وفي قصة عبد الرحمن بن عوف عبرة ذكرها الشيخ مصطفى، ولكن ما كلها، عبد الرحمن بن عوف جاء مهاجرًا وآخى بينه النبي ﷺ وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فقال له سعد بعد المؤاخاة: "يا عبد الرحمن عندي زوجتان، فانظر إحداهما أعجب إليك فأطلقها، وإذا اعتدت تزوجتها"، وكان هذا قبل الحجاب في أول الأمر قبل أن يحجب النساء، ثم هذا لو قدر بعد ذلك كان في حكم الخاطب؛ لأن في حكم الخاطب في هذه الحال لو جاز هذا فانظر. "وعندي مال، فأنا أعطيك شطر ما معي" يقوله سعد: "أعطيك إحدى زوجتي إذا اخترت إحداهما، فأطلقها، ثم تنكحها بعد العدة، وأعطيك نصف مالي". فقال له عبد الرحمن: "بارك الله لك في أهلك ومالك، لا حاجة لي في هذا، دلوني على السوق"، فدلوه على السوق، فاشترى أقطًا وسمنًا، فجعل يبيع ويشتري حتى أغناه الله، ثم تزوج بعد مدة قليلة، فجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وعليه أثر الزواج، فقال: مهيم، فقال تزوجت امرأة من الأنصار، قال ما أصدقتها؟ قال: وزن نواة من ذهب، قال: بارك الله لك، أولم ولو بشاة، ثم لم تزل أمواله تكثر من التجارة والمغانم ،كان الصحابة مع التجارة تأتيهم مغانم، يغزو مع الرسول ﷺ، وفي عهد الصديق، وفي عهد عمر، وفي عهد عثمان، وجاءت المغانم كثيرة، وأغناهم الله بعد الحاجة، وصاروا رؤوس الناس، غنًى وفضلًا وعلمًا ودعوة إلى الله وتعليمًا.
هذه قصة عبد الرحمن، فترك المشاركة في المال وفي الزوجتين لسعد بن الربيع، واكتفى بالعمل والبيع والشراء حتى أغناه الله، وفي الحديث الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام سئل أي الكسب أطيب؟ فقال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور، هكذا أجاب النبي ﷺ لما سئل أي العمل أفضل؟ فقال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور، وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: ما أكل أحد طعامًا أفضل من أن يأكل من عمل يده، وكان نبي الله داود يأكل من عمل يده عليه الصلاة والسلام.