وقد سمعتم ما أوضحه صاحب الفضيلة الشيخ عبدالرحمن من جهة نوعي الربا: وأنه ربا فضل، وربا نسيئة، والأصل ربا النسيئة هذا هو الأصل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: إنما الربا في النسيئة، وفي لفظ: لا ربا إلا في النسيئة هذا هو ربا الجاهلية، كانوا يتبايعون إلى أجل فإن حان الأجل قالوا لمن عليه حق حل الأجل: فإما أن تربي وإما أن تقضي، كما بين لكم الشيخ عبدالرحمن، المعنى: إما أن تعطينا حقنا من الدين، وإما أن تربي، يعني وإما أن تزيد في المال، ونحن نزيد لك في الأجل، وقد بلغني أن هذا مفعول في البنوك بالصراحة إذا حل الأجل قالوا له: إما أن تسلم وإما أن نزيد لك في الأجل وأنت تزيد في المال، نفس ربا الجاهلية سواء بسواء، فإذا كان المال مثلًا عشرة آلاف وحل وقال: ما عندي عشرة حاضرة، قالوا: لا بد من ذلك فإما أن تعطينا حقنا وإما أن تزيد، فيتفقان على شيء عشرة آلاف ومائتين وثلاثمائة أكثر أقل إلى ستة أشهر إلى عشرة إلى كذا إلى كذا، ثم إذا حل كذلك إما تربي وإما أن تقضي، إما أن يعطيهم ما طلبوا وإما أن يزيد هذا في المال وهذا في الأجل كفعل الجاهلية سواء، فحرم الله هذا وبين أنه من عمل اليهود، وأنهم يأخذون الربا كما في قوله سبحانه: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ [النساء:160-161]، وحرم الله ربا الفضل سدًا للذريعة، فتحريم ربا الفضل من باب الوسائل، وتحريم ربا النسيئة من باب الغايات، فبيع صاع بصاع هذا ما فيه ربا فضل ولا نسيئة إذا كان يدًا بيد، جنيه بجنيه على حد سواء، جنيه سعودي وجنيه سعودي زنتهما واحدة يدًا بيد هذا ما فيه ربا، صاع بر وصاع بر يدًا بيد ما فيه ربا، لكن ما يفعله العاقل هذا ما للناس فيه حاجة صاع بصاع وذهب بذهب ما فيه حاجة، لكن الذي يقع أن يقول مثلا: صاع بر بصاع ومد إلى أجل فيقع الربا، فإن صاع بصاع ومد يدًا بيد ما يفعله عاقل، إلا إذا كان الصاع طيب وذاك الصاع ردئ فعلوا هذا فيتوسلون بهذا إلى النسيئة، ولهذا لما أخذ النبي ﷺ لما عرض على النبي ﷺ تمر من تمر خيبر يسمى جنيب قال: أكل تمر خيبر هكذا؟ قالوا: لا يا رسول الله، إنا نأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، قال: أوه عين الربا لا تفعل، بع الجمع بالدراهم ثم اشتر بالدراهم جنيبًا، يعني لا تبع صاعًا بصاعين، وصاعين بثلاثة، فهذا ربا، ولكن تبيع الردئ ثم تشتري بالثمن تمرًا طيبًا من دون تواطؤ على هذا الربا، بل تبيعه بيعًا حرًا ثم تشتري بالثمن تمرًا طيبًا بدل التمر الرديء.
والخلاصة أن ربا الفضل وسيلة وذريعة إلى ربا النسيئة، فحرم الله هذا وهذا، وصح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: الذهب بالذهب والفضة بالفضة والتمر بالتمر والبر بالبر والشعير بالشعير والملح بالملح سواء بسواء مثلًا بمثل يدًا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي سواء، وقال: وإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد إذا اختلفت الأصناف ذهب بفضة لا بأس متفاضلة لأنهما جنسان، تمر بشعير لا بأس متفاضلة لكن يدًا بيد، وكذلك الذهب بالفضة يدًا بيد ولو متفاضلًا لا يكون نسيئة، يكون يدًا بيد، ذهب بفضة يدًا بيد لا نسيئة، صاعًا بر بصاعين شعير يدًا بيد لا بأس لأنهما جنسان، وصاع تمر بصاعين ملح يدًا بيد لا بأس، أما لو كان صاع ملح بمد بر إلى أجل أو صاع بر إلى أجل ما يجوز هذا ربا لأنه فيه النسيئة، أو قال: جنيه ذهب بمائة ريال إلى أجل هذا ربا النسيئة، أو قال: صاع بر بصاعين شعير إلى أجل فهذا ربا نسيئة، فلا بد أن يكون يدًا بيد، فالأطعمة التي يقتاتها الناس ويحتاجون لها من البر والشعير والتمر والرز والدخن والذرة وأشباه ذلك حتى لا تباع إلا مثلًا بمثل سواء بسواء إذا كان من جنس واحد أو متفاضلة لكن يدًا بيد، فالجنس الواحد لا بد فيه من شرطين: التساوي، وأن يكون يدًا بيد، كالذهب بالذهب والفضة بالفضة لا بد من التساوي مثقال بمثقال يدًا بيد.
س: الحكمة؟
ج: ما له حكمة في الحقيقة إلا أنه وسيلة إلى الربا وسيلة إلى الزيادة، لكن لو فعله لأسباب لأن هذا مثلًا صنعته غير صنعة هذا أو نوعيته غير نوعية هذا فلا بأس لكن يكون يدًا بيد، ولا يفعله العاقل لمجرد أنه ذهب لا، إنما يفعله العاقل لأسباب: إما ليتخذه وسيلة للربا، إما لأن في أحدهما شيئًا من صنعة أو كتابة أو حاجة أخرى، فإذا كان له حاجة فيه فلا بد يكون مثلًا بمثل سواء بسواء يدًا بيد، وهكذا التمر البر إذا باع هذا بهذا من جنسه لا بد أن يكون متماثلًا صاع بصاع سواء بسواء يدًا بيد صاعين بصاعين ثلاثة بثلاثة من البر يعني يدًا بيد، والعاقل ما يفعل هذا لأنه ما فيه فائدة لكن إذا كان لعلة خاصة فلا بأس يكون يدًا بيد مثلا بمثل سواء بسواء.