والمقصود من هذا أن المسلمين الآن على خطر عظيم من أعدائهم، كان الناس أولًا يخشون الهجرة إليهم، والانتقال إلى الشرك، ولكن الآن نزل المشركون بالمسلمين وصار المشركون يقدمون على المسلمين ويخالطونهم، فهذه من المصائب العظيمة، فقدوم المشركين في بلاد المسلمين وتجمعهم للعمل أو لغير ذلك هذا يفضي إلى خطر عظيم؛ لأنهم ينتقلون بأخلاقهم وشركهم وعقائدهم الباطلة إلى المسلمين، فيخالطهم المسلم الجاهل والضعيف، وربما استحسن بعض أعمالهم وعوائدهم، وربما مال إليهم فشككوه في دينه، وجروه إلى دينهم.
فالواجب الحذر من هؤلاء الذين عندنا، والواجب أيضًا الجد في إبعادهم وردهم إلى بلادهم، وعدم بقائهم بين المسلمين إلا من تدعو الضرورة إلى بقائه، فإن ذلك قد يعفا عنه؛ لما جاء في السنة مما يدل على ذلك، كبقاء اليهود في خيبر لما دعت الحاجة إلى أعمالهم، ثم أجلاهم عمر رضي الله عنه وأرضاه، والحاصل أن مجيئهم إلى بلاد المسلمين عمالًا أو خدمًا أو غير ذلك قد سبق في ندوة سابقة ما فيه من الشرور، وما فيه من الأخطار، وأن الدولة وفقها الله قد بين لها هذا من جهة أهل العلم، فأجابت بأنها حريصة على إبعادهم، وإنهاء عقودهم إلا من تدعو الضرورة إليه، وعلى استبدالهم بغيرهم ممن ينفع من المسلمين، فنسأل الله أن يعينها على ما وعدت به، وأن يوفقها للخير، وأن يزيح عنا أهل الشرك.
وإذا كان هذا مع الدولة فالواجب على أعيان المسلمين وعلى أفراد المسلمين في كل مكان أن يبتعدوا عن استجلابهم، والمجيء بهم إلى هذه البلاد، وأن يحذروا ذلك لا عمالًا ولا خدمًا ولا مربيات ولا غير ذلك، بل يجب الحذر من ذلك، وألا يستورد منهم أحد؛ لأي غرض من الأغراض، إلا على ما تراه الدولة مما تدعو الضرورة إليه، أما أفراد الناس فيجب الحذر من ذلك، وفيما يسر الله من المسلمين كفاية عن هؤلاء الكافرين، هذا بالنسبة إلى العموم، فكيف بالجزيرة العربية؟! الجزيرة شأنها عظيم فالرسول ﷺ أمر بإخراج أهل الشرك منها اليهود والنصارى وأهل الشرك، أمر في حياته وعند موته أوصى بإخراجهم من هذه الجزيرة عليه الصلاة والسلام، وألا يبقى فيها إلا مسلم، فهي مهد الإسلام، وهي منبع الإسلام، وهي منطلق الدعاة إلى الله والمجاهدين، فلا يجوز أن يبقى فيها دينان، بل يجب أن تطهر مما سوى دين الإسلام.
والهجرة كما تقدم مفترضة، واجبة على من كان بين المشركين حتى يكون بين المسلمين، وحتى ينتقل عن مجاورة أهل الشرك، لئلا يضلوه، لئلا يشككوه، لئلا يفسدوا عليه دينه، فيجب عليه الانتقال من بلاد الشرك، وأن يبذل وسعة في الانتقال عنهم، والذهاب عنهم إلى بلاد المسلمين، أو إلى أي بقعة يرجو فيها السلامة، ويرجو فيها العافية من شر أولئك المشركين، إلا المستضعف الذي لا يستطيع حيلة ولا يهتدي سبيلا، فهذا يؤجل أمره حتى يجعل الله فرجًا ومخرجًا، مع وجوب الحذر من شر المشركين، وعدم الركون إليهم، وعدم الاختلاط بهم، وعدم الميل إلى ما يقولون ويدعون إليه، إذا ابتلي بالمقام عندهم لعجزه عن الهجرة.
ثم الهجرة فيها مصالح أخرى، فإن الرجل يتمكن من تعليم أولاده دين الإسلام، من حماية أولاده من شر كثير، يتمكن من زوجات صالحات، يتمكن من التعاون مع إخوانه على البر والتقوى، إلى غير هذا من المقاصد العظيمة، بخلاف بقائه في أهل الشرك فإنه إذا كان جاهلًا ليس عنده علم يستطيع الدعوة به إلى الله فإنه يضره بقاؤه معهم ضررًا عظيمًا، ويخشى عليه من ذلك أنواع من الشر في أخلاقه وأعماله وعقيدته، فالواجب على المسلم أن يحذر البقاء بينهم.