فإن الحاكمين بالقوانين الوضعية والآراء البشرية التي تخالف شرع الله لا يخرجون عن أحوال ثلاثة: إما أن يقولوا: إنها أفضل من شرع الله، وإما أن يقولوا: إنها تساوي شرع الله، وإما أن يقولوا إنها دون شرع الله، ولكن يجوز العمل بها، يجوز الأخذ بها ولو كانت دون شرع الله، فعلى كل الأقوال الثلاثة من قال هذا فهو كافر على كل الأقوال الثلاثة، من زعم أنه يجوز الأخذ بالقوانين الوضعية والآراء البشرية المخالفة لشرع الله وأنه يجوز الحكم بها مطلقًا فهو كافر، سواء قال: إنها أفضل، أو قال: إنها مساوية، أو قال: إنها دون شريعة الله، من قال: إنه يجوز الحكم بها فقد كفر بإجماع المسلمين كفرًا أكبر، وصدق عليه قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47]، فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]، فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47].
أما التي قد تقع من الناس الهنات التي تقع من الناس كما أشار إلى هذا فضيلته من قول بعض الناس قد يحكم بغير شرع الله لهوى أو غرض في نفسه لقريب أو صديق أو ضد عدو أو لرشوة أخذها أو ما أشبه ذلك وهو يعلم أنه مخالف لشرع الله ولكنه حكم بهذا الحكم الباطل من أجل الهوى هذا أتى كبيرة عظيمة، ويوصف بأنه ظالم ظلمًا دون ظلم، وكافر كفرًا دون كفر، وفاسق فسقًا دون فسق ، كما قال ابن عباس في المعنى، وقال طاوس ومجاهد وغيرهم، يعني أنه حكم بغير الشريعة لكنه يعلم أنه ظالم، يعلم أنه فاسق، يعلم أنه مخطئ، يعلم أنه قد خالف الشرع، وأن هذا لا يجوز له، وأن شرع الله هو الحق، ولكن حمله الهوى أو حب المال فحكم بغير شرع الله من هذه القوانين أو غيرها فهذا يقال في غيرها إنه كافر وظالم وفاسق، لكن كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، يعني عاصي قد أتى كبيرة عظيمة، ولا يكون بها مرتدًا عن الإسلام من أجل العقيدة؛ لأنه لم يعتقد جواز الحكم، ولم يعتقد أن الشريعة يجوز أن تخالف، وإنما خالفها فعلا لا عقيدة لهوى.
وهكذا الآن من حكم القوانين الوضعية وهو يعلم أن شرع الله هو الحق أنها باطلة ولكن حكمها طاعة للهوى واتباعًا للشيطان وطمعًا في الرياسة ونحو ذلك فينطبق عليه هذا الحكم، بأنه قد أتى ظلمًا وكفرًا وفسقًا، لكنه كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق.
أما من حكم القوانين لأنه يرى أنها أنسب للبشر في هذا العصر، وأن هذا العصر يناسبه القوانين ولا تناسبه الشريعة؛ لأن زمنها ذهب، فهذا يكون كافرًا -نعوذ بالله- كفرًا أكبر، كما تقدم. أو حكم القوانين لأنه يزعم أنها جائزة لا بأس بها فهي أسهل من الشريعة فيحكمها ويعتقد جوازها وإن زعم أن الشريعة أفضل وقال: إنها أفضل فهو كافر أيضًا إذا استجاز الحكم بغير ما أنزل الله -نعوذ بالله-.
فهذه المسائل التي ذكرها المحاضر وهي كما سمعتم الآن خطيرة جدًا، وعظيمة الخطر، وواقعة في أمصار كثيرة، ودول كثيرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ونخشى علينا أن يصيبنا ما أصاب الناس، فالواجب الحذر وسؤال الله العافية، الواجب الحذر، والواجب على كل دولة إسلامية أن تحذر نقمة الله، وأن تبادر بتحكيم شريعة الله، وأن تتقي الله في ذلك، كل دولة تنتسب للإسلام ثم تتساهل في هذا الأمر فقد أتت أمرًا عظيمًا، وإذا كان تساهلها عن اعتقاد الجواز وإنه لا يجب عليها تحكيم شريعة الله فهذه دولة كافرة كفرًا أكبر -نعوذ بالله-، إذا اعتقدت أنه لا يلزمها الحكم بشريعة الله، وأنه يجوز لها الحكم بهذه القوانين فهذا كفر أكبر، وردة عظمى، وظاهر حال كثير من هذه الدول الرضا بهذا، وأنه جائز لها، هذا ظاهر أحوالهم وأعمالهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله. نسأل الله السلامة والعافية.