وأجمع المسلمون أجمع علماء الإسلام على أنها باقية ذكر ذلك أهل العلم وممن ذكر ذلك الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره عند قوله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء : 97] إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا [النساء : 98] فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا [النساء : 99] فبين سبحانه أن الذين بقوا بين أهل الشرك قد ظلموا أنفسهم بالإقامة بين المشركين ولهذا خاصمتهم الملائكة وخاصمتهم بقولها: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فيها ثم جاء والوعيد فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء : 97]هذا وعيد من أقام بين المشركين بغير عذر شرعي لأن إقامته بينهم يكثر سوادهم ويسبب فساد قلبه وقسوة قلبه والطبع عليه وربما أفضى به ذلك إلى أن يدخل في دينهم ويرضى بما هم عليه من الباطل والشرك فيخسر الدنيا والآخرة ويهلك في الدنيا والآخرة ولهذا صح عنه أنه قال: أنا برئ من كل مسلم يقيم بين المشركين، لا تراءى نارهما خرجه الثلاثة خرجه أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد جيد وكذلك روى أبو دواد بإسناد فيه ضعف أن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله وهذا وعيد عظيم وروى النسائي بسند جيد أيضا عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: لا يقبل الله من مشرك عملا بعدما أسلم أو يزايل المشركين يعني حتى يزايل المشركين يعني حتى يفارقهم وهذا وعيد أيضا فدل ذلك على وجوب مفارقة المشركين وأن الواجب على المسلم أن ينتقل من أهل الشرك إلى بقعة يعبد الله فيها وينصر فيها دينه ويشارك فيها إخوانه في أعمالهم الصالحة فيكثر سواد المسلمين ويكثر جمعهم ويعينهم على أعدائهم .
لكن استثنى العلماء من ذلك من أقام بين المشركين للتعليم والدعوة إلى الله ممن له قدرة على ذلك لعلمه وفضله وممن لا يخشى على دينه فتنة فإذا كان لديه علم ويستطيع أن يعلم الناس هناك وأن يدعو إلى الله هناك فهذا مستثنى وقد ذهب بعضهم إلى أن الأفضل أن يهاجر أيضا ولكن بتأمل مقاصد الشريعة والنظر فيما تعنى به الشريعة من تحبيب الدعوة إلى الله وهداية أهل الشرك إلى الحق والهدى فإن إقامته بينهم للدعوة إلى الله والتوجيه إليه وتبصيرهم بدين الله وتحذيرهم مما هم عليه من الباطل إذا كان على بصيرة وعلى علم وكان لإقامته بينهم أثر صالح ومنتوج صالح فإن الأفضل ان يقيم هناك للدعوة إلى الله وتكثير المسلمين تقليل أهل الشرك