بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المستمعون الكرام، حديثي معكم اليوم في بيان وجوب صوم رمضان وبيان فضل صيامه وقيامه، يقول الله في كتابه الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 183-184] إلى أن قال سبحانه: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 185] يبين الله وجوب الصيام على هذه الأمة، وأنه كتب عليها كما كتب على من قبلها، ثم يبين سبحانه أن في شرعية الصيام إعانة على التقوى، فلهذا قال : لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183] فالصيام من تقوى الله ، وهو أيضا يعين على التقوى، فإن الصائم في عمل صالح وصيامه يدعوه إلى تقوى الله وإلى ترك محارمه ، وشهر رمضان شهر عظيم وله شأن كبير، وصيامه أحد أركان الإسلام الخمسة التي بني عليها كما قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت فصيام هذا الشهر الكريم هو أحد الفرائض العظيمة، وهو أحد عمد الإسلام التي يقوم بناؤه عليها، فهو واجب على جميع المكلفين من المسلمين، يجب على كل مكلف من المسلمين ذكرا كان أو أنثى حاضرا أو باديا أن يصوم هذا الشهر العظيم، وهو ما بين الهلالين، ما بين هلال رمضان إلى هلال شوال، أما من كان صغيرا لم يبلغ الحلم فهذا يؤمر به إذا كان يقوى على ذلك حتى يعتاده كما يؤمر بالصلاة إذا بلغ السبع حتى يعتادها ويضرب عليها إذا بلغ عشرا، فهكذا الصيام يؤمر به إذا أطاقه، وتؤمر به الجارية إذا أطاقته حتى يعتاد جميعا الصيام، وحتى يتمرن عليه، فإذا بلغ صام بسهولة.
وصوم رمضان له فضل كبير، والله جل وعلا جعل صيامه غفرانا للذنوب وحطا للخطايا، فينبغي لك يا عبدالله أن تعنى بهذا الشهر، وأن تبذل فيه وسعك بطاعة الله والاستكثار من الخير والحذر من سائر ما حرم الله ترجو ثواب الله وتخشى عقاب الله، ويروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: أعطيت أمتي في شهر رمضان خمس خصال لم تعط أمة قبلها: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله كل يوم جنته ثم يقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ويصيرون إليك، وتصفد فيه الشياطين فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة قيل: يا رسول الله هي ليلة القدر؟ فقال: لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله. فهذا يدل على فضل عظيم لهذا الشهر، فينبغي لك يا عبدالله أن تري الله من نفسك خيرا بالمسابقة إلى الطاعات والمسارعة إلى الخيرات: كقراءة القرآن الكريم بالتدبر والتعقل وطلب الاستفادة، وكالإكثار من الصلