أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة الطيبة المباركة التي تولاها الشيخان: الشيخ عبدالله بن جبرين، والشيخ إبراهيم بن عبدالله بن غيث، فيما يتعلق بالسفور والتبرج، ووسائل ذلك، وما يلتحق بذلك، وقد أجادا وأفادا، وبينا ما ينبغي في هذا المجال الخطير، فجزاهما الله خيرًا وضاعف مثوبتهما، وزادنا وإياكم وإياهما علمًا وهدى وتوفيقًا، ونفعنا جميعًا بما سمعنا، وبما علمنا، ويسر لنا ولجميع المسلمين تنفيذ الحق، والصدق في تنفيذه، والحذر من كل ما يغضب الله عز وجل.
إنهما شرحا نتائج التبرج والسفور، وما يترتب عليهما من الشرور، وإني أؤيد الشيخين في كل ما بينا وذكرا، وما دعوا إليه من التعاون على إنكار المنكرات، فإن التعاون له شأن عظيم، ومن سعادة المجتمعات التعاون على الخير، والتواصي بالحق، والصبر عليه، ومن شقاء المجتمعات وفساد المجتمعات التخاذل والتواكل، وإضاعة الأوامر، والله جل وعلا أمر بالتعاون فقال سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، ونهى عن التعاون على ضد ذلك، فقال: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، وبين صفات الرابحين الناجين السعداء في قوله سبحانه: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[العصر:1-3]، هؤلاء هم الرابحون ومن صفاتهم التواصي بالحق والتواصي بالصبر.
فالواجب على جميع المسلمين في الرياض وفي غير الرياض وفي كل مكان التعاون على البر والتقوى، والتناصح، وأن يكون كل واحد يعلم أنه مسؤول عن قدرته، وعما أوجب الله عليه بقدر علمه وطاقته ومكانته ومنزلته في المجتمع، حتى يساهم بما أقدره الله عليه في إقامة معروف، وفي إزالة منكر، وفي تقليله، إذا لم يزل فيساعد من يقوم بالواجب، يساعد على تقليل المنكرات، فإن ما لا يدرك كله لا يترك كله، فالواجب التعاون لإزالة المنكرات أو لتخفيفها على الأقل وتقليلها، والله جل وعلا يقول سبحانه وتعالى في وصف المؤمنين: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]، ما استثنى أحدًا فجميع المؤمنين وجميع المؤمنات كلهم مسؤولون عن هذا الواجب، ومن صفاتهم الواجبة أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، وأخبر أن هذا هو السبب في كون هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ[آل عمران:110]، فبدأ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل الإيمان، وما ذاك إلا لعظم شأن الأمر والنهي، ولعظم ما يترتب عليهما من المصالح العظيمة وزوال المفاسد الكثيرة، وقال سبحانه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ثم قال بعده: وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] يعني هؤلاء القائمون بهذا الأمر هم أهل الفلاح، حصر الفلاح فيهم لعظم شأنهم، ولعظم مصلحتهم، يعني مع كون كل واحد يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقوم بالمسؤولية التي عليه مع هذا كله يجب أن تكون هناك طائفة معدة لهذا الأمر مفرغة لهذا الأمر، تقوم بهذا الواجب من الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ حتى تتكاتف، وحتى تتعاون مع بقية أعضاء المجتمع وأفراد المجتمع، وأحد الشيخين وهو الشيخ إبراهيم وهو رئيس هيئة كان في هذه المدينة رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه المدينة في الرياض، وهو مسؤول مسؤولية عظيمة، وقد بين لكم ما يجب وأوصى بالتعاون على البر والتقوى، وأحسن فيما قال، فالواجب التعاون في إنكار المنكر، وفي الدعوة إلى الخير، وبتبليغه وأمثاله ما يعجز عنه الإنسان تبليغه وتبليغ من فوقه حسب الطاقة والإمكان، وبهذا تقل الشرور إذا كان كل واحد يبذل ما يستطيع في نفسه وفي بيته وفي طريقه وفي جيرانه وفي مجتمعه الخاص وفي المجتمع العام إذا بذل ما يستطيع لا شك أن المنكرات تقل، وأن الخير يكثر، سواء كان يتعلق بالسفور والتبرج أو بآلات الفيديو أو بالمسجلات التي يسجل فيها ما حرم الله، أو في غير ذلك، أو في ترك الصلوات، أو غير هذا من الشرور، أو وجود الخمور، أو مصانع الخمور، أو غير ذلك، كل الشرور التي توجد يجب التعاون في إزالتها.
