قال الحافظ ابن القيم رحمه الله تعالى في فوائد ذكر الله تعالى:
(الرابعة والأربعون: أنَّ الذكر رأسُ الشكر، فما شكر الله تعالى مَن لم يذكره.
وذكر البيهقي: عن زيد بن أسلم: أنَّ موسى عليه السلام قال: «ربّ قد أنعمتَ عليَّ كثيرًا، فدلني على أن أشكرك كثيرًا، قال: اذكرني كثيرًا، فإذا ذكرتني كثيرًا فقد شكرتني كثيرًا، وإذا نسيتني فقد كفرتني».
وقد ذكر البيهقي أيضًا في "شعب الإيمان" عن عبدالله بن سلام، قال: قال موسى عليه السلام: يا ربّ، ما الشّكر الذي ينبغي لك؟ فأوحى الله تعالى إليه أن لا يزال لسانك رطبًا من ذكري، قال: يا ربّ، إني أكون على حال أُجِلُّك أن أذكرك فيها، قال: وما هي؟ قال: أكون جنبًا أو على الغائط أو إذا بُلْتُ، فقال: وإن كان، قال: يا ربّ، فما أقول؟ قال: تقول: سبحانك وبحمدك، وجنبني الأذى، وسبحانك وبحمدك، فقني الأذى.
قلت: قالت عائشة: "كان رسول الله ﷺ يذكر الله تعالى على كل أحيانه"، ولم تستثنِ حالةً من حاله.
وهذا يدل على أنه كان يذكر ربَّه تعالى في حال طهارته وجنابته، وأمَّا في حال التَّخلي فلم يكن يُشاهده أحدٌ يحكي عنه، ولكن شرع لأمَّته من الأذكار قبل التَّخلي وبعده ما يدل على مزيد الاعتناء بالذكر، وأنَّه لا يُخِلّ به عند قضاء الحاجة وبعدها.
وكذلك شرع لأمته من الذكر عند الجماع أن يقول أحدهم: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنّب الشيطان ما رزقتنا.
وأمَّا الذكر عند نفس قضاء الحاجة وجماع الأهل فلا ريب أنه لا يُكره بالقلب؛ لأنه لا بدَّ لقلبه من ذكر، ولا يُمكنه صرف قلبه عن ذكر مَن هو أحبّ شيءٍ إليه، فلو كلّف القلب نسيانه لكان تكليفه بالمحال، كما قال القائل:
فأمَّا الذكر باللسان على هذه الحالة فليس مما شرع لنا، ولا ندبنا إليه رسولُ الله ﷺ، ولا نُقِل عن أحدٍ من الصحابة .
وقال عبدالله بن أبي هذيل: "إنَّ الله تعالى ليُحب أن يُذكَر في السوق، ويُحب أن يُذكَر على كلِّ حالٍ، إلا على الخلاء".
ويكفي في هذه الحال استشعار الحياء والمُراقبة والنّعمة عليه في هذه الحالة، وهي من أجلِّ الذكر، فذكر كلِّ حالٍ بحسب ما يليق بها، واللائق بهذه الحال التَّقنع بثوب الحياء من الله تعالى وإجلاله، وذكر نعمته عليه، وإحسانه إليه في إخراج هذا القذر المُؤذي الذي لو بقي فيه لقتله، فالنعمة في تيسير خروجه كالنعمة في التَّغذي به.
وكان عليُّ بن أبي طالبٍ إذا خرج من الخلاء مسح بطنَه وقال: "يا لها نعمةٍ لو يعلم الناسُ قدرها".
وكان بعضُ السلف يقول: "الحمد لله الذي أذاقني لذَّته، وأبقى فيَّ منفعته، وأذهب عني مضرّته".
وكذلك ذكره حال الجماع، ذكر هذه النعمة التي مَنَّ بها عليه، وهي أجلّ نعم الدنيا، فإذا ذكر نعمةَ الله تعالى عليه بها هاج من قلبه هائجُ الشكر، فالذكر رأس الشكر.
وقال النبيُّ ﷺ لمعاذٍ: والله يا معاذ إني لأحبّك، فلا تنسَ أن تقول دبر كلِّ صلاةٍ: اللهم أعني على ذكرِك وشكرِك وحسنِ عبادتك، فجمع بين الذكر والشكر، كما جمع سبحانه وتعالى بينهما في قوله تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ [البقرة:152]، فالذكر والشكر جماع السعادة والفلاح).
(الرابعة والأربعون: أنَّ الذكر رأسُ الشكر، فما شكر الله تعالى مَن لم يذكره.
وذكر البيهقي: عن زيد بن أسلم: أنَّ موسى عليه السلام قال: «ربّ قد أنعمتَ عليَّ كثيرًا، فدلني على أن أشكرك كثيرًا، قال: اذكرني كثيرًا، فإذا ذكرتني كثيرًا فقد شكرتني كثيرًا، وإذا نسيتني فقد كفرتني».
وقد ذكر البيهقي أيضًا في "شعب الإيمان" عن عبدالله بن سلام، قال: قال موسى عليه السلام: يا ربّ، ما الشّكر الذي ينبغي لك؟ فأوحى الله تعالى إليه أن لا يزال لسانك رطبًا من ذكري، قال: يا ربّ، إني أكون على حال أُجِلُّك أن أذكرك فيها، قال: وما هي؟ قال: أكون جنبًا أو على الغائط أو إذا بُلْتُ، فقال: وإن كان، قال: يا ربّ، فما أقول؟ قال: تقول: سبحانك وبحمدك، وجنبني الأذى، وسبحانك وبحمدك، فقني الأذى.
قلت: قالت عائشة: "كان رسول الله ﷺ يذكر الله تعالى على كل أحيانه"، ولم تستثنِ حالةً من حاله.
وهذا يدل على أنه كان يذكر ربَّه تعالى في حال طهارته وجنابته، وأمَّا في حال التَّخلي فلم يكن يُشاهده أحدٌ يحكي عنه، ولكن شرع لأمَّته من الأذكار قبل التَّخلي وبعده ما يدل على مزيد الاعتناء بالذكر، وأنَّه لا يُخِلّ به عند قضاء الحاجة وبعدها.
وكذلك شرع لأمته من الذكر عند الجماع أن يقول أحدهم: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنّب الشيطان ما رزقتنا.
وأمَّا الذكر عند نفس قضاء الحاجة وجماع الأهل فلا ريب أنه لا يُكره بالقلب؛ لأنه لا بدَّ لقلبه من ذكر، ولا يُمكنه صرف قلبه عن ذكر مَن هو أحبّ شيءٍ إليه، فلو كلّف القلب نسيانه لكان تكليفه بالمحال، كما قال القائل:
يُراد من القلب نسيانكم | وتأبى الطِّباع على الناقل |
وقال عبدالله بن أبي هذيل: "إنَّ الله تعالى ليُحب أن يُذكَر في السوق، ويُحب أن يُذكَر على كلِّ حالٍ، إلا على الخلاء".
ويكفي في هذه الحال استشعار الحياء والمُراقبة والنّعمة عليه في هذه الحالة، وهي من أجلِّ الذكر، فذكر كلِّ حالٍ بحسب ما يليق بها، واللائق بهذه الحال التَّقنع بثوب الحياء من الله تعالى وإجلاله، وذكر نعمته عليه، وإحسانه إليه في إخراج هذا القذر المُؤذي الذي لو بقي فيه لقتله، فالنعمة في تيسير خروجه كالنعمة في التَّغذي به.
وكان عليُّ بن أبي طالبٍ إذا خرج من الخلاء مسح بطنَه وقال: "يا لها نعمةٍ لو يعلم الناسُ قدرها".
وكان بعضُ السلف يقول: "الحمد لله الذي أذاقني لذَّته، وأبقى فيَّ منفعته، وأذهب عني مضرّته".
وكذلك ذكره حال الجماع، ذكر هذه النعمة التي مَنَّ بها عليه، وهي أجلّ نعم الدنيا، فإذا ذكر نعمةَ الله تعالى عليه بها هاج من قلبه هائجُ الشكر، فالذكر رأس الشكر.
وقال النبيُّ ﷺ لمعاذٍ: والله يا معاذ إني لأحبّك، فلا تنسَ أن تقول دبر كلِّ صلاةٍ: اللهم أعني على ذكرِك وشكرِك وحسنِ عبادتك، فجمع بين الذكر والشكر، كما جمع سبحانه وتعالى بينهما في قوله تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ [البقرة:152]، فالذكر والشكر جماع السعادة والفلاح).
الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهُداه.
أمَّا بعد: فهذه الآثار التي ذكرها المؤلف العلامة ابنُ القيم رحمه الله في كتابه "الوابل الصيب" كلها تدل على عِظم شأن الذكر، وأنه عبادة عظيمة، وتقدَّم من الآيات والأحاديث ما يدل على فضل الذكر، وأنه من أفضل العبادات، بل هو أفضل العبادات، قال تعالى: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45]، وأفضل ذلك قول: "لا إله إلا الله"، وهي أعظم الذكر، وهكذا: "سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر"، يقول النبي ﷺ: أحبُّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ويقول ﷺ: الباقيات الصَّالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويقول ﷺ: الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، ويقول عليه الصلاة والسلام: مَن قال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، عشر مرات كان كمَن أعتق أربعة أنفسٍ من ولد إسماعيل، وقال عليه الصلاة والسلام: مَن قال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يُحيي ويميت، وهو على كلِّ شيءٍ قدير، مئة مرة، كانت له عدل عشر رقاب –يعني: يُعتقها- وكتب له بها مئة حسنة، ومحا عنه مئة سيئة، وكان في حرزٍ من الشيطان يومه ذلك حتى يُمسي، ولم يأتِ أحدٌ بأفضل مما جاء به، إلا رجلٌ عمل أكثر من عمله.
والذكر هو رأس الشكر، والله يقول: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ [البقرة:152]، فالذي استقام على الذكر قد شكر ربَّه قولًا وعملًا، فالخوف من الله ذكر، الخوف والمحبة والرجاء والخشية لله هذا ذكرٌ بالقلب، والإخلاص لله ذكرٌ بالقلب، والتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير وقول "لا حول ولا قوة إلا بالله" والدعاء والاستغفار ذكرٌ باللسان، والصلاة والصوم والحج والجهاد والصَّدقات وأشباه ذلك من العبادات الفعلية ذكرٌ بالعمل.
فالمؤمن مشروعٌ له ذكر الله بقلبه ولسانه وعمله جميعًا، في جميع الأحيان، قالت عائشة رضي الله عنها: "كان النبي ﷺ يذكر الله على كلِّ أحيانه"، يعني: في البيت، في الطريق، في الحمام، في كل مكان، لكن في الحمام عند قضاء الحاجة يكون بالقلب، ولا يتكلم بالذكر عند قضاء الحاجة، وفي سائر المواضع بالقلب واللسان والعمل.
ويدل على أن الذكر حال قضاء الحاجة لا يكون باللسان: أن الرسول ﷺ مرَّ عليه إنسانٌ وهو يقضي حاجته، فسلَّم عليه، فلم يرد عليه السلام وهو يقضي حاجته عليه الصلاة والسلام، فلما فرغ تيمم وردَّ عليه، وقال: إني كرهتُ أن أذكر الله على غير طهارةٍ.
فالمقصود أن الإنسان يذكر الله بقلبه ولسانه وجوارحه في جميع الأوقات، لكن في حال التَّخلي وقضاء الحاجة -كالبول والغائط- يكون الذكر بالقلب لا باللسان، ويقضي حاجته وقلبه مشغول بالله، يتذكر نعمَه، ويتذكر إحسانه، وإذا خرج من الغائط يقول: "غفرانك"، هكذا كان النبي ﷺ إذا خرج يقول: غفرانك، يعني: أسألك غفرانك؛ لأنَّ العبد كثير التقصير، وقضاء الحاجة من نِعم الله، فكون الله قد أنعم عليك حتى قضيتَ حاجتك من بولٍ أو غائطٍ هذه من نعم الله عليك، والعبد في الغالب مُقصِّرٌ في الشكر، فيقول عند الخروج: "غفرانك" يعني: اللهم اغفر لي تقصيري في شكر نعمك. وإذا أراد دخول الغائط يُقدِّم رجلَه اليسرى ويقول: "بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث"، ويُقدِّم رجلَه اليمنى عند الخروج ويقول: "غفرانك"، وإذا دخل السوقَ يُكثِر من ذكر الله: في الطريق، وفي المجلس: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ [البقرة:152].
فجميع العبادات التي شرعها كلها ذكر لله، قولية أو عملية، بالقلب أو بالجوارح، فالذكر أيسر العبادات وأفضلها، فهو مُيَسَّر ومُسَهَّل، وهو أفضل العبادات بالقلب واللسان والعمل، يقوم مقام الصدقات والأعمال الكثيرة، فإذا جمع العبدُ بين الذكر باللسان والذكر بالعمل والصَّدقات والمسارعة إلى أنواع الطاعات جمع خيرًا كثيرًا، والقلب الغافل بعيدٌ من الله.
فالمؤمن يجتهد في أن يكون قلبه معمورًا بذكر الله، ولا يتشبَّه بأعداء الله الغافلين، قال جل وعلا: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179]، هؤلاء هم الغافلون المُعْرِضون عن الله، ويقول سبحانه: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36]، فالعبد متى غفل عن ذكر الله هجم عليه الشيطان عدو الله، وزيَّن له الباطل، ومتى شُغِل بذكر الله طرد الشيطان، وصار ذلك مما يُشجعه على كل عملٍ صالحٍ.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: حديث: الحمد لله الذي عافاني وأذهب عني الأذى؟
ج: ضعيف.
قال الحافظ ابنُ القيم رحمه الله تعالى في فوائد ذكر الله تعالى:
(الخامسة والأربعون: أنَّ أكرم الخلق على الله تعالى من المتقين مَن لا يزال لسانه رطبًا بذكره، فإنَّه اتَّقاه في أمره ونهيه، وجعل ذكره شعاره، فالتقوى أوجبت له دخول الجنة، والنَّجاة من النار، وهذا هو الثواب والأجر، والذكر يُوجِب له القرب من الله ، والزُّلفى لديه، وهذه هي المنزلة.
وعُمَّال الآخرة على قسمين: منهم مَن يعمل على الأجر والثواب. ومنهم مَن يعمل على المنزلة والدرجة، فهو يُنافس غيره في الوسيلة والمنزلة عند الله تعالى، ويُسابق إلى القرب منه.
وقد ذكر الله تعالى النَّوعين في سورة الحديد في قول الله تعالى: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد:18]، فهؤلاء أصحاب الأجور والثَّواب، ثم قال: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ [الحديد:19]، فهؤلاء أصحاب المنزلة والقرب، ثم قال: وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ [الحديد:19]، فقيل: هذا عطفٌ على الخبر من الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، أخبر عنهم بأنهم هم الصّديقون، وأنهم الشّهداء الذين يشهدون على الأمم، ثم أخبر عنهم بخبرٍ آخر؛ أنَّ لهم أجرًا، وهو قوله تعالى: لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ [الحديد:19]، فيكون قد أخبر عنهم بأربعة أمورٍ: أنهم صدِّيقون، وشُهداء، فهذه هي المرتبة والمنزلة.
