وقد وقع في كلمة أخينا الشيخ محمد رأفت سعيد حديثان: أحدهما حديث الخروج إلى الصلاة اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا رياء ولا سمعة، خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي كلها جميعًا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. هذا الحديث ذكره جماعة من أهل العلم، وذكره الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه في كتابه آداب المشي إلى الصلاة في الدعاء الذي يقال عند خروجه إلى المساجد، وهو مشهور عند العلماء، ولكنه ضعيف الإسناد؛ لعلة في إسناده، وجهالة، ولكن يتسامحون فيه لأنه من باب الفضائل، والفضائل عند أهل العلم يتسامح فيها، فلهذا ذكره جمع من الناس، ولكن تعلق به ناس آخرون فقالوا: إن هذا يدل على التوسل بجاه الناس، وبفلان وفلان، فهو يدل على التوسل بجاه النبي ﷺ، وبجاه فلان، وبحق فلان؛ لأن في الحديث: «بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا»، فاتخذوه على ضعفه وسيلة لأمر ابتدعوه، وأشياء لا أساس لها، فلهذا رأيت أن أبين أن الحديث أولًا: ضعيف، وثانيًا: لا حجة فيه لمن تعلق بالسؤال بالجاه، وبحق فلان وبفلان، فالتوسل بالجاه جاه فلان وحق فلان لا أصل له عند أهل العلم، بل ذلك من البدع، وإنما السؤال يكون بأسماء الله وصفاته قال : وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]، يدعا بأسمائه، يا عزيز! يا حكيم! يا رب! يا ذا الجلال والإكرام! أسألك بأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت، أسألك بأنك الرحمن الرحيم، أسألك بأنك أنت العزيز الحكيم، اغفر لي، ارحمني، اعطني كذا وكذا، يسأل الله بأسمائه وصفاته جل وعلا، وهكذا يسأل سبحانه بالأعمال الصالحة، بتوحيده والإخلاص له، والأعمال الصالحات، كما سأل أصحاب الغار؛ لما أطبق عليهم الغار بالصخرة، سألوا الله بصالح أعمالهم، واحد توسل ببر والديه، والثاني توسل بعفته عن الزنا، والثالث توسل بأداء الأمانة وحفظها، فأنجاهم الله وأزال عنهم الصخرة، وخرجوا بعد ذلك، فهذه هي الوسائل الشرعية.
وأما حديث: «اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك»، فليس من هذا الباب، ليس من باب الذي يقوله بعض الجهلة، وبعض الناس من الذين يقولون: إنه يدل على التوسل بحق فلان، أو بجاه فلان لا، لأن الذي فيه بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا، وحق السائلين الإجابة، وحق الماشي في طاعة الله الإثابة، فهو توسل بصفات الله ، كأنه قال: اللهم إني أسألك بإجابتك للسائلين، وبإثابتك للطائعين، وهذا سؤال بصفات الله، بإجابته السائلين، وبإثابته للعاملين الصالحين، فهذا توسل في الحقيقة بصفات الله، وليس توسلًا بذات أحد، ولا بحق أحد، ولا بجاه أحد، فينبغي أن يعلم الفرق هذا لو صح، فكيف وهو لم يصح، ولا حجة فيه لو صح، لكنه لم يصح، ولو صح واستقام سنده لم يكن فيه حجة؛ لأنه توسل بإجابة السائلين، وبإثابة المطيعين، وهاتان من صفات الله، وليستا من ذوات الناس.
الحديث الثاني: حديث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان النبي ﷺ نتحدث معه ويتحدث معنا، فإذا حضرت الصلاة قام حتى كأنا لا نعرفه ولا يعرفنا"، أنا لا أعرف حاله ولا أذكر حاله، وسنراجعه إنشاء الله، ويكون فيه البحث في الليلة الآتية إن شاء الله، لأني ما أذكر حاله، ولعل الشيخ محمد رأفت قد وقف عليه وعرف حاله لكن من باب الفائدة، لأن الظاهر من حال النبي صلى الله علية وسلم أنه كان لينًا مع المسلمين، وإذا حضرت الصلاة قام إليها، وليس حضورها فيما يظهر موجبًا لأن يتغير حاله مع أهله، ومع من حوله، بل يقوم إليها برغبة وشوق عليه الصلاة والسلام، ولكن هل يتغير منه شيء مع أهله، أو مع الجالسين، هذا محل نظر ينبني على صحة الحديث هذا الذي أشار إليه أخونا الشيخ محمد رأفت. وأسأل الله للجميع التوفيق.