الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وأمينه على وحيه وصفوته من خلقه، نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله، وعلى آله، وأصحابه، ومن سلك سبيله، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة التي تولاها أصحاب الفضيلة: الشيخ عبد الله بن جبرين، والشيخ عبد الرحمن بن ريان، والشيخ عبد العزيز الجيشي، فيما يتعلق بموضوع صلاة الجماعة، والأعذار في تركها، وقد أجاد المشايخ في الموضوع، وأفادوا، وتوسعوا في بيان هذا الأمر العظيم، شكر الله لهم سعيهم، وضاعف أجرهم، وزادنا وإياكم وإياهم علمًا وهدى، وتوفيقًا، وجعلنا جميعًا من الدعاة إليه على بصيرة، وأصلح قلوبنا وأعمالنا جميعًا إنه خير مسؤول.
لا ريب أن الأمر عظيم، وأن الصلاة هي عمود الإسلام، أساس الإسلام شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، هذا هو الأساس العظيم في دين الله فمن أتى بالشهادتين صادقًا فقد دخل في الإسلام، وعليه بعد ذلك أن يكمل ما أوجب الله عليه من الصلاة، وهي عمود الإسلام، ومن الزكاة، والصيام، والحج، وبقية الأوامر، وترك النواهي، فالرأس هو الشهادتان، رأس الأمر الإسلام، والإسلام هنا هو الشهادتان: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، أطلق عليها الإسلام؛ لأنها أساسه، لأنها أصله، فمن أتى بهما صادقًا دخل في الإسلام، وإن كان كاذبًا حكم له بالظاهر، وصار مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار، نسأل الله العافية.
من صدق في الشهادتين وبقية الأعمال الصالحة فهو من خيرة عباد الله، وإن كذب في ذلك وأتى بذلك تقية ولغرض من أغراض الدنيا حكم له بالظاهر بحكم المسلمين؛ لأن القلوب لا يعلمها إلا الله، ولكنه صار في حكم الإسلام من المنافقين الذين توعدهم الله بالدرك الأسفل من النار؛ لأنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، يشهدون ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله وهم كاذبون، فلذلك أخبر الله عنهم تحذيرًا لنا من صفاتهم وأخلاقهم الذميمة، فقال في حقهم: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:142]، وقال فيهم سبحانه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8]، يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة:9]،فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مرض الشك والريب والنفاق، فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة:10]، يعني: بما كانوا يكذبون في دعواهم أنهم مسلمون ويشهدون بالشهادتين يدعون أنهم مسلمون وهم كاذبون، وفي قراءة بعض القراء بما كانوا يُكَذِّبون فهم مكذبون وكاذبون، فهم مكذبون للحق وكاذبون في دعواهم الإسلام، نسأل الله العافية.
فلا ينبغي لعاقل أن يتشبه بأخلاقهم، والله ذمها وعابها، وتوعد أهلها بالدرك الأسفل من النار فقال: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [النساء:145]، وقد علمنا وعلم المسلمون أن المتساهل بالصلاة والمتخلف عنها قد شابه المنافقين، ولهذا قال عبد الله بن مسعود : "ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق"، الصحابة يخبرون بهذا أن من تخلف عنها يكون منافقًا معلوم النفاق. وفي اللفظ الآخر: "أو مريض"، فدل ذلك على أن التخلف عن الصلاة في الجماعة والتساهل بذلك من صفات أهل النفاق، وقد علمتم ما قال الله فيهم، وما ذمهم الله ، فجدير بالمؤمن جدير بالمسلم أن يحذر هذا الخلق الذميم، وهو التساهل والتخلف عن صلاة الجماعة. وقد ذكر لكم المشايخ من الأحاديث والآيات ما فيه الكفاية، في بعضها الكفاية، في بعضه ما يكفي ويشفي لوجوب صلاة الجماعة والمسارعة إليها، ولو لم يكن في ذلك إلا أن الله جل وعلا قال في حقهم: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145]، بعدما أخبر في آية أخرى أن من صفاتهم التكاسل والتثاقل عنها كيف.
وقد جاء في الأحاديث الصحيحة عنه عليه الصلاة والسلام أنه هم أن يحرق على المتخلفين بيوتهم، يحرقهم بالنار مع أنه لا يعذب بها إلا الله، لكن لعظم ذنبهم وشدة ما أقدموا عليه من البلاء وخطورته ولعظم الجريمة هم عليه الصلاة والسلام أن يحرقهم بالنار، ولعل ذلك قبل أن ينهى عن التعذيب بعذاب الله، فهم بهذا الأمر العظيم وهو تحريقهم؛ لأنهم لا يشهدون الصلاة، ما قال يصلون في بيوتهم، لو كانت صلاتهم في بيوتهم كافية لم يهم بتحريقهم، لقال: لا يصلون، لكنه قال: لا يشهدون الصلاة يعني: لا يشهدون الصلاة معنا في المساجد فيحضرونها، فدل على أنهم استحقوا هذا العذاب بسبب عدم الحضور في الجماعة في المساجد، وبإمكانهم أن يصلوا مع زوجاتهم مع أهليهم مع أولادهم جماعة في البيوت، فلو كان هذا كافيًا لعذروا، لكنه لا يكفي أن يصلي في بيته، ولو مع أولاده، ولو مع أخيه، ولو مع خدامه، لا يكفي، يجب أن يتقدم ويصلي مع الناس في بيوت الله ، حتى يظهر هذه الشعيرة العظيمة، وحتى يتصل بإخوانه ويجتمع بإخوانه المسلمين، وحتى يشجع غيره على أداء الصلاة في الجماعة، وحتى تحصل له الحكم العظيمة والأسرار الكثيرة، والفوائد الجمة في حضور الصلاة في جماعة.