وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل مكلف

هكذا المسلمين فيما بينهم، وهكذا قوله عليه الصلاة والسلام: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، خرجه الشيخان، وهكذا قوله عليه الصلاة والسلام: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه خرجه مسلم في صحيحه، يجمع هذا قوله جل وعلا: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:71]، فجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات المؤمنين والمؤمنات، ومن أخلاقهم العظيمة التي مدحهم الله بها، ومن أعمالهم التي علق الله عليها الرحمة والجنة، فعلق الرحمة على هذا العمل الصالح، ثم وعدهم على إيمانهم بالجنة والكرامة، فعلم بذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات أهل الإيمان الواجبة من أعمالهم المحتمة، كما أن الصلاة واجبة عليهم، والزكاة واجبة عليهم، وكما أن طاعة الله ورسوله واجبة عليهم فهكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر واجب عليهم على ذكورهم وإناثهم، وبين في آية أخرى أن من الواجب أن تكون هناك طائفة تلتزم بهذا الأمر، فإن الأفراد قد يخونون، قد يتساهل بعضهم، فيجب أن تكون هناك طائفة ملتزمة منتصبة لهذا الأمر في قوله جل وعلا: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104]، هكذا قال جمع من أهل العلم، وقال آخرون -إن المعنى-: وكونوا أنتم كلكم، وأن من لبيان الجنس، المعنى: كونوا جميعًا أيها الأمة كونوا كلكم بهذا الأمر، كونوا أمارين بالخير آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر كما في آية براءة: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، ولا منافاة فإنه إذا أمكن وجود طائفة تقوم بهذا الواجب وتعنى به وتتفرغ له كان أمكن وأكمل مع قيام الباقين بواجبهم وليس قيام الطائفة التي تعين لهذا الشيء وتسمى الهيئة أو الحسبة ليس قيامهم بهذا الواجب بعذر للباقين إذا رأوا المنكر ألا ينكروه، بل هؤلاء يقومون بواجبهم حسب ما عينوا، سواء كان ذلك رسميًا من جهة الدولة، أو من جهة قيامهم وتبرعهم بذلك، أو اجتماع أعيان البلد على ذلك، حتى تكون طائفة تقوم بهذا الواجب مهما كانت الحال، فقيام طائفة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يكون عذرًا للباقين في ترك ما يجب عليهم إذا وجد المنكر بينهم فهم مسؤولون، وإذا قامت الطائفة المعينة بذلك ولم يوجد بينهم منكرات إلا أزالتها تلك الطائفة حصل المقصود وانتهى الأمر؛ لأنه فرض كفاية كالجهاد ونحوه، إذا قام به من يكفي سقط الإثم والوجوب عن الباقين، لكن بهذه الأمور قل أن يوجد من يكفي ولاسيما في البلدان الكبيرة والمدن الواسعة والقبائل الكبيرة الواسعة، قل أن يوجد فيها من يكفي، يمكن أن يكفي في قرية صغيرة يقوم فيها جماعة ويتعينون، قد يقومون بالواجب، وقد يستغنى به، ولا يوجد في القرية من يفعل المنكر إلا قضوا عليه وعلموا به، لكن في المدن وفي البيوت وفي القبائل كل مكان يحتاج إلى شيء من هذا، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، كل إنسان راع في بيته وعلى أهله، راع في قبيلته، إذا كان شيخ القبيلة راع في بلده إذا كان أميرها وعالمها، ومسؤول عن رعيته، ولا يستغنى بوجود طائفة لم تقم بالواجب، فهو مسؤول لتأييد الطائفة القائمة بهذا الأمر، والوقوف بصفها.