وفي حديث سمرة بن جندب عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: المسألة كد يكد بها الرجل وجهه، أو قال كدوح، إلا أن يسأل الرجل سلطانًا أو في أمر لا بد منه، هذا يدل على أنه إذا كانت هناك ضرورة فلا بأس إذا عجز عن العمل، أو ما تيسر العمل، تأتي أوقات على الناس قد لا يجدون فيها عملًا بالكلية فيضطرون إلى السؤال حتى يسدوا الرمق، ولهذا قال: «أو في أمر لا بد منه»، ولهذا وجد في عهد النبي ﷺ سائلون ولكنهم قليل، يصبرون على الجوع والحاجة ولا يسألون، ولكن يوجد سائلون بسبب الحاجة، فإن الناس أصابتهم حاجة لما هاجروا إلى المدينة وتركوا أموالهم في بلادهم في مكة وغيرها طلبًا للآخرة وإيثارًا لطاعة الله ورسوله، أصابتهم حاجة حتى تمر على بعضهم الأيام والليالي ما يستطيع يجد تمرة يسد بها حاجته، ففي بعض الأحاديث الصحيحة أن امرأة أتت إلى عائشة تسألها ومعها ابنتان فأعطت تمرة ما وجدت إلا تمرة في بيتها، عائشة رضي الله عنها فأخذت التمرة وشقتها بين ابنتيها نصفين، ولم تأكل منها شيئًا، وفي لفظ أنها وجدت ثلاث تمرات، وهما حديثان صحيحان، فأعطت المرأة الثلاث تمرات، فأعطت ابنتيها تمرتين كل واحدة تمرة، ثم أخذت الثالثة لتأكلها وجعلت ابنتاها تنظر إليها تريدان الثالثة، فأخذت الثالثة وشقتها بينهما ولم تأكل شيئًا، فأخبرت عائشة النبي ﷺ بذلك فقال: إن الله أوجب لها بها الجنة، هذا فضله .
السؤال عند الضرورة لا بأس؛ لكن المصيبة عند عدم الضرورة، أما عند الضرورة إذا لم يجد شيئًا فالمسلمون إخوة جسد واحد وبناء واحد لا بأس، لكن ليتق الله ولا يسأل إلا من ضرورة، ومتى أمكنه العمل فليجد في العمل، فليعمل ولا يسأل، وأما سؤال السلطان من بيت المال فلا بأس إذا دعت الحاجة إلى ذلك، قال النبي: إلا أن يسأل الرجل سلطانا أو في أمر لا بد منه، فالسلطان وكيل بيت المال، وبيت المال للمسلمين، فإذا سأله أحد الرعية شيئًا من بيت المال لحاجته فهذا لا بأس به، وقد كان حكيم بن حزام يسأل النبي ﷺ فيعطيه النبي ﷺ وفي بعض الأيام سأله ثم سأله فأكثر، فقال له النبي ﷺ: يا حكيم! إن هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، وإن اليد العليا خير من اليد السفلى، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، فقال حكيم عند ذلك وتمام الحديث: ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله فقال حكيم بعد ذلك: "والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدًا بعدك"، فتعفف بعد ذلك ولم يسأل النبي ﷺ ولا غيره، وكان الصديق يعطيه حقه من بيت المال فيأبى، ويقول: "لا حاجة لي فيه"، وكان عمر يدعوه ويعطيه حقه فيأبى ويشهد عمر عليه الناس فيقول: "اشهدوا عليه أني أعطيته حقه فأبى"، وتمم قوله للنبي ﷺ: "والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدًا بعدك لا أنقص أحدًا بعدك"، فانتفع بالنصيحة ولم يقبل بعد ذلك من بيت المال شيئًا، واكتفى بما أعطاه الله .