قيل: تمَّ الكلام عند قوله تعالى: الصِّدِّيقُونَ، ثم ذكر بعد ذلك حال الشّهداء فقال: وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ [الحديد:19]، فيكون قد ذكر المُتصدِّقين أهل البر والإحسان، ثم المؤمنين الذين قد رسخ الإيمانُ في قلوبهم وامتلأوا منه، فهم الصّديقون، وهم أهل العلم والعمل، والأولون أهل البر والإحسان، ولكن هؤلاء أكمل صديقيَّة منهم، ثم ذكر سبحانه الشُّهداء، وأنه تعالى يُجري عليهم رزقَهم ونورَهم؛ لأنَّهم لما بذلوا أنفسهم لله تعالى أثابهم الله تعالى عليها أن جعلهم أحياء عند ربهم يُرزقون، فيُجري عليهم رزقهم ونورهم، فهؤلاء السّعداء.
ثم ذكر الأشقياء فقال: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [الحديد:19].
والمقصود أنه سبحانه وتعالى ذكر أصحابَ الأجور والمراتب، وهذان الأمران هما اللذان وعدهما فرعون السَّحرة إن غلبوا موسى عليه الصلاة والسلام، فقالوا: أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [الشعراء:41-42] أي: أجمع لكم بين الأجر والمنزلة عندي والقرب مني.
فالعمَّال عملوا على الأجور، والعارفون عملوا على المراتب والمنزلة والزُّلفى عند الله.
وأعمال هؤلاء القلبية أكثر من أعمال أولئك، وأعمال أولئك البدنية قد تكون أكثر من أعمال هؤلاء.
وذكر البيهقي: عن محمد بن كعب القُرظي رحمه الله تعالى قال: قال موسى عليه السلام: «يا ربّ، أي خلقك أكرم عليك؟ قال: الذي لا يزال لسانه رطبًا بذكري، قال: يا ربّ، فأي خلقك أعلم؟ قال: الذي يلتمس إلى علمه علمَ غيره، قال: يا ربّ، أي خلقك أعدل؟ قال: الذي يقضي على نفسه مثلما يقضي على الناس، قال: يا ربّ، أي خلقك أعظم ذنبًا؟ قال: الذي يتهمني، قال: يا ربّ، وهل يتَّهمك أحد؟ قال: الذي يستخيرني ولا يرضى بقضائي».
وذُكر أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما وفد موسى عليه السلام إلى طور سيناء قال: يا ربّ، أي عبادك أحبّ إليك؟ قال: الذي يذكرني ولا ينساني.
وقال كعب: قال موسى : يا ربّ، أقريبٌ أنت فأُناجيك، أم بعيدٌ فأُناديك؟ فقال تعالى: يا موسى، أنا جليس مَن ذكرني، قال: إني أكون على حالٍ أُجِلُّك عنها، قال: ما هي يا موسى؟ قال: عند الغائط والجنابة، قال: اذكرني على كل حالٍ.
وقال عبيد بن عمير: "تسبيحة بحمد الله في صحيفة مؤمنٍ خير له من جبال الدنيا تجري معه ذهبًا".
وقال الحسن: "إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: سيعلم أهلُ الجمع مَن أولى بالكرم، أين الذين كانت تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [السجدة:16]؟ قال: فيقومون فيتخطون رقابَ الناس".
قال: "ثم يُنادي منادٍ: سيعلم أهل الجمع مَن أولى بالكرم، أين الذي كانت لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ؟ [النور:37] قال: فيقومون فيتخطون رقاب الناس".
قال: "ثم يُنادي منادٍ: وسيعلم أهلُ الجمع مَن أولى بالكرم، أين الحمَّادون لله على كل حالٍ؟ قال: فيقومون وهم كثير. ثم تكون التبعة والحساب فيمَن بقي".
وأتى رجلٌ أبا مسلم الخولاني، فقال له: أوصني يا أبا مسلم، قال: "اذكر الله تعالى تحت كل شجرةٍ ومدرةٍ"، فقال: زدني، فقال: "اذكر الله تعالى حتى يحسبك الناسُ من ذكر الله تعالى مجنونًا".
قال: وكان أبو مسلم يُكثِر ذكرَ الله تعالى، فرآه رجلٌ وهو يذكر الله تعالى فقال: أمجنونٌ صاحبكم هذا؟! فسمعه أبو مسلم فقال: "ليس هذا بالجنون يا ابن أخي، ولكن هذا دواء الجنون").
(الخامسة والأربعون: أنَّ أكرم الخلق على الله تعالى من المتقين مَن لا يزال لسانه رطبًا بذكره، فإنَّه اتَّقاه في أمره ونهيه، وجعل ذكره شعاره، فالتقوى أوجبت له دخول الجنة، والنَّجاة من النار، وهذا هو الثواب والأجر، والذكر يُوجِب له القرب من الله ، والزُّلفى لديه، وهذه هي المنزلة.
وعُمَّال الآخرة على قسمين: منهم مَن يعمل على الأجر والثواب. ومنهم مَن يعمل على المنزلة والدرجة، فهو يُنافس غيره في الوسيلة والمنزلة عند الله تعالى، ويُسابق إلى القرب منه.
وقد ذكر الله تعالى النَّوعين في سورة الحديد في قول الله تعالى: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد:18]، فهؤلاء أصحاب الأجور والثَّواب، ثم قال: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ [الحديد:19]، فهؤلاء أصحاب المنزلة والقرب، ثم قال: وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ [الحديد:19]، فقيل: هذا عطفٌ على الخبر من الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، أخبر عنهم بأنهم هم الصّديقون، وأنهم الشّهداء الذين يشهدون على الأمم، ثم أخبر عنهم بخبرٍ آخر؛ أنَّ لهم أجرًا، وهو قوله تعالى: لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ [الحديد:19]، فيكون قد أخبر عنهم بأربعة أمورٍ: أنهم صدِّيقون، وشُهداء، فهذه هي المرتبة والمنزلة.
قيل: تمَّ الكلام عند قوله تعالى: الصِّدِّيقُونَ، ثم ذكر بعد ذلك حال الشّهداء فقال: وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ [الحديد:19]، فيكون قد ذكر المُتصدِّقين أهل البر والإحسان، ثم المؤمنين الذين قد رسخ الإيمانُ في قلوبهم وامتلأوا منه، فهم الصّديقون، وهم أهل العلم والعمل، والأولون أهل البر والإحسان، ولكن هؤلاء أكمل صديقيَّة منهم، ثم ذكر سبحانه الشُّهداء، وأنه تعالى يُجري عليهم رزقَهم ونورَهم؛ لأنَّهم لما بذلوا أنفسهم لله تعالى أثابهم الله تعالى عليها أن جعلهم أحياء عند ربهم يُرزقون، فيُجري عليهم رزقهم ونورهم، فهؤلاء السّعداء.
ثم ذكر الأشقياء فقال: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [الحديد:19].
والمقصود أنه سبحانه وتعالى ذكر أصحابَ الأجور والمراتب، وهذان الأمران هما اللذان وعدهما فرعون السَّحرة إن غلبوا موسى عليه الصلاة والسلام، فقالوا: أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [الشعراء:41-42] أي: أجمع لكم بين الأجر والمنزلة عندي والقرب مني.
فالعمَّال عملوا على الأجور، والعارفون عملوا على المراتب والمنزلة والزُّلفى عند الله.
وأعمال هؤلاء القلبية أكثر من أعمال أولئك، وأعمال أولئك البدنية قد تكون أكثر من أعمال هؤلاء.
