كذلك مسألة الأغاني تميت الغيرة، الاستماع للأغاني في الإذاعة أو في التلفاز أو في المسجلات أو في غير ذلك تميت الغيرة، تضعف القلوب، تميت القلوب، قال الله جل وعلا: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [لقمان:6] ولهو الحديث قال أكثر أهل العلم إنه الغناء وآلات الملاهي فجعلها سبحانه تظل عن سبيل الله وَمِنَ النَّاسِ يعني: بعض الناس هذا على سبيل الذم لهم والعيب لهم وَمِنَ النَّاسِ يعني بعض الناس يشتري لهو الحديث، يعني: يعتاضه لهو الحديث، لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وقرئ لِيُضِلَّ وقرئ ليَضِلَّ يعني ليضل بنفسه وليضل بذلك غيره، وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا [لقمان:6]، يعني: سبيل الله بما سمع من الأغاني، وارتكب من الأغاني وآلات الملاهي.
ثم بعدها وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا [لقمان:7]، هذه أيضًا تسبب التكبر عن سماع آيات الله، وتسبب الإعراض عن آيات الله، كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا؛ لأن قلبه اعتاد سماع الأغاني والمجون، وآلات اللهو من الكمان والعود وغير ذلك، فثقل عليه أن يسمع القرآن، وأن ينتفع بالقرآن، هذه من عقوبات الأغاني والملاهي، قال عبد الله بن مسعود : إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل الزرع، هذا يدل على أن اعتياد هذا البلاء -يعني سماع الأغاني وآلات الملاهي واعتياد ذلك- من أعظم الأسباب في موت القلوب، وموت الغيرة، والتثاقل عن طاعة الله، والإقدام على معاصي الله ، فإن الأغاني كثيرًا ما يدعو إلى الزنا والفواحش، وما يدعو إلى ترك الصلوات، وما يدعو إلى المجتمعات السيئة والخطط السيئة، وما يدعو إلى الكفر بالله والشرك به سبحانه، فالأغاني أمرها خطير، وهي متنوعة، وخطرها متنوع.
وقد ابتلي الناس بهذا التلفاز وبالإذاعة، حتى حصل من ذلك شر كثير، وبلاء عظيم، بسبب وجود الكثير من الشرور فيه، فينبغي للمؤمن أن يحذر هذه الأغاني، وهذه الملاهي، وأن يحذرها أهل بيته حسب الإمكان، وإذا تمكن من عدم وجود التلفاز في بيته فذلك خير وأصلح، ومن أعظم الأسباب في سلامته ونجاته من هذه الشرور، وبكل حال هذه الشرور التي وجدت بين الناس من آلات الملاهي كالتلفاز والإذاعة والمسجلات وغير ذلك، والفيديو أخطر وأخطر فيه العراة من الرجال والنساء، فيه الدعوة إلى الزنا والفواحش بكل صراحة، ومع ذلك يستبيحه كثير من الناس، ويفعله في بيته، ويفتحه في بيته، ويراه الرجال والنساء والبنات والزوجات، فهذا من البلاء العظيم أيضًا، ومن أعظم الأسباب في موت الغيرة، موت الغضب لله، موت إنكار المنكر.
وكذلك ما ذكره الشيخان من اعتياد مجالس الشر والخلطة لأهل الشر، قد يخالطهم ويأمرهم بالخير ثم يضعف شيئًا فشيئًا حتى يكون واحدًا منهم وشريكًا لهم في الشر، ويضيع الصلاة وغير ذلك، وهكذا أكل الربا لا شك أنه من أعظم الأسباب في موت القلوب ومحاربة الله ورسوله، فإن تعاطي الربا حرب لله ولرسوله، فينبغي للمؤمن أن يحذر ذلك، وأن يبتعد عن ذلك، وألا يغتر بمن فعل ذلك لإيداع أمواله في البنك بربح معلوم يأخذه منهم كل سنة أو كل سنتين أو كل شهر أو كل شهرين، وهكذا المعاصي كلها فإنه إذا عصى ربه ضعف الإيمان في قلبه، وصار يجد من قلبه ما يؤنبه، كيف تنكر المنكر وأنت تفعله؟! فيضعف عن إنكار المنكر لما فعله هو من المنكر، والله يقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3]، ويقول سبحانه: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ [البقرة:44]، ويقول عن نبي الله الصالح شعيب وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ [هود:88].
