وقد علمتم من الندوة ما فيه الخير والبركة، فهي ندوة مباركة وافية، قد أوضح فيها ما ينبغي، قد أوضح المشايخ شرعية زيارة القبور، وأنها سنة، شرع الله زيارة القبور للذكرى، لذكر الآخرة، ذكر الموت والزهد في الدنيا، هذا المقصود من شرعية الزيارة، أن يتذكر المؤمن الآخرة، ولقاء الله ، وأن الموت لا بد منه، وأنه سوف يأتي عليه ما أتى على من قبله من الأموات، فيستعد للآخرة ويتذكر، وفي زيارة القبور أيضًا الإحسان إلى الموتى بالدعاء لهم والترحم عليهم، ففيها مصلحتان: الذكرى، والاستعداد للآخرة، والتأهب لها، وعدم الغفلة، والإحسان للموتى بالدعاء لهم والترحم عليهم إذا كانوا مسلمين، ولما استأذن عليه الصلاة والسلام أن يزور قبر أمه أذن له؛ لما في زيارتها من الاعتبار والذكرى للموت والآخرة، ولما استأذن أن يستغفر لها لم يؤذن لها؛ لأنها ماتت على الجاهلية على دين قومها فلم يؤذن له أن يستغفر لها، فدل ذلك على أن القبور إذا كانت قبور كفار لا يدعا لهم، ولا يستغفر لهم، وإذا زارها الإنسان ووقف عليها للاعتبار والذكرى فقط لذكر الآخرة وذكر الموت، ولكن لا يسلم عليهم، ولا يدعا لهم؛ لأنهم ماتوا على غير الإسلام على الجاهلية، فلا يدعا لهم ولا يستغفر لهم، ولهذا لما سأل ربه عليه الصلاة والسلام أن يأذن له بالاستغفار لأمه لم يأذن له، ولما سأله أن يأذن له في زيارتها أذن له، وأنزل في ذلك جل وعلا: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى [التوبة:113]، فالموتى يزارون إن كانوا مسلمين للذكرى والرغبة في الآخرة والزهد في الدنيا، وللدعاء لهم والترحم عليهم عند المرور على قبورهم، والقبور التي للكفار إنما تزار للاعتبار والذكرى، ولا يدعا لهم، ولا يستغفر لهم، لا عند القبور ولا في غير ذلك.
وعرفتم أن السنة إذا زار القبور أن يقول الزائر: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، وفي لفظ آخر: يرحم الله المستقدمين منا، والمستأخرين، وكان إذا زار القبور يدعو لهم عليه الصلاة والسلام، ولما زار البقيع، قال: اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد، وإذا زار الشهداء دعا لهم عليه الصلاة والسلام، هذه هي السنة في الزيارة الدعاء لهم، والترحم عليهم.