وذكر البيهقي: عن محمد بن كعب القُرظي رحمه الله تعالى قال: قال موسى عليه السلام: «يا ربّ، أي خلقك أكرم عليك؟ قال: الذي لا يزال لسانه رطبًا بذكري، قال: يا ربّ، فأي خلقك أعلم؟ قال: الذي يلتمس إلى علمه علمَ غيره، قال: يا ربّ، أي خلقك أعدل؟ قال: الذي يقضي على نفسه مثلما يقضي على الناس، قال: يا ربّ، أي خلقك أعظم ذنبًا؟ قال: الذي يتهمني، قال: يا ربّ، وهل يتَّهمك أحد؟ قال: الذي يستخيرني ولا يرضى بقضائي».
وذُكر أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما وفد موسى عليه السلام إلى طور سيناء قال: يا ربّ، أي عبادك أحبّ إليك؟ قال: الذي يذكرني ولا ينساني.
وقال كعب: قال موسى : يا ربّ، أقريبٌ أنت فأُناجيك، أم بعيدٌ فأُناديك؟ فقال تعالى: يا موسى، أنا جليس مَن ذكرني، قال: إني أكون على حالٍ أُجِلُّك عنها، قال: ما هي يا موسى؟ قال: عند الغائط والجنابة، قال: اذكرني على كل حالٍ.
وقال عبيد بن عمير: "تسبيحة بحمد الله في صحيفة مؤمنٍ خير له من جبال الدنيا تجري معه ذهبًا".
وقال الحسن: "إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: سيعلم أهلُ الجمع مَن أولى بالكرم، أين الذين كانت تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [السجدة:16]؟ قال: فيقومون فيتخطون رقابَ الناس".
قال: "ثم يُنادي منادٍ: سيعلم أهل الجمع مَن أولى بالكرم، أين الذي كانت لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ؟ [النور:37] قال: فيقومون فيتخطون رقاب الناس".
قال: "ثم يُنادي منادٍ: وسيعلم أهلُ الجمع مَن أولى بالكرم، أين الحمَّادون لله على كل حالٍ؟ قال: فيقومون وهم كثير. ثم تكون التبعة والحساب فيمَن بقي".
وأتى رجلٌ أبا مسلم الخولاني، فقال له: أوصني يا أبا مسلم، قال: "اذكر الله تعالى تحت كل شجرةٍ ومدرةٍ"، فقال: زدني، فقال: "اذكر الله تعالى حتى يحسبك الناسُ من ذكر الله تعالى مجنونًا".
قال: وكان أبو مسلم يُكثِر ذكرَ الله تعالى، فرآه رجلٌ وهو يذكر الله تعالى فقال: أمجنونٌ صاحبكم هذا؟! فسمعه أبو مسلم فقال: "ليس هذا بالجنون يا ابن أخي، ولكن هذا دواء الجنون").
الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أمَّا بعد: فهذه الفائدة الخامسة والأربعون من فوائد الذكر، أن صاحبها يكون في المنزلة العالية عند الله ؛ لأنَّ ذكر الله دائمًا يحثّه على أداء الفرائض وترك المحارم، فيكون في المنزلة العالية عند الله ، والرسل وأتباعهم من خواصّ المؤمنين الذين شغلوا أنفسهم بطاعة الله، وشغلوا قلوبهم وألسنتهم بذكر الله، فالذين شغلوا أنفسهم وألسنتهم بذكر الله هم أهل المراتب العالية.
ولما سُئل ﷺ: يا رسول الله، إنَّ شرائع الإسلام قد كثرت عليّ، فأخبرني ببابٍ جامعٍ أتمسَّك به، فقال ﷺ مُجيبًا له: لا يزال لسانُك رطبًا من ذكر الله.
فينبغي للمؤمن أن تكون أوقاته معمورةً بذكر الله، كما قال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب:41-42]، وقال جل وعلا: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ [البقرة:152]، وقال جل وعلا: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ إلى أن قال سبحانه: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35]، وقال عليه الصلاة والسلام: سبق المُفَرِّدون، قيل: يا رسول الله، مَن المُفَرِّدون؟ قال: الذَّاكرون الله كثيرًا والذَّاكرات، يعني: سبقوا إلى كلِّ خيرٍ.
فينبغي للمؤمن أن يجتهد في أن يكون قلبه ذاكرًا، ولسانه ذاكرًا، قلبه ذاكرًا بخوف الله، ومراقبته، وتعظيمه، والشوق إليه، والتنعم بذكره جل وعلا، وتدبّر آياته ومخلوقاته التي تدل على عظمته سبحانه وتعالى، ويشغل أيضًا لسانه بذكر الله، من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، وذكر الجوارح بأنواع الطاعات، من صلاةٍ وغيرها.
هكذا المؤمن: أوقاته معمورة، مع كونه في أعماله الدنيوية أيضًا: كالبيع والشّراء والزراعة وغير ذلك، لا يترك حاجته من الدنيا، فهو يعمل مع ذكر الله سبحانه وتعالى؛ فإنَّ هذه الأعمال لا تُلهي عن ذكر الله بالقلب واللسان، يقول النبي ﷺ لما سُئل عن أحبِّ الأعمال إلى الله، قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أيّ؟ قال: برّ الوالدين، قلت: ثم أيّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله.
فالصلاة ذكر، وبرّ الوالدين ذكر، والجهاد ذكر، والصدقة ذكر؛ فإنَّ الذكر يكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بالجوارح.
ويقول ﷺ: أحبّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
ويقول عليه الصلاة والسلام: الباقيات الصَّالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ويقول عليه الصلاة والسلام: لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ أحبّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس.
ويقول عليه الصلاة والسلام: كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.
فأنت يا عبدالله أشغل هذا اللسان وهذه الجوارح بذكر الله، قائمًا، وقاعدًا، وفي أي مكانٍ، فالقلب يكون معمورًا بذكر الله: بالخوف منه، ورجائه، وتعظيمه، والأنس بذكره، والشوق إليه، والتدبر لآياته الدالة على عظمته، وتدبر النعم التي أنعم بها عليك؛ حتى تشكره سبحانه، وهكذا اللسان: تشغله بالاستغفار، والدعاء، والتسبيح، والتهليل، والتحميد، والتكبير، إلى غير ذلك، وهكذا الجوارح: من بدنٍ، من رجلٍ، من يدٍ، وغير ذلك، تشغلها بأعمال الخير، حتى زراعتك وتجارتك بقصد أكل الحلال والاستغناء عمَّا في أيدي الناس عبادة وقُربة وطاعة.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: هل الأذكار توقيفية؟
ج: الأذكار من جهةٍ توقيفية، ومن جهةٍ تُعرَف بالأدلة الشرعية، فهناك أذكار يُقال فيها: توقيفية، وردت بالنص: كالتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، وهناك أذكار بالتدبر: كخوف الله عندما يقع أمام الإنسان شيءٌ يخشاه، ومثل: رجاء الله، ومثل: الشوق إلى الله، وتذكر عظمته، وتذكر نعمه العظيمة، هذه يحتاج إليها الإنسانُ بحسب تفكيره وتدبره وتعقله وقربه من الله وعدم غفلته، وهكذا الأعمال الصَّالحات التي شرعها الله، والتقرب إليه بها بفعلها كما شرع الله، من صلاةٍ وغيرها، فالعبادات توقيفية، لكن الطرق إليها تختلف.
س: الصوفية يذكرون الله بالضمير المجرد: هو، هو؟
ج: هذه بدعة، ليس من الذكر، مثل: الله، الله، ما هو بذكر، الذكر: سبحان الله، لا إله إلا الله، كما جاءت به النصوص؛ لأنَّ العبادات توقيفية، لا تكون بالافتراء، لكن الطرق إليها بالتفكير والتَّدبر مشروعة.