فإذا تعاطى العبد المنكرات، وتعاطى المعاصي؛ ضعف قلبه، وضعف إيمانه، وربما أفضى به ذلك إلى موت قلبه، وذهاب غيرته بالكلية، وهذا شيء يحسه الإنسان في نفسه متى أقدم على شيء من المعاصي أحس هذا من نفسه، فليحاسب نفسه، وليتق الله في كل ما يأتي ويذر، وليحذر المعاصي كلها، ليحذرها كلها وليبتعد عنها، وليعلم أنها بلاء عظيم، وشر مستطير متى أقدم عليها جر بعضها بعضًا، فإن من عقاب السيئة السيئة بعدها، كما أن من جزاء الحسنة الحسنة بعدها، ومن ثوابها الحسنة بعدها، فاتق الله يا عبد الله واحذر المعاصي، احذر التهاون بأمر الله، احذر ركوب المحارم، من ترك الصلوات أو إضاعتها في الجماعة، أو من تعاطي الزنا، والخمور، والدخان، أو إسبال الثياب، أو حلق اللحى، أو العكوف على الملاهي وآلات الطرب، ونحو ذلك، وسماع الغناء كل هذه تجر إلى فساد وموت القلوب، وإضاعة الحق، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فالواجب على كل إنسان على كل مسلم أن يحاسب نفسه، وأن يتقي الله ، وأن يحذر الشر على نفسه، وعلى أهل بيته.
وقد أشار فضيلة الشيخ إبراهيم إلى أمر خطير، وهو ما وقع في الناس من كثرة الشرور بسبب الوافدين من عمال وخدم ومربيات وسواقين، وهذه أخطار كبيرة، هذه أخطار عظيمة، فليحذر شرها، وليجتهد في إبعادها مهما أمكن، مهما أمكن أن يستغني عن الأجنبي في بيته مهما أمكنه أن يستغني فليفعل ذلك، وليجتهد في ذلك، ويصبر أهله على ذلك لعلهم يسلمون من هذا الشر مهما أمكن، وإذا كان ولا بد فليحرص على الخادمة الكبيرة في السن الطاعنة في السن البعيدة عن الجمال لعله يسلم، فإن بعض الشر أهون من بعضه، وكذلك السواقون خطرهم كبير، فإذا استطاع أن يخدم بنفسه أهله وأن يسوق بأهله أو ولده أو أخيه يسوق ببناته ومحارمه، فالحاصل أنه مهما أمكن أن يستغني عن الأجنبي الذي يخشى من مخالطته الضرر فليفعل ذلك، وليستعن بالله على ذلك، وليصبر ويصبر نفسه، ويصبر أهله على ما في نجاتهم وسعادتهم وعاقبتهم الحميدة.
قال بعض السلف ذكر ابن النحاس في كتاب تنبيه الغافلين ما يدل على ما ذكر الشيخ إبراهيم من أن الإمساس إذا كثر قل الإحساس، هذا أمر مجرب، إذا كثر الإمساس بين الناس بالمعاصي والشرور والخلطة لأهلها قل الإحساس بها، وقل الإنكار لها، يقول ابن النحاس رحمه الله: إن بعض السلف كان شديد الغيرة، فخرج من بيته ذات يوم فرأى منكرًا فاشتدت غيرته واشتد غضبه حتى بال الدم، حتى بال دمًا من شدة الغيرة وغضبه لله، ثم في يوم آخر خرج ورأى منكرًا فلم يبل دمًا غار لله وأنكر، ولكن بال البول المعتاد لما رأى المنكر، ثم مرة ثالثة خرج فرأى المنكر فما بال دمًا ولا بال بولًا، ولم يجد شيئًا من ذلك لكنه أنكره.