... اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت عائشة: "يحذر ما صنعوا". قالت: "ولولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدًا". وقال عليه الصلاة والسلام: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك، فصرح عليه الصلاة والسلام بالنهي عن ذلك، وأن من قبلنا كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، والنبي ﷺ ينهانا عن هذا، وألا نسلك هذا المسلك، بل يجب أن نحذره، وألا نتبعهم في هذا الباطل، وهكذا قال عليه الصلاة والسلام: «لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها» رواه مسلم في الصحيح من حديث أبي مرثد الغنوي.
فهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على أنه يجب أن تطهر المساجد من وجود القبور فيها، وألا تبنى على قبور، بل يجب أن تطهر من ذلك، وأن تبنى القبور في مكان والمساجد في مكان آخر، وهكذا حديث أم حبيبة وأم سلمة في قصة المارية التي هي كنيسة في الحبشة، ذكرت أم حبيبة وأم سلمة للنبي ﷺ حالها وما رأتا فيها من التصاوير قال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله، فأخبر أنهم شرار الخلق بسبب اتخاذهم للمساجد على القبور والصور عليها، فهذا يدل على تحريم البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، وأن هذا منكر، وأنه من وسائل الشرك.
وفي صحيح مسلم عن جابر قال: "نهى رسول الله ﷺ عن تجصيص القبور، والقعود عليها، والبناء عليها"، فتجصيصها والبناء عليها والقعود عليها واتخاذ المساجد عليها والقباب كلها هذا منكر، وكله من وسائل الشرك، فيجب الحذر من ذلك، وقد اعتاد الناس هذا في بلدان كثيرة في دول كثيرة اعتادوه حتى صار عاديًا، لا ينكر العوائد المنكرة إذا طال على الناس أمدها اعتادوها وصارت عادة لا تنكر ولا تستنكر، فالآن تجد في البلدان الكثيرة القبور قد بني عليها مساجد وقباب وبعضها يطاف به -بعض القبور يطاف به كما يطاف بالكعبة كالحسين في مصر وفي غير ذلك يطاف بالقبور- فهذه من المصائب العظيمة، ولهذا وقع الشرك بهذا، فصار الجهلة يأتون إليها لما رأوا من تعظيم الناس لها يأتون إليها يدعونها يستغيثون بها، يقول: يا سيدي فلان، يسميه يا حسين، يا سيدي البدوي أنا في حسبك أنا في جوارك، المدد المدد، اشف مريضي، اقض حاجتي، يدعو له كما يدعا الله جل وعلا، بل أعظم عندهم من الله ، وهذه من المصائب العظيمة، وأسبابها هذا البناء، وهذه الفرش التي في المسجد، وهذه الستور، وهذه القباب، وهؤلاء السدنة الدعاة إليها يقولون: السيد يفعل كذا، والسيد يفعل كذا، ومن زاره يعطيه كذا، ويفعل به كذا، حتى غروا العامة حتى خدعوا العامة ووقع الشرك وعبادة غير الله بهذه القبور، بأسباب البناء عليها، وبأسباب اتخاذ المساجد عليها والقباب، وبأسباب السدنة الفجرة الذين عندها يأكلون من ورائها، ويتعيشون من ورائها، نعوذ بالله من ذلك.