قال الحافظ ابنُ القيم رحمه الله تعالى في فوائد الذكر:
(السادسة والأربعون: أنَّ في القلب قسوةً لا يُذيبها إلا ذكرُ الله تعالى، فينبغي للعبد أن يُداوي قسوةَ قلبه بذكر الله تعالى.
وذكر حمَّاد بن زيد، عن المعلى بن زياد: أنَّ رجلًا قال للحسن: يا أبا سعيدٍ، أشكو إليك قسوةَ قلبي. قال: "أذبه بالذكر".
وهذا لأنَّ القلب كلما اشتدتْ به الغفلةُ اشتدتْ به القسوةُ، فإذا ذكر الله تعالى ذابت تلك القسوةُ كما يذوب الرَّصاص في النار، فما أُذيبت قسوةُ القلوب بمثل ذكر الله تعالى.
السابعة والأربعون: أنَّ الذكر شفاء القلب ودواؤه، والغفلة مرضه، فالقلوب مريضة وشفاؤها ودواؤها في ذكر الله تعالى.
قال مكحول: "ذكر الله تعالى شفاء، وذكر الناس داء".
وذكر البيهقي: عن مكحولٍ مرفوعًا ومرسلًا: "فإذا ذكرته شفاها وعافاها، فإذا غفلت عنه انتكست"، كما قيل:
الثامنة والأربعون: أنَّ الذكر أصلُ موالاة الله ورأسها، والغفلة أصل معاداته ورأسها، فإنَّ العبد لا يزال يذكر ربَّه حتى يُحبه فيُواليه، ولا يزال يغفل عنه حتى يبغضه فيُعاديه.
قال الأوزاعي: قال حسَّان بن عطية: "ما عادى عبدٌ ربَّه بشيءٍ أشدّ عليه من أن يكره ذكره، أو مَن يذكره".
فهذه المعاداة سببها الغفلة، ولا تزال بالعبد حتى يكره ذكر الله، ويكره مَن يذكره، فحينئذٍ يتخذه عدوًّا كما اتَّخذ الذاكر وليًّا).
(السادسة والأربعون: أنَّ في القلب قسوةً لا يُذيبها إلا ذكرُ الله تعالى، فينبغي للعبد أن يُداوي قسوةَ قلبه بذكر الله تعالى.
وذكر حمَّاد بن زيد، عن المعلى بن زياد: أنَّ رجلًا قال للحسن: يا أبا سعيدٍ، أشكو إليك قسوةَ قلبي. قال: "أذبه بالذكر".
وهذا لأنَّ القلب كلما اشتدتْ به الغفلةُ اشتدتْ به القسوةُ، فإذا ذكر الله تعالى ذابت تلك القسوةُ كما يذوب الرَّصاص في النار، فما أُذيبت قسوةُ القلوب بمثل ذكر الله تعالى.
السابعة والأربعون: أنَّ الذكر شفاء القلب ودواؤه، والغفلة مرضه، فالقلوب مريضة وشفاؤها ودواؤها في ذكر الله تعالى.
قال مكحول: "ذكر الله تعالى شفاء، وذكر الناس داء".
وذكر البيهقي: عن مكحولٍ مرفوعًا ومرسلًا: "فإذا ذكرته شفاها وعافاها، فإذا غفلت عنه انتكست"، كما قيل:
إذا مرضنا تداوينا بذكركم | فنترك الذكرَ أحيانًا فننتكس |
قال الأوزاعي: قال حسَّان بن عطية: "ما عادى عبدٌ ربَّه بشيءٍ أشدّ عليه من أن يكره ذكره، أو مَن يذكره".
فهذه المعاداة سببها الغفلة، ولا تزال بالعبد حتى يكره ذكر الله، ويكره مَن يذكره، فحينئذٍ يتخذه عدوًّا كما اتَّخذ الذاكر وليًّا).
الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فإنَّ من فوائد الذكر أنَّه من أسباب حياة القلب، واستقامته، ومسارعته إلى الخيرات، فإذا غفل القلب عن ذكر الله صار ذلك من أسباب القسوة والموت، فذكر الله جل وعلا بالقلب واللسان والعمل حياة للقلب، ونور له، ورقَّة له، وشفاء له من أمراضه، وموالاة لربه سبحانه وتعالى، أمَّا الغفلة فهي من أسباب القسوة، ومن أسباب البُعد عن الله .
فينبغي للمؤمن أن يجتهد في الإكثار من ذكر الله بقلبه ولسانه وأعماله، يقول الله : وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36]، وفي الحديث: إنَّ أبعد القلوب عن الله القلب القاسي، فالقلب القاسي أبعد شيءٍ عن الله، وعن محبته، والمسارعة إلى مراضيه، والقلب اللين المعمور بذكر الله أقرب شيءٍ إلى طاعة الله، وموالاته، ومحبته، والبعد عن مساخطه، قال جل وعلا: وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا [الجن:17]، وقال سبحانه: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179] يعني: لا ينتفعون بأسماعهم ولا بقلوبهم ولا بأبصارهم، بخلاف الذاكر لله، المُنْتَبِه، الذي يُعالج أمراض قلبه، ويُعالج أمراض بدنه، وأمراض مجتمعه بطاعة الله ورسوله، وذكره سبحانه وتعالى.
وأعظم الذكر وأفضله باللسان: "لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير"، هذه الكلمة هي أفضل الذكر، وهي كلمة التوحيد، يقول ﷺ فيما صحَّ عنه: خير ما قلتُ أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله، وقال عليه الصلاة والسلام: الإيمانُ بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وقال النبيُّ ﷺ: أحبُّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وقال عليه الصلاة والسلام: الباقيات الصَّالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ففي مُداومتك يا عبدالله على الذكر بالقلب واللسان، والخوف من الله، ومُراقبته، والإكثار من العبادة من صلاةٍ وغيرها؛ حياةٌ لقلبك، فإذا غفل القلبُ عن ذكر الله باللسان وبالعمل استولى عليه الشيطانُ؛ فأملى عليه الشكوك، وأملى عليه السّيئات والأفكار الوبيئة حتى يكفر بالله، قال جل وعلا: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:44].
نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.
قال الحافظ ابنُ القيم رحمه الله تعالى في فوائد ذكر الله تعالى:
(التاسعة والأربعون: أنَّه ما استُجلبت نِعَم الله تعالى واستُدفِعت نقمه بمثل ذكر الله تعالى، فالذكر جلَّابٌ للنِّعم، دافعٌ للنِّقَم.
قال سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ يدفعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج:38]، وفي القراءة الأخرى: إنَّ الله يُدافِعُ، فدفعه ودفاعه عنهم بحسب قوة إيمانهم وكماله.
ومادة الإيمان وقوته بذكر الله تعالى، فمَن كان أكمل إيمانًا وأكثر ذكرًا كان دفعُ الله تعالى عنه ودفاعه أعظم، ومَن نقص نقص، ذكرًا بذكرٍ، ونسيانًا بنسيانٍ.
وقال سبحانه وتعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7]، والذكر رأسُ الشكر كما تقدَّم، والشكر جلَّاب النعم، وموجبٌ للمزيد.
قال بعضُ السلف رحمة الله عليهم: "ما أقبحَ الغفلة عن ذكر مَن لا يغفل عن ذكرك".
الخمسون: أنَّ الذكر يُوجب صلاة الله وملائكته على الذَّاكر، ومَن صلَّى الله تعالى عليه وملائكته فقد أفلح كل الفلاح، وفاز كل الفوز، قال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [الأحزاب:41-43].
