وقد سمعتم كثيرًا من هذه الفوائد في كلام المشايخ، فوائد الجماعة والحضور في المساجد وما في هذا من الخير العظيم الديني والدنيوي للمصلين ولغير المصلين من هذا الاجتماع، يتعاونون على البر والتقوى، يتواصون بالحق، يشهد بعضهم بعضًا ينصح بعضهم بعضًا يسمعون القراءة من الإمام، يتأسون بالإمام في صلاته، في ركوعه وطمأنينته وخشوعه، يتفقدون أحوال إخوانهم إذا تخلفوا، هل بهم مرض؟ هل عاقهم عائق؟ فيزورونهم ويتصلون بهم ويسألون عن أحوالهم، فإذا كان بهم مرض دعوا لهم بالشفاء وعادوهم، وإن كان بهم علة عالجوها، وإن كانت تساهلًا وتكاسلًا نصحوهم ووجوههم إلى الخير، يحضرون أيضًا في المساجد حلقات العلم، ويستفيدون، يسمعون نصيحة الإمام وغيره، فيستفيدون في حضور الجماعة فوائد جمة عظيمة.
فلا يليق بالمؤمن أبدًا ولا يجوز له أبدًا أن يتخلف عن الجماعة إلا من عذر، وقد سمعتم في كلام المشايخ ما هو العذر: من مرض، أو خوف على نفسه إذا خرج، أو ما أشبه ذلك مما يضره؛ كالدحض من آثار السيل في الطرقات التي غير مسفلتة يكون فيها الدحض والزلق فيشق عليهم الحضور إلى غير ذلك من وجوه العذر الشرعي، ويكفي أيضًا في هذا قوله عليه الصلاة والسلام: من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر، وهو حديث صحيح رواه أحمد وابن ماجة والدارقطني وابن حبان والحاكم وإسناده على شرط مسلم في أحاديث أخرى، فكونه أمر بتحريقهم هذا يدل دلالة عظيمة على عظم الجريمة، ولولا العذر لما في البيوت من النساء والذرية لحرق عليهم هذه البيوت، ثم يقول: من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر، ثم يقول لابن أم مكتوم وهو ضرير كفيف البصر شاسع الدار ليس له قائد يلائمه يسأل هل له من رخصة فيقول: لا أجد لك رخصة، ويقول له: أجب، فما عذر من كان صحيحًا سليمًا قريبًا يسمع الأذان؟ فالأمر عظيم جدًا.