أما بعد: فقد سمعنا جميعًا هذه الندوة المباركة التي قام بها الشيخان: الشيخ صالح الفوزان، والشيخ عبد الرحمن الحماد، فيما يتعلق بصلة الرحم، وأعظمها بر الوالدين، ولقد أجادا، وأفادا، وأحسنا، جزاهما الله خيرًا، وضاعف مثوبتهما، ونفعنا جميعًا بما سمعنا، وجعلنا جميعًا من الموفقين للمزيد من العلم النافع والعمل الصالح، وهدانا جميعًا صراطه المستقيم، وجزى المشايخ خيرًا على ندوتهم، وعلى ما قاموا به من توجيه وإرشاد وعناية.
ولا شك أن صلة الرحم من أهم الواجبات الفردية والاجتماعية، ولا شك أن بر الوالدين ....... من ذلك، فبر الوالدين وصلة بقية الأرحام من أهم الواجبات، كما أوضح الشيخان، والعقوق والقطيعة من أقبح الكبائر، من أقبح كبائر الذنوب، وقد بلي الكثير من الناس اليوم بالعقوق والقطيعة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وما ذاك إلا لقلة العلم، ولغلبة الجهل، ولكثرة جلساء السوء، والمخالطة لأعداء الله، ومن تشبه بهم، فاستخف على كثير من الناس العقوق والقطيعة، وسبق في كلام الشيخين ما حصل في الغرب والشرق من تقطع الوصل، وعدم ارتباط الأقارب بينهم، وأنهم في الجهات التي ذكرها الشيخان، يعني بين الكفرة في جميع أقطار الدنيا، قد تقطعت بينهم الوصل، وساءت بينهم الأحوال، وصاروا أشبه الناس بالأنعام في كل شيء، لا يعرف أبًا ولا أمًا ولا أخًا ولا ولدًا ولا جدًا، اللهم إلا في حال الصغر بعض الشيء، إن لم يكن أولاده في حضانة النساء الأجنبيات، ولهذا تجد الكثير منهم بل تجدهم كلهم في أوروبا وغيرها إلا ما شاء الله، اعتاضوا عن القرابات بالكلاب، يربون الكلاب ويأتون بالكلاب، فهذه حالهم نسأل الله العافية، تجده معه كلبه يربيه ويعتني به وينظفه ويغسله و...... به في بيته وحجرته وفي مبيته، والمقصود أنهم جهلوا الأرحام وقطعوها، وساءت بينهم الوصل، فلا يعرفون قرابات، ولا يأنسون بقربات، وإنما يعرفون شهواتهم: شهوات البطون، وشهوات الفروج مع من هب ودب إلا ما شاء الله من ذلك، وبهذا يعرف المؤمن.......
الأقارب البعيدين من بني العم البعيدين وبني الخال وبني الخالات وغيرهم من سائر القرابات يصلهم، ويحسن إليهم، وفي ذلك من التعاون على الخير وعلى البر والتقوى وعلى حفظ المجتمع وعلى حفظ الأسر ما فيه من الخير العظيم، ولهذا حذر الله من القطعية أشد تحذير فقال : فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ [محمد:22]، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:23]، وقال عليه الصلاة والسلام: لا يدخل الجنة قاطع يعني: قاطع رحم، وقال عليه الصلاة والسلام: من أحب أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أجله؛ فليصل رحمه، فصلة الرحم منسأة في الأثر -في الأجل-، مثراة في المال، محبة في الأهل، مرضاة للرب .
فالله يحب من عباده المؤمنين أن يصلوا أرحامهم، ويأمرهم بذلك، ويوجب عليهم ذلك، ويناههم عن القطيعة، وقد صح عنه ﷺ أن الله لما خلق الرحم قالت: يا رب هذا العائذ بك من القطيعة أو قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة فقال لها جل وعلا: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأن أقطع من قطعك قالت: بلى قال: فذلك لك، وفي اللفظ الآخر قال جل وعلا: من وصلك وصلته، ومن قطعك بتته، هذا يدل على عظم الصلة، وأن فيها خيرًا عظيمًا، وأن الله جل وعلا يصل من وصل أرحامه، ويحسن إليه، ويقطع من قطع أرحامه، فهذه جريمة عظيمة وخطر كبير في القطيعة والعقوق.
وكل هذا سمعتم معظمه وأكثره في الندوة، ويقول عليه الصلاة والسلام: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين جعله من أكبر الكبائر، ثم قال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور فجعل شهادة الزور وقول الزور -الكذب- من أكبر الكبائر، فالعقوق قرنه النبي بالشرك، وقرنه الله بالشرك، قرن الله جل وعلا قول الزور بالشرك، وقرن النبي ﷺ العقوق بالشرك، مع قول الزور، قال الله جل وعلا: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30]، فقرن الله سبحانه قول الزور بالشرك بالله، والرسول ﷺ قرن الشرك بالله مع العقوق مع قول الزور جميعًا.
فالواجب على أهل الإسلام أن يتعاونوا جميعًا على بر الوالدين وصلة الرحم، وأن يربوا الأولاد والشباب الصغير أن يربوهم على صلة الرحم، وبر الوالدين، وأن يعلموهم ويرشدوهم حتى يرث هذا الأمر الصغير عن الكبير، وحتى يتعارف الناس بهذا الأمر، وأنه واجب؛ لأن الناس قد يجهلون هذا كثيرًا، وبعضهم قد يبعد جدًا عن مجالس الخير، وعن حلقات العلم، فلا يسمع من هذا شيئًا، وربما سمع من المذياع أو التلفاز شيئًا من هذا فلا يرضاه، بل يقفله، ولا يستقر له راحة إلا عند الأغاني والملاهي وأشباه ذلك، فهو لا يأنس بسماع العلم، ولا يستريح لسماع العلم في مذياع أو غيره، وإنما يستريح كثير من الناس عند سماع ما يضره، عند سماع ما يغضب الله عليه من الأغاني الخليعة، والملاهي والتمثيليات الضارة بخلقه ودينه.
