واجب الغيرة والغضب لله تعالى

هذه الندوة المباركة التي تولاها أصحاب الفضيلة: الشيخ .......، والشيخ إبراهيم بن عبد الله الغيث، جزاهما الله خيرًا، وضاعف مثوبتهما، وزادنا وإياكم وإياهما علمًا وهدى وتوفيقًا، ونفعنا جميعًا بما سمعنا وعلمنا، لقد أجادا وأفادا وأوضحا من أمر الغيرة ما ينبغي إيضاحه، ولا شك أن الغيرة أمرها عظيم، وهي في المعنى قريب من الغضب لله، يغار لله يغضب لله غضًبا يحمله على إنكار المنكر، وعلى الأمر بالمعروف، وعلى الدعوة إلى الله ، وعلى بذل الجهود لإصلاح أمور المسلمين، وتوجيههم إلى الخير.

وقد سمعتم أنواع الغيرة، وأنها ثمرة من ثمرات الإيمان، كلما قوي الإيمان قويت الغيرة لله، وكلما ضعف الإيمان بالمعاصي ضعفت الغيرة لله، وإذا مات القلب ماتت الغيرة، فعلى كل حال ما أوضحه الشيخان أمر بين، فالواجب على أهل الإسلام أن يتقوا الله، وأن يعظموا حرمات الله، وأن يبدأ كل واحد بنفسه فيجاهدها ويحاسبها؛ حتى تستقيم على أمر الله، وحتى تبتعد عن محارم الله، وحتى تقف عند حدود الله، ومن ذلك أن يقوم بما يجب عليه، فإن الغيرة لله والغضب لله من جملة الواجبات، فيجب على المؤمن أن يغار لله، وأن يغضب الله عند انتهاك محارمه، وأن يفعل ما يستطيع من إنكار المنكر وإزالته من بيته، أو من أولاده، أو من جيرانه، أو من غيرهم ممن تحت ولايته.

والناس في هذا متفاوتون، فالغيرة التي تكون من ولاة الأمور ومن القضاة والعلماء ومن أهل الحسبة والأمر بالمعرف والنهي عن المنكر غير الغيرة التي من عامة الناس، فهؤلاء لهم قدرة، ولهم سلطان يستطيعون بها إزالة الكثير من المنكرات، وإقامة الكثير من الواجبات، وإيقاف الظالم عند حده، والأخذ على يد السفيه، بخلاف غيره من عامة الناس فإنه مسؤول عما يتعلق بنفسه وأهل بيته، وعساه أن يستطيع ذلك، ومسؤول أيضًا عن إنكاره باللسان، فإن المنكرات متنوعة بعضها يحتاج إلى علم، وبعضها لا يحتاج إلى علم، يعرفه العامة والخاصة، فالمحافظة على الصلاة في جماعة أمر معلوم عند الجميع يجب إنكارها على من تخلف عنها، وأن يعلم ويقال له هذا خُلق المنافقين، فالمنافق من شأنه أن يتخلف عن صلاة الجماعة، من شأنه أن يتخلف عن أوامر الله، ولاسيما إذا استخفى بذلك، قال ابن مسعود رضي الله عنه في أمر الجماعة في صلاة الجماعة: "لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق".