شرح كتاب كشف الشبهات 1

اعلم -رحمك الله- أنَّ التوحيد هو إفراد الله سبحانه بالعبادة، وهو دين الرسل الذي أرسلهم الله به إلى عباده، فأوَّلهم نوح عليه السلام، أرسله الله إلى قومه لما غلوا في الصَّالحين: ودٍّ، وسواع، ويغوث، ونسرٍ. وآخر الرسل محمد ﷺ، وهو الذي كسر صور هؤلاء الصَّالحين، أرسله الله إلى أناسٍ يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله كثيرًا، ولكنَّهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله، يقولون: نُريد منهم التَّقرب إلى الله! ونُريد شفاعتهم عنده! مثل: الملائكة، وعيسى، ومريم، وأناس، وغيرهم من الصالحين.

فبعث الله محمدًا ﷺ يُجدد لهم دين أبيهم إبراهيم ، ويُخبرهم أنَّ هذا التَّقرب والاعتقاد محض حقٍّ لله، لا يصلحُ منه شيء لا لملك مُقرَّبٍ، ولا لنبي مرسلٍ، فضلًا عن غيرهما، وإلا فهؤلاء المشركون مُقرون؛ يشهدون أنَّ الله هو الخالق وحده لا شريكَ له، وأنه لا يرزق إلا هو، ولا يُحيي ولا يُميت إلا هو، ولا يُدبر الأمر إلا هو، وأنَّ جميع السَّماوات ومَن فيهن، والأرضين السبع ومَن فيها كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره.

الفصل الثاني: بيان الأدلة على أنَّ المشركين الذين قاتلهم رسولُ الله ﷺ
مُقرون بتوحيد الربوبية، ولم يُخرجهم ذلك من الشرك في العبادة.

فإذا أردتَ الدليل على أنَّ هؤلاء الذين قاتلهم رسول الله ﷺ يشهدون بهذا فاقرأ قوله تعالى: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ [يونس:31]، وقوله: قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ۝ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ۝ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ۝ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ۝ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ۝ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [المؤمنون:84 - 89].

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلِّ وسلم على رسول الله.

يقول المؤلفُ رحمه الله في كتابه المسمى "كشف الشبهات": عباد القبور لهم شبهات كثيرة يُوردونها على الدُّعاة إلى الله، ويلبسون بها على بعض الناس في دعوتهم الأموات، واستغاثتهم بالملائكة والأنبياء ونحو ذلك، يقولون: هؤلاء لهم جاهٌ عند الله، ولهم شفاعة عند الله، وهم مُقربون عند الله، ونحن نطلب منهم الشفاعة، ونطلب منهم القربى، نعرف أنهم لا يتصرفون في أنفسهم، وأنهم لا يخلقون، ولا يرزقون، ولكن نريد شفاعتهم، نريد تقريبهم لنا إلى الله زلفى، نريد أن ينفعونا بشفاعتهم، يُشبهون على الناس.

فالمؤلف كتب هذه الرسالة "كشف الشبهات" لإيضاح هذه الشبهات وإبطالها، وبيان أنَّ هذه الشبهات لا تلتبس على أهل العلم والإيمان، بل أوضح الرسل إبطالها، وأوضح القرآن إبطالها، فيقول رحمه الله: "اعلم" يعني: يا أيها القارئ، أيها المسلم، "أن التوحيد هو إفراد الله بالعبادة" هو دين الله، قال الله جلَّ وعلا: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163]، وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5].

فالتوحيد هو إفراد الله بالعبادة، وهو دين الرسل الذين أرسلهم الله به إلى عباده، من أولهم نوح، إلى آخرهم محمد ﷺ، كما قال جلَّ وعلا: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، هذا دين الرسل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25].

قد كان عليه نوح، وقبله آدم وذريته، وهكذا الرسل بعده هم على هذا، فلما حدث الشركُ في قوم نوحٍ، وأشركوا بودٍّ وسواع ويغوث ويعوق ونسرا، أرسل الله إليهم نوحًا عليه الصلاة والسلام ينهاهم عن عبادة هذه الصور -الأصنام- وهم صوروهم ليتأسّوا بهم، كانوا رجالًا صالحين، فلما هلكوا في قوم نوحٍ جاءهم الشيطان وقال: هؤلاء صفتهم كذا وصفتهم كذا، وهم صالحون وأخيار، صوروا صورهم، واجعلوها في مجالسهم؛ حتى تذكروا عبادتهم، حتى تقتدوا بهم. حتى يصيدهم بعد ذلك بالشرك، أو مَن بعدهم، فصوروها ونصبوها في مجالسهم، حتى طال عليهم الأمدُ فعبدوهم من دون الله.

فالنبي ﷺ لما بعثه الله أنكر على المشركين عبادة الصالحين، وأخبرهم بما جرى لقوم نوح، وأنزل الله عليه في ذلك سورة نوح، وهو الذي كسر صور هؤلاء الصالحين، كانت موجودةً في العرب فأمر بتكسيرها لما فتح الله عليه مكة عليه الصلاة والسلام: ودّ وسُواع ويغوث ويعوق ونسرا.

وكان المشركون يتعبدون عند هذه الأصنام وأشباهها؛ يرجون بركتها وشفاعتها عند الله ونفعها، فيقولون: هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18]، مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، ما يعتقدون أنها تخلق وترزق كما يظن المشركون الذين في زماننا، يظنون أنَّ أولئك يعتقدون أنها تخلق وترزق، لا، هم يظنون فيها، هم يعتقدون فيها أنها مخلوقة مربوبة، لا تخلق ولا ترزق، ولكن يقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ، ومع هذا كفرهم الله، وأرسل إليهم رسولًا، وقاتلهم الرسول على هذا الشرك.

وهذا يُبين للقارئ حقيقة الشرك، وأنه هو التَّشفع بالصَّالحين، وطلبهم القربة من الله، والذبح لهم، والنذر لهم، والسجود لهم؛ لقصد القربة والشَّفاعة: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ، ما قالوا أنها تخلق وترزق، الله بيَّن هذا في كتابه العظيم، قال لنبيه: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ [يونس:31] يعني: سيعترفون ويقولون: الله، قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87]، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25]، قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ۝ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ۝ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ۝ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ۝ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ۝ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [المؤمنون:84- 89].

والآيات كثيرة في هذا، كلها تدل على أنهم مُقرون بأنَّ الله خالق الأرض، خالق السماء، خالق كل شيء، ولكنَّهم كفروا بطلبهم الشَّفاعة والقُربة من الأنبياء والصَّالحين، والذبح لهم، والنذر لهم، ونحو ذلك، كفروا بهذا، وإلا فهم يعلمون أنَّ جميع المخلوقات الله خالقها، والله رازقها ، هم مقرون بهذا، ليس عندهم فيه شك، ولكنَّهم توسطوا بهم في طلب الشَّفاعة، في طلب المغفرة، في غير هذا من مطلوبهم، وقالوا: إنما تقربنا إليهم نرجو شفاعتهم وتقريبهم لنا.

فبين الله بطلان هذا، وأنَّ هذا شرك وكفر وضلال، وأنَّ ذبحهم لهم ونذرهم لهم ودعاءهم إياهم كل هذا من الشرك الأكبر، ولو اعتقدوا أنهم مخلوقون مرزوقون، ما داموا صرفوا هذه العبادة لهم، واستغاثوا بهم، ونذروا لهم، وذبحوا لهم، هذا هو الشرك، فلعلهم بهذا -لعلَّ هؤلاء المتأخرين- إذا بصروا يتبصرون، وإذا ذكروا يتذكرون بما عليه أهل الشرك، وأنَّ هذا الذي عليهم هو دين المشركين الأولين، وهؤلاء زادوا على الأولياء أيضًا؛ لأنَّ شركهم دائم في الرَّخاء والشدة، والأولون في حال الرخاء خاصةً، أما في حال الشدائد فيُخلصون لله الدِّين، كما قال تعالى: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65].

أما هؤلاء المشركون -عباد البدوي وعباد الحسين وعباد الجيلاني وغيرهم- هؤلاء شركهم دائم في الرخاء والشدة -نعوذ بالله- هم أشد شركًا من الأولين، وأعظم وأقبح، وبعضهم يُشرك في الربوبية أيضًا، بعضهم يجعل معبوداتهم تُشارك الله في تصريف الكون، شرك آخر، شرك في الربوبية، نعوذ بالله.

فالمقصود أنَّ شرك المتأخرين أعظم من شرك الأولين وأقبح من جهتين: من جهة أن شركهم دائم في الرخاء والشدة، والأولون بخلاف ذلك. ومن جهة أنَّ كثيرًا منهم شركوا آلهتهم حتى في تدبير الأمور، وفي خلق الخلق، وفي رزق العالم، وهذا أقبح من شرك الأولين وأخطر وأشد ضلالًا وبُعدًا عن الهدى، نسأل الله العافية، وفَّق الله الجميع.

س: الذين يُشجعون الكرة، ويقول بعضُهم: إذا فاز النادي الفلاني ذبيحتكم عليَّ؟

ج: هذا ما يصلح، لا بالدراهم، ولا بالذبائح، ما يجوز هذا، هذا من الجعل المجهول، من القمار، ما يجوز، ولا يجوز لهم أن يأكلوا الذَّبيحة التي ذُبحت لهم؛ لأنَّ هذا من القمار، يقول الله جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ [المائدة:90]، والميسر هو القمار، كونه يُغالب على مالٍ، غير السبق بالنَّصل والخفّ والحافر.

س: متى يكون الخوفُ شركًا أصغر؟

ج: الشرك الأكبر خوف السر، والخوف الذي يحمل على ترك واجب أو فعل معصيةٍ يُسمَّى: معصية، ما يُسمَّى: شركًا أصغر، ما أعرف شيئًا في تسميته: شركًا أصغر، لكن لو خوفه من ولده، أو خوفه من زوجته حتى عصى الله؛ يكون هذا من باب المعصية، ما هو من باب الشرك، مثل: كونه يفعل شيئًا مما حرَّم الله خوفًا أن تغضب زوجته، أو يغضب ولده: يشرب الخمر، أو يترك الصلاة مع الجماعة إرضاءً لزوجته، أو خوفًا من غضبها، أو من صاحب العمل، أو ما أشبه ذلك.

س: بعض الناس يُطلق على بعض المعاصي أنها تُوقع في الشرك، يقول: يُحبون هذه الأفعال أكثر من حبِّهم لله؟

ج: حب العبادة، أما حب الزوجة أو حب المال أكثر من حبِّ الله معصية، لكن الحبَّ الذي -يعني- يقتضي عدم وجود المحبَّة لله؛ هذا كفر أكبر -نسأل الله العافية- فأصل الحبِّ لا بد منه، لكن كونه أكمل؛ حب الله أكمل من كل شيءٍ، وحب الرسول أكمل من كل شيءٍ، هذا هو من كمال الإيمان الواجب .....، هذا كمال التوحيد.

س: لحبه لشيخه يُقدم كلامه على كلام الله ورسوله؟

ج: هذه معصية وتقليد أعمى، وإذا استحلَّ ذلك ورأى أنَّ كلام شيخه مُقدم على كلام الله ورسوله كفر أكبر، إذا استحلَّ ذلك، نسأل الله العافية.

س: الصالحون: ود، وسواع، ويغوث، هل كانوا في زمن نوحٍ أو قبله؟

ج: في زمن نوحٍ.

س: لما كانوا أحياء؟

ج: هم موجودون في زمن نوحٍ، ووجودهم قبل نوحٍ، لكن موجودة في زمانه، ثم بقيت في الناس، نسأل الله العافية.

س: هناك حديث بأنها ستعود وتُعبد بأعيانها هذه الأصنام؟

ج: لا، في الحديث الصحيح: لا تقوم الساعةُ حتى لا يُقال في الأرض: الله، الله يعني: حتى يعمَّ الشرك -نسأل الله العافية- هي وغيرها إن وُجدت، إن وُجد منها شيء، يعني: تُطبق البلاد على الشرك -نسأل الله العافية- بعدما يُنزع الإيمانُ من قلوب الناس، فإنَّ الله يُرسل ريحًا طيبةً تقبض أرواح المؤمنين، فلا يبقى إلا الكفار، وعليهم تقوم الساعة، نسأل الله العافية.

فإذا تحققت أنهم مُقرون بهذا، ولم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسولُ الله ﷺ، وعرفت أنَّ التوحيد الذي جحدوا هو توحيد العبادة الذي يُسميه المشركون في زماننا: الاعتقاد، كما كانوا يدعون الله ليلًا ونهارًا، ثم منهم مَن يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقُربهم من الله؛ ليشفعوا له، أو يدعو رجلًا صالحًا مثل: اللات، أو نبيًّا مثل: عيسى.

وعرفت أنَّ رسول الله ﷺ قاتلهم على هذا الشرك، ودعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده، كما قال الله تعالى: فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، وقال: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ [الرعد:14].

وتحققت أنَّ رسول الله ﷺ قاتلهم ليكون الدُّعاء كله لله، والنذر كله لله، والذبح كله لله، والاستغاثة كلها بالله، وجميع أنواع العبادات كلها لله.

وعرفت أنَّ إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يُدخلهم في الإسلام، وأنَّ قصدهم الملائكة والأنبياء والأولياء يُريدون شفاعتهم، والتَّقرب إلى الله بذلك؛ هو الذي أحل دماءهم وأموالهم؛ عرفت حينئذٍ التوحيد الذي دعت إليه الرسلُ، وأبى عن الإقرار به المشركون.

وهذا التوحيد هو معنى قولك: (لا إله إلا الله)، فإنَّ الإله عندهم هو الذي يُقصد لأجل هذه الأمور، سواء كان ملكًا، أو نبيًّا، أو وليًّا، أو شجرةً، أو قبرًا، أو جنيًّا، لم يُريدوا أنَّ الإله هو الخالق الرازق المدبر، فإنهم يعلمون أنَّ ذلك لله وحده -كما قدمتُ لك- وإنما يعنون بالإله ما يعني المشركون في زماننا بلفظ (السيد)، فأتاهم النبي ﷺ يدعوهم إلى كلمة التوحيد، وهي (لا إله إلا الله)، والمراد من هذه الكلمة معناها، لا مجرد لفظها.

والكفار الجهال يعلمون أنَّ مُراد النبي ﷺ بهذه الكلمة هو إفراد الله تعالى بالتَّعلق به، والكفر بما يُعبد من دونه، والبراءة منه، فإنه لما قال ﷺ: قولوا: لا إله إلا الله، قالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5].

فإذا عرفت أنَّ جهال الكفار يعرفون ذلك، فالعجب ممن يدَّعي الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفرة، بل يظن أنَّ ذلك هو التَّلفظ بحروفها، من غير اعتقاد القلب لشيءٍ من المعاني، والحاذق منهم يظن أنَّ معناه: لا يخلق ولا يرزق إلا الله، ولا يُدبر الأمر إلا الله، فلا خيرَ في رجلٍ جهالُ الكفار أعلم منه بمعنى (لا إله إلا الله).

الشيخ: يقول المؤلفُ رحمه الله: إذا تحققت ما تقدم مما ذكره المؤلفُ؛ من أن المشركين يُقرون بأنَّ الله هو الخالق الرازق المدبر، وأنه يُحيي الموتى، وأنه على كل شيءٍ قدير، وأنه يُنزل المطر، وأنه على كل شيءٍ قدير فيما يتصرف فيه ، ولكنَّهم يُنكرون توحيد الإلهية وتخصيص الله بالعبادة، ويرون أنه لا مانع من التَّعلق على الصالحين: كاللات، أو على الأنبياء: كعيسى، أو على غيرهم من الأشجار والأحجار؛ لطلب البركة، لطلب الشفعة، كما فعلوا مع العُزَّى ومناة واللات، ومع عيسى وأمه، إلى غير ذلك، ومع الملائكة، ويرون أنَّ التعلق بهؤلاء وطلب الشَّفاعة منهم والاستغاثة بهم والنَّذر لهم والذَّبح لهم أنَّ هذا لا بأس به، وأنَّ هذا لا يجوز منعهم منه؛ ولهذا أنكروا على النبي ﷺ ذلك وقالوا لما قال لهم: قولوا: لا إله إلا الله: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ، وقالوا: أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ۝ بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ [الصافات:36- 37].

فهم لا يُنكرون عليه دعواه بأنَّ الله ربهم وخالقهم ورازقهم، ومُنزل المطر، ومُجري الشمس والقمر، يعرفون هذا، ولكن أنكروا عليه لما دعاهم إلى توحيد الله، وترك النذر لغير الله، والذبح لغير الله، ونحو ذلك مما كانوا يفعلونه، ويرون أنَّ النذر لغير الله، والدعاء لغير الله، وطلب الشفاعة من الملائكة أو من الأنبياء: أنَّ هذا لا يضرّ، وأنَّ هذا من باب التَّوجه بهم، والتَّقرب بهم: هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18]، مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] يعني: ما قصدنا أنهم يخلقون أو يرزقون أو يُدبرون، لا، بل نعرف أنَّ هذا لله، ولكن يُريدون أنهم يُقربونهم إلى الله.

هذا الذي قاله المشركون الأولون، وأنكره النبيُّ عليه الصلاة والسلام؛ هو ما يقوله المتأخرون، المتأخرون يقولون في تعلقهم بالأموات والأنبياء والصَّالحين: إنما نُريد شفاعتهم، يشفعون لنا، لهم جاهٌ يشفعون لنا، فنعبدهم لأجل أن يشفعوا لنا عند الله، وينفعونا عند الله. فهذا الذي قاله هؤلاء هو الذي قاله الأولون، ولكن الأولين أخفّ منهم شركًا، وأقل شركًا؛ لأنَّ الأولين في حال الرخاء يُشركون، وفي حال الشَّدائد يُخلصون لله العبادة، أما هؤلاء المتأخرون فشركهم دائم في الرخاء والشدة، مع الصالحين ومع غيرهم.

فالواجب أن يكون عندك تمييز لهذا الأمر، وأن دين المشركين غير دين ..... الرسول ﷺ دعاهم إلى توحيد الله، أرسله الله إليهم يدعوهم إلى توحيد الله، إلى طاعة الله، إلى ترك الشرك بالله ، يدعوهم إلى ترك المعاصي، فهم قابلوا هذه الدَّعوة بالصدود والمعاداة والخصومة، وقاتلوه على هذا يوم بدر، ويوم أحد، ويوم الأحزاب، كل هذا دفاع عن دينهم الباطل، عن تعلقهم على غير الله، وشركهم بالله ، ولكن الله أيَّد نبيه ونصره عليهم، حتى فتح عليه مكة عنوةً، ودخلوا في دين الله أفواجًا.

فجميع ما يتعلق بالدَّعوة يدل على هذا المعنى، وأنَّ المدعو إذا كان يتعلق بالأموات أو بالكواكب أو كذا، هذا الذي يُدعا ويُبين له، أما كونه يشكّ في الربوبية، فهذا شرك زائد، يكون أكفر من الأولين، إذا زعم أن شيخه يتصرف في الكون، يُدبر الأمور؛ صار شركه أكبر من شرك أبي جهل وأشباهه.

فالأولون عرفوا التوحيد لله من جهة الربوبية: الخلق والرزق والتَّدبير، وأشركوا بالله في الإلهية، في العبادة: في الخوف والرجاء، والصوم والصلاة، والذبح والنذر، ونحو ذلك.

أما هؤلاء المتأخرون فشركهم دائم في الرخاء والشدة، ومع الصالحين ومع غيرهم، فصاروا أكثر شركًا وأشرَّ من الأولين بسبب تساهلهم وعنادهم وعدم قبولهم النُّصح، وبسبب شركهم في الرخاء والشدة، فينبغي للمؤمن أن ينتبه لهذا، وأن يعرف أنَّ الشرك هو صرف العبادة لغير الله أو بعضها، سواء كان الكافر يُقرُّ بتوحيد الربوبية، أو لا يُقرّ، مهما كانت حاله فإنه كافر ما دام يعبد غير الله، ويستغيث بغير الله، وينذر لغير الله، نسأل الله العافية.

س: هل يجوز أن يُقال لعالم: قد أقامكم الله مفزعًا للمسلمين، وملاذًا للمؤمنين؟

ج: معناه صحيح: مفزعًا لهم في تحصيل حقوقهم من طريق المحاكم الشرعية، من طريق الإمارة، يفزع لهم الناس لإعطائهم حقوقهم، هذا معناه صحيح، الدعاء لولي الأمر: أن الله يجعله مُوفَّقًا، وأنَّ الله يُعينه على التَّحقيق في حاجات المسلمين، وأن يكون إذا فزعوا إليه حقق طلباتهم من جهة إقامة الحدود، ومن جهة تخليص الحقوق، ومن جهة ردع الظالم، إلى غير ذلك.

س: قوله تعالى: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ [آل عمران:105]، هذه الآية يعني في اليهود والنَّصارى، وكذلك نجد أنَّ قريشًا لما جاءهم الرسول اختلفوا وتفرَّقوا، مع أنَّ ما عندهم علم مثل: اليهود والنصارى، نفس السبل، نفس الطريقة، يعني: أنكروا كما أنكر أصحابُ الكتاب.

ج: أولئك هم الأساس في الشرِّ، اليهود والنصارى اختلفوا بعدما جاءهم العلمُ، فالله ينهى الأمةَ أن تفعل مثلهم؛ لأنَّ الجهال ما عندهم علم، قريش وأشباههم ما عندهم علم، فالله ينهى أمة محمد أن تختلف كما اختلف أهلُ الكتاب من بعد ما جاءهم العلم، جاءتهم التَّوراة، وجاءهم الإنجيل، واختلفوا، ما اكتفوا بما أُنزل عليهم، أما اختلاف الكفرة فهذا اختلاف ما له أساس، اختلاف جهلةٍ ما عندهم أشياء يركزون عليها، فإذا منع الاختلاف المركز على شيءٍ، فالاختلاف المركز على جهلٍ من باب أولى أن يُمنع.

س: طيب، نفس البينات التي جاءت هؤلاء هي التي جاءت هؤلاء؟

ج: لا، البينات غير، هؤلاء ما عندهم بينات، ما عندهم إلا الجهل، وقريش وأشباههم ما عندهم إلا الجهل، ما عندهم بينات.

س: بالنسبة لإطلاق كلمة "إسرائيليين" على اليهود، وإطلاق اسم "النصارى" على المسيحيين، هل هو من التَّمييع؛ على أساس أنَّ الناس ما تبغضهم -أحسن الله إليك- يعني: الصواب أنه بدل ما يقول: نصراني، يقول: مسيحي؟

ج: هذا مجرد اصطلاحٍ بينهم، يُسمَّى: مسيحيًّا؛ لأنه يعبد المسيح، وأهل الكتاب؛ لأنهم ينتسبون إلى التوراة والإنجيل، فالمهم أنَّ المؤمن لا ينتسب إلى اليهود والنَّصارى، ولا إلى مَن يتعاطى شيئًا من البدع: كالجهمية والمعتزلة، حتى يبتعد عن الشرِّ وأهله، وينتسب إلى أهل السنة، إلى الصحابة ومَن بعدهم ممن سلك السَّبيل الأقوم، وهم السَّلف الصَّالح.

س: التَّسمية بعبد السيد؟

ج: تركه أولى؛ لأنه يشتبه، وإلا فالسيد من أسماء الله، لكن كونه يتسمَّى بأسماء واضحة: بعبدالرحمن، بعبد العزيز، عبد السميع، عبد العليم، أولى، وإلا فالسيد مثلما قال ﷺ: السيد الله تبارك وتعالى والحديث لا بأسَ به.

س: الاختلاف في الأصول غير الاختلاف في الفروع؟

ج: أشدّ، مثل: اختلاف الجهمية وأشباههم مع أهل السنة.

س: التَّسمية بعبد الموجود؟

ج: هو موجود سبحانه، لكن ليس من أسمائه الموجود.

س: متى يخرج من الملة؟

ج: إذا وقع في الشرك الأكبر أو الكفر الأكبر.

س: إطلاق لفظ "حُجَّة الإسلام" على عالم؟

ج: يُطلق على ناسٍ كثيرين: "حُجَّة الإسلام"، كله تجوز وتسامح في العبارات، يعني أنه إذا تكلم أسوة، إذا استدل ونبَّه الناس فهو حُجَّة في الإسلام؛ لعلمه وفضله، والحُجَّة الحقيقية: القرآن والسنة وإجماع السلف، لكن يُعبرون عن بعض العلماء -لكثرة علمه- حجة الإسلام، يعني: أنه إذا تكلم حُجَّة، يُحتج به؛ لأنه يُقيم الأدلة.

س: إذا لم يخشَ عليه من فتنةٍ كما ذكر بعضُ أهل العلم، يُقال له ما يُقال، بعضهم يفتتن إذا قيل له: فلان، ببعض الكلمات، يتساوى مع الذي لا يفتتن؟

ج: مَن يضمن أنه ما يفتتن، الحذر واجب، الحاصل أنَّ المؤمن يتجنب أسباب الفتنة في الشرك والمعاصي جميعًا، يحذر ولا يقول: أنا جيد، وأنا مؤمن، إلا إذا دعت الحاجةُ إلى أن يُنبههم فقط، ولكن من غير مخالطةٍ، ومن غير تساهلٍ، يُنبههم، يدعوهم إلى الله ويحذر شرَّهم؛ لأنه إذا خالطهم وتساهل معهم قد يجرونه إلى باطلهم، قد تشتبه عليه بعض الشُّبَه، قد يُزين له الشيطان شيئًا من باطلهم، لكن يدعوهم إلى الله ويحذرهم من الشرك، وهو على حذرٍ أيضًا.

س: البلاد التي تكثر فيها القبوريات تأكل ذبائحهم على أصل السلامة، أو أنَّ الإنسان يسأل لو نزل بعض بلاد القبوريين، مثل: مصر أو باكستان؟

ج: إذا كان استضافه مسلم ما ظهر منه الشرك ما يحتاج أن يسأل، أما إذا كان يتَّهمه يسأل إذا كان يخشى؛ لأنها بلاد ظهر فيها عبادة القبور، لكن إذا كان يعرف صاحبه ما يحتاج سؤاله، وإن كان ما يعرفه لا بأس أن يسأل.

إذا عرفت ما ذكرتُ لك معرفة قلبٍ، وعرفت الشركَ بالله الذي قال الله فيه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، وعرفت دين الله الذي أرسل به الرسل من أولهم إلى آخرهم، الذي لا يقبل الله من أحدٍ سواه، وعرفت ما أصبح غالب الناس فيه من الجهل بهذا؛ أفادك فائدتين:

الأولى: الفرح بفضل الله ورحمته، كما قال تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].

وأفادك أيضًا الخوف العظيم، فإنك إذا عرفت أنَّ الإنسان يكفر بكلمةٍ يُخرجها من لسانه، وقد يقولها وهو جاهل فلا يُعذر بالجهل، وقد يقولها وهو يظن أنها تُقربه إلى الله تعالى، كما كان يفعل الكفَّار، خصوصًا إن ألهمك الله ما قصَّ على قوم موسى مع صلاحهم وعلمهم أنهم أتوه قائلين: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف:138]، فحينئذٍ يعظم خوفك وحرصك على ما يُخلصك من هذا وأمثاله.

الشيخ: يقول المؤلفُ رحمه الله، وهو الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، المجدد لما اندرس من معالم الإسلام في هذه الجزيرة، في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، والمتوفى سنة 1206 من الهجرة النبوية رحمه الله، يقول رحمه الله: "إذا عرفت ما قلتُ لك معرفة قلبٍ" يعني: ما قلت من حال المشركين الأولين، وأنهم يعرفون أنَّ الله هو الخالق، الرازق، المدبر، المحيي، المميت، وأنهم إنما عبدوا الأصنام والأوثان والأشجار والملائكة والأنبياء، يقولون أنهم يشفعون لهم ويُقربونهم إلى الله زلفى، ما عبدوهم لأنهم يخلقون أو يرزقون، لا، يعرفون أنَّ الله هو الخلَّاق، الرزاق، المحيي، المميت، المدبر، لكنَّهم عبدوا الملائكة والأنبياء والأصنام واللات والعزى وأشباهها يعتقدون أنها تشفع لهم عند الله، وأنها تُقربهم إلى الله زلفى، ومع هذا قاتلهم النبيُّ ﷺ، واستحلَّ دماءهم وأموالهم، حتى يُخلصوا العبادة لله وحده.

وعرفت الشرك بالله الذي قاتلهم النبيُّ عليه، وأنه صرف العبادة لغير الله: كالذبح والنَّذر والاستغاثة ونحو ذلك، هذا هو الشرك الذي هو أعظم الذنوب؛ كونه يستغيث بالشجر أو بالصنم أو بالملك أو بالأنبياء أو بالأموات أو بالنجوم، هذا هو الشرك، إذا استغاث بها، ونذر لها، وذبح لها، ودعاها، أو سجد لها، أو ما أشبه ذلك؛ هذا أعظم الذنوب، كما قال الله تعالى في هذا الشأن: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:48]، وقال فيه سبحانه: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، وقال فيه سبحانه: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65].

وعرفت دين الإسلام الذي بعث الله به الرسل، وأنزل به الكتب، وهو توحيد الله، والإخلاص له، وطاعة أوامره، وترك نواهيه، هذا دين الإسلام الذي قال فيه سبحانه: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19]، دين الإسلام هو توحيد الله، والإخلاص له، وترك الإشراك به، وطاعة أوامره، وترك نواهيه، هذا هو دين الإسلام، ما هو التقليد الأعمى، ودعوى الإسلام من غير نظرٍ وعقيدةٍ، لا، دين الإسلام عقيدة وعمل، قول وعمل، تعرف دين الله: أنه توحيد الله، والإخلاص له، والإيمان به، وبرسله، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله من أمر الجنة والنار وغير ذلك، مع تصديق الرسول ﷺ واتباعه، هذا هو دين الإسلام، مع طاعة الأوامر، وترك النواهي، هذا هو دين الله الذي جهله الأكثرون، يدَّعون أنهم مسلمون وهم يعبدون الأشجار والأحجار والأصنام والأولياء من جهلهم.

وعرفت أن الإنسان قد يكفر بكلمةٍ تصدر من لسانه، قد يقولها وهو جاهل، يقولها وهو يعتقد أنها تُقربه إلى الله زلفى، قد يسبّ الدين، قد يستهزئ بالدين فيكفر بها، وهو ما عنده بصيرة في هذا الأمر، يسبّ الله، ويسبّ الرسول، أو يستهزئ بالدين، أو يجحد ما أوجب الله، أو يجحد بعض ما حرَّم الله فيكفر بذلك وهو لا يُبالي، ولا ينتبه.

إذا عرفت ذلك عرفت أنَّ الله أعطاك فائدتين عظيمتين، وأنَّ الله قد يسَّر لك فائدةً عظيمةً:

إحداهما: الفرح بفضل الله ورحمته، يعني: لما منَّ الله عليك بهذا العلم والبصيرة، تفرح بفضل الله ورحمته، فضل الله أن هداك للإسلام، وجعلك من أهله، فضل الله أن عرفك بالإسلام وهداك له، ومن رحمته أن جعلك من أهله، كما قال تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58]، تفرح أن الله شرح صدرك، وأنَّ الله علمك، وأن الله فهمك دينك، وأنَّ الله هداك له ورحمك حتى صرت من أهله، هذه نعمة عظيمة.

والفائدة الثانية: الخوف، تخاف أن يُصيبك ما أصاب الناس، تخاف أن تهلك، تخاف أن تزل، الله يقول جلَّ وعلا: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [الملك:12]، ويقول: فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175]، ولما ذكر أهل الجنة قال: ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ [البينة:8]، ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ [إبراهيم:14]، تخاف الله أن تزل قدمك، أن تقع في الشرك، أن ترتد عن دينك، أن تؤثر الدنيا على الآخرة، تخاف وتحذر، مع الفرح بفضل الله ورحمته وما يسَّر الله لك من الهداية، تخاف ربك، تخاف أن يزيغ قلبك، تخاف أن تزل قدمك بسبب تفريطك وتساهلك، أو إيثار الدنيا، أو غير هذا من أسباب الردة.

هكذا المؤمن: يفرح بفضل الله، يحمد الله أن جعله من أهل الإسلام، يستقيم ويُجاهد نفسه في الله، ويخاف أن تزل قدمه، يخاف أن يزيغ قلبه، يخاف أن يقع فيما وقع فيه الأكثرون من الشرك بالله، هكذا المؤمن، كما قال الله عن الرسل وأتباعهم: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90]، وقال في أوليائه: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ ۝ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:57- 60]، مع عملهم الطيب قلوبهم وجلة: أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ۝ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:60- 61].

فهكذا أهل الإيمان، هكذا الرسل وأتباعهم؛ يعملون الطاعات، ويجتهدون في الخير، ومع هذا يخافون الله، يخافون أن تزل أقدامهم، يخافون أن تزيغ قلوبهم، ليسوا آمنين، يخافون، يحذرون، هكذا المؤمن؛ يكون خائفًا وجلًا حذرًا، لا يأمن مكر الله: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82]، عندهم إيمان صادق، ومن الإيمان: الخوف من الله، والخشية له، ورجاؤه، وتعظيمه، والإخلاص له، والثبات على دينه، كل هذا داخل في الإيمان.

هؤلاء هم أهل الأمن والهداية، هم الموفقون بسبب إيمانهم، وصدقهم، وإخلاصهم، وخوفهم من الله، وعنايتهم بدينهم، وحذرهم من أسباب الشر.

قال ابنُ أبي مُليكة رحمه الله -التابعي الجليل- "أدركتُ ثلاثين من أصحاب النبي ﷺ، ما فيهم مَن يقول: إنه على إيمان جبرائيل وميكائيل، بل كلهم يخاف النِّفاق على نفسه"، كلهم يخاف، كلهم يحذر.

قال بعضُهم: ومَن يأمن البلاء بعد إبراهيم؟ مَن يأمن بعد إبراهيم؟ إبراهيم الخليل يقول: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [إبراهيم:35]، يخاف: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ [إبراهيم:36]، فخاف أن يُصيبه ما أصاب الكثير، والنبي ﷺ كان يضرع إلى رِّبه ويسأله : اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، ويسأل ربَّه دائمًا عليه الصلاة والسلام: اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، وهو نبي الله، وهو رسول الله، أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام، ويقول: أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، يحلف بالله أنه أخشى الناس لله، وأنه أخوفهم، أخوف الناس من الله، مع إيمانه العظيم وتقواه: والذي نفسي بيده، إني لأخشاكم لله وأتقاكم له.

وفَّق الله الجميع.

س: ما الفرق بين الخشية والرَّهبة؟

ج: الخشية والرهبة والخوف كلها بمعنى مُتقارب.

س: قول المؤلف: وقد يقولها وهو جاهل ولا يُعذر بجهله؟

ج: لأنه بين المسلمين، وعنده الكتاب والسنة قريب، ما منعه إلا التَّساهل.

س: يدل على أنه فرَّط؟

ج: إنسان يستطيع العلم ولم يُبالِ.

س: إطلاق كلمة "مولانا الشيخ"؟

ج: لا، ما ينبغي، يقول النبي ﷺ: لا يقول أحدكم: مولاي؛ فإنَّ مولاكم الله، إلا في حقِّ العبد المملوك، فيقول المملوك لسيده: مولاي، العبد المملوك لا بأس أن يقولها.

س: وإطلاق كلمة إذا نادى مثلًا يقول: يا سيد؟

ج: سيد أمرها سهل، لكن لا يقول: سيدي، تركها أفضل، "سيد" لا بأس، النبي ﷺ قال: إنَّ ابني هذا سيد الحسن، وكان يقول لرؤساء القبائل: مَن سيد بني فلان، مَن سيد بني فلان يعني: مَن رئيسهم، ويقول في سعد بن معاذ: قوموا إلى سيدكم لما جاء يحكم في بني قريظة، يعني: رئيسهم.

س: الاختلاف في مسألة العذر بالجهل من المسائل الخلافية؟

ج: مسألة عظيمة، والأصل فيها أنه لا يُعذر إن كان بين المسلمين، مَن بلغه القرآنُ والسنةُ لا يُعذر، الله جلَّ وعلا قال: هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ [إبراهيم:52]، وقال: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، مَن بلغه القرآن والسنة غير معذورٍ، إنما أُتي من تساهله وعدم مُبالاته.

س: لكن هل يُقال أنها مسألة خلافية؟

ج: لا، ما هي بخلافية، إلا في الدَّقائق التي قد تخفى، في قصة الذي قال لأهله: أحرقوني.

س: بالنسبة للشيخ محمد بن عبد الوهاب، ما هي المسوغات التي دفعته لتأليف هذا الكتاب "كشف الشبهات"؟

ج: إيضاح للمسلمين، الشبهات التي اعترضت لعباد القبور.

س: هذه كانت موجودةً في الدرعية ذاك الوقت؟

ج: في الدرعية وغير الدَّرعية، في الدرعية، وفي مصر، وفي الشام، وفي العراق، وفي كل مكانٍ.

س: عندنا في نيجيريا عباد القبور لم يزالوا موجودين إلى الآن، هل هذه الأشياء كانت موجودةً في زمن الشيخ محمد بن عبد الوهاب؟

ج: قبله بقرونٍ موجودة، من بعد القرون المفضلة الثلاثة كثر الشِّرك في الناس.

س: وقوله: "هو الله المحيي المميت" الإنسان المتسمي: بمحي الدين، هل فيه شيء؟

ج: ترك اللَّقب أحسن، وإلا استعمله الكثير من الناس، مثل: النووي؛ لأنه دعا إلى الله، وأرشد الناس إلى الله، سموه: محي الدين لأجل هذا.

س: الإمام النووي في مُؤلفاته يقول: هو يكره أن يُسمَّى: محي الدين؟

ج: تركها أولى، ترك اللقب أفضل.

س: أنا محي الدين، أترك اسمي؟

ج: تسمَّ باسمٍ آخر أحسن: عبد الله، أو عبد الرحمن، هكذا.

س: هل ثبت عن رسول الله ﷺ في تبشيره برمضان شيء؟

ج: كان يُبشر أصحابه يقول: أتاكم رمضان، شهر مبارك، شهر جعل الله صيامه فريضةً، وقيام ليله تطوعًا فلا بأس.

س: الآية: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:48]، يدخل فيها الشرك الأكبر والشرك الأصغر، أو الأكبر فقط؟

ج: الشرك الأصغر، الأقرب أنه يدخل فيها، لكن قد يُغفر برجحان الحسنات، إذا رجح ميزانُ الحسنات؛ لأنه من جنس الكبائر، لكن قد لا يُغفر له إذا ما تاب منه، ولا رجح ميزانه، قد يُعذب عليه، قد يُعذب على الكبائر إذا مات عليها، إلا أن يعفو الله عن الكبائر.

س: يقول: إنه أكبر من الكبائر؟

ج: هذا الأقرب، الأقرب والأظهر أن تسميته "شرك" يكون أكبر من الكبائر.

س: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58] ما الذي يجمعون؟

ج: من الدنيا، خير من جمع الدنيا، لو عنده مال قارون خير من مال قارون.

واعلم أنَّ الله سبحانه من حكمته لم يبعث نبيًّا بهذا التوحيد إلا جعل له أعداء، كما قال الله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [الأنعام:112]، وقد يكون لأعداء التوحيد علوم كثيرة، وكتب، وحُجج، كما قال الله تعالى: فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ [غافر:83].

إذا عرفت ذلك، وعرفت أنَّ الطريق إلى الله لا بدَّ له من أعداء قاعدين عليه، أهل فصاحةٍ وعلمٍ وحجج، فالواجب عليك أن تعلم من دين الله ما يصير سلاحًا لك تُقاتل به هؤلاء الشياطين الذين قال إمامهم ومقدمهم لربك : لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف:16- 17]، ولكن إذا أقبلتَ على الله، وأصغيتَ إلى حجج الله وبيناته، فلا تخف، ولا تحزن: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [النساء:76].

والعامي من الموحدين يغلب الألف من علماء هؤلاء المشركين، كما قال تعالى: وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:173]، فجند الله هم الغالبون بالحُجَّة واللسان، كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان، وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح، وقد مَنَّ الله تعالى علينا بكتابه الذي جعله تبيانًا لكل شيءٍ وهدى ورحمة وبُشرى للمسلمين، فلا يأتي صاحب باطلٍ بحُجَّةٍ إلا وفي القرآن ما ينقضها ويُبين بطلانها، كما قال تعالى: وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا [الفرقان:33]، قال بعضُ المفسرين: هذه الآية عامَّة في كل حُجَّةٍ يأتي بها أهلُ الباطل إلى يوم القيامة.

الشيخ: يقول الشيخُ رحمه الله، الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التَّميمي الحنبلي، الإمام المشهور، المجدد لما اندرس من معالم الإسلام في هذه الجزيرة، في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، والمتوفى رحمه الله سنة 1206 من الهجرة النبوية، يقول رحمه الله: "واعلم أنَّ الله جلَّ وعلا لم يبعث نبيًّا بهذا التوحيد إلا جعل له أعداء" من نوحٍ إلى محمدٍ؛ ابتلاء وامتحان، ليبلي الأخيار بالأشرار، يبتلي الرسل بالأعداء، ويبتلي الدُّعاة إلى الله بأعدائهم، فلا بدَّ من التأهب وأخذ العدة والسلاح لمجاهدة هؤلاء، كما قال الله جلَّ وعلا: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ۝ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ [الأنعام:112- 113]، وقال جلَّ وعلا: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا [الفرقان:31].

فالرسل لهم أعداء، ولهم شُبه وحُجج يُوردونها على الرسل وعلى أتباعهم، ولهم كتب يرجعون إليها، ويشبهون بها، كما قال تعالى: فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ [غافر:83] يعني: من العلم الباطل، علوم لا تنفع، ولكن يحصل بها التَّشبيه على دُعاة الهدى، وعلى الرسل، ولكن متى كان صاحبُ الحقِّ على بينةٍ وعلى بصيرةٍ لم يُبال بشُبههم، بل يهزمها، ويُبين بطلانها؛ لأنه على بصيرةٍ، كما قال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [يوسف:108]، كما هدمها الرسلُ وبيَّنوا بطلانها، هكذا أتباع الرسل يُبينون بطلان حُجج أهل الباطل وشُبهاتهم، ويكشفون زيفها، ويُوضحون الحقَّ للناس بما أعطاهم الله من البصيرة والأدلة الشرعية، كما قال تعالى: وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا [الفرقان:33]، وقال تعالى: وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:173]، وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ۝ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ۝ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171- 173]، قال تعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ۝ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:40- 41]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7].

فصاحب البصيرة المتعلم الذي عرف الحقَّ على بصيرةٍ، وعرف التوحيد، وعرف الشرك على بصيرةٍ، لا تغره شُبه أولئك المجرمين، ولا تلتبس عليه، بل يهدمها ويُوضح بطلانها، ويكشفها للناس، كما سمعت في قوله جلَّ وعلا: وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا [الفرقان:33]، فلا يأتي صاحبُ باطلٍ بحجةٍ إلا في القرآن ما ينقضها ويُبين بطلانها.

ويشبهون بقوله جلَّ وعلا: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، وأي حُجَّةٍ في هذا؟ نعم أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، لكن هل قال لك: ادعهم من دون الله، كن منهم، تعلم واستقم على طاعة الله حتى تكون منهم، كونهم أولياء الله لا يجوز دعاؤهم والاستغاثة بهم، كما أنَّ الرسل وهم أفضل من عموم المؤمنين هم أولياء الله، ومع هذا لا تجوز عبادتهم من دون الله، فهكذا بقية المؤمنين هم أولياء الله، وهم عباد الله الصَّالحون، ولكن ليس لك أن تعبدهم، كما أنه ليس لك أن تعبد الرسل، بل اعبد الله وحده، كما قال تعالى: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:2]، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5].

فالأمر واضح، إذا أخلص العبد لله، وصدق في طلب العلم، وتفقه في الدين، وتعلم الأدلة الشرعية، وعُني بالقرآن الكريم والسنة المطهرة، فإنَّ الله يُعينه على كشف حُجج أهل الباطل، وإزالة شُبههم، وإظهار الحقِّ، وإنما يُخشى عليه إذا سلك الطريق وليس معه سلاح، يخشى على طالب العلم إذا كان مجردًا من السلاح، ما عنده سلاح العلم، ما عنده بصيرة، دعوى علم لكن بدون بصيرةٍ، ليس علمًا حقيقيًّا، والسلاح هو العلم: قال الله، وقال رسوله، فإذا كان عنده علم وبصيرة، وأخلص لله، وصدق مع الله، فالله يُعينه عليهم، ويُخلصه من شرِّهم، ولا يخشى عليه: إما من قلة العلم، وإما من فساد النية وعدم الإخلاص، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

س: البصيرة ما هي؟

ج: العلم بما قاله الله ورسوله، وما عليه أهل الحقِّ، وما عليه أهل الباطل؛ يُميز بين التوحيد والشرك، وبين الإسلام وضده بما أعطاه الله من العلم.

س: ذكرت أن يكون عنده علم، ولكن قلة بصيرة؟

ج: قلة البصيرة هي قلة العلم، يعني: بعض العلم، ما هو بكامل العلم، عنده بعض العلوم، لكن ما اعتنى بالمقام، هذا غالب الخلق.

س: الخوف ممكن يدخل في الشِّرك؟

ج: إيه، الذي يخاف الأصنامَ ويخاف النجوم هذا شرك، أما الذي يخاف السرقة ويسك الباب هذا لا بأس.

س: يخاف من البشر مثلًا؟

ج: إذا كانت لهم أسباب: يخاف من السلطان الظالم، يخاف من قطاع الطريق، هذا يأخذ السلاح ويتحرز ويبتعد عن أسباب الشرِّ، لكن هذا خوف له أسباب.

س: السَّبيل هو الطريق؟

ج: السَّبيل هو الطريق.

س: طيب، والصراط؟

ج: الصراط كذلك هو الطريق الواضح.

س: كله يُؤدي إلى معنى واحدٍ؟

ج: كله طريق واضح، المعنى واحد، لكن الصراط يعني: السبيل الواضح الذي ما فيه شُبه ولا اعوجاج، واضح.

س: كل عامي الآن مُهيأ لطلب العلم؟

ج: نعم، إذا صار يفهم ويعقل مُهيأ، يتعلم.

س: بعض النفوس تيأس، قد يكون مُداومًا على حلق الذكر وطلب العلم، لكن مع مرور الزمان يأتيه الفتور، ويأتيه الملل، وقد يبقى عدة سنوات؟

ج: التوفيق بيد الله، عليه تعاطي الأسباب، والتوفيق بيد الله، كثير من الناس يتعلمون ولا ينجحون: إما لعدم الفهم، وإما لعدم الإخلاص، وإما للأمرين جميعًا.

س: عدم الفهم هذا من الله .

ج: ما كل مَن طلب العلم يكون عنده الفهم، ويكون عنده البصيرة، ويكون عنده الإخلاص.

س: البصيرة هي بركة العلم؟

ج: البصيرة هي العلم نفسه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [يوسف:108] يعني: على علمٍ وبينةٍ، ما هو على جهالةٍ.

س: كثير من الناس المنتسبين إلى السَّلفية يشترطون في إقامة الحُجَّة أن يكون من العلماء، فإذا وقع العامي على كلام كفرٍ يقول له: لا، ما تكفر؟

ج: إقامة الدليل هذه إقامة الحُجَّة، كل على حسب حاله.

س: لكن يجب على العامي أن يُكفِّر مَن قام فيه الكفر؟

ج: إذا ثبت عليه الكفر كفر، وأيش المانع؟ إذا ثبت عنده ما يُوجب كفره كفَّره، مثل: مَن كفر أبي جهل وأبي طالب وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، الدليل أنهم ماتوا على الكفر، قتلهم النبيُّ يوم بدر كفارًا.

س: يمنع العامي من التَّكفير؟

ج: العامي لا يُكفر إلا بالدليل، العامي ما عنده علم، مسكين، لكن إذا كان عنده علم بشيءٍ معينٍ مثل: مَن جحد تحريم الزنا، فهذا يكفر عند العامَّة والخاصَّة، ما في شبهة، لو قال واحد: الزنا حلال، كفر عند الجميع؛ عند العامة وغيرهم، هذه ما يحتاج لها أدلة، أو قال: إنَّ الشرك جائز، يجوز للناس أن يعبدوا غير الله، أحد يشك في هذا؟ ما يحتاج أدلةً، لو قال: يجوز للناس أن يعبدوا الأصنام، وأن يعبدوا النجوم، وأن يعبدوا الجنَّ؛ كفر.

التوقف في الأشياء المشكلة التي قد تخفى على العامي، أو يقول إنسان: ترى الصلاة ما هي بواجبة، مَن شاء صلَّى، ومَن شاء لا يُصلي.

س: ما هي الأسباب المعينة على ضبط العلم وإتقانه؟

ج: العناية بالقرآن والسنة، وعلماء السنة العلماء المعروفون بالثبات والعلم والبصيرة حتى يُوجهوه.

س: بعض الناس يقول: لا ينبغي إشغال العامَّة بتقرير أمور العقيدة: كالعلو وغيره؟

ج: العقيدة هي أهم الأمور، النبي بدأ بالعقيدة، ثلاث عشرة سنة وهو في مكة كلها في العقيدة، العقيدة هي أصل الدين.

س: هل هذا يُعدّ من أهل العلم -مَن يقول هذه المقالات-؟

ج: لا، ما يُعدّ من أهل العلم، يُعدّ من أهل الجهل.

س: بالنسبة لعقد المناظرات؟

ج: إذا دعت لها الحاجة لا بأس.

س: لكن تكون بحضور العامَّة؟

ج: على حسب التَّيسير، لكن بين العلماء أحسن؛ لأنَّ العامَّة قد تشتبه عليهم الأمور، لكن إذا كانت المباهلة بحضرة العلماء يكون أكمل وأسلم.

س: ما يدخل في حديث عليٍّ: "حدِّثوا الناس بما يعقلون"؟

ج: هذا شيء آخر غير المباهلة.

س: لا، المناظرات؟

ج: المناظرات بين أهل العلم، المناظرات بين أهل العلم والبصيرة.

س: رجل عائد إلى بلده من سفرٍ، وكان ينوي أن يُصلي المغرب في بلده، لكنه أدركه وقتُ صلاة المغرب قبل وصوله إلى بلده بمسافةٍ قليلةٍ، فهل يجوز له الجمع بين صلاة المغرب والعشاء؟

ج: يجوز ذلك، قبل أن يدخل البلد يجوز ذلك، وإن صلَّى المغرب وحدها، أو الظهر وحدها، وصلى العصر مع الناس حسن إن شاء الله.

س: إمام يُصلي بالناس التراويح، وقام للثالثة، وسبَّحوا خلفه، لكنه قام وأتى برابعةٍ ثم سلَّم، ولم يسجد سجود سهو، قال: هذه نافلة، ولا يضركم كوننا صلينا أربعًا بسلامٍ واحدٍ، مع أنه ابتداءً ما عود الجماعة، ولا نوى من أول الصَّلاة؟

ج: هذا قول بعض الفقهاء؛ يقولون: تمم رابعةً، لكن السنة مثلما قال ﷺ: صلاة الليل مثنى مثنى، أما إذا قام إلى ثالثةٍ وسبَّحوا به يجلس ويسجد للسَّهو، هذا هو السنة، وأما إذا كمل أربعًا فهو قول بعض أهل العلم، وهو قول مرجوح، لكن الأمر سهل إن شاء الله.

س: طيب، النية، الآن هم ابتدأوا الصلاة على أنها ركعتان؟

ج: السنة أنه قام ونبَّهوه يعود، أو تنبه يعود، ويسجد للسهو، يقرأ التَّحيات ويُكمل، ثم يسجد للسهو، هذا هو المعتمد، وهو الذي دلَّت عليه الأحاديث: صلاة الليل مثنى مثنى، لكن لو كمَّل أربعًا ما نقول: بطلت، فيه خلاف بين أهل العلم كبير.

س: ولو بدأ بالفاتحة؟

ج: ولو بدأ بالفاتحة يعود ويجلس، مثل: لو قام إلى ثالثةٍ في الفجر، أو في الجمعة، ولو بدأ بالفاتحة يعود ويجلس إذا نبَّهوه.

س: عمله هذا ما يُنكر عليه؟

ج: يُعلم السنة.

وأنا أذكر لك أشياء مما ذكر الله في كتابه جوابًا لكلامٍ احتجَّ به المشركون في زماننا علينا، فنقول: جواب أهل الباطل من طريقين: مجمل، ومُفصل.

أما المجمل: فهو الأمر العظيم، والفائدة الكبيرة لمن عقلها، وذلك قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ [آل عمران:7]، وقد صحَّ عن رسول الله ﷺ أنه قال: إذا رأيتُم الذين يتَّبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمَّى الله فاحذروهم.

مثال ذلك: إذا قال بعضُ المشركين: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، وأنَّ الشَّفاعة حق، أو أن الأنبياء لهم جاهٌ عند الله. أو ذكر كلامًا للنبي ﷺ يستدل به على شيءٍ من باطله، وأنت لا تفهم معنى الكلام الذي ذكره، فجاوبه بقولك: إنَّ الله ذكر في كتابه أنَّ الذين في قلوبهم زيغٌ يتركون المحكم ويتَّبعون المتشابه، وما ذكرته لك من أنَّ الله ذكر أنَّ المشركين يُقرون بالربوبية، وأنَّ كفرهم بتعلقهم على الملائكة والأنبياء والأولياء، مع قولهم: هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18]، هذا أمر محكم بيِّن، لا يقدر أحدٌ أن يُغير معناه، وما ذكرت لي أيها المشرك من القرآن أو كلام النبي ﷺ لا أعرف معناه، ولكن أقطع أنَّ كلام الله لا يتناقض، وأنَّ كلام النبي ﷺ لا يُخالف كلام الله.

وهذا جواب جيد سديد، ولكن لا يفهمه إلا مَن وفَّقه الله، فلا تستهن به، فإنه كما قال تعالى: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:35].

الشيخ: هذا الكلام من المؤلف الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، المجدد لما اندرس من معالم الإسلام في هذه الجزيرة، في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، وهو المتوفى رحمه الله سنة 1206 من الهجرة النبوية، كلام عظيم جيد وسديد، يقول رحمه الله: "إنَّ جواب أهل الباطل من طريقين: مجمل، ومفصل"؛ لأنَّ أهل الباطل من المشركين شبَّهوا على العامَّة بأشياء كثيرةٍ، واحتجوا على الشيخ بها، وكاتبوه في ذلك؛ ليُصححوا ما هم عليه من الباطل من دعوة أهل القبور، والاستغاثة بالأموات والملائكة والجن، فأجابهم إجمالًا وتفصيلًا رحمه الله.

فالمجمل جواب لكل ذي شبهةٍ، يصلح للعالم المتبصر ولغيره، يُجيب به، فيقول لمن ادَّعى أنَّ ما فعله ليس من الشرك، وأنَّ التَّعلق بالأولياء والأنبياء ليس من الشرك، وأنَّ لهم جاهًا، ولهم شفاعة، وأنَّ الله يشفعهم فيمَن دعاهم أو استغاث بهم. تقول له: أنا قلتُ لك شيئًا مفصلًا واضحًا: إنَّ الله حرَّم الشرك، وحرَّم دعاء غير الله، وحكم على المشركين بالشرك والكفر بالله بدُعائهم الأموات، والاستغاثة بالأموات، أو بالرسل، أو بالجن، أو بالنجوم، أو بغير ذلك، هذا شيء محكم واضح من القرآن والسنة، ومن سيرة النبي ﷺ، وما قلته لي من أنهم لهم جاه عند الله، أو أنَّ لهم شفاعةً، أو أنَّ الأنبياء لهم شفاعة، ما أفهم أنه يدل على ما ذكرتَ من الشرك، لا أفهم أنه يدل على ما ذكرتَ، ولا أعرف هذا من هذه النصوص، وكلام الله لا يتناقض، وكلام الرسول لا يُخالف كلام الله، والله أخبر عن أهل الباطل أنهم يتبعون المتشابه ويتركون المحكم.

فالواجب عليك أن تخرج بالمحكم الواضح الذي بيَّن فيه تحريم الشرك، وتحريم دعوة غير الله، قال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، وقال تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]، وقال جلَّ وعلا: فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، وقال: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117]، وقال سبحانه: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ۝ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ [فاطر:13- 14]، وقال تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18]، وقال تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3].

كل هذا محكم واضح: أنَّ الله أبطل شُبهتهم، وردَّ عليهم، وبيَّن كفرهم، وأنَّ زعمهم أنهم يُقربونهم زلفى، وأنهم شُفعاء؛ باطل، ولا ينفعهم، ولا يجزي عليهم شيئًا، فعليك بهذا المحكم الواضح، ودع عنك التعلق بأشياء لا تدل على ما أردتَ.

قوله جلَّ وعلا: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، نعم أولياء الله، وأيش يدل على أنك تدعوهم من دون الله، أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، نعم صحيح، لكن ليس معناه أنهم يُدعون من دون الله، ولا يُستغاث بهم، ولا يُنذر لهم، وهكذا الأنبياء والصَّالحون كلهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، كلهم أولياء، فلا يُدعون مع الله، عملهم لهم، صلاحهم لهم، وعباداتهم لهم، ولا خوف عليهم، ولا هم يحزنون، من أجل طاعتهم لله، وقيامهم بحقِّه.

أما أنك تدعوهم مع الله ليس هذا حقًّا، كونهم يشفعون يوم القيامة؛ كون النبي يشفع يوم القيامة، كونه له جاه عند الله: وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا [الأحزاب:69] في موسى عليه الصلاة والسلام، وجاه الرسل أعظم، كل هذا لا يدل على الشرك -على جواز الشرك- وهو جاهه عظيم، وجاه الرسول عظيم، والأولياء لهم جاه، ولهم منزلة عند الله، ولهم شفاعة، لكن مَن يقول لك أنهم يُدعون مع الله لأجل هذا؛ هذا باطل، تعلق باطل، شفاعتهم لهم، كرامةً لهم يشفعون فيمَن رضي الله قوله وعمله، والمشرك لا يرضى قوله ولا عمله، فلا يشفعون له؛ لأنَّ الله يقول جلَّ وعلا: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [الزمر:7]، وأخبر أنَّ الكفار مغضوب عليهم، وأنهم ضالون، فلا شفاعةَ فيهم.

كل هذا أمر محكم واضح: أنَّ الكافر لا شفاعةَ له، ولا ينفعه اعتقاده أنَّ هؤلاء أولياء، أو أنَّ لهم جاهًا، لا ينفعهم، جاههم لهم، وعملهم الصالح لهم، ولا ينفع هذا الذي تعلق به.

وهكذا الرسل: عملهم لهم، وصلاحهم لهم، ولا ينفع المشرك كونهم صالحين، أو كونهم أولياء، أو كونهم رسلًا؛ لشركهم الذي أبطل عمله: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88].

فالمشرك حابط العمل، سواء أشرك بالرسول، أو بوليٍّ، أو بنجمٍ، أو بجنٍّ، أو بصنمٍ، عمله حابط وباطل، وهذه التَّعلقات بكونهم أولياء، أو بكونهم رسلًا، كلها باطلة، هم أولياء، وهم رسل، ولكن لا يجوز التَّعلق بهم، كما أنه لا يجوز التَّعلق بالملائكة، ولا بالجن، ولا بالأصنام، ولا بالكواكب، ولا بغير ذلك.

كل هذا واضح لأهل الإيمان والبصيرة، ولكن بعض الناس قد يخفى عليه هذا؛ لقلة علمه، ولعدم بصيرته، قد يلتبس عليه بعضُ الأمر، لكن ينبغي لك أن تعرف أنَّ هذا جواب جيد، وهو أن تقول له: أنا أُعطيك شيئًا محكمًا، وأحتج عليك بشيءٍ محكم، وأوضح لك شيئًا واضحًا، أما الذي يشتبه عليك أو عليَّ فدعه، الله أخبرنا أنَّ الذين في قلوبهم زيغٌ يتبعون المتشابه، دعنا من المتشابه ..... المحكم الذي بيَّنه الله في قوله: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18]، وقوله جلَّ وعلا: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، هذا واضح، ردّ عليهم: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117]، فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ [الزمر:2]، إلى غير هذا من الأدلة.

وفَّق الله الجميع.

س: أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] فيها دلالة عفا الله عنك عمَّا يقولون؟

ج: باطل، هذا مدح لهم بأنهم آمنوا واتَّقوا، وإذا مُدحوا يُعبدون من دون الله؟! الرسل ممدوحون أيضًا بأنهم أطاعوا الله، وبلَّغوا رسالاته، هذا لهم، عمل لهم.

س: في المدينة بعض الناس يُقابل قبر النبي ﷺ ويرفع يديه، يجوز أن يُحسَن به الظنّ أنه يدعو لنفسه؟

ج: يُعلَّم، يُعلَّم، هذا غلط، جهل، يُعلَّم، إذا أراد الدُّعاء يستقبل القبلة، ويروح لمكانٍ آخر، حتى لا يُشوش على نفسه، أو يُشوش على غيره، يُظنّ أنه يدعو الرسول.

س: صحَّ عن الإمام أحمد أنه يرى التَّوسل بالرسول فقط؟

ج: يُروى، لكن المشهور عنه وعن غيره المنع، الذي يرى الجمهور المنع، لكن يُروى عنه، لكنها رواية باطلة، غلط، حتى لو قال أحمد أو غيره.

س: الكافر شرط أن يكون مشركًا؟

ج: كل كافرٍ مُشرك، وكل مُشركٍ كافر، المعنى واحد.

س: المنافق؟

ج: المنافق أكفرهم، أشدهم في الكفر.

س: مُشرك هو؟

ج: مشرك، كافر، نعم -نسأل الله العافية- المنافق الذي يُضمر العداء للإسلام، والكفر للإسلام، هذا المنافق: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145]، نسأل الله العافية.

س: مَن هم أولياء الله؟

ج: المؤمنون، وأنت إن شاء الله منهم، المطيع لله، والمطيع لرسوله، الله يجعلنا وإياكم منهم، كل مَن أطاع الله ورسوله، واستقام على الحقِّ، فهو من أولياء الله.

س: ..............؟

ج: ولو ما قال ما نعبدهم، هم ما قالوا: قصدنا أن نعبد الله، لكن قصدنا أن هؤلاء يُقربونا، ما عبدناهم ذاتًا، لكن نريد أن يُقربونا، أي: عبدناهم لأنهم وسائل، لا لأنهم يستحقون العبادةَ، يزعمون هذا.

س: ما يعرف أنَّ الذبح عبادة والنذر عبادة؟

ج: يُعلَّم، الذي ما يعرف يُعلَّم، الجاهل يُعلم.

س: ما يُحكم عليه بالشِّرك؟

ج: يُحكم عليه بالشرك ويُعلم، أما سمعت الله يقول: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ، الأنعام تفهم الشرك؟ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:44] من الأنعام، وقال جلَّ وعلا: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].

س: ..............؟

ج: هديناه، أي: دللناه ووضحنا له الطريق، يعني: هديناه، أي: وضحنا له، والرسل وضحوا، وعلماء الحق وضحوا، ولكن الضَّال يُعرض، ما يُبالي، ولا يلتفت عُبَّاد البدوي والحسين، إذا جئته يقول: لا ..... يرى أنَّ عمله طيب، مثلما قال المشركون للنبي ﷺ لما نهاهم: وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ۝ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:4- 5]، هذا كلامهم، نعوذ بالله: أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ۝ بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ [الصافات:36- 37]، نسأل الله العافية.

س: المنافق هو؟

ج: المنافق يتظاهر بالإسلام ويُبطن الكفر.

س: فقط هو يعلم؟

ج: يعلم، ولكن لأجل الدنيا، حتى لا يُقتل، حتى لا يُقطع راتبه من بيت المال، حتى يُعطى كذا، حتى يُعطى كذا، مثل: عبدالله بن أُبي بن سلول وأصحابه.

س: والزنديق؟

ج: والزنديق هو المنافق.

س: تُقبل توبته؟

ج: إذا تاب فيما بينه وبين الله صحَّت إذا صدق.

س: العلماء الذين يرون العامَّة يفعلون الشرك: يطوفون حول القبور، أو يذبحون. ويسكتون عن ذلك، هل يقال بكفرهم؟

ج: لا، يُقال: مُداهنون، عليهم جريمة.

س: ما يكونون مُقرين بالكفر؟

ج: عليهم جريمة.

س: لكن ما يكفرون؟

ج: لا، ما يكفرون، لكن عليهم جريمة، إلا إذا رأوا أنهم مُصيبون، إذا اعتقدوا فعلهم.

س: يعلمون أنَّ هذا شرك صريح؟

ج: مُداهنة، مداهنة وتساهل، نسأل الله العافية.

س: السؤال بجاه النبي بدعة؟

ج: بدعة نعم.

س: قراءة القرآن للأموات من أهل العلم مَن قال أنه يصل؟

ج: الصواب أنه لا يصل، ذكر الشيخ تقي الدين أنه لا يصل بلا نزاعٍ، قراءة القرآن ما تصل، ولا يجوز أخذ الأجرة عليها أيضًا؛ لأنه لم يرد عن النبي ﷺ ما يدل على وصولها، إنما جاء التقرب بالصدقات والحج والعمرة، هذا يصل، ينفع الأموات، أما مسألة كونه يقرأ لهم، كذلك الدعاء بإجماع المسلمين ينفعهم الدعاء، أما القراءة لهم ما عليها دليل.

س: الذي وردت به النصوص هو الذي يُؤخذ به؟

ج: نعم، العبادات توقيفية.

س: بالنسبة للذي يقول: أنتم السعوديون وهَّابيون مُتعصبون؟

ج: ..... مسلمون غير مُتعصبين، أنت الجاهل، تعلم حتى تعرف الحقَّ، الحق ما يُعرف بالرجال، الحق يُعرف بالأدلة، يُبين له، قل له: أنت ادرس الأدلة، وتأمل الأدلة، والأدلة هي المحور، هي التي عليها المدار، وأتباع محمدٍ ﷺ ليسوا مُتعصبين، المتعصب المقلد الذي يتبع أهلَ الباطل في باطلهم؛ لأنهم شيوخه، أو لأنهم أجداده، أو لأنهم آباؤه، أو لأنهم أصحابه، فيتبعهم ويُقلدهم تعظيمًا لهم، هذا المتعصب.

س: سمعة الدَّعوة الوهابية طيب ..... في هذه الجزيرة، أما شرق آسيا على أفريقيا للأسف .....؟

ج: الأمر سهل، لا يضرهم، أقول: لا يضرهم، هذه يدعو إليها أهل الباطل -نسأل الله العافية- مثلما فعل المشركون في عهد النبي ﷺ وبعده في تزيين الشِّرك، والدعوة إليها، والتَّنفير من محمدٍ عليه الصلاة والسلام وأصحابه.

س: لكن الجهال يغترون بكلام هؤلاء؟

ج: يجب على أهل العلم أن يُوضحوا، يجب على أهل العلم الذين عندهم بصيرة، وعندهم هدى وعبادة صحيحة في بلادهم أن يُوضِّحوا، نسأل الله أن يأتي بأهل العلم الصَّالحين.

وأما الجواب المفصل: فإنَّ أعداء الله لهم اعتراضات كثيرة على دين الرسل يصدون بها الناس عنه، منها قولهم: نحن لا نُشرك بالله، بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضرّ إلا الله وحده لا شريكَ له، وأنَّ محمدًا عليه السلام لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، فضلًا عن عبد القادر أو غيره، ولكن أنا مُذنب، والصَّالحون لهم جاهٌ عند الله، وأطلب من الله.

فجاوبه بما تقدم، وهو: إنَّ الذين قاتلهم رسولُ الله ﷺ مُقرون بما ذكرتَ، ومُقرون أنَّ أوثانهم لا تُدبر شيئًا، وإنما أرادوا الجاهَ والشَّفاعة، واقرأ عليه ما ذكره الله في كتابه ووضَّحه.

فإن قال: هؤلاء الآيات نزلت فيمَن يعبد الأصنام! كيف تجعلون الصَّالحين مثل الأصنام؟! أم كيف تجعلون الأنبياء أصنامًا؟!

فجاوبه بما تقدم، فإنه إذا أقرَّ أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها لله، وأنهم ما أرادوا ممن قصدوا إلا الشَّفاعة، ولكن إذا أراد أن يُفرق بين فعله وفعلهم بما ذكر، فاذكر له أنَّ الكفار منهم مَن يدعو الأصنام، ومنهم مَن يدعو الأولياء الذين قال الله فيهم: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ [الإسراء:57]، ويدعون عيسى ابن مريم وأمه، وقد قال تعالى: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ۝ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [المائدة:75 - 76].

واذكر له قوله تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ ۝ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ [سبأ:40- 41]، وقوله تعالى: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة:116].

فقل له: أعرفت أنَّ الله كفَّر مَن قصد الأصنام، وكفَّر أيضًا مَن قصد الصَّالحين، وقاتلهم رسولُ الله ﷺ؟

فإن قال: الكفار يُريدون منهم، وأنا أشهد أنَّ الله هو النافع الضَّار المدبر، لا أُريد إلا منه، والصَّالحون ليس لهم من الأمر شيء، ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم.

فالجواب: إنَّ هذا قول الكفار سواء بسواء، واقرأ عليه قوله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، وقوله تعالى: وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18].

الشيخ: هذا من المؤلف رحمه الله، وهو الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التَّميمي الحنبلي رحمه الله، شيخ الإسلام في زمانه، وهو المجدد لما اندرس من معالم الإسلام في هذه الجزيرة، في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، المتوفى سنة 1206 من الهجرة النبوية، قد وفَّقه الله حتى بلَّغ الدَّعوة، لما رأى الناسَ في جاهليةٍ جهلاء، وعبادةٍ للأولياء والأصنام والأشجار والأحجار، شرح الله صدره للدَّعوة، فقام بها بعدما درس على مشايخ زمانه، وبعدما درس في الحرمين على مشايخ الحرمين، وبعدما سافر أيضًا إلى العراق وأخذ عن بعض علماء العراق، رجع واشتغل بالدَّعوة في العقد الخامس من القرن الثاني عشر، ثم في العقد السادس، ولم يزل يدعو إلى الله في حريملاء، ثم انتقل إلى العُيينة المعروفة، ثم انتقل من العُيينة إلى الدَّرعية في عام 1157 من الهجرة النبوية، واتَّفق مع أميرها الأمير محمد بن سعود على الدَّعوة إلى الله، ومحمد هذا هو جدّ آل سعود الموجودين، جدّ الأسرة المالكة الآن، فقام بالدَّعوة رحمه الله، وساعده محمد وأبناء محمد، والعلماء في زمانه؛ أهل الصدق، علماء الحقّ، علماء السنة، ساعدوه في ذلك، واجتهد في الدَّعوة والبلاغ والإرشاد والتَّبصير بالجواب المجمل كما تقدم، وبالمفصل، فإنه يُجيب أهل الشُّبَه بجوابٍ مُفصلٍ ومفصل؛ لأنَّ أهل الشُّبه أقسام: منهم الفاهم الذي يحتاج إلى التفصيل، ومنهم الجاهل الذي يكفيه الرد المجمل.

والمقصود أنَّ أعداء الله من المشركين لهم شُبَهٌ يُشبهون بها على الناس، على دين الرسل، ويُلبسون بها على الناس؛ ولهذا ذكر الجواب المفصل الذي يرد به على المشركين، فإذا قالوا: لا تجعلونا مثل الكفار الأولين؛ الكفار الأولون يعبدون الأصنام: هبل وما هبل، ونحن ما نعبد الأصنام، نحن نتوسل بالصَّالحين والأنبياء والأخيار.

فتقول له: أنت فعلتَ مثلما فعلوا، هم ما يعبدون الأصنام وحدها، يعبدون الأصنام، ويعبدون الأنبياء، ويعبدون الصالحين، مثلما ذكر الله عنهم: عبدوا اللَّات، وهو رجل صالح، وعبدوا عيسى وأمه، وعيسى نبي، وأمه صالحة، وعبدوا الأولياء، إلى غير هؤلاء من سائر الصَّالحين، فهم مثلكم.

فإذا قال: أنا لا أُشرك بالله شيئًا، وأنا أعرف أنَّ الله هو الخلَّاق الرزاق المدبر المحيي المميت، ولكني أطلب منه الشَّفاعة، وأتوسل بهم إلى الله ليُقربوني إلى الله.

فقل له: هذا هو دين المشركين، اعبد الله وحده، ادعوه وحده، لا تدع الأصنام، ولا الأنبياء، ولا الصالحين، الدرب واحد، سواء دعوت نبيًّا أو صالحًا أو صنمًا أو شجرًا، كله شرك بالله لا يجوز، وإذا كانوا صالحين وأنبياء فصلاحهم لهم، ما هو لك، صلاحهم وأعمالهم لهم، لكن التَّوسل يكون بأعمالهم الطيبة، تقتدي بهم، تُصلي كما صلوا، تصوم كما صاموا، تُخلص لله العبادة كما أخلصوا، تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، كما فعلوا، هذا التأسي بهم، تعمل مثل أعمالهم الطيبة، أما أن تدعوهم مع الله تقول: يا رسول الله، انصرني، أو اشفِ مريضي، أو يا سيدي عبد القادر، أو يا أحمد البدوي، أو يا الحسين، أو يا الحسن، أو يا علي. تدعوهم وتقول لي: ما أعبدهم، ولكن أدعوهم لأنهم صالحون، أو لأنهم أنبياء، هذا نفس عبادة أبي جهل وعتبة بن ربيعة وأشباههم من كفار قريش، هذا دينهم، وذكر الله عنهم أنهم قالوا: ما نعبدهم إلا ليُقربونا إلى الله زلفى، ما نعبدهم لأنهم يخلقون ويرزقون، لا، نعبدهم ليُقربونا إلى الله زلفى؛ قال تعالى في حقِّهم: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18]، فالله قال عنهم: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر:48]؛ لأنهم طلبوها من غير وجهها، الذي يريد الشَّفاعة يطلبها من الله، يقول: اللهم شفع فيَّ أنبياءك، اللهم شفع في عبادك الصالحين. ويسلك طريقهم، يعبد الله كما عبدوه، ويدعوه كما دعوه، ويستغيث بهم كما استغاثوا به، وهكذا يسير على نهجهم في العبادة لله وحده، وفي طاعة أوامره، وترك نواهيه، أما أن يدعوهم مع الله، ويستغيث بهم، وينذر لهم، ويذبح لهم، ويطوف في قبورهم، هذا نفس فعل المشركين الأولين، هذا دين الأولين، دينهم الشرك والتَّقرب إلى الله بعبادة الصَّالحين، يجعلهم وسائط يدعوهم مع الله، ويستغيث بهم ويقول: هؤلاء شُفعاؤنا عند الله، نفس ما قاله الأولون سواء بسواء، كما قال تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ ۝ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ [سبأ:40- 41]، وقال سبحانه: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ هم غافلون عن الدعاء وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ جُمع الناس كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:5- 6].

قال عن عُبَّاد المسيح وأمه وغيرهم من الصَّالحين: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يعني: أولئك الذين يدعوهم أهل الشِّرك يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ هم يبتغون إلى ربهم الوسيلة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ الوسيلة: القربى إليه بطاعته أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ [الإسراء:57] هذا شأنهم؛ يعبدون الله، ويتقربون إليه، ويخافونه، ويرجونه، وهم أنبياء وصالحون.

فإذا كنت صادقًا تُريد أن تتبعهم فاعمل كأعمالهم، لا تعبدهم، هم عبيد مثلك، مخلوقون، مرزوقون، ما يملكون لك ضرًّا ولا نفعًا، كما أنَّك مُقرٌّ بذلك، لا يملكون ضرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، فإذا كانوا هكذا، وأنت تُقرُّ بهذا، فادع الله الذي دعوه، واعبد الله الذي عبدوه، وانذر له، واذبح له، وصلِّ له، وصم له، وغير ذلك من العبادات التي فعلوها؛ حتى تكون مثلهم، وحتى يحصل لك الأجر والثواب والنَّجاة مثلما حصل لهم.

