فالتوحيد هو أهم الأمور، والشرك هو أعظم الجرائم، التوحيد هو أعظم الفرائض، والشرك هو أعظم الجرائم، ولهذا بعث الله الرسل لبيان هذا الأمر أول شيء، وأنزل الكتب لبيان هذا الأمر أول شيء، ثم بعد ذلك الفروع، الصلوات، الصيام، الزكوات، والحج، والأمور الأخرى، والمحارم، كلها فروع عن هذا الأصل، فمن فسد أصله ما تنفعه الفروع، إذا فسد الأصل ووقع الشرك ما عد تنفع شيء، لا تنفع صلاة، ولا صيام، ولا زكاة، ولا حج، ولا بر، ولا غير ذلك ما ينفعك في الآخرة إذا بطل الأصل، وحرم الأصل، وهو التوحيد، وحل محله الشرك، فجميع أعمالك باطلة ما تنفعك لا قليلًا ولا كثيرًا، وأنت يوم القيامة من أهل النار كما قال : مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ [التوبة:17]، وقال: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، تكون أعمالهم هباء، وأعمالهم حابطة؛ لأن الشرك معهم، لأنهم ماتوا على الشرك، وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].
فأخبر سبحانه أنه لا يغفر الشرك، من مات على الشرك لا يغفر له، لكن من مات على ما دونه من المعاصي فهو تحت مشيئة الله، إن شاء ربنا غفر له، من زنا أو خمر أو عقوق أو نحو ذلك، إن شاء ربنا غفر له بعمله الصالح وتوحيده، وإن شاء أدخله النار للتطهير والتمحيص، وإزالة الخبث.
ثم بعدما يطهر في النار يخرج منها فيصير إلى الجنة بتوحيده وإسلامه، هكذا جاء عن الرسول ﷺ، وأجمع عليه المسلمون أن العاصي تحت مشيئة الله، إن شاء ربنا غفر له بتوحيده، وإسلامه، وبشفاعة الشفعاء من الملائكة، والرسل، والأنبياء، والصالحين، والأفراط، ونحو ذلك، وإن شاء ربنا عاقبه على قدر الذنوب التي مات عليها.
وكثير من أهل الذنوب الذين ماتوا عليها يعذبون في النار، أخبر النبي ﷺ أن كثيرًا منهم يعذبون في النار، ما تنفع فيهم شفاعة الشفعاء، يعذبون على قدر معاصيهم، ثم يخرجهم الله من النار بعد ذلك، ويشفع النبي في جماعة منهم عليه الصلاة والسلام أربع شفاعات: يشفع، ثم يشفع، ثم يشفع، ثم يشفع عليه الصلاة والسلام، ويشفع الملائكة، ويشفع الأنبياء، ويشفع المؤمنون، يشفع الأفراط، ثم بعد ذلك رحمة أرحم الراحمين بعد هذا كله يبقى ناس في النار من أهل التوحيد فيخرجهم الله برحمته سبحانه وتعالى، يخرجهم من النار برحمته قد امتحشوا، قد احترقوا، فيلقون في نهر الحياة، فينبتون كما تنب الحبة في حميل السيل، هذه حالهم، والله يقول جل وعلا إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72].
فهذا يبين لكم عظم هذه المحاضرة، وعظم موضوعها، وأن موضوعها أهم الموضوعات.