بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فيا معشر المسلمين: نحن في استقبال شهر كريم مبارك، شهر الصيام والقيام، شهر تلاوة القرآن، شهر مضاعفة الحسنات وتكفير السيئات، شهر المسارعة إلى أنواع الطاعات والمنافسة في الخيرات، شهر جعل الله صيامه فريضه وقيام ليله تطوعا، يقول فيه النبي ﷺ: إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وسلسلت الشياطين، ويقول عليه الصلاة والسلام: إذا دخل رمضان فتحت أبواب الرحمة، وفي الرواية الأخرى: فتحت أبواب السماء، وهذا يبشر بالخير، وأن الله جل وعلا يجود على عباده بأنواع الخيرات، ويهديهم لأنواع الطاعات التي تصعد إلى السماء مع هذه الأبواب المفتحة، ويوفقهم لأسباب دخول الجنة والنجاة من النار.
ويقول عليه الصلاة والسلام لأصحابه: إنه قد أتاكم شهر رمضان، شهر يجود الله به على عباده، وينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله فقوله عليه الصلاة والسلام: فأروا الله من أنفسكم خيرا معناه الحث على التقرب إليه بالطاعات، والمسارعة إلى أنواع الأعمال الصالحات من الصلاة والصدقات، والإكثار من تلاوة القرآن الكريم في الليل والنهار، والإكثار من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والاستغفار، وقول لا حول ولا قوة إلا بالله، إلى غير هذا من وجوه الخير، ومن ذلك الإكثار من الصدقة والإحسان، والدعوة إلى الله وتعليم العلم وتوجيه الناس إلى الخير، ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأسلوب الحسن والكلام الطيب والرفق.
ويقول عليه الصلاة والسلام: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين، ويقول ﷺ: لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صومه فليصمه والمعنى لا يجوز للإنسان أن يتقدم رمضان للاحتياط بصوم يوم أو يومين لا، حتى يثبت رمضان، لا يصوم قبله، إذا ثبت الشهر صام مع المسلمين إلا إذا كان له عادة فلا بأس كالذي يصوم الاثنين والخميس فصادف يوم الاثنين أو الخميس آخر الشهر فإنه يصومه؛ لأنه في هذه الحالة لا يتهم بالاحتياط ولا بقصد الزيادة في رمضان، وهكذا الذي يصوم يوما أو يفطر يوما إذا صادف يوم صومه يوم التاسع والعشرين أو يوم الثلاثين من شعبان فإنه يصومه.
ويقول عليه الصلاة والسلام: يقول الله : كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك خلوف الفم يعني الرائحة التي تصدر من الجوف، ولاسيما عند آخر النهار، فإن هذه الرائحة التي قد يكرهها الناس هي عند الله أطيب من ريح المسك لأنها نشئت عن عبادة الله، وعن طاعته سبحانه.
