وفيها أيضًا بيان ما يجب أن يكون بينهم من المعاملات في كل شؤونهم، وما يكون بينهم من العلاقات والأحوال الخاصة، بينها جل وعلا وأوضحها للعباد على وجه العدالة من غير ظلم ولا غلو ولا تقصير، بل بأحكم نظام وأعدل نظام من عند فاطر الأرض والسماء سبحانه وتعالى، كما بين صلات القرابات فيما بينهم، وصلات الزوجين فيما بينهم، وصلة الرعية بالراعي، والراعي بالرعية، وصلات المسلمين فيما بينهم، وما يجب بينهم من الإخوة والتعاون والتناصح.
كذلك ما يتعلق بالظلم والعدوان من بعضهم على بعض، أحكم ذلك سبحانه بما أوجب من الحدود، وبما أوجب من القصاص والديات، وغير ذلك، كل ذلك فيه صلاح البشرية، كل ذلك فيه نجاتها وسعادتها، وقد حكم بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام، ثم خلفاؤه الراشدون، ثم الأئمة بعدهم، أئمة الهدى الذين ساروا على نهجهم في تحكيم الشريعة، فأفلحوا ونجحوا، وقدموا للإنسانية والبشرية كل خير، وكل صلاح، وكل عدالة، وسادوا في البلاد، وخفقت راية الإسلام في غالب المعمورة، وصار الكفار بين أمرين: بين داخل في الإسلام عن رغبة فيه وعن محبة له، وبين من يؤدي الجزية للمسلمين ويبقى على دينه، أو يؤدي الخراج للمسلمين لضلاله وتمسكه بدينه وجهله وعدم بصيرته، ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك يتبصر الحق، ويعلم ما هو فيه من الضلالة والذل والهوان؛ فيدخل في الإسلام، ويدع ما هو عليه من الباطل.
ثم تفرقت بالمسلمين الأهواء، وتغيرت الأحوال، وانقسم الناس إلى أقسام؛ فطمع فيهم الأعداء بسبب الأهواء والذنوب والمعاصي، وبسبب عدم التعاون بينهم، فصار ذلك وسيلة إلى طمع الأعداء في بلاد المسلمين، والاستيلاء على كثير منها، والاستمتاع بثروتها وخيراتها، حتى وصلت الحال إلى ما لا يخفى من ضعف المسلمين وتمزقهم كثيرًا، ولم يبق إلا القليل ممن استقام على دين الله على البصيرة وعلى الحق والهدى، وبقي مع الكثير من الناس اسم الإسلام ودعوى الإسلام، لكن بدون روح، وبدون حقيقة، وبدون تحكيم للشريعة، وبدون سير على ما شرع الله فيها، ولكنها دعاوى مع ما لديهم من الباطل والشرك بالله عز وجل، والطرق الفاسدة، والبدع المضلة، إلى غير ذلك مما وقع في المسلمين من الشرور الكثيرة، وبأسبابها طمع الأعداء، وتمزق الناس، وصار أبناء المسلمين في كثير من الدنيا ضد المسلمين؛ لأنهم أخذوا أخلاق الكفار، وأخذوا سيرة الكفار وحكموا بها بلادهم، وصاروا خلفاء لهم في الباطل، وفي تنفيذ الشر والبلاء في أبناء بلادهم، وأبناء جنسيتهم.