كذلك أشار الإخوان إلى عدم التكلف في المهور والولائم، فإن هذه أيضًا من الحجر الذي يقف في الطريق، من العقبات، فينبغي التواصي بالتساهل والتقليل في المهور والولائم، الوليمة سنة كان النبي يولم عليه الصلاة والسلام في زوجاته، ولكن المفاخرة بها والتكلف فيها مما يضر الأزواج الذين دخلهم قليل وفقرهم معروف، حتى ولو كنت ذا مال كثير ما يضرك لكن تنظر لغيرك، إذا توسعت أنت توسع غيرك، ولاسيما من كان في بيئتك، ومن كان من حمولتك وأقاربك، قد يكونون فقراء وأنت مليء فإذا توسعت أنت قالوا: نقتدي به، ما يمكن دون فلان لا بد نفعل مثل فلان، وهو غني وهم فقراء لكن يريدون التأسي به لأنه منهم ومن جنسهم ومن حمولتهم ومن بيئتهم فيتأسون به، فعليك أن ترفق بقراباتك ومن يتأسى بك، ولو كنت ذا مال تخفض النفقة وتتفق مع الزوج على الشيء الذي ينفع الجميع.
والولائم الكثيرة تضر ولا تنفع، والتكلف يضر ولا ينفع، وإذا كان عندك سعة من المال فأنفق على وجوه الخير: تعمر المساجد، تواسي الفقراء والمساكين، وتصل الرحم، تجد وجوه كبيرة للمال، أما الوليمة سنة لا بد منها، النبي قال: أولم ولو بشاة، قاله لعبد الرحمن بن عوف، وأولم على بعض نسائه في السفر بالحيس بالتمر والسمن والأقط، هذه وليمته على زوجته صفية، أولم عليها بالتمر والسمن والأقط، ما في لحم، وأولم على زينب باللحم والخبز عليه الصلاة والسلام، ودعا ناسًا كثيرة عليه الصلاة والسلام، فعل هذا وهذا، فالمؤمن يتحرى السنة ويولم إذا كان موسرًا، يولم باللحم ولكن لا يتكلف ولا يدعو الناس الكثيرين الذين يحصل بهم التكلف والذبائح الكثيرة التي تلقى في القمامات أو في البر ليس لها من يأكلها، بل يتحرى الطعام المناسب والمقارب، ويدعو الناس الذين ليسوا بالكثير حتى لا يتكلف الشيء الكثير الذي يتأسى به غيره في ذلك، وربما هو كان يستطيع وعنده مال لكن من كان في درجته وفي قرابته لا يستطيعون، فليرفق بأولئك ولا يتكلف حتى لا يتكلفون، حتى يتأسوا به في عدم التكلف.
وهكذا مسألة المهور ينبغي الاقتصاد فيها مهما أمكن، وأن أبا البنت وأهل البنت لا يتكلفون، بل إذا جاءهم المهر الذي يقدمه الزوج يقبلونه ولو قل، ولو جعلوا معه زيادة من عندهم في الحاجات فإن هذا هو الذي ينبغي لأهل الخير حتى يكثر الزواج وحتى يقل التعطل، وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لرجل: «التمس ولو خاتمًا من حديد»، امرأة عرضت على النبي ﷺ نفسها ليتزوجها فلم يتزوجها عليه الصلاة والسلام، فقام بعض الصحابة وقال: زوجنيها يا رسول الله -إن لم يكن لك بها حاجة-، فقال: ما تصدقها؟، هل عندك من شيء؟ قال: ما عندي شيء، قال: ما عندي إلا إزاري هذا الذي علي، قال: وما تصنع بإزارك، إن لبسته ما كان عليها منه شيء، وإن لبسته هي ما كان عليك منه شيء، ثم قال: التمس ولو خاتمًا من حديد، فذهب والتمس وجاء وقال: ما وجدت شيئًا يا رسول الله، قال: ماذا معك من القرآن؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا عددها، قال: زوجتكها فعلمها من القرآن، زوجها على أنه يعلمها من القرآن سورًا بدلًا من المال، فهذا من السنة إذا كان الزوج ما عنده شيء وهو رجل صالح يزوج ولو يعلم المرأة شيئًا، يعلمها سورًا من القرآن، يعلمها أحاديث عن النبي ﷺ، يعلمها صنعة الخياطة، صنعة من الصناعات يعلمها إياها تكون مهرًا لها لا بأس بذلك، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.
والمقصود من هذا كله التواصي، ينبغي التواصي، ينبغي لكل واحد منا أن يتواصى مع إخوانه في أي بلد، إذا كان في الخرج مع إخوانه في الخرج، في الحوطة في الحوطة، في القصيم في القصيم، في الحائل، في كل مكان يتواصى مع إخوانه أينما كانوا حتى يسمعوا الفائدة وحتى يبلغوها لغيرهم وحتى يكثر الخير ويقل الشر.
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية وصلاح النية والعمل، كما نسأله سبحانه أن يجعلنا وإياكم دعاة هدى وأنصار حق، فقد قال عليه الصلاة والسلام: من دل على خير فله مثل أجر فاعله، وقال عليه الصلاة والسلام: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، فأنت يا أخي إذا دعوت إلى خير فالله جل وعلا يعطيك مثل أجور من هداهم الله على يديك وقبلوا منك.