ويقول عليه الصلاة والسلام: الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل وفي لفظ: ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم فالواجب على المؤمن أن يتقي الله، وأن يراقب الله في هذا الشهر الكريم، وأن يعد العدة الصالحة، وأن يعزم العزم الصادق على أن يصومه، وأن يصونه مما حرم الله من الغيبة والنميمة ومن سائر المعاصي، ليس الصيام مجرد ترك الطعام والشراب، ولكن الصيام ترك ما حرم الله من الطعام والشراب وغير ذلك كالغيبة والنميمة وسائر المعاصي، فالمؤمن يصون صيامه عن كل ما حرم الله، يقول جابر ابن عبدالله الأنصاري الصحابي الجليل : "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء"، ويقول أنس ابن مالك الصحابي الجليل : "ما صام من ظل يأكل لحوم الناس" يعني ما صام الصوم الشرعي من صار في نهاره يغتاب الناس، فالواجب على المؤمن أن يصون صيامه، وأن يحفظه من كل ما حرم الله، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام أيضاً: الصيام جنّة أحدكم من النار كجنته من القتال يعني يستره من النار ويصونه من النار إذا حفظه وصانه مما حرم اللهز
والصيام الركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة لقول النبي ﷺ: بني الإسلام على خمس يعني على خمس دعائم شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله هذا الركن الأول: توحيد الله والإخلاص له، والإيمان برسوله محمد ﷺ، والشهادة بأنه رسول الله حقا، واتباعه والقيام بحقه، ثم قال: وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام هذه أركان الإسلام الخمس بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت هذا الصوم هو الركن الرابع من أركان الإسلام، وهو فرض في السنة، كل سنة صوم رمضان، فعليك يا عبدالله وعليك يا أمة الله العناية بهذا الشهر الكريم بالمحافظة على صومه، والعناية بصومه وصيانته مما حرم الله حتى يكون شفيعا لصاحبه يوم القيامة، وحتى تغفر به السيئات وتحط به الخطايا كما قال عليه الصلاة والسلام: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
ويشرع للمؤمنين والمؤمنات قيام رمضان الصلاة بالليل وتسمى التراويح وتسمى القيام ... من العشرين الأول ما يسر الله، وفي العشر الأخيرة يستحب إحياؤها بالعبادة والصلاة والقراءة والذكر والتهليل والدعاء، وقد قام النبي ﷺ بأصحابه في رمضان ثلاث ليالي ثم ترك ذلك، وقال: إني أخاف أن تفرض عليكم صلاة الليل رحمة منه عليه الصلاة والسلام، ثم قال لهم: أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة فلما توفي النبي ﷺ وأمن الفرض وانقطع الوحي بموته ﷺ وأفضت الخلافة إلى عمر جمع الناس على أبي بن كعب وصلوا التراويح، وقاموا رمضان في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا هو السنة أن تقام في المساجد في جميع الشهر، والسنة إحياء الليل في العشر الأخيرة من رمضان بالصلاة والعبادة والقراءة والدعاء، قالت عائشة رضي الله عنها: "كان النبي ﷺ لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشر ركعة، يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا" وهذا هو الأفضل أن يصلي المسلمون إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ثنتين لقوله ﷺ: صلاة الليل مثنى مثنى فالسنة أن تصلى إحدى عشرة، هذا هو الأفضل والأرفق بالناس مع الطمأنينة والخشوع في القراءة والركوع والسجود وبين السجدتين والاعتدال بعد الركوع وعدم العجلة، وربما صلى ﷺ ثلاث عشرة في بعض الليالي، فإذا صلى في رمضان ثلاث عشرة أو إحدى عشرة فهذا هو الأفضل، وهو الأرفق بالناس، ومن صلى ثلاثا وعشرين أو أكثر من ذلك فلا بأس، وقد صلى عمر والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ثلاثا وعشرين، وصلوا إحدى عشرة فعلوا هذا وهذا، وكله بحمد الله سنة، وكله قربة، والنبي ﷺ ما حدد ركعات محدودة، بل قال: صلاة الليل مثنى مثنى ولم يحدد إحدى عشرة، ولا ثلاثة عشرة، ولا أكثر، وهذا من تيسير الله ورحمته التهجد بالليل، ليس فيه حد محدود، لا في رمضان ولا في غيره، ولكن الأفضل إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة كما فعل النبي ﷺ، هذا هو الأفضل والأرفق بالناس مع الطمأنينة والخشوع وعدم العجلة.
وأسأل الله أن يوفقنا جميعا وسائر المسلمين لإكمال صيامه وقيامه إيمانا واحتسابا، وأن يبلغنا والمسلمين صيامه وقيامه إيمانا واحتسابا، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يصلح قادتهم ويعينهم على كل خير، وأن يوفق ولاة أمرنا في هذه البلاد لكل خير، وأن يعينهم على كل ما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يجعلهم هداة مهتدين، وأن يتقبل منا جميعا صيامنا وقيامنا، وأن يعتقنا جميعا من النار، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.