فالواجب على المسلم أن يعتني بسماع العلم، وأن يحرص على سماع العلم، وحلقات العلم، وفي المدارس والمعاهد وفي الإذاعة أيضًا، إذاعة القرآن فيها علم أيضًا وفوائد، وهكذا إذا سمع حديثًا طيبًا في إذاعة أو في أي شيء أصغى لذلك، واستمع له، واستفاد، في مسجد أو في احتفال أو في أي مكان يسمع حلقات العلم المفيدة، يسمع آيات الله تتلى عليه، يسمع أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، فليقبل عليها بقلبه، ولينصت، وليسأل عما أشكل عليه، ولا يكون همه من الإذاعة والتلفاز ونحو ذلك أن يسمع ما يضره، ويعرض عما ينفعه.
رزق الله الجميع التوفيق والهداية، وعلمنا وإياكم ما ينفعنا، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، ومن علامات الخير والسعادة أن تفقه في دين الله الرجال والنساء، من علامات الخير أن يتفقه الناس في دين الله، وقد يسر الله اليوم طرقًا للتفقه، لما قلت حلقات العلم في المساجد قلت جدًا وقل العلم في المساجد وجد علم في المعاهد وفي مدارس أخرى، ووجد علم في الإذاعة لمن تتبع العلم وأراد العلم، في إذاعة القرآن الكريم في هذه المملكة فيها علم جم، وفيها خير عظيم، ونفس استماع القرآن علم عظيم، نفس استماع القرآن بقلب حاضر بقصد الفائدة وقصد العلم فيه علم عظيم .
ثم في إذاعة القرآن مع القرآن فوائد وأحاديث تفسيرية، وأحاديث مفيدة في الأحكام، ينبغي تسمعها والاستفادة منها، وهكذا في إذاعة نور على الدرب فوائد جمة، وعلوم جمة؛ لمن استمع وأصغى وأراد الفائدة، وكذلك هناك أحاديث أخرى في الإذاعة وفي التلفاز وفي الصحف في بعض الأحيان وفي إذاعة القرآن بالأخص لمن تدبر وأراد الخير، وإن كنا نرى أن التلفاز فيه شر كثير وفيه خطر عظيم ينبغي الحذر منه؛ لكن إذا كان الشخص يطالعه ويقبل عليه، أو النساء، فينبغي له إذا كان ولا بد من استماعه أن يعنوا بالفوائد، وأن يعنوا بالخير الذي ينفعهم من حلقات العلم وفوائد، لا بالأغاني والملاهي، والنظر فيما يضرهم ولا ينفعهم، فالتلفاز فيه خطر عظيم، ومشاهد ضارة، فينبغي الحذر، وإذا كان ولا بد وأنت مبتلى به في بيتك وليس لك منه مخلص فلا تسمع ما يضرك، ولكن اسمع ما ينفعك، وحرض من حولك على سماع ما ينفعهم، وعلى إغلاقه عما يضرهم، إغلاقه عند الملاهي والأغاني الخليعة، والتمثيليات الضارة، لا يسمعون منه إلا ما ينفعهم، وإلا فليحذروه ويبعدوه من البيت حتى يسلموا من شره.
هذا الذي ينبغي للمؤمن، وهكذا في الإذاعة يسمع ما ينفعه، ويدع ما يضره، يسمع الفوائد العلمية، ويسمع القرآن، ويغلقه عند مجيء الأغاني، وعند مجيء الملاهي، وما يضره. هكذا يكون المؤمن الذي يريد النجاة يطلب النجاة يريد الفائدة والعلم ويريد السلامة من الشر، فالرسول عليه السلام يقول: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، فاطلب الفقه في الدين من حلقات العلم، ومن سماع القرآن الكريم، ومن سماع الأحاديث الدينية، ومن قراءة الكتب المفيدة، الكتب النافعة، وسؤال أهل العلم عما أشكل عليه، هذه طرق العلم، وقال عليه الصلاة والسلام: من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله به إلى طريقًا إلى الجنة، فالذي يطلب العلم من طريق القرآن الكريم وهو أصل العلوم وهو أفضل كتاب على وجه الأرض هو كتاب الله العظيم الذي قال فيه: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، وفيه تبيان كل شيء، فالإقبال عليه فيه الهدى والنور، فيه أسباب السعادة، وفيه أسباب النجاة لمن أقبل عليه صادقًا يريد الفائدة، يريد العلم، يريد الهداية، ففي كتاب الله الهدى والنور، والشفاء من كل بلاء.
ثم سنة الرسول ﷺ فيها الخير العظيم، وهي تفسر القرآن وتبينه، وتدل عليه، ففي العناية بالسنة وحفظ ما تيسر منها وسماعها في كتب أهل العلم وسماعها من العلماء في ذلك الخير العظيم، والفوائد الجمة، وكذلك ما يذاع من الخير يسمعه ويحذر ما يذاع من الشر، ما يذاع من القرآن والأحاديث الدينية في إذاعة القرآن وما يكتب في الصحف مما ينفع إذا كان يقرأها ويطالعها لا يكون همه أن يطالع ما يضر، أو أشياء ماجنة ولا فائدة فيها، بل يستفيد يطلب الفائدة من كل مكان، إذا كان هناك عنده سعة وقت وليكن أكبر همه العناية بالقرآن، فإن القرآن فيه الخير العظيم، ثم سنة الرسول ﷺ، ثم حلقات العلم، وما فيه فائدة له في إصلاح دينه ودنياه.