المقصود التعاون على البر التقوى، والتواصي بالحق، والله أخبر سبحانه عن عباده الرابحين الناجين السعداء أنهم يتواصون بالحق والصبر، فقال سبحانه: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3]، فأخبر سبحانه أن هؤلاء هم الرابحون، هم السعداء الذين اجتمع فيهم الصفات الأربع: الإيمان الصادق بالله ورسوله، ثم العمل الصالح، يعني: إيمان له ثمرة، إيمان أثمر وظهرت آثاره في أعمال الإنسان، فالإيمان بالقلب وحده ما يكفي، فلا بد من إيمان بالقلب مع إيمان الجوارح، يؤمن بقلبه ويعمل بجوارحه، فإذا آمن أن الصلاة حق يصلي، وإذا آمن أن الزكاة حق يزكي، وإذا آمن أن الصوم حق يصوم، وهكذا العمل من الإيمان، والقول من الإيمان، فالإيمان قول وعمل وعقيدة، والسعداء الرابحون هم الذين جمعوا بين الإيمان الصادق، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، هؤلاء هم الرابحون، هم السعداء لأنهم آمنوا بالله ورسوله إيمانا صادقًا، ووحدوا الله وصدقوا رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، وصدقوا بأخبار الله ورسوله الثابتة، وأتبعوا هذا بالعمل، فأدوا فرائض الله، وتركوا محارم الله، وكفوا عنها، ثم تواصوا بالحق مع إخوانهم ........ تواصوا بالحق وتعاونوا على البر والتقوى، ودعوا إلى الله، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، ثم مع ذلك صبروا؛ لأن هذه الأمور ما تحصل إلا بالصبر، من أراد هذه الأمور دون صبر فقد رام المحال، لا بد من صبر، ولا بد من استعانة بالله في ذلك، تستعين بربك على هذه الأمور، وتشكره وتستعين به، وتجتهد بما أوجب الله عليك، وتنصح لله وتدعو إلى الله، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتذكر بالله، وتصبر على ذلك، هذا فيه تعب لا شك أن فيه تعب ومشقة لكن طريق الجنة محفوف بالمشاكل بالشوك، حفت النار بالشهوات، وحفت الجنة بالمكاره.
فطريق الجنة فيه عقبات لا بد من تجاوزها بالصبر، وأعظمها هوى نفسك وشيطانك ودعاة السوء، هم أعظم العقبات: شيطان مزين، ونفس أمارة بالسوء، وأعوان مفسدون، وأصحاب مفسدون، وأخدان ضالون يجرونك ويضلونك، فلا بد من صبر على مخالفتهم، ولا بد من صبر على طاعة الرحمن، وعلى عصيان الشيطان، ولا بد من صبر لمخالفة الهوى، فالهوى ........ ويأخذ بصاحبه إلى النار، فلا يتم لك أمر السعادة إلا بالله، ثم بالحذر من الهوى والاستقامة على طريق الهدى، والصبر على ذلك، معلوم أن كون الإنسان يبادر بالصلوات الخمس في وقتها في الجماعة، ويحافظ عليها، ويدع أشغاله وقت الصلاة، ويدع النوم وقت الصلاة وغير ذلك، صعب على بعض النفوس لكن إذا روض نفسه وجاهدها صارت هذه الأعمال نعيمًا يجده في قلبه، وصارت نفسه مطية له في هذا، تطاوعه إذا روضها وجاهدها، فتكون بعد ذلك مطية ذلولًا تساعدك على طريق الخير؛ لأنك عودتها الخير، وروضتها، فإذا جاء وقت الصلاة نشط قلبك، وارتحت لحضورها، وبادرت بكل سرور وبكل راحة، وهكذا بقية الأعمال، وإذا تساهلت في ذلك وتهاونت في ذلك وأطعت النفس الأمارة بالسوء في الجلوس على الملاهي في التحدث مع الأصحاب في النوم وقت صلاة الفجر أو وقت صلاة العصر إلى غير ذلك لعب عليك الشيطان، وتكاثف الحجاب عليك، وعلى قلبك، واشتد الهوى، وعظم وضعفت الرغبة فيما عند الله، وصارت الصلاة ثقيلة وشديدة؛ لأن القلب قد وهن وضعف بطاعة الهوى والشيطان، وما زينه للعبد من التثاقل والتعلل بما يضر العبد من الرجاء، وقوله: إن الله غفور رحيم، إن الله عفو كريم، يحتج به على باطله وينسى قوله تعالى: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ [الحجر:49-50]، وينسى قوله تعالى: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ [غافر:3] فهو الغفور الرحيم لمن تاب إليه وأناب، وهو عظيم العقاب شديد العقاب عظيم الانتقام لمن تهاون في حقه، وتساهل، رزق الله الجميع التوفيق والهداية.