فهذه الصلاة منه تبارك وتعالى ومن ملائكته إنما هي على الذاكرين له كثيرًا، وهذه الصلاة منه ومن الملائكة هي سبب الإخراج لهم من الظلمات إلى النور.
وإذا حصلت لهم صلاةٌ من الله تبارك وتعالى وملائكته وأُخرجوا من الظّلمات إلى النور، فأيّ خيرٍ لم يحصل لهم بذلك؟ وأيّ شرٍّ لم يندفع عنهم؟ فيا حسرةَ الغافلين عن ربِّهم، ماذا حُرِموا من خيره وفضله؟!
وبالله التوفيق).
(التاسعة والأربعون: أنَّه ما استُجلبت نِعَم الله تعالى واستُدفِعت نقمه بمثل ذكر الله تعالى، فالذكر جلَّابٌ للنِّعم، دافعٌ للنِّقَم.
قال سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ يدفعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج:38]، وفي القراءة الأخرى: إنَّ الله يُدافِعُ، فدفعه ودفاعه عنهم بحسب قوة إيمانهم وكماله.
ومادة الإيمان وقوته بذكر الله تعالى، فمَن كان أكمل إيمانًا وأكثر ذكرًا كان دفعُ الله تعالى عنه ودفاعه أعظم، ومَن نقص نقص، ذكرًا بذكرٍ، ونسيانًا بنسيانٍ.
وقال سبحانه وتعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7]، والذكر رأسُ الشكر كما تقدَّم، والشكر جلَّاب النعم، وموجبٌ للمزيد.
قال بعضُ السلف رحمة الله عليهم: "ما أقبحَ الغفلة عن ذكر مَن لا يغفل عن ذكرك".
الخمسون: أنَّ الذكر يُوجب صلاة الله وملائكته على الذَّاكر، ومَن صلَّى الله تعالى عليه وملائكته فقد أفلح كل الفلاح، وفاز كل الفوز، قال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [الأحزاب:41-43].
فهذه الصلاة منه تبارك وتعالى ومن ملائكته إنما هي على الذاكرين له كثيرًا، وهذه الصلاة منه ومن الملائكة هي سبب الإخراج لهم من الظلمات إلى النور.
وإذا حصلت لهم صلاةٌ من الله تبارك وتعالى وملائكته وأُخرجوا من الظّلمات إلى النور، فأيّ خيرٍ لم يحصل لهم بذلك؟ وأيّ شرٍّ لم يندفع عنهم؟ فيا حسرةَ الغافلين عن ربِّهم، ماذا حُرِموا من خيره وفضله؟!
وبالله التوفيق).
الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أمَّا بعد: فهذه الفوائد الثلاث أيضًا من فوائد الذكر، وتقدَّم أنَّ الذكر هو في الحقيقة الإيمان كله؛ لأنَّ الذاكر يكون بالعمل، ويكون بالقلب، ويكون باللسان، وهذا هو الإيمان كله، خوف الله ومراقبته وتعظيمه وخشيته هذا من الذكر، فالنطق باللسان: بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والدعاء من الذكر، وأداء ما فرض الله من الصَّلوات والزكوات والصيام والحج والجهاد من الذكر.
فالذاكر لله مشغول القلب والجوارح واللسان بطاعته سبحانه وتعالى، فالله يُدافع عن الذين آمنوا، والإيمان الكامل يكون بالذكر القلبي واللساني والعملي، فالله يدفع عنهم المكاره، ويرزقهم المحابَّ والمطالب العالية بسبب ذكرهم إياه؛ بطاعة أوامره، وترك نواهيه سبحانه وتعالى، وهو رأس الشكر، فالله يزيدهم من فضله بذكرهم إياه قلبًا وقالبًا وعملًا، فالذاكر لله جل وعلا شاكر: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7]، فمن شُكر الله العمل الصالح بالقلب واللسان والجوارح، وخوف الله ومُراقبته وتعظيمه وخشيته نوعٌ من الذكر، والتسبيح والتهليل والتحميد نوعٌ من الذكر، وكذلك الأعمال الصَّالحة نوعٌ من الذكر، فالمؤمن يذكر الله بقلبه ولسانه وأعماله.
وهكذا أهل الغفلة، فالغافل بعيدٌ من الله، بعيدٌ من الهدى، والذاكر قريبٌ من الله، قريبٌ من كل خيرٍ، قال تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ [البقرة:152]، والله يُصير ملائكته على الذاكرين، أيّ نعمةٍ وأيّ فضلٍ أكبر من هذا؟!
يقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [الأحزاب:41-43]، فهذا يدل على أنَّ ذكر الله من أسباب صلاة الله وملائكته، ومن أسباب إخراج العبد من الظُّلمات إلى النور.
فينبغي للمؤمن الإكثار من ذكر الله بقلبه ولسانه وعمله، فالله لا يغفل عنك؛ فقد قام برزقك، وأحسن إليك، وأعطاك الصحة، ومَنَّ عليك بألوانٍ من الخير، إياك أن تغفل عن ذكره، والله يقول سبحانه: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ "يعش" يعني: يغفل ويُعرِض عن ذكر الرحمن، وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف:36-37]، فالغافل يسهل على الشياطين أن تستولي عليه، وتصدّه عن ذكر الله، والذاكر بقلبه ولسانه وجوارحه المُعَظِّم لحرمات الله يطرد الشيطانَ ويُصلِّي عليه الرحمن وملائكته.
رزق الله الجميع التوفيق والهداية.
قال الحافظ ابنُ القيم رحمه الله تعالى في فوائد ذكر الله تعالى:
(الحادية والخمسون: أنَّ مَن شاء أن يسكن رياضَ الجنة في الدنيا فليستوطن مجالسَ الذكر؛ فإنها رياض الجنة، وقد ذكر ابنُ أبي الدنيا وغيرُه من حديث جابر بن عبدالله قال: خرج علينا رسولُ الله ﷺ فقال: يا أيها الناس، ارتعوا في رياض الجنة، قلنا: يا رسول الله، وما رياض الجنة؟ قال: مجالس الذكر، ثم قال: اغدُوا، وروحوا، واذكروا، فمَن كان يُحبّ أن يعلم منزلته عند الله تعالى فلينظر كيف منزلة الله تعالى عنده، فإنَّ الله تعالى يُنزِل العبدَ منه حيث أنزله من نفسه.
الثانية والخمسون: أنَّ مجالس الذكر مجالس الملائكة، فليس من مجالس الدنيا لهم مجلسٌ إلا مجلسٌ يُذكَر الله تعالى فيه، كما أخرجا في "الصَّحيحين" من حديث الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: إنَّ لله ملائكةً فضلًا عن كتاب الناس، يطوفون في الطرق يلتمسون أهلَ الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تعالى تنادَوا: هلُمُّوا إلى حاجتكم، قال: فيَحُفُّونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربُّهم تعالى؛ وهو أعلم بهم: ما يقول عبادي؟ قال: يقولون: يُسبِّحونك ويُكبِّرونك ويحمدونك ويُمَجِّدونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك، قال: فيقول: كيف لو رأوني؟ قال: فيقولون: لو رأوك كانوا أشدَّ لك عبادةً، وأشدَّ لك تحميدًا وتمجيدًا، وأكثر لك تسبيحًا، قال: فيقول: ما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنة، قال: فيقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا ربّ، ما رأوها، قال: فيقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنَّهم رأوها كانوا أشدَّ عليها حرصًا، وأشدَّ لها طلبًا، وأعظم فيها رغبةً، قال: فيقول: فمِمَّ يتعوَّذون؟ قال: يقولون: من النار، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب، ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشدَّ منها فرارًا، وأشدَّ لها مخافةً، قال: يقول: فأُشهدكم أنِّي قد غفرتُ لهم، قال: فيقول مَلَكٌ من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة، قال: هم الجُلساء لا يشقى بهم جليسهم.
فهذا من بركتهم على نفوسهم، وعلى جليسهم، فلهم نصيبٌ من قوله: وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ [مريم:31]، فهكذا المؤمن مباركٌ أين حلَّ، والفاجر مشؤومٌ أين حلَّ.
فمجالس الذكر مجالسُ الملائكة، ومجالس الغفلة مجالسُ الشياطين، وكلٌّ مضاف إلى شكله وأشباهه، وكلُّ امرئٍ يصير إلى ما يُناسبه).
(الحادية والخمسون: أنَّ مَن شاء أن يسكن رياضَ الجنة في الدنيا فليستوطن مجالسَ الذكر؛ فإنها رياض الجنة، وقد ذكر ابنُ أبي الدنيا وغيرُه من حديث جابر بن عبدالله قال: خرج علينا رسولُ الله ﷺ فقال: يا أيها الناس، ارتعوا في رياض الجنة، قلنا: يا رسول الله، وما رياض الجنة؟ قال: مجالس الذكر، ثم قال: اغدُوا، وروحوا، واذكروا، فمَن كان يُحبّ أن يعلم منزلته عند الله تعالى فلينظر كيف منزلة الله تعالى عنده، فإنَّ الله تعالى يُنزِل العبدَ منه حيث أنزله من نفسه.
الثانية والخمسون: أنَّ مجالس الذكر مجالس الملائكة، فليس من مجالس الدنيا لهم مجلسٌ إلا مجلسٌ يُذكَر الله تعالى فيه، كما أخرجا في "الصَّحيحين" من حديث الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: إنَّ لله ملائكةً فضلًا عن كتاب الناس، يطوفون في الطرق يلتمسون أهلَ الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تعالى تنادَوا: هلُمُّوا إلى حاجتكم، قال: فيَحُفُّونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربُّهم تعالى؛ وهو أعلم بهم: ما يقول عبادي؟ قال: يقولون: يُسبِّحونك ويُكبِّرونك ويحمدونك ويُمَجِّدونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك، قال: فيقول: كيف لو رأوني؟ قال: فيقولون: لو رأوك كانوا أشدَّ لك عبادةً، وأشدَّ لك تحميدًا وتمجيدًا، وأكثر لك تسبيحًا، قال: فيقول: ما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنة، قال: فيقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا ربّ، ما رأوها، قال: فيقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنَّهم رأوها كانوا أشدَّ عليها حرصًا، وأشدَّ لها طلبًا، وأعظم فيها رغبةً، قال: فيقول: فمِمَّ يتعوَّذون؟ قال: يقولون: من النار، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب، ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشدَّ منها فرارًا، وأشدَّ لها مخافةً، قال: يقول: فأُشهدكم أنِّي قد غفرتُ لهم، قال: فيقول مَلَكٌ من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة، قال: هم الجُلساء لا يشقى بهم جليسهم.
فهذا من بركتهم على نفوسهم، وعلى جليسهم، فلهم نصيبٌ من قوله: وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ [مريم:31]، فهكذا المؤمن مباركٌ أين حلَّ، والفاجر مشؤومٌ أين حلَّ.
فمجالس الذكر مجالسُ الملائكة، ومجالس الغفلة مجالسُ الشياطين، وكلٌّ مضاف إلى شكله وأشباهه، وكلُّ امرئٍ يصير إلى ما يُناسبه).
الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهُداه.
أمَّا بعد: فهذه الفوائد كالتي قبلها في بيان عظم شأن الذكر وفضله، وأنَّ الله جل وعلا رتَّب عليه من الجزاء والحسنات الشيء الكثير، وقد أكثر الله من ذكره في كتابه العظيم ترغيبًا للعباد في الإكثار من ذكره، كما قال جل وعلا في كتابه العزيز: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب:41-42]، وقال جل وعلا: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة:10]، وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المنافقون:9]، وقال : إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ إلى أن قال سبحانه في الصورة العاشرة: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35]، وقال جل وعلا: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ [البقرة:152].
فذكر الله له شأنٌ عظيمٌ: بالتسبيح والتهليل والتحميد وسائر العبادات، فالصلاة ذكر، والصوم ذكر، والصَّدقات ذكر، وهكذا كل طاعةٍ لله يفعلها العبدُ إخلاصًا لله ومحبةً له فهي من ذكره، تكون بالقلب، وتكون باللسان، وتكون بالعمل.
ويُروى عنه ﷺ أنَّه قال: قوموا إلى مجالس رياض الجنة، قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: مجالس الذكر.
ويروى عنه ﷺ أنه قال: إذا مررتُم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: يا رسول الله، وما رياض الجنة؟ قال: حِلَق الذِّكْر.
وهي مجالس الملائكة، فإنَّ الملائكة تلتمس مجالس الذكر، فمتى وجدتها نادى بعضُهم بعضًا: "أن هلُمُّوا إلى حاجتكم".
فمجالس الذكر هي مجالس الأخيار، ومجالس الملائكة، ومجالس يرضاها الله، وتُعين على طاعته، وتُعين على ذكره، وتُعين على ترك معصيته، فأهل الذكر هم أولياء الله الصَّادقون.
فينبغي للمؤمن أن يُكثر من ذكر الله، وأن يكون من أصحاب هذه المجالس بالعلم والتبصر والتفقه في الدين، فحِلَق الذكر حِلَق العلم، قال الله، وقال الرسول، والمؤمن في أشدِّ الحاجة إلى التبصر والتعلم والتفقه في الدين، وإلى أن يشغل جوارحَه ولسانه بذكر الله وتعظيمه؛ حتى يزداد رفعةً عنده سبحانه، ودرجات، ومنزلة، والملائكة تحفّه بهذا الذكر، كمجلسنا هذا، وهكذا مجالس الذكر تحفّها الملائكة، فإذا صعدوا ويسألهم الله جل وعلا وهو أعلم بعباده، ولكن يسألهم لإظهار فضل الذاكرين، فيسألهم: ماذا يقول عبادي؟ فيقولون: يُسبِّحونك، ويحمدونك، ويذكرونك، فيقول جل وعلا: وهل رأوني؟ قالوا: يا ربنا، لا والله ما رأوك، هو يعلم ذلك سبحانه لكن لإظهار الفضل، قال: كيف لو رأوني؟ قالوا: لو رأوك يا ربنا لكانوا أشدَّ لك تعظيمًا، وأشدَّ لك ذكرًا، فيسألهم: عمَّ يسألوني؟ قالوا: يسألونك الجنة، قال: هل رأوها؟ قالوا: لا ما رأوها، يقول: فكيف لو رأوها؟ فتقول الملائكة: لو رأوها لكانوا أشدَّ عليها حرصًا، وأشدَّ لها طلبًا، وأعظم فيها رغبةً، قال: ومِمَّ يتعوَّذون؟ قالوا: من النار، قال: وهل رأوها؟ قالوا: لا والله ما رأوها، وهو يعلم سبحانه أنهم ما رأوها، قال: فكيف لو رأوها؟، قالوا: لكانوا أشدَّ منها رهبًا، فيقول جل وعلا: أُشهِدكم أني قد غفرتُ لهم، وأعطيتُهم ما طلبوا، وأمَّنتهم مما حذروا.
فمجلس الذكر يُعينك على طاعة الله، ويُذكِّرك بالله، وبالجنة، وبالنار، وبزوال هذه الدنيا، بخلاف مجالس الغافلة؛ فإنها تُعين على الرغبة في الدنيا، وتُنسي الآخرة.
فينبغي للمؤمن أن يكون حريصًا على هذه المجالس التي فيها الذكر، وفيها الترغيب في الآخرة، وفيها العلم والتفقه في الدين؛ حتى يزداد علمًا وخيرًا.
وهؤلاء السّياح من الملائكة غير المتعاقبين فينا، فلله ملائكة يتعاقبون في بني آدم، فالمتعاقبون غير الحفظة، وغير السياحين، يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، فإذا صلّوا العصر عرج أهلُ النهار إلى الله جل وعلا، وبعد صلاة الصبح يعرج الذين باتوا، والله يسألهم فيقول: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون، فهنيئًا لمن حافظ على الصلاة في جميع أوقاته، تشهد له الملائكةُ عند ربها، وما أعظم حسرة مَن أضاع هذا الأمر! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
نسأل الله العافية والسلامة.
الأسئلة:
س: مُسلمي الجن هل يحضرون هذه المجالس؟
ج: الظاهر أنهم يحضرون؛ لأنَّ أهل الخير يطلبون الخير، وأهل الشر يطلبون الشر، مثلهم مثل الإنس سواء.
قال الحافظ ابنُ القيم رحمه الله تعالى في فوائد ذكر الله تعالى:
(الثالثة والخمسون: أنَّ الله يُباهي بالذاكرين ملائكته، كما روى مسلمٌ في "صحيحه" عن أبي سعيدٍ الخدري قال: خرج معاويةُ على حلقةٍ في المسجد، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمةً لكم، وما كان أحدٌ بمنزلتي من رسول الله ﷺ أقلّ عنه حديثًا مني، وإنَّ رسول الله ﷺ خرج على حلقةٍ من أصحابه فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا للإسلام ومَنَّ به علينا، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمةً لكم، ولكنَّه أتاني جبريلُ فأخبرني أنَّ الله تبارك وتعالى يُباهي بكم الملائكة.
فهذه المُباهاة من الرب تبارك وتعالى دليلٌ على شرف الذكر عنده، ومحبته له، وأنَّ له مزيةً على غيره من الأعمال.
الرابعة والخمسون: أنَّ مدمن الذكر يدخل الجنة وهو يضحك؛ لما ذكر ابنُ أبي الدنيا: عن عبدالرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن عبدالرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي، عن أبيه، عن أبي الدرداء قال: "الذين لا تزال ألسنتهم رطبةً من ذكر الله يدخل أحدُهم الجنة وهو يضحك").
(الثالثة والخمسون: أنَّ الله يُباهي بالذاكرين ملائكته، كما روى مسلمٌ في "صحيحه" عن أبي سعيدٍ الخدري قال: خرج معاويةُ على حلقةٍ في المسجد، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمةً لكم، وما كان أحدٌ بمنزلتي من رسول الله ﷺ أقلّ عنه حديثًا مني، وإنَّ رسول الله ﷺ خرج على حلقةٍ من أصحابه فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا للإسلام ومَنَّ به علينا، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمةً لكم، ولكنَّه أتاني جبريلُ فأخبرني أنَّ الله تبارك وتعالى يُباهي بكم الملائكة.
فهذه المُباهاة من الرب تبارك وتعالى دليلٌ على شرف الذكر عنده، ومحبته له، وأنَّ له مزيةً على غيره من الأعمال.
الرابعة والخمسون: أنَّ مدمن الذكر يدخل الجنة وهو يضحك؛ لما ذكر ابنُ أبي الدنيا: عن عبدالرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن عبدالرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي، عن أبيه، عن أبي الدرداء قال: "الذين لا تزال ألسنتهم رطبةً من ذكر الله يدخل أحدُهم الجنة وهو يضحك").
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أمَّا بعد: فهذان الحديثان يتعلَّقان بفوائد الذكر، فالذكر كما تقدَّم له فوائد عظيمة، ومن أعظم فوائده: يقول جل وعلا: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152]، فمَن ذكر الله في الدنيا وفي الأرض ذكره الله في السماء بالثناء عليه: أنا عن ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فمَن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، ومَن ذكرني في ملإٍ ذكرتُه في ملإٍ خير منهم، فهذا فضل عظيم.
ومن ذلك: أنَّ الله يُباهي بالذاكرين ملائكته، يعني: يذكرهم عند الملائكة رافعًا لشأنهم ومُعظِّمًا لشأنهم: انظروا إلى عبادي يفعلون كذا وكذا. يُعلِي شأنهم عند الملائكة ويرفع قدرهم بهذا الذكر.
ولهذا لما خرج النبيُّ ﷺ على جماعةٍ من أصحابه جالسين سألهم: لم جلسوا؟ قالوا: جلسنا نذكر الله، ونذكر نعمته علينا أن هدانا للإسلام، وأخرجنا من دائرة الكفر. فقال لهم ﷺ: آلله ما أجلسكم إلا هذا؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا هذا؟ فقال ﷺ: إني لم أستحلفكم تهمةً لكم، لكنَّه أتاني جبريل فأخبرني أنَّ الله يُباهي بكم الملائكة يعني: يذكرهم عند الملائكة رافعًا لشأنهم ومُعظِّمًا لشأنهم.
وفي هذا حثٌّ على الذكر والتسبيح والتهليل والتحميد والدعاء والثناء على الله بما مَنَّ به على العبد من الهداية والتوفيق: من صلاح النية، من انشراح الصدر للخير، ومن النعم الأخرى، يذكر الله ويتفكَّر وينظر ويُحاسب نفسه، يذكر نعم الله فيشكر الله، ويُثني عليه، ويحمده، ويسأله الإعانة على الخير، ويسأله التوفيق لطاعته، والحماية من معصيته، ويضرع إليه، ويذكره كثيرًا، فهذا من فضله سبحانه وتعالى على عبده إذا ذكره أن يذكره في الملإ الأعلى.
فجديرٌ بك أيها المؤمن أن تكون حريصًا على هذا الخير العظيم، والإكثار من ذكره سبحانه وتعالى؛ طالبًا لمرضاته، فتُحاسب نفسك وتُجاهدها حتى تلتزم بذكره، وحتى تبتعد عن أسباب غضبه، والعبد في خيرٍ عظيمٍ ما دام ذاكرًا لله، ما دام لسانُه رطبًا بذكر الله.
وفي الحديث لما قال رجلٌ: يا رسول الله، إنَّ شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فأخبرني ببابٍ جامعٍ أتمسَّك به؟ قال: لا يزال لسانُك رطبًا من ذكر الله.
ويُروى عنه ﷺ أنَّ الذاكرين يذكرون الله عند دخولهم الجنة ضاحكين مُستبشرين، في غايةٍ من الراحة والطُّمأنينة والرضا والأنس بسبب هذا العمل العظيم، فالصلاة من ذكر الله، والصوم من ذكر الله، والصَّدقة من ذكر الله، والحج من ذكر الله، والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وهكذا جميع أنواع الصَّالحات كلها من ذكر الله العملي، ومن ذكر الله القولي: التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، ومن ذكر الله القلبي: خوف الله بالقلب ومراقبته وخشيته والشوق إليه والأنس بذكره ومناجاته، كل هذا من الذكر.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: شخص يستمع إلى شريط قرآنٍ في السيارة أو إلى محاضرةٍ أو درسٍ، هل تحفّه الملائكة؟
ج: هذا من ذكر الله لا شكّ، شريط فيه دعوة إلى الله وتعليم وتوجيه يستمع له، أو قارئ يقرأ يستمع له؛ هذا من ذكر الله.