هذه حال المشركين في زمان المؤلف، وفي زماننا الآن، وقبل زمان المؤلف، هذه حالهم، وهكذا في زمن قريش، وهكذا قبل ذلك في زمن الأوائل؛ في زمن قوم نوح، وهود، وصالح، كلهم هذا، شركهم نادر، مَن يقول: إن آلهته تخلق وترزق هذا من الشرك النَّادر، شرك الربوبية، أغلب المشركين هكذا؛ شركهم في الألوهية، في التَّعبد وطلب النَّجاة والتَّوسل بهم بطلب شفاعتهم، وطلب تقريبهم إلى الله، وطلب أن يشفوا مريضهم، لا أنهم يشفون بأنفسهم، لكن يشفون مريضهم؛ لأنهم يشفعون إلى الله، ويسألون الله، وهم رفات في القبور، هذا من الجهل العظيم، ميت قد انتقلت روحه من جسده، لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، هو الذي يشفع لك، هو الذي يُخلصك من العذاب، من المرض بشفاعته؟! هذا هو الجهل الكبير، نسأل الله العافية.

وفَّق الله الجميع.

س: من قال في الصلاة، يقول: اللهم صل على محمد طب القلوب ودوائها؟

ج: هذا الكلام ما هو بصحيح، مجمل طب القلوب ودوائها، مجمل طب القلوب باتباع الشرع، دوائها باتباع الشرع، لكن هذا يُوهم أنه طبّه بنفسه، وأنه دواؤها بنفسه، وأنه ينفع ويضرّ، هذا ما يصلح، هذا الكلام يُوهم، "اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ" ويكفي، "كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم"، اللهم صلِّ على النبي الأمي.

س: من طاف حول القبر، ليس بقصد أنها تنفع أو تضر، لكن بقصد التقرب إلى الله ، هل يحكم عليه بالكفر؟

ج: مثل: لو صلَّى لهم كفر أكبر، مثل: لو صلَّى لهم يدعوهم، صلَّى لهم أو دعاهم أو استغاث بهم وهو يعتقد أنهم شُفعاء يدعوهم، لا أنهم يخلقون أو يُدبرون، يدعوهم ليشفعوا، وهذا الشرك الأكبر، أما لو أطاعه يحسب أنه مشروع، وإلا هو قصد الله، ما قصدهم هم، يقصد الله بطوافهم، يحسب أنه مثل الكعبة يجوز، هذا بدعة ووسيلة إلى الشرك، وهذا نادر، فالطواف الذي يحصل منهم في الغالب يقصدون التَّقرب إليهم.

س: الذبح عند عتبة المنزل الجديد .....؟

ج: هذا يفعلونه للجنِّ، شرك أكبر، هذا عبادة للجن.

س: .............؟

ج: هم يقولون: يفعلونه للجنِّ ليكفوهم شرًّا، نذبح لهم حتى لا يُؤذوننا في بيوتنا، هذا قصدهم، هذا يُفعل في الجنوب، في جهة الجنوب، لكن إن شاء الله أنه زال.

س: ............؟

ج: لا، من الشرك الأكبر، ما يستطيعون، ما يستطيعون أن يدعوا له، ولا يشفعوا له، كلهم مُرتهنون بأعمالهم، الدعاء والشَّفاعة في حياته؛ ولهذا لما استسقى عمر والصحابة ما استسقوا بالنبي ليشفع لهم، استسقوا بالعباس وبيزيد بن الأسود بالدعاء، لو كان هذا نافعًا وشرعيًّا لاستسقوا بالنبي، قالوا: ادعُ لنا يا رسول الله، وهو في قبره.

س: .............؟

ج: أظنه في القرن السادس، ظني أنه في القرن السادس.

س: ما ذكر شيئًا عنه؟

ج: من بعض العلماء، من العلماء، له أخطاء، وله أغلاط مثل غيره.

س: .............؟

ج: هذه قاعدة، القاعدة: أنهم يستمعون وينتظرون، نسأل الله أن يُوفق الجميع.

المقصود أنَّ المؤمن من أهم الأمور في حقِّه أن يطلب العلم، وأن يتفقه في الدين، وإذا يسَّر الله له الدروس في العشاء أو العصر أو في أي وقتٍ؛ فهذه من نعم الله العظيمة: أن يحضرها ويستمع ويستفيد ويسأل؛ لأنَّ الله يقول جلَّ وعلا في كتابه العظيم: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ [آل عمران:18]، فأولو العلم هم الذين عرفوا الله، وعرفوا حقَّه، وعرفوا دينه، والعلم لا يحصل إلا بالتعلم، ويقول: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، والعبادة ما تكون إلا بالعلم، قال النبي ﷺ: مَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة، وقال عليه الصلاة والسلام: مَن يُرد الله به خيرًا يُفقهه في الدِّين.

فالتَّفقه في الدِّين هو طريق العبادة، هو طريق العلم، هو طريق السعادة، وهو طريق معرفة ما يُحبه الله، وما يكرهه الله، وما أوجبه الله، وما نهى الله عنه.

فكل مُكلَّفٍ من جنٍّ وإنسٍ يلزمه التَّعلم والتَّفقه في كلِّ ما لا يسعه جهله؛ حتى يعرف ما خُلق له من طاعة الله، وما نُهي عنه من معاصي الله، وحتى يعبد الله على بصيرةٍ، هذا واجب على جميع المكلفين من الجنِّ والإنس، من الرجال والنساء، على جميع الرجال والنساء أن يتعلَّموا، وذلك من طريق القرآن: تدبر القرآن، والإكثار من تلاوته، والسؤال عمَّا أشكل. ومن طريق سنة الرسول ﷺ وأحاديثه، ومن طريق ما يقع من الخطب في الجمع والدروس في المساجد والمواعظ والمحاضرات.

هذه الطرق التي يُعلم بها الدين، يُعرف بها ما شرع الله وما أمر الله به، فالواجب على المكلفين أن يجتهدوا في هذه الأشياء حتى يعلموا ما أوجب الله عليهم، وما حرَّم الله عليهم، وأعظم ذلك وأيسره وأسهله: العناية بالقرآن، يستطيع أن يقرأ القرآن في بيته، يتدبر، يتعقل، يسمع إذاعة القرآن، فيها قُرَّاء جيدون، فيها مواعظ، إذاعة القرآن فيها مواعظ ومحاضرات، وقراءة القرآن وتفسير، ونور على الدرب في الساعة التاسعة والنصف من كل ليلةٍ؛ خير عظيم، يجب على أهل العلم، يجب على العامَّة أن يتعلموا: الرجال والنساء، الجن والإنس، الجن خُلقوا لهذا، والإنس خُلقوا لهذا.

فعلى الجنِّ والإنس جميعًا أن يتعلَّموا، وأن يتفقَّهوا في الدِّين، وألا يتساهلوا في هذا الأمر، سواء كانوا رجالًا أو نساءً، سواء كانوا معذورين أو غير معذورين من جهة الأمراض وغيرها، المعذور ما يحضر الدروس في المساجد، يسمع إذاعة القرآن، يسأل بالتليفون، يكتب إلى العالم، يقول: أشكل عليَّ كذا، وأشكل عليَّ كذا، ولقد يسَّر الله الآن الهاتف -التليفون- نعمة من الله، يسأل عن طريق الهاتف، يسأل من طريق المكاتبة، يُوصي ثقةً يقول: اذهب اسأل فلانًا عمَّا أشكل عليَّ من كذا أو كذا، والمرأة كذلك تُوصي، أو بالتليفون تسأل، أو تكتب، الطرق -والحمد لله- ميسرة، لكن المصيبة: الإعراض والغفلة وعدم المبالاة، هذه هي المصيبة، نسأل الله العافية.

س: دعوة القبوريين في ناسٍ يُخالطونهم ويقولون: نحن ندعوهم إلى الله . هل هذه الطريقة صحيحة؟

ج: إذا جلس بينهم يُعلِّمهم مثلما كان النبيُّ يجلس مع المشركين يُعلِّمهم، إذا جلس للتَّعليم، ما هو ليتَّخذهم أصدقاء، أو جلس معهم، أو وقف معهم، أو خاطبهم، أو حاضر فيهم يدعوهم إلى الله، هذا واجب عليه.

س: يطوف معهم يا شيخ؟!

ج: ولأيش يطوف معهم؟

س: يقول أنه يُعلِّمهم؟

ج: لا، هذا غلط، يُعلِّمهم ولا يطوف، لا تطف بالقبور، يُعلِّمهم ويُرشدهم ويقول: ترى هذا منكر، هذا شرك أكبر، إذا طُفتم تتقربون لأصحاب القبور هذا شرك أكبر، وهذه عادة المشركين؛ يطوفون ويتقربون إلى صاحب القبر، هذا المعروف عنهم.

س: يقول أنَّ منهجهم التَّرغيب؟

ج: لا، لا، طوافه معهم دعوة للشرك، الذي يشوفه يطوف ..... يطوف.

س: ..............؟

ج: ما بلغني أنهم يطوفون على القبور، لكن مَن فعل هذا فهو ضالّ مُضلّ، نعوذ بالله.

س: ..............؟

ج: يُعلَّم أنه شرك أكبر حتى يتوب، يقال: هذا شرك أكبر، وعليك التَّوبة إلى الله، مثلما كان المشركون يطوفون بالقبور، ونصبوا عند الكعبة ثلاثمئة وستين صنمًا، وأرشدهم النبيُّ ﷺ، فالذي أجاب وهداه الله، الحمد لله، والذي ما أجاب مُشرك، أغلبهم جهال، خرجوا إلى بدرٍ جهال، وإلى أُحدٍ جهال، تابعوا رؤساءهم، قال الله جلَّ وعلا: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:44]، ومع هذا حكم عليهم بالكفر.

س: ..............؟

ج: المقصود: إذا كان وقف للدَّعوة ما هو يجعلهم أصدقاء وأحبابًا يأكل معهم ويشرب معهم كأنه راضٍ، لا، يقف عليهم ويدعو: هذا لا يجوز، وهذا محرم، يُواعدهم في محلٍّ معينٍ ينصحهم ويُعلِّمهم، مثلما كان النبيُّ يعظ المشركين ويتكلم معهم، مثلما صعد الصَّفا ودعاهم إلى الله جلَّ وعلا.

س: .............؟

ج: على كل حالٍ، يشوف الأوقات المناسبة، يقول لهم: موعدكم في المحل الفلاني، تحضرون للدَّعوة، فإذا كانوا صادقين يحضرون.

س: الناصح إذا أراد أن ينصح ما يسمح بالمنكر أمامه؟

ج: يُنكر عليه.

س: الطواف بالكعبة: لما كان يطوف المشركون كانوا يقصدون الله أو الأصنام الثلاثمئة وستين صنمًا التي كانت في الكعبة؟

ج: ما أدري والله، هم يعبدونها بالتَّقرب إليه، ووقت الطواف الله أعلم، لكن هم ما نصبوها إلا ليتقرَّبوا لها؛ ليتشفعوا بها ................