الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة التي تولاها أصحاب الفضيلة: الشيخ صالح ........ الناصر، والشيخ إبراهيم بن علي الداود في موضوع الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، وقد أجادا وأفادا وبينا ما ينبغي بيانه، وأوضحا المضار الكثيرة في مقام المسلم بين أظهر المشركين والمضار الكثيرة أيضًا في عدم هجر ما نهى الله عنه، فجزاهم الله خيرًا وضاعف مثوبتهما، وزادنا وإياكم وإياهما علمًا وهدى وتوفيقًا، ونفعنا جميعًا بما سمعنا وعلمنا، ومنَّ علينا جميعًا وعلى سائر المسلمين بالاستقامة على أمره، والتوبة مما يغضبه، والعافية من مضلات الفتن.
أيها الإخوة إن الهجرة أمرها عظيم، وقد كان المسلمون في مكة في عهده عليه الصلاة والسلام في أذى شديد، ومضايقات من أهل الشرك، حتى أفضى ذلك إلى قتل بعض المسلمين من أهل الشرك، فلما اشتد الأمر على المسلمين أمرهم النبي ﷺ أن يهاجروا إلى بلاد الحبشة، عند ملك فيها لا يظلم من بجواره، وهو النجاشي أصحمة، فهاجروا إلى هناك، هاجر جم غفير منهم من رجال ونساء، وأقاموا هناك في أحسن حال، وفي حماية.
ثم اشتد الأذى بالباقين حتى أجمع رأي الكفرة على قتل نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فعند ذلك أذن الله له بالخروج إلى المدينة، بعدما عاقد الأنصار على أن يحموه مما يحمون به نسائهم وأبناءهم، فتمت البيعة بينه وبين الأنصار عند العقبة في منى، واستوثق الأمر في ذلك، فهاجر بعض الأوائل من الصحابة قبل النبي عليه الصلاة والسلام، وتقدم مصعب بن عمير يعلم الناس هناك ويرشدهم، وساعده بعض الأنصار كسعد بن معاذ ، ثم هاجر النبي ﷺ بعد ذلك، وطلبه المشركون، وبذلوا الدية مائة من الإبل لمن رده إليهم ليقتلوه، فحماه الله من شرهم وكيدهم، وأوصله إلى المدينة سالمًا معافى، فلله الحمد والمنة، واستبشر به المسلمون هناك، وقام بذلك سوق الجهاد في المدينة، وصارت العاصمة الأولى للمسلمين، وصارت مأرز الإيمان ومجمع المسلمين .
ثم انطلق منها المجاهدون في كل مكان في أنحاء الجزيرة حتى اجتمع جم غفير وعدد كبير في المدينة من المسلمين، كلها هذا ببركة الهجرة، وما فيها من الخير العظيم.