناقة فأرسل الله عليهم العذاب صيحة عظيمة وصاعقة عظيمة ورجفة عظيمة حتى هلكوا عن آخرهم برجفة وصاعقة، نعوذ بالله.
وهكذا من بعدهم قوم شعيب، أما من أسلم منهم فهم أهل إسلام وأهل هدى وهم أتباع شعيب عليه الصلاة والسلام وهم قليل، والباقون هلكوا عصوا شعيبًا وعاندوه فأرسلت عليهم سحابة فيها نار -نعوذ بالله- فأمطرت عليهم نارًا، وقد أصابهم حر عظيم شديد فجاءوا يستظلون تحتها يطلبون البراد، فأمرها الله عليها عذابً،ا فهلكوا عن آخرهم، نسأل الله العافية.
ثم من بعدهم هكذا قوم إبراهيم وقوم لوط، وهكذا من بعدهم إلى أن جاء زمن محمد عليه الصلاة والسلام، كل رسول أرسل إلى قومه ليدعوهم إلى الإسلام ليدعوهم إلى دين الله الذي هو الإسلام إلى توحيد الله والإخلاص له والإيمان بالرسول الذي بعث إليهم واتباع شريعته، فآمن القليل وكفر الأكثرون، حتى وصلت الدورة إلى محمد عليه الصلاة والسلام، وصار هو الخاتم، وهو النهاية للمرسلين، وأمته هي آخر الأمم، ليس بعده نبي وليس بعدها أمة، هي أمة محمد عليه الصلاة والسلام، عليها أن تأخذ بالقرآن الكريم وعليها أن تأخذ بالسنة -سنة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام-، وعليها أن تنقاد لأحكام القرآن والسنة، وعليها أن تستقيم على توحيد الله والإخلاص له حتى يلقى العبد ربه وهو على ذلك، فمن أخذ بهذا الهدى واستقام على توحيد الله والإيمان بالمرسلين جميعًا وخاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام والسير على نهجه والأخذ بشريعته والثبات عليها، والدعوة إليها والذب عنها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصد عن الحق، من ثبت على هذا هو السعيد وهو الناجي في الدنيا والآخرة، ومن حاد عن ذلك وتابع الهوى وأطاع الشيطان وأشرك بالله وكذب رسوله محمد عليه الصلاة والسلام أو استحل ما حرمه الله أو أسقط ما أوجبه الله عن علم وبصيرة صار من أهل النار، نعوذ بالله، وصار مرتدًا عن الإسلام، نعوذ بالله من ذلك.