فعلى كل إنسان وعلى كل جني على جميع الجن والإنس أن يؤمنوا بهذا، على الجن والإنس جميعا أن يؤمنوا بأن دين الإسلام هو دين الحق، وأن الرسل قد صدقوا فيما جاءوا به، وأنهم كانوا على الهدى جميعًا، وأن خاتمهم وأفضلهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، بعثه الله بالهدى ودين الحق، بعثه بالإسلام إلى جميع العالمين، الجن والإنس، العرب والعجم، الحاضرة والبادية، الرجال والنساء، الأغنياء والفقراء، من جن وإنس، بعث إلى الجميع، وجعله الله رحمة للجميع، كما قال : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ: 28]، وقال : قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف: 158]، وقال: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107]، ليس للعرب وحدهم بل للعالمين جميعًا، حتى الكفار فهو رحمة لهم إن أجابوا فلهم الجنة والسعادة، وإن لم يجيبوا فقد حصل لهم بمجيئه خير عظيم وفضل عظيم ونعم كثيرة في الأرض، حصل لهم منها خير عظيم وهم على كفرهم وضلالهم، أحكام عادلة قام بها ولاة أمور المسلمين، وعدلوا فيهم وأنصفوهم، وأخذوا منهم الجزية تارة ووادعوهم تارة، فانتفعوا بهذا الدين العظيم نفعًا كثيرًا، لكن من أسلم حصل له النفع العظيم حصل له النفع الكامل السعادة في العاجل والآجل، ومن لم يسلم انتفع بشيء كثير مما حصل للمسلمين، وقامت عليه الحجة، وانقطعت المعذرة، وله يوم القيامة ما وعده الله به من النار وبئس المصير -نسأل الله العافية والسلامة-.
فالواجب على أهل الإسلام أن يشكروا الله على هذه النعمة العظيمة أن هداهم للإسلام، وأن جعلهم موحدين يعبدون الله وحده دون كل ما سواه، وأن أنجاهم مما وقع فيه الأكثرون من الشرك بالله، واستحلال ما حرمه الله، ونبذ ما أوجب الله وراء الظهر، هذا هو البلاء العظيم، والمصيبة العظمى التي ابتلي بها الأكثرون، وأصيب بها غالب الخلق، ولم ينج من هذا البلاء إلا المسلمون الصادقون، وهم القليل، وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف: 103].
فالناجون في الدنيا والآخرة والسعداء في الدنيا والآخرة وأهل العاقبة الحميدة هم الذين قبلوا ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام وصدقوه وساروا على نهجه واستقاموا على دينه، وهكذا من قبله من الرسل، الناجي والموفق والمهدي والسعيد هو الذي قبل ما جاء به رسوله، فالسعداء في عهد آدم إلى نوح هم الذين ساروا على نهج آدم في دين الإسلام.