فعلى المؤمنين -خاصَّتهم وعامَّتهم- قبول كل ما ورد عنه عليه السلام بنقل العدل عن العدل حتى يتَّصل به ﷺ، وإنَّ مما قضى الله علينا في كتابه، ووصف به نفسه، ووردت السنةُ بصحة ذلك؛ أن قال: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [النور:35]، ثم قال عقيب ذلك: نُورٌ عَلَى نُورٍ، وبذلك دعاه ﷺ: أنت نور السماوات والأرض.
ثم ذكر حديث أبي موسى: حجابه النور -أو النار- لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصرُه من خلقه، وقال: سبحات وجهه جلاله ونوره، نقله عن الخليل وأبي عبيد، وقال: قال عبدالله بن مسعود: نور السماوات نور وجهه.
ثم قال: ومما ورد به النص أنه حيٌّ. وذكر قوله تعالى: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255]، والحديث: يا حي، يا قيوم، برحمتك أستغيث.
قال: ومما تعرف الله إلى عباده أن وصف نفسه أنَّ له وجهًا موصوفًا بالجلال والإكرام، فأثبت لنفسه وجهًا. وذكر الآيات.
ثم ذكر حديث أبي موسى المتقدم فقال: في هذا الحديثِ من أوصاف الله : لا ينام، موافق لظاهر الكتاب: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ [البقرة:255]، وأنَّ له وجهًا موصوفًا بالأنوار، وأنَّ له بصرًا، كما علمنا في كتابه أنه سميع بصير.
ثم ذكر الأحاديث في إثبات الوجه، وفي إثبات السمع والبصر، والآيات الدالة على ذلك.
ثم قال: ثم إنَّ الله تعالى تعرف إلى عباده المؤمنين أن قال: "له يدان قد بسطهما بالرحمة". وذكر الأحاديث في ذلك، ثم ذكر شعر أمية بن أبي الصَّلت، ثم ذكر حديث: يُلقى في النار وتقول: هل من مزيدٍ؟ حتى يضع فيها رجله. وهي رواية البخاري، وفي روايةٍ أخرى: يضع عليها قدمه. ثم ما رواه مسلم البطين عن ابن عباسٍ: أنَّ الكرسي موضع القدمين، وأنَّ العرش لا يقدر قدره إلا الله. وذكر قول مسلم البطين نفسه، وقول السدي، وقول وهب بن منبه، وأبي مالك، وبعضهم يقول: موضع قدميه، وبعضهم يقول: واضع رجليه عليه.
ثم قال: فهذه الرِّوايات قد رُويت عن هؤلاء من صدر هذه الأمة؛ موافقةً لقول النبي ﷺ، متداولة في الأقوال، ومحفوظة في الصدر، ولا يُنكر خلف عن السلف، ولا يُنكر عليهم أحدٌ من نُظرائهم، نقلتها الخاصَّة والعامَّة، مدونة في كتبهم، إلى أن حدث في آخر الأمة مَن قلل الله عددهم ممن حذَّرنا رسولُ الله ﷺ عن مُجالستهم ومُكالمتهم، وأمرنا أن لا نعود مرضاهم، ولا نُشيع جنائزهم، فقصد هؤلاء إلى هذه الرِّوايات فضربوها بالتَّشبيه.
الشيخ: قف: إلى أن حدث في آخر الأمة مَن قلل الله عددهم. الله يُقللهم ويكفينا شرَّهم.
س: ثبت أنَّ من أسماء الله: النور؟
ج: ما أعرف شيئًا في الروايات سوى الآية الكريمة: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [النور:35]، حجابه النور كذلك.
س: نُثبت لله حقوين؟
ج: جاء في الحديث الصحيح في الرحم؛ لما خلق الله الرحم.
س: عدم زيارة أهل البدع وتشييع جنائزهم؟
ج: جاء في عدة روايات، ظاهر كلام الشيخ تقي الدين وغيره إثباتها؛ أنهم مجوس هذه الأمة؛ لأنَّ لها طرقًا متعددةً يشدُّ بعضُها بعضًا.س: الكرسي موضع القدمين؟ج: هكذا ثبت عن ابن عباسٍ، ومثله لا يُقال بالرأي.
إلى أن حدث في آخر الأمة مَن قلل الله عددهم ممن حذَّرنا رسولُ الله ﷺ عن مُجالستهم ومُكالمتهم، وأمرنا أن لا نعود مرضاهم، ولا نُشيع جنائزهم، فقصد هؤلاء إلى هذه الرِّوايات فضربوها بالتَّشبيه، وعمدوا إلى الأخبار فعملوا في دفعها إلى أحكام المقاييس، وكفر المتقدمين، وأنكروا على الصحابة والتَّابعين؛ وردُّوا على الأئمة الرَّاشدين؛ فضلوا وأضلوا عن سواء السَّبيل.
ثم ذكر المأثور عن ابن عباسٍ وجوابه لنجدة الحروري، ثم حديث "الصورة"، وذكر أنه صنف فيه كتابًا مُفردًا، واختلاف الناس في تأويله.
ثم قال: وسنذكر أصول السنة وما ورد من الاختلاف فيما نعتقده مما خالفنا فيه أهلُ الزيغ، وما وافقنا فيه أصحابُ الحديث من المثبتة إن شاء الله.
ثم ذكر الخلافَ في الإمامة، واحتجَّ عليها، وذكر اتفاق المهاجرين والأنصار على تقديم "الصديق"، وأنه أفضل الأمة.
ثم قال: وكان الاختلاف في "خلق الأفعال": هل هي مُقدرة أم لا؟ قال: وقولنا فيها أنَّ أفعال العباد مُقدرة معلومة، وذكر إثبات القدر، ثم ذكر الخلافَ في أهل "الكبائر"، ومسألة "الأسماء والأحكام" وقال: قولنا فيها: إنهم مؤمنون على الإطلاق، وأمرهم إلى الله: إن شاء عذَّبهم، وإن شاء عفا عنهم.
وقال: أصل الإيمان موهبة يتولد منها أفعال العباد، فيكون أصل التَّصديق والإقرار والأعمال. وذكر الخلاف في زيادة الإيمان ونقصانه. وقال: قولنا: إنه يزيد وينقص. قال: ثم كان الاختلافُ في القرآن مخلوقًا وغير مخلوقٍ، فقولنا وقول أئمتنا: إنَّ القرآن كلام الله، غير مخلوقٍ، وإنه صفة الله، منه بدأ قولًا، وإليه يعود حكمًا.
ثم ذكر الخلاف في الرؤية وقال: قولنا وقول أئمتنا فيما نعتقد: أنَّ الله يُرى في القيامة. وذكر الحجة. ثم قال: اعلم -رحمك الله- أني ذكرتُ أحكام الاختلاف على ما ورد من ترتيب المحدثين في كل الأزمنة، وقد بدأتُ أن أذكر أحكام الجمل من العقود، فنقول ونعتقد: أنَّ الله له عرش، وهو على عرشه، فوق سبع سماواته بكل أسمائه وصفاته، كما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ [السجدة:5]، ولا نقول: إنه في الأرض كما هو في السَّماء على عرشه؛ لأنه عالم بما يجري على عباده: ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ [السجدة:5].
إلى أن قال: ونعتقد أنَّ الله تعالى خلق الجنة والنار، وإنهما مخلوقتان للبقاء؛ لا للفناء.
إلى أن قال: ونعتقد أنَّ النبي ﷺ عرج بنفسه إلى سدرة المنتهى.
إلى أن قال: ونعتقد أنَّ الله قبض قبضتين فقال: هؤلاء للجنة، وهؤلاء للنار.
ونعتقد أنَّ للرسول ﷺ حوضًا، ونعتقد أنه أول شافعٍ، وأول مُشفعٍ.
وذكر الصراط والميزان والموت، وأن المقتول قُتل بأجله، واستوفى رزقه.
إلى أن قال: ومما نعتقد أنَّ الله ينزل كل ليلةٍ إلى سماء الدُّنيا.
الشيخ: كل هذا يُبين فيه أنَّ المؤلف -وهو محمد بن خفيف- على طريقة أهل السنة والجماعة في إثبات ما أثبته أهلُ السنة والجماعة من جميع ما ذكر: من إثبات الإيمان، وأنه حقّ، وأنه يزيد وينقص؛ يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي، وأنَّ العُصاة تحت مشيئة الله: إن شاء عفا عنهم، وإن شاء أدخلهم النار على قدر معاصيهم إن ماتوا عليها.
وهكذا ما ذكره من إثبات العرش، وأنَّ الله فوق العرش كما يشاء ، وعلمه في كل مكانٍ.
وهكذا ما ذكره بعد ذلك من العروج بمحمدٍ ﷺ بنفسه إلى ما فوق السَّماء السابعة، كل هذا حق.
وهكذا ما ذكر من خلق الجنة والنار: أنَّ الله خلقهما، وهما موجودتان للبقاء، لا للفناء، أعد الجنةَ للمُتقين، وأعد النار للكافرين.
إلى غير هذا مما بيَّنه رحمه الله، وأنه على طريق أهل السنة والجماعة، وأنَّ القرآن كلام الله، مُنزل، غير مخلوقٍ، منه بدأ، وإليه يعود، فهو على طريقة أهل السنة رحمه الله.
الشيخ: أما ما يتعلق بنصف شعبان: فالحديث فيه ضعيف، وقد خفي على المؤلف رحمه الله -وهو ابن خفيف- أما التنزل يوم عرفة: فقد جاء هذا في "صحيح مسلم": إنَّ الله يدنو ويُباهي بهم ملائكته. يعني: الواقفون بعرفة، يدنو، وليس فيه تصريح بسماء الدنيا: أن الله ينزل فيُباهي بهم الملائكة ويقول: ما أراد هؤلاء؟.
ونزول آخر الليل هذا ثابت في الصحاح عن النبي ﷺ: أنه ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلةٍ حين يبقى ثلثُ الليل الآخر فيقول: مَن يدعوني فأستجيب له؟ مَن يسألني فأُعطيه؟ مَن يستغفرني فأغفر له، وفي اللفظ الآخر: هل من داعٍ فيُستجاب له؟ هل من سائلٍ فيُعطى سؤله؟ هل من تائبٍ فيُتاب عليه؟ كل هذا حقّ.
أما ما يتعلق بالنصف من شعبان: فالحديث فيه ضعيف، ولم يثبت في النصف من شعبان أحاديث، لا في قيامها، ولا في صوم نهارها، ولا في التنزل، كل ما ورد فيها هو ضعيف عند أهل العلم.
س: يبقى حتى يطلع الفجر؟
ج: نعم.
س: ..............؟
ج: قبضتان معناه: قبضة للجنة، وقبضة للنار، يعني: خلق أهل الجنة ووفَّقهم لأعمالهم، وخلق أهل النار وخذلهم ولم يُوفقهم لأعمال أهل الجنة، نسأل الله السلامة.
س: في الصوم: مَن كان له ورد مثل: الاثنين أو الخميس، ووافق النصف من شعبان، يجوز الصوم؟
ج: يصوم، إيه، أيام البيض والاثنين والخميس، في شعبان وفي غيره، نعم، ما في شيء.
س: عرج بنفسه؟
ج: يعني: بروحه وجسده، ما هو بنومٍ، يقظة.
الشيخ: الفقر يُقال له: خَلة، يعني: حاجة، هم تأوَّلوه على الحاجة، يعني: اتَّخذه فقيرًا إليه. وهذا غلط، الخلة هي: المحبَّة، اتَّخذه خليلًا يعني: محبوبًا محبةً خاصةً، كما اتَّخذ محمدًا خليلًا عليه الصلاة والسلام، فالله يُحِب ويُحَب جلَّ وعلا، ولكن أهل البدع تأوَّلوها على إرادة الخير وإرادة الإحسان، وهذا غلط، فإنَّ المحبة صفة مستقلة، غير الإرادة، تليق بالله، على الوجه اللائق به ، كما قال : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [التوبة:4]، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195]، فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54]، فتكررت في القرآن الكريم، وجاءت في السنة. والخُلة أعلاها وأكملها.
الشيخ: وهذا الذي قاله أبو عبدالله ابن خفيف في الرؤية مرجوح، والصواب أنه لم ير ربَّه عليه الصلاة والسلام، ولم يختص بها، بل لم ير أحدٌ ربَّه في الدنيا: لا محمد، ولا غيره، الرؤية مما ادَّخرها الله للمؤمنين في الآخرة، قال ﷺ في الحديث الصحيح: واعلموا أنه لن يرى أحدكم ربَّه حتى يموت، ولما سُئل عن الرؤية: هل رأيت ربك؟ قال: رأيتُ نورًا، وفي اللفظ الآخر قال: نور، أنَّى أراه؟، هذا هو الصواب، وأنه ﷺ إنما كلَّمه ربه كما كلَّم موسى، أما الرؤية فلم يره؛ ولهذا في الحديث الصحيح -حديث أبي موسى: حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه .
فالرؤية لها شأن عظيم، وهي أعلى نعيم أهل الجنة، فادَّخرها الله لهم في الآخرة، وليست من نعيم الدنيا، الدنيا دار الأكدار والأحزان والمعاصي والكفر والضَّلال، فليست الرؤية من نعيم أهلها، وإنما هي من نعيم أهل الجنة والسَّعادة في الآخرة.
الشيخ: والعجب من المؤلف رحمه الله؛ كيف سكت عن هذا ولم يُنبه عليه؟! كما لم يُنبه على ما تقدم من نزول شعبان، ينبغي أن يُنبه على هذا، هذا ليس بمسلمٍ: لا هنا، ولا هناك، حط عليه حاشية: الصواب أنه لم يلقَ ربَّه في الدنيا، وحديث نزول شعبان ضعيف، وقد نبَّه على هذا ابنُ القيم وغيره.
س: يدل على هذا عموم الآية: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الشورى:51]؟
ج: كذلك حُجَّة قائمة: أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ.
س: بعض المتأخرين من المحققين جمع طرق: أنَّ الله ينزل في النصف من شعبان، وقال: إنه صحيح؟
ج: مَن؟
س: الشيخ ناصر الألباني.
ج: يُراجع، علمي به أنه ليس بصحيحٍ، من قديم، تتبعته من قديم، وليس بصحيحٍ، ولكن يُراجع، الشيخ ناصر جيد .....، لكن يُراجع، قد يغلط في بعض المسائل، في بعض الأحاديث.
...........
س: مثل هذه الأشياء إذا كانت درجة الحديث من قبيل الحسن لغيره؟
ج: قد يقع، قد يقع، لكن باب الصِّفات باب عظيم، ليس من الفضائل، فينبغي الاعتناء بأحاديثه أكثر.
الشيخ: ذكر المسح هنا لأنه يُخالف عقيدة الرافضة في إنكار المسح؛ لهذا ذكر أهلُ السنة المسح على الخفَّين هنا، وإن كانت مسألةً فرعيةً، لكن لما كان أهلُ الرفض يُخالفون فيها أثبتوها في عقائد أهل السنة.
الشيخ: كذلك قوله: "من قريش" ليس بجيدٍ، وإن كان هو الأصل، لكن السلطان يُصبر عليه ولو من غير قريشٍ إذا تولى، لا يُخرج عليه بالمعصية: إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان، سواء كان من قريشٍ، أو من المماليك، أو من أي جنسٍ، متى تولَّى على الناس وبايعوه، أو غلب عليهم بسيفه؛ وجب السَّمع والطاعة له، كما جاء في الأحاديث الصَّحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسَّلام، لكن البيعة الاختيارية تكون لقريشٍ إذا تيسر مَن يصلح لهذا وأمكن.
الشيخ: وهذه الأحاديث تدل على علمٍ كبيرٍ، وأنه أقدم على كلامٍ مع كثرة المنازعين فيه يدل على قوة التَّحقيق وكمال العلم؛ لقوله ﷺ: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمَن تركها فقد كفر، بين الرجل وبين الكفر والشِّرك: ترك الصلاة.
الشيخ: يعني: ولو كانت عنده معصية يُصلَّى عليه، مَن مات في القبلة -يعني: في الإسلام- يُصلَّى عليه ولو كان عنده شيء من المعاصي، ليس من شرط الصلاة على الجنائز أن يكون كاملًا أو سليمًا، بل يُصلَّى على الطيب، وعلى العاصي، نعم؛ لأنَّ الصلاة شفاعة تنفعه.
س: قوله: والشَّهادة والبراءة بدعة؟
ج: ما أدري أيش مراده، حطّ عليه إشارة، يحتمل أنه: الشَّهادة لأحدٍ بجنةٍ أو نارٍ بغير دليلٍ، كما قال أهلُ السنة والجماعة، لإنسانٍ معينٍ، أو البراءة من المعين، إلا بدليلٍ، محتمل، عبارة مجملة.
س: البراءة عند الرَّافضة؛ يتبرؤون من أبي بكر وعمر؟
ج: ليس مُراده هذا.
س: ذكر هذا: أنَّ البراءة بدعة، والشَّهادة لله ..... فسَّرها بأنَّ البراءة من أبي بكر وعمر؟
ج: ما أدري والله، يُنظر، يُنظر. ما يختص بأبي بكر وعمر، البراءة من أولياء الله منكر، عام حتى من غير أبي بكر وعمر.
س: هل يُقال للشَّهيد: أنه شهيد؟
ج: نعم، إذا قُتل في سبيل الله ..... شهيد في الحكم الشرعي، أما فيما بينه وبين الله: الله يتولاه، لكنه شهيد؛ لا يُغسل، ولا يُصلَّى عليه إذا قُتل في سبيل الله شهيدًا.
س: الخمس التي لا يعلمها إلا الله، ما يُقال: من معرفتهم الجنين: ذكر أو أنثى؟
ج: هذا بعدما يتخلق، بعدما يأذن الله للملك أن يخلقه، بعد أن يطلع عليه الملك، صار العلم مشتركًا، ما عاد، هو من خصائص الله .....
س: الفرق بين المراء والجدال؟
ج: متقاربان .....، قد يكون المراء أشد، قد يكون الجدالُ إذا اشتدَّ صار مراء.
ونعتقد أنَّ ما شجر بين أصحاب رسول الله ﷺ أمرهم إلى الله، ونترحم على عائشة، ونترضى عنها.
والقول في اللفظ والملفوظ؛ وكذلك في الاسم والمسمَّى بدعة، والقول في الإيمان: مخلوق أو غير مخلوق، بدعة.
واعلم أني ذكرتُ اعتقاد أهل السنة على ظاهر ما ورد عن الصَّحابة والتابعين مجملًا من غير استقصاءٍ؛ إذ تقدم القولُ من مشايخنا المعروفين من أهل الإبانة والدِّيانة، إلا أني أحببتُ أن أذكر عقود أصحابنا المتصوفة فيما أحدثته طائفةٌ نسبوا إليهم ما قد تخرَّصوا من القول بما نزَّه الله تعالى المذهب وأهله من ذلك.
الشيخ: وقصده من هذا بيان عقيدة أهل السنة والجماعة التي تلقوها عن سلف الأمة من الصحابة، وأنَّ هؤلاء الذين ينتسبون إلى التصوف من أهل الزهد والورع والاستقامة ليسوا على حال المتأخرين الذين غيَّروا وبدَّلوا، مقصوده أنَّ التصوف قسمان:
قسم ساروا على نهج السلف، ونُسب إلى التَّصوف منهم مَن نُسب لورعه وزهده وإقباله على العبادة، ولكنه متمسك بطريقة أهل السنة والجماعة: كالجنيد، وأبي سليمان الدَّاراني، وبشر الحافي، وأشباههم من أهل الصدق.
أما الذين أحدثوا وغيَّروا وبدَّلوا؛ أحدثوا بدعًا كثيرةً، هؤلاء ليسوا منهم في الحقيقة.
س: من أهل السنة؟
ج: من أهل السنة نعم الطائفة الأولى.
س: .............؟
ج: يعني القول: لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق؛ لأنَّ هذا فيه إجمال؛ ولهذا أنكر السلفُ على مَن قال، ولكن يُصرح: صوتي مخلوق، وأما القرآن فهو غير مخلوقٍ، يُوضح، لا يُجمل.
إلى أن قال: وقرأتُ لمحمد بن جرير الطبري في كتابٍ سمَّاه "التَّبصير"، كتب بذلك إلى أهل طبرستان في اختلافٍ عندهم، وسألوه أن يُصنف لهم ما يعتقده ويذهب إليه، فذكر في كتابه اختلاف القائلين برؤية الله تعالى؛ فذكر عن طائفةٍ: إثبات الرؤية في الدنيا والآخرة. ونسب هذه المقالة إلى "الصوفية" قاطبةً، لم يخص طائفة. فبين أنَّ ذلك على جهالةٍ منه بأقوال المخلصين منهم؛ وكان مَن نسب إليه ذلك القول -بعد أن ادَّعى على الطائفة- ابن أخت عبد الواحد بن زيد، والله أعلم بمحله عند المخلصين، فكيف بابن أخته؟!
وليس إذا أحدث الزائغُ في نحلته قولًا نُسب إلى الجملة، كذلك في الفقهاء والمحدثين ليس مَن أحدث قولًا في الفقه، وليس فيه حديث يُناسب ذلك؛ يُنسب ذلك إلى جملة الفقهاء والمحدثين.
واعلم أنَّ لفظ "الصوفية" وعلومهم تختلف؛ فيُطلقون ألفاظهم على موضوعات لهم ومرموزات وإشارات تجري فيما بينهم، فمَن لم يُداخلهم على التَّحقيق، ونازل ما هم عليه؛ رجع عنهم وهو خاسئ وحسير.
ثم ذكر إطلاقهم لفظ "الرؤية" بالتقييد، فقال: كثيرًا ما يقولون: رأيتُ الله يقول. وذكر عن جعفر بن محمد قوله لما سُئل: هل رأيتَ الله حين عبدته؟ قال: رأيتُ الله ثم عبدته. فقال السَّائل: كيف رأيته؟ فقال: لم تره الأبصار بتحديد الأعيان؛ ولكن رؤية القلوب بتحقيق الإيقان.
ثم قال: وإنه تعالى يُرى في الآخرة كما أخبر في كتابه، وذكره رسوله ﷺ، هذا قولنا وقول أئمتنا، دون الجهالٍ من أهل الغباوة فينا.
الشيخ: مُراده رحمه الله: أنهم لهم اصطلاحات قد لا يفهمها بعضُ الناس، فينسب إليهم ما هم براء منه، وفيهم جهال قد لا يتقيدون بالسنة وما عليه سلف الأمة، وهو صادق في هذا كله، وكان ينبغي لهم ألا يأتوا بألفاظٍ مبهمة، وينبغي لهم ألا يأتوا بألفاظٍ تُستنكر عليهم، بل ينبغي أن يسلكوا الطريق الواضح؛ حتى لا يُتَّهموا بالباطل، فاللوم يُلامون عليه فيما أحدثوا من الإشارات والاصطلاحات التي قد لا يفهمها مَن لا يعرف حالهم.
الشيخ: وهذا مثلما قال المؤلفُ: مَن زعم أنَّ له صلةً بالله، وأنه يروي بقلبه عن ربِّه مما يظن أولئك الجهال من الصُّوفية: حتى يُحلّوا ما حرَّم الله، ويُحرموا ما أحلَّ الله على الناس بزعمهم أنهم تلقوه عن ربهم، هذا من الكفر والضَّلال، فليس هناك وحي بعد رسول الله ﷺ، بل قد انقطع الوحي، وتمت الرسالة وختمت، فالواجب على جميع الناس أن يتلقوا دينَهم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعن كتاب الله، فمَن زعم من الصُّوفية أنَّ له طريقةً أخرى يتلقَّى بها العلم عن الله دون الرسول ﷺ، فهذه طريقة فاسدة وباطلة، بل كفر وضلال وخروج عن دائرة الإسلام، نسأل الله العافية.
الشيخ: صدق، لا يُقال: عشقتُ الله، ولكن يقول: أحببتُ الله؛ لأنَّ العشق كلمة مجملة، وتقع في ألسنة المفسدين والسُّفهاء: العشق المحرم، واتِّخاذ المحبَّة المحرمة، فلا يُوصف الله إلا بما وصف به نفسه: بالحبِّ: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54]، فلا يُؤتى بالألفاظ المحدثة التي لم ترد في النصوص، ولكن يقول: أُحب الله ورسوله، وأحببتُ الله ورسوله؛ لأنَّ هذا هو الذي جاء في النصوص.
س: والشوق؟
ج: كذلك الشوق إلى الله جاء في النصوص، في الحديث الصحيح: النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك.
س: حديث: إنَّ الله جميل يُحب الجمال؟
ج: صحيح، هذا صحيح.
وقال: أدنى ما فيه أنه بدعة وضلالة، وفيما نصَّ الله من ذكر المحبَّة كفاية.
وإنَّ مما نعتقده: أنَّ الله لا يحل في المرئيات، وأنه المتفرد بكمال أسمائه وصفاته، بائن من خلقه، مُستوٍ على عرشه.
الشيخ: وهذا هو الحق؛ أنه سبحانه فوق العرش، فوق جميع الخلق، ليس بحالٍّ في المخلوقات، بل هو فوق العرش، فوق جميع الخلق، بائن من خلقه ، وهذا قول أهل السنة والجماعة، وهو قول أهل الحقِّ، وهو الذي جاءت به النصوص من الكتاب والسنة، فالأخذ بما قاله أبو عبدالله ابن خفيف هو الصواب في هذا كما تقدم أيضًا.
الشيخ: والخلة عند أهل السنة والجماعة هي أعلى المحبَّة، وليست الفقر والحاجة كما يقول بعضُ الصوفية، هذا كله بمعنى: المحبة الخالصة الكاملة.
والقرآن هو كلام الله كما قال المؤلفُ، مُنَزَّل، غير مخلوقٍ، عند أهل السنة والجماعة، والخليلان هما: إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، خصَّهما الله بأعلى المحبة وأكملها، وهو سبحانه يُحب كل مؤمنٍ، ويحب كل مؤمنةٍ، ويحب جميع الرسل والأنبياء، لكنه اختصَّ هذين الشَّخصين بالخلة، وهما: إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وهي أعلى المحبة.
الشيخ: وهذا قول أهل السنة والجماعة، هي خلة تليق بالله، ومحبة تليق بالله، لا تُشابه خلة المخلوقين، ولا محبة المخلوقين، وهكذا بقية الصِّفات كلها تليق بالله، على وجهٍ لا يُماثل فيه خلقه، فالكيفية منتفية.
الشيخ: وهذا مثلما قال المؤلفُ، وهو الحق: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275]، الله أباح المكاسب والصناعات: من النّجارة والخرازة والحدادة وغير ذلك، كل ما ينفع العباد، وإنما حرَّم المكاسب الخبيثة: الغش والخيانة والربا ونحو ذلك، أما المكاسب المباحة فالله أباحها للعباد، والعقود المباحة من الإيجارات والبيوع وغير ذلك؛ ليستعينوا بها على طاعته وأداء حقِّه .
س: الذي يقول: قراءتي ونُطقي بالقرآن مخلوق؟
ج: ينبغي أن يُصرح: أصواتي، أما القرآن فهو غير مخلوقٍ، أما لو قال: لفظي، يُوهم، قد يُراد: ملفوظي، لكن يُوضح أنَّ صوته مخلوق، وأما القرآن فهو كلام الله، غير مخلوقٍ.
الشيخ: وهذا من التَّكلف وسُوء الظن؛ فالله أباح الحلال وأمر به، وهو موجود بحمد الله، مَن زعم أنه انتزع من الأرض فقد غلط وضلَّ، الحلال موجود، يجده مَن طلبه بالمكاسب الشَّرعية المباحة.
إلا أنه يقل في موضعٍ، ويكثر في موضعٍ؛ لا أنه مفقود من الأرض.
ومما نعتقده: أنَّا إذا رأينا مَن ظاهره جميل لا نتهمه في مكسبه وماله وطعامه؛ جائز أن يُؤكل طعامه، والمعاملة في تجارته، فليس علينا الكشف عما قاله، فإن سأل سائلٌ على سبيل الاحتياط جاز، إلا من داخل الظلمة. ومن ينزع عن الظلم وأخذ الأموال بالباطل ومعه غير ذلك؛ فالسؤال والتَّوقي، كما سأل الصديقُ غلامه؛ فإن كان معه من المال سوى ذلك مما هو خارج عن تلك الأموال فاختلطا؛ فلا يُطلق عليه الحلال ولا الحرام، إلا أنه مُشتبه؛ فمَن سأل استبرأ لدينه، كما فعل الصديق.
الشيخ: ومعنى هذا: أنَّ الأصل الإباحة، فمَن ظاهره الخير لا يُظن به السّوء؛ فيُؤكل طعامه، ويُشرب شرابه، ومَن تلبس بشيءٍ من الحرام، وسئل عن ذلك، فلا بأس، ولكن عليه أن يستبرئ من الحرام، ويُبعده من ماله، وينتفع بالحلال، إذا دخل عليه مال من الحرام: من سرقة، أو من الخيانة، أو من غير ذلك من طرق الحرام؛ استبرأ وأبعده من ماله بالتَّحري والظن، وأكل البقية سليمًا لا حرج فيه، والتوبة تجب ما قبلها.
س: ..............؟
ج: لا وجهَ لهذا، وقد باع النبيُّ واشترى عليه الصلاة والسلام، وباع الصحابةُ واشتروا، وهم خير الناس.
الشيخ: الناس طبقات: فيهم الطيب والخبيث، فيهم الصالح والطالح، فيهم مَن يُتَّهم ومَن لا يُتَّهم، فالمؤمن يتحرى الخير، وينصح لله ولعباده، ولا بأس أن يسأل عند وجود الرِّيبة.
س: إذا كان يُعرف بالتَّعامل بالربا، أو عنده محل استيريو أو غناء، هل يُتورع من الدخول عليه، أو يُقال: اختلط ماله؟
ج: الواجب أن يُنكر عليه، ويستحق الهجر، أقل شيءٍ استحباب الهجر له حتى يتوب من أعماله السَّيئة، مَن ظاهره الفسق استحقَّ أن يُهجر، واختلفوا في الوجوب، أما كونه يستحق أن يُهجر: إذا كان الهجرُ ينفع، فإن كان الهجر لا ينفع، فإنه يُوالى عليه النّصح والتَّوجيه والإنكار حتى يستقيم، وإذا اختلط بالحلال -اختلط الحلالُ بالحرام- جاز الأكل منه؛ لأنه لا يعلم أين الحرام.
س: لو صنع إليَّ معروفًا هذا المجاهر بالمعصية .......؟
ج: تُكافئه على المعرفة، تدعو له بالهداية والتوفيق، تُكافئه على معروفه.
الشيخ: وهذا كلام صحيح؛ فإنَّ العبد ما دامت أحكامُ العبادات والتَّكاليف جارية عليه، فإنَّ الواجب عليه أن يخاف ويرجو، وليس له أن يأمن، وليس له أن يقنط، بل يكن بين الرجاء والخوف، ما دام عقله معه، ما دامت أحكام التَّكليف جارية، أما إذا ذهب عقلُه -هرم، يعني: خرف، ذهب عقله أو جُنَّ- سقط عنه هذا، لكن ما دام عقلُه معه فإنَّ عليه أن يخاف ويرجو، فلا يجوز له أن يقنط بسبب معاصيه، وليس له أن يأمن بسبب طاعته ويعجب بنفسه ويقول: إنه ناجٍ، بل يخاف ويرجو، ويسير إلى الله بين الخوف والرجاء، يسأل الله أن يتقبل منه، وأن يُعيذه من غضبه وأسباب العذاب، ويرجو رحمةَ ربه جلَّ وعلا، هذا هو الواجب على المؤمن؛ ولهذا حكى الله جلَّ وعلا عن أهل الخير من الأنبياء والصَّالحين، قال سبحانه: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90]، وقال في أهل الصلاح: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ [الإسراء:57]، هكذا الرسل وأتباعهم.
وقد أفردتُ كشف عورات مَن قال بذلك.
ونعتقد: أنَّ العبودية لا تسقط عن العبد ما عقل وعلم ما له وما عليه، فيبقى على أحكام القوة والاستطاعة؛ إذ لم يُسقط الله ذلك عن الأنبياء والصّديقين والشّهداء والصّالحين، ومَن زعم أنه قد خرج عن رقِّ العبودية إلى فضاء الحرية بإسقاط العبودية، والخروج إلى أحكام الأحدية المسدية بعلائق الآخرية؛ فهو كافر لا محالة، إلا مَن اعتراه علة أو رأفة فصار معتوهًا أو مجنونًا أو مُبرسمًا، وقد اختلط عقله، أو لحقه غشية يرتفع عنه بها أحكام العقل، وذهب عنه التَّمييز والمعرفة؛ فذلك خارج عن الملة، مفارق للشَّريعة.
الشيخ: وهذا الذي قاله ابنُ خفيفٍ صحيح أيضًا، قاله أهل العلم، مَن زعم أنه في علمه، أو بدرجةٍ من العلم، أو بمنزلةٍ من العلم، أو بوصفٍ يتَّصف به من العلم يخرج عن التَّكليف ويبقى حرًّا، له أن يفعل ما يشاء: لا يُصلي، ولا يصوم، وله أن يزني، وله أن يفعل كل شيءٍ، فهذا ملحد في الدِّين، زنديق، كافر بالله بإجماع المسلمين؛ لأنَّ المؤمن ليس لعمله أجل إلا الموت، إلا إذا اختلَّ عقله، قال الله في حقِّ النبي ﷺ، وهو أفضل الخلق: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، فلا بدَّ من العمل حتى يأتي الموتُ، ولا يسقط التكليف عن أحدٍ من الناس لأنه بلغ من العلم كذا، أو من العبادة كذا، أو من العمر كذا، لا، إلا إذا سقط التَّكليف: إذا جُنَّ أو خرف -تغير عقله- سقط التَّكليف حينئذٍ، وأما أنه في منزلةٍ من العلم -كما يقول بعضُ الصوفية- تسقط عنه التَّكاليف، فلهم أن يفعلوا ما يشاءون من المعاصي، ولهم أن يدعوا الصَّلوات والصيام! هذا جنون، هذا بلاء، هذا من الكفر البواح، نعوذ بالله.
الشيخ: وهذا حقّ، هذا مثلما قال المؤلفُ: مَن زعم أنه يُشرف على أمور الخلق ومقاماتهم، ويعرف منازلهم عند الله بغير الوحي؛ فهذا ضالّ مُضلّ، كافر، ملحد، يدَّعي علم الغيب، فهكذا مَن يزعم أنه يعلم أمور الناس، ومتى يموتون، ومتى يُبعثون، كل هذا ردّة عن الإسلام؛ لأنَّ الله يقول: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65]، ويقول جلَّ وعلا لنبيه ﷺ: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ، ثم قال: إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:188].
مَن زعم أنَّ له إشرافًا على الخلق، وأنه مُوكل بالخلق، وأنه يعلم أحوالهم، وأوقات موتهم، ونهاية آجالهم، وأنه يعلم مصيرهم عند الله ومنازلهم؛ فهذا إما مجنون من المجانين والمعاتيه، وإما زنديق مرتد كافر، نسأل الله العافية.
هذه غرائب عند الصوفية، عند جمعٍ من الصوفية، يقعون في هذه البلاوي والمحن، نعوذ بالله، نسأل الله العافية.
س: يكون مُرتدًّا؟
ج: نعم، نعم، إذا كان يدَّعي الإسلام فهو مُرتد نعم.
الشيخ: هي عبارة مجملة، ولعله يُشير بهذا إلى أنَّ صفاته كصفاته، يعني: كصفات المخلوقين؛ أنها متَّصفة بصفات المخلوقين، يعني: أن الخالق حلَّ بالمخلوق، وهذا لا شكَّ أنه إلحاد وزندقة، نعوذ بالله، لكن العبارة فيها بعض القلق.
المقصود من هذا كله أنَّ الواجب بيان أنَّ صفات الرب غير صفات المخلوقين، وأن الله سبحانه من صفاته: بائن من خلقه، فوق عرشه، فوق جميع الخلق، لا تُشبه صفاته صفات خلقه، بل هو سبحانه الكامل في ذاته، وفي جميع صفاته، مُنَزَّه عن مُشابهة المخلوقين في كل شيءٍ، كما قال : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4].
وإنما ذكرت الإشارة في بعض الأحاديث للصِّفة من باب التَّحقيق، كما ذكر أنه يضع السَّماوات على أصبع، والأرضين على أصبع، ويُشير إلى أصابعه، يعني: من باب التَّحقيق؛ أنها أصابع حقيقية، وهكذا أشار إلى العين، وإلى السمع، المراد إثبات أنه حقّ، وأنه سمع حقيقة، وبصر حقيقة، وإصبع حقيقة، ويد حقيقة، وليس المراد التَّشبيه والتَّمثيل.
الشيخ: وذلك لأنَّ الأرواح جملة من خلق الله، خلقها سبحانه: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر:62]، فأرواح الحيوانات، وأرواح بني آدم، وأرواح الجن، جميع الأرواح كلها مخلوقة لله، مربوبة، تُنعم وتُعذب، يُصيبها ما يُصيب غيرها، والله خالقها ، أرواح الأخيار، وأرواح الأشرار، أراوح العقلاء، وأرواح البهائم، كلها مخلوقة له .
الشيخ: هذا هو، ليس في المخلوقات شيء من ذات الله، بل الله سبحانه بجميع صفاته مستقل، بائن من خلقه جلَّ وعلا، ليس في ذاته شيء من خلقه، وليس في خلقه شيء من ذاته جلَّ وعلا؛ ولهذا قال عبدالله بن المبارك: نعرف ربنا بأنه فوق سماواته على عرشه، بائن من خلقه .