ولا شك أن الفيديو من البلاء، السماح في وجوده لا شك أنه من البلاء، ولو قرر ما قرر من منع استعمال الأفلام الخليعة فإنها سوف تدخل وسوف تأتي بالطرق الكثيرة الخفية أو بغير ذلك، ولا شك أن الواجب حسم مادته بالكلية، وأن يمنع بالكلية حتى لا تقع هذه الشرور التي يتحيل لها الناس، فإذا لم يتيسر ذلك فلا أقل من التعاون على منع الأفلام الخليعة، لا أقل من هذا الواجب، وهو التعاون بين المسلمين على منع الأفلام الخليعة التي توجد وتباع وتؤجر، وأن الإنسان إذا عرف شيئًا من ذلك يرفع الأمر إلى من يقوم بالواجب رئيس الهيئة أو غيره، رئيس الهيئة هو بحمد الله قريب وميسر، وإلى من فوقه من وزير الداخلية والملك وولي العهد، حتى يحصل التعاون من المسلمين مع ولاة أمرهم.
ولا شك أن الواجب على الدولة واجب عظيم في إزالة هذه المنكرات، وإعانة الهيئات، وإعانة المسلمين على منع هذه الشرور، فالواجب عليها عظيم، لا فيما يتعلق بالمستشفيات، ولا فيما يتعلق بالطائرات، ولا فيما يتعلق بالأسواق، ولا في غير ذلك، الواجب عليها عظيم، فنسأل الله أن يعينها على أداء الواجب حتى تتكاتف الجهود وتتظافر الجهود على إزالة هذه الشرور، فإن الهيئة وغير الهيئة بالله ثم بالدولة، فإذا كانت المساعدة من الدولة عظيمة وكبيرة كانت الآثار أكثر صلاحًا وأكثر استفادة.
ولا شك أن التعاون من أفراد المجتمع ومن أفراد المسلمين له أثره العظيم، ولاسيما أعيانهم وكبارهم لهم الأثر العظيم إذا تعاونوا في إزالة المنكرات بأنفسهم وبأقاربهم وبخدامهم وبمن يستجيب لهم، لا شك أن له الآثار العظيمة في إزالة الكثير من الشرور، سواء كانوا أصحاب ولاية، أو ليسوا أصحاب ولاية، على حسب طاقتهم وقدرتهم، وهكذا أصحاب الدكاكين لو هداهم الله فأنكر على من يتصل بهم من المتبرجات والسافرات وبينوا أن هذا منكر وأن هذا لا يجوز ولو منعوهم أيضًا من الشراء معهم والبيع لكان خيرًا لهم، لو منعوهم قالوا: ما نبيع معكم ولا نشتري معكم وأنت بهذه الحالة ابتعدوا عنا، إما أن تأتين متسترات متحجبات وإلا فلا بيع عندنا ولا شراء عندنا، ولكن المحزن أن كثيرًا منهم يفرح بذلك، يفرح بأنه تأتيه السافرة وتأتيه المتبرجة حتى يتمتع بها، وربما نقص لها من الثمن، وربما أعطاها بغير ثمن تشجيعًا لها على هذا الباطل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هذا من البلاء العظيم.
فالمقصود أن الواجب علينا جميعًا التعاون، على الخطباء والعلماء وعلى أعيان المسلمين جميعًا التعاون في كل ما يرضي الله، من إيجاد المعروف، وإكمال المعروف، ونشر المعروف، ومن إزالة المنكر وتقليله والقضاء عليه، والإنكار على من فعله من كبير وصغير حسب الطاقة والإمكان، حتى ينفذ قول النبي عليه الصلاة والسلام: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان، هذا هو قوله عليه الصلاة والسلام، وفي الصحيح أيضًا من حديث عبد الله بن مسعود قال عليه الصلاة والسلام: ما بعث الله من نبي في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل، هذا يدل على وجوب التعاون، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جهاد، والمتطوعون إذا تطوعوا في ذلك إذا صح أن نسميه تطوعًا وهو ليس بتطوع في الحقيقة، بل أمر واجب على الجميع، لكن إذا بذل المستطيعون من غير الموظفين إذا بذلوا طاقتهم وتعاونوا مع الهيئات فإنهم يفعلون بهذا خيرا كثيرًا، ويفيدون شيئًا كثيرًا في تعاونهم مع الهيئات في إزالة المنكر، وفي نصيحة الناس، وفي توجيه الناس إلى الخير، وهكذا الخطباء -خطباء الجوامع- يعتنون بهذه الأمور ويوضحوا للناس ما يجب في خطب الجمعة، فإنها فرصة عظيمة أسبوعية لها نفعها الكبير، ولها دورها العظيم ولاسيما مع وجود المكبرات والمسجلات، فإن الكثير منها يسجل وتسمع في الأسواق وفي كل مكان، فعلى الخطباء في كل مكان أن يعنوا بهذا الأمر، وعلى العلماء أينما كانوا في ندواتهم وفي محاضراتهم وفي أي مقال يقولون ينبغي أن يعتنوا بهذه الأمور؛ حتى يحصل التعاون الكبير من الجميع. فنسأل الله للجميع التوفيق والهداية.