الشيخ: يعني: أنَّ القرآن هو كلام الله، وإن كان في الصدور -حالًّا في الصدور من جهة الحفظ- فليس هو كلام المخلوقين، فإنَّ المخلوق ينقل، يتلوه على أنه كلام الله، يحفظه على أنه كلام الله، يكتبه على أنه كلام الله، يسمعه على أنه كلام الله، فكيفما تصرف فهو كلام الله : مقروءًا، محفوظًا، مكتوبًا، مسموعًا، هو كلام الله من جميع النَّواحي، أنزله على نبيه ﷺ.
ونعتقد أنَّ القراءة "الملحنة" بدعة وضلالة، وأن "القصائد " بدعة، ومجراها على قسمين:
فالحسن من ذلك من ذكر آلاء الله ونعمائه، وإظهار نعت الصالحين وصفة المتقين، فذلك جائز، وتركه والاشتغال بذكر الله والقرآن والعلم أولى به.
وما جرى على وصف المرئيات ونعت المخلوقات فاستماع ذلك على الله كفر، واستماع الغناء والربعيات على الله كفر، والرقص بالإيقاع ونعت الرقاصين على أحكام الدين فسق، وعلى أحكام التواجد والغناء لهو ولعب وحرام على كل مَن يسمع القصائد والربعيات الملحنة -الجائي بين أهل الأطباع- على أحكام الذكر، إلا لمن تقدم له العلم بأحكام التوحيد ومعرفة أسمائه وصفاته، وما يُضاف إلى الله تعالى من ذلك، وما لا يليق به مما هو مُنزه عنه، فيكون استماعه كما قال: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ الآية [الزمر:18].
وكل مَن جهل ذلك وقصد استماعه على الله على غير تفصيله فهو كفر لا محالة، فكل مَن جمع القول وأصغى بالإضافة إلى الله فغير جائزٍ، إلا لمن عُرف بما وصفت من ذكر الله ونعمائه وما هو موصوف به مما ليس للمخلوقين فيه نعت ولا وصف، بل ترك ذلك أولى وأحوط، والأصل في ذلك أنها بدعة، والفتنة فيها غير مأمونة على استماع الغناء. و"الربعيات" بدعة، وذلك مما أنكره المطلبي ومالك والثوري ويزيد بن هارون وأحمد بن حنبل وإسحاق.
الشيخ: المطلبي يعني: الشافعي رحمه الله، وهذه العبارات فيها بعض الإجمال، ومُراده أنَّ التلحين في القرآن -وهو التَّمطيط والزيادة في الكلام- لا يجوز؛ لأنه يُخرج القرآن عن موضعه، وإنما المشروع التَّرتيل والعناية بإعطاء الحروف حقّها، أما التَّلحين الذي يُخرج القرآن عن وضعه بزيادات كثيرة، أو بتشبيهه بالأغاني، وتضييع أوقات الناس في غير طائلٍ؛ هذا ممنوع.
كذلك ما يتعلق بالتَّعبد بالأغاني، وما أحدثه الصوفية من رباعيات في أشعارهم، وغير ذلك، إن كان ذلك على وجه التَّعبد ذكر المؤلفُ رحمه الله أنه كفر؛ لأنه استحلال لما حرَّم الله من البدع المنكرة التي أجمع العلماءُ على إنكارها، وكل مَن استحلَّ ما حرَّم الله مما أجمع عليه المسلمون -كاستحلال الزنا والخمر- يكون كفرًا أكبر -نسأل الله العافية- فالتعبد بهذه من البدع أيضًا؛ التَّعبد بالرقصات والأغاني في مدح فلانٍ وفلانٍ ومدح النساء أو غير ذلك، هذا أيضًا من البدع، وهو من المنكر.
أما الأشعار التي في مدح الخير والدَّعوة إلى الخير على لحون العرب وعلى طريقة العرب فهذا لا بأس به، كما أنشد حسانُ الرسولَ ﷺ في هجو المشركين، وكما أنشده كعب بن مالك وابن رواحة، فالأشعار البعيدة عن الشرِّ لا بأس بها، فالشعر حسنه حسن، وقبيحه قبيح، مراده هذا التَّفصيل بهذه الأمور، وإن كانت عبارته فيها بعض الإجمال، لكن مُراده التَّفصيل في هذه الأمور رحمه الله.
س: ..............؟
ج: هذه جاءت عند الصوفية، كأنها على نمط أربعة فواصل، يعني: رباعية، يعني: ما هي بثنائية، ولا ثلاثية، كأنها أربعة، يعني: كل شطر مستقل حتى يكون البيتُ على أربعة أقسام، كأنه يُريد هذا، والله أعلم.
س: الاستشهاد بالشعر في الخُطبة؟
ج: ما في مانع، إذا كان شعرًا شرعيًّا وسليمًا ما فيه شيء: إنَّ من الشعر حكمة.
س: التَّلحين في الأذان؟
ج: ما ينبغي، ما ينبغي، ينبغي أن يكون سمحًا في الأذان: لا يُطول، لا يمطط.
س: استشهاد بعض النُّحاة بأبيات رديئة؟
ج: إذا كان عن العرب، مقصوده النحو فقط، لا يضرّ، من باب الفائدة من جهة القواعد العربية، مع التَّنبيه على ما فيها من الخطأ.
والاقتداء بهم أولى من الاقتداء بمَن لا يعرفون في الدين، ولا لهم قدم عند المخلصين.
وبلغني أنه قيل لبشر بن الحارث: إنَّ أصحابك قد أحدثوا شيئًا يُقال له: القصائد. قال: مثل أيش؟ قال: مثل قوله: "اصبري يا نفس حتى تسكني دار الجليل"، فقال: حسن، وأين يكون هؤلاء الذين يستمعون ذلك؟ قال: قلت: ببغداد، فقال: كذبوا والله الذي لا إله غيره، لا يسكن ببغداد مَن يستمع ذلك.
قال أبو عبدالله: ومما نقول -وهو قول أئمتنا- إنَّ الفقير إذا احتاج وصبر ولم يتكفف إلى وقتٍ يفتح الله له؛ كان أعلى، فمَن عجز عن الصبر كان السؤال أولى به على قوله ﷺ: لأن يأخذ أحدكم حبله الحديث.
ونقول: إنَّ ترك المكاسب غير جائز إلا بشرائط موسومة من التَّعفف والاستغناء عمَّا في أيدي الناس، ومَن جعل السؤال حرفة وهو صحيح، فهو مذموم في الحقيقة، خارج.
الشيخ: وهذا هو الحق؛ فإنَّ المؤمن مأمور بالعمل والكسب مثلما قال النبيُّ ﷺ: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، وقال: لأن يأخذ أحدُكم حبلَه فيأتي بحزمةٍ من الحطب على ظهره فيبيعها فيكفّ بها وجهه خيرٌ له من سؤال الناس؛ أعطوه أو منعوه، ولما سُئل: أي الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور، وقال: ما أكل أحد طعامًا أفضل من أن يأكل من عمل يده، وإنَّ نبي الله داود كان يأكل من عمل يده رواه البخاري.
فلا ينبغي له ترك العمل، بل ينبغي له أن يتسبب ويعمل، ولا يسأل الناس؛ لأنَّ سؤال الناس مذموم إلا عند الضَّرورة، وإذا تعفف وصبر على القليل ولم يسأل الناس كان أفضل، إلا أن تدعو الضَّرورة إلى ذلك؛ ولهذا في حديث سمرة: المسألة كدّ يكد بها الرجلُ وجهه، إلا أن يسأل الرجلُ سلطانًا، أو في أمرٍ لا بدَّ منه خرجه الترمذي وصححه وجماعة.
الحاصل أنه ينبغي له العمل والكسب وطلب الحلال حتى يستغني عن الناس، فإذا اضطر إلى السؤال فلا بأس بقدر الحاجة.
الشيخ: والمعنى في هذا: أن الاستماع للأغاني وآلات الملاهي من الفسق، من المعاصي، ومن أسباب مرض القلب ونفاقه، وأما نسبته هذا إلى النبي ﷺ، فهذا وهم، المعروف أنه من كلام ابن مسعودٍ رحمه الله، ولكن المؤلف كأنه غفل عن ذلك؛ ولهذا نسبه إلى النبي ﷺ، والمعروف أنه من كلام ابن مسعودٍ: "الغناء يُنبت النِّفاق في القلب كما يُنبت الماء البقل".
س: ..............؟
ج: يعني: وسيلة، كما جاء في أثر ابن مسعود: ينبت النفاق في القلب، فالمعاصي بريد الكفر، كما أنَّ المرض بريد الموت، قد تجره المعاصي إلى الوقوع في الكفر -نعوذ بالله- ومنها الغناء والملاهي، قد يستلذها حتى تُوقعه في الكفر، نسأل الله العافية.
س: المؤلف ما تعرض للنّقول هذه؟
ج: تساهل فيها المؤلفُ رحمه الله الشيخ تقي الدين، ما علَّق عليه عندك؟
الطالب: لا، ما علَّق.
الشيخ: علَّق عليه أنَّ الأثر إنما يُعرف عن ابن مسعودٍ موقوفًا.
س: استماع الغناء حرام؟
ج: نعم، غالب الملاهي من أقبح السيئات، ومن وسائل الشر.
الشيخ: واسطة، صلحها: واسطة.
الشيخ: وهذا لأنه تنقص ظاهر، مَن يقول: "إنَّ المرسل إليهم أفضل من الرسول" هذا كلام لا يقوله عاقل.
س: ..............؟
ج: ما سمعنا، ما بلغنا عنه، لعله قاله بعض الصوفية.
س: ..............؟
ج: يعني: مهمته أن يُؤدي فقط، لا فضلَ له عليهم.
الشيخ: وهذا واضح، وهو ألا يأخذ دينه عن رأيه وعن قلبه، هذا ردّة عن الإسلام، فلا دينَ إلا ما جاء عن الله وعن رسوله، نسأل الله السَّلامة.
س: ..............؟
ج: حدَّثني قلبي عن ربي في كذا وكذا، هذا من خُرافاتهم.
ومن مُتأخريهم: الشيخ الإمام أبو محمد عبد القادر ابن أبي صالح الجيلاني، قال في كتاب "الغنية": أما معرفة الصانع بالآيات والدلالات على وجه الاختصار فهو أن يعرف ويتيقن أنَّ الله واحد أحد.
إلى أن قال: وهو بجهة العلو، مُستوٍ على العرش، مُحتوٍ على الملك، مُحيط علمه بالأشياء: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10].
الشيخ: وهذا علم عظيم، وفقه عظيم، فرق بين هذا وهذا؛ مُستوٍ على العرش، ومحيط بكل شيءٍ، ومُحتوٍ على كل شيء، يعني: هو مالك لكل شيءٍ، والاستواء غير الاستيلاء وغير الملك، بيَّن مذهب أهل السنة والجماعة في هذا، وأن الاستواء غير الاستيلاء، وغير الملك، وغير إحاطة العلم، وهذا هو الحق: استوى على العرش يعني: علا فوق العرش، وارتفع فوق العرش ، على وجهٍ يليق بجلاله، لا يُشابه خلقه في استوائهم، وهو غير الاستيلاء، وغير الملك، وغير الإحاطة بالعلم، العلم هو محيط بكل شيءٍ.
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [السجدة:5]، ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكانٍ؛ بل يقال: إنه في السماء على العرش، كما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]. وذكر آيات وأحاديث.
إلى أن قال: وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويلٍ، وأنه استواء الذات على العرش.
قال: وكونه على العرش مذكور في كل كتابٍ أُنزل على كل نبي أرسل، بلا كيفٍ.
وذكر كلامًا طويلًا لا يحتمله هذا الموضع، وذكر في سائر الصِّفات نحو هذا.
ولو ذكرتُ ما قاله العلماء في هذا لطال الكتاب جدًّا.
قال أبو عمر ابن عبد البر: روينا عن مالك بن أنس وسفيان الثوري وسفيان بن عُيينة والأوزاعي ومعمر بن راشد في أحاديث الصِّفات أنهم كلهم قالوا: "أمروها كما جاءت".
قال أبو عمر: ما جاء عن النبي ﷺ من نقل الثِّقات أو جاء عن أصحابه فهو علم يُدان به.
الشيخ: عبدالله بن محمد بن يوسف بن عبد البر رحمه الله، عمر ستة وتسعين، ولد سنة ثلاثمئة وسبع وستين، ومات سنة أربعمئة وثلاث وستين، كانت المدة ستة وتسعين سنة رحمه الله، عمَّر وصنَّف وألَّف الكتب العظيمة رحمه الله.
وما أحدث بعدهم ولم يكن له أصلٌ فيما جاء عنهم فهو بدعة وضلالة.
وقال في "شرح الموطأ" لما تكلم على حديث النزول قال: هذا حديث ثابت النَّقل، صحيح من جهة الإسناد، ولا يختلف أهلُ الحديث في صحته، وهو منقول من طرقٍ سوى هذه، من أخبار العدول، عن النبي ﷺ، وفيه دليل على أنَّ الله في السَّماء، على العرش استوى من فوق سبع سماوات، كما قالت الجماعة، وهو من حجتهم على المعتزلة في قولهم: إنَّ الله تعالى في كل مكانٍ بذاته المقدسة.
قال: والدليل على صحة ما قال أهلُ الحق قول الله. وذكر بعض الآيات، إلى أن قال: وهذا أشهر وأعرف عند العامَّة والخاصَّة من أن يحتاج إلى أكثر من حكايته؛ لأنه اضطرار لم يُوقفهم عليه أحد، ولا أنكره عليهم مسلم.
الشيخ: يعني: ما قال لهم هذا وهذا، بل عرفوه بالفطرة.
الشيخ: اسمه يوسف بن عبدالله بن محمد ..... وجده عبد البر رحمه الله.
أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حُمل عنهم التأويل، قالوا في تأويل قوله: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ [المجادلة:7]: "هو على العرش، وعلمه في كل مكانٍ". وما خالفهم في ذلك مَن يُحتج بقوله.
وقال أبو عمر أيضًا: أهل السنة مُجمعون على الإقرار بالصِّفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة، لا على المجاز، إلا أنهم لا يُكيفون شيئًا من ذلك، ولا يحدُّون فيه صفة محصورة.
الشيخ: هذا كلام عظيم، كلامه كله رحمه الله كلام عظيم، كلام رزين قوي موافق للحقِّ رحمه الله.
وأما أهل البدع -الجهمية والمعتزلة كلها والخوارج- فكلهم يُنكرونها، ولا يحملون شيئًا منها على الحقيقة، ويزعمون أنَّ مَن أقرَّ بها مُشبِّه، وهم عند مَن أقرَّ بها نافون للمعبود، والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتابُ الله وسنةُ رسول الله ﷺ، وهم أئمة الجماعة.
هذا كلام ابن عبد البر إمام أهل المغرب.
وفي عصره الحافظ أبو بكر البيهقي، مع توليه للمُتكلمين من أصحاب أبي الحسن الأشعري وذبّه عنهم.
الشيخ: بسبب ميله إلى الأشعريين حصل له من الأغلاط ما حصل، ابن عبد البر في هذا أعلم منه في مذهب أهل السنة، وأسلم منه، وأعلم، وأكبر شأنًا، والبيهقي رحمه الله له علم، وله حفظ، وله دراية عظيمة، ولكنه وقع في الأغلاط في التأويل بسبب توليه الأشعريين من أصحاب أبي الحسن الأشعري.
الشيخ: هذه الزيادة مما دخلت عليه أيضًا.
س: قوله: من غير جارحةٍ؟
ج: هذا ما جاء في النصوص: لا نفيها ولا إثباتها، إثبات اليدين وإثبات الصِّفات من غير نفي ولا إثبات الجارحة.
وفي عصره الحافظ أبو بكر البيهقي، مع توليه للمُتكلمين من أصحاب أبي الحسن الأشعري، وذبّه عنهم، قال في كتابه "الأسماء والصفات": باب ما جاء في إثبات اليدين صفتين، لا من حيث الجارحة؛ لورود خبر الصَّادق به، قال الله تعالى: يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، وقال: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64].
وذكر الأحاديث الصِّحاح في هذا الباب، مثل قوله في غير حديثٍ: في حديث الشَّفاعة: يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ومثل قوله في الحديث المتفق عليه: أنت موسى، اصطفاك الله بكلامه، وخطَّ لك الألواح بيده، وفي لفظٍ: وكتب لك التوراة بيده، ومثلما في "صحيح مسلم": أنه سبحانه غرس كرامةَ أوليائه في جنة عدن بيده. ومثل قوله ﷺ: تكون الأرضُ يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفأ أحدُكم خبزته في السَّفر؛ نزلًا لأهل الجنة.
وذكر أحاديث مثل قوله: بيدي الأمر، والخير في يديك، والذي نفس محمدٍ بيده، وأنَّ الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مُسيء الليل، وقوله: المقسطون عند الله على منابر من نورٍ عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، وقوله: يطوي الله السَّماوات يوم القيامة، ثم يأخذهنَّ بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبَّارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبَّارون؟ أين المتكبرون؟، وقوله: يمين الله ملأى، لا يغيضها نفقة، سحَّاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم يغض ما في يمينه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى القسط، يخفض ويرفع، وكل هذه الأحاديث في الصِّحاح.
وذكر أيضًا قوله: إنَّ الله لما خلق آدم قال له ويداه مقبوضتان: اختر أيّهما شئتَ، قال: اخترتُ يمين ربي، وكلتا يدي ربي يمين مباركة، وحديث: إنَّ الله لما خلق آدم مسح على ظهره بيده، إلى أحاديث أُخر ذكرها من هذا النوع.
ثم قال البيهقي: أما المتقدمون من هذه الأمة فإنهم لم يُفسروا ما كتبنا من الآيات والأخبار في هذا الباب.
وكذلك قال في الاستواء على العرش وسائر الصِّفات الخبرية؛ مع أنه يحكي قول بعض المتأخّرين.
الشيخ: لم يُفسروها يعني: لم يتأوَّلوها، بل أمروها كما جاءت، من غير تأويلٍ، مع الإيمان بها، وأنها حقًّا صفات لله جلَّ وعلا بلا كيفٍ، كما قالوا في الاستواء، وقالوا في غير ذلك، هذا هو قول أهل السنة والجماعة، خلافًا للمُتكلمين المتأولين.
الشيخ: البيهقي وقع له شيء من التَّأويل تبع فيه الأشاعرة، وغلط فيه رحمه الله، والذي عليه أهلُ السنة والجماعة هو ترك التأويل، والإيمان بجميع الصِّفات والأسماء الثابتة في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة إيمانًا ليس معه تأويل، بل يمرونها كما جاءت بلا كيفٍ، مع الإيمان بمعناها، وأنها حق، وأنها صفات لله لائقة بالله: يد حقيقة، قدم حقيقة، سمع حقيقة، إلى غير ذلك، لكن لا يُشابه خلقه في شيءٍ من صفاته جلَّ وعلا: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].
س: أين وقع للبيهقي بعض الأخطاء في الأسماء والصِّفات؟
ج: في كتاب "الاعتقاد" وفي غيره.
لا يجوز ردّ هذه الأخبار، ولا التَّشاغل بتأويلها، والواجب حملها على ظاهرها، وأنها صفات الله، لا تُشبه صفات سائر الموصوفين بها من الخلق، ولا يُعتقد التَّشبيه فيها، لكن على ما رُوي عن الإمام أحمد وسائر الأئمة.
وذكر بعض كلام الزهري ومكحول ومالك والثوري والأوزاعي والليث وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وسفيان بن عُيينة والفُضيل بن عياض ووكيع وعبد الرحمن بن مهدي والأسود بن سالم وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد ومحمد بن جرير الطبري وغيرهم في هذا الباب، وفي حكاية ألفاظهم طول.
إلى أن قال: ويدل على إبطال التَّأويل: أنَّ الصحابة ومَن بعدهم من التابعين حملوها على ظاهرها، ولم يتعرَّضوا لتأويلها، ولا صرفوها عن ظاهرها، فلو كان التأويل سائغًا لكانوا أسبق إليه؛ لما فيه من إزالة التَّشبيه ورفع الشُّبهة.
وقال أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري المتكلم -صاحب الطريقة المنسوبة إليه في الكلام- في كتابه الذي صنَّفه في "اختلاف المصلين ومقالات الإسلاميين"، وذكر فرق الرَّوافض والخوارج والمرجئة والمعتزلة وغيرهم، ثم قال: "مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث جملة.
قول أصحاب الحديث وأهل السنة: الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله، وبما جاء عن الله تعالى، وما رواه الثِّقات عن رسول الله ﷺ، لا يردون شيئًا من ذلك، وأنَّ الله واحد أحد، فرد صمد، لا إله غيره، لم يتَّخذ صاحبةً ولا ولدًا، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، وأنَّ الجنة حق، وأن النار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأنَّ الله يبعث مَن في القبور، وأنَّ الله على عرشه كما قال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، وأنَّ له يدين بلا كيفٍ، كما قال: خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، وكما قال: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64]، وأنَّ له عينين بلا كيفٍ، كما قال: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [القمر:14]، وأنَّ له وجهًا، كما قال: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:27].
وأنَّ أسماء الله تعالى لا يُقال: إنها غير الله، كما قالت المعتزلةُ والخوارج.
وأقروا أنَّ لله علمًا، كما قال: أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ [النساء:166]، وكما قال: وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ [فاطر:11].
وأثبتوا له السَّمع والبصر، ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة.
وأثبتوا لله القوة، كما قال: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً [فصلت:15].
وذكر مذهبهم في القدر، إلى أن قال: ويقولون: إنَّ القرآن كلام الله، غير مخلوقٍ، والكلام في اللفظ والوقف، مَن قال باللفظ وبالوقف فهو مُبتدع عندهم، لا يقال: اللفظ بالقرآن مخلوق، ولا يقال: غير مخلوقٍ.
الشيخ: يعني: لأجل الإيهام والتَّوقف من كلام أهل البدع، المراد كلام الله مُنزل غير مخلوقٍ، منه بدأ، وإليه يعود، وقول السلف: لا يُقال: لفظي بالقرآن مخلوق، ولا لفظي بالقرآن غير مخلوقٍ؛ لأنَّ فيه إجمالًا، فإن أراد باللفظ الصَّوت فهو مخلوق، وإن أراد باللفظ الملفوظ به فهو القرآن، فهو غير مخلوقٍ، كلام الله ؛ ولهذا أنكروا هذا وهذا؛ لئلا يتّخذ وسيلةً على رأي الجهمية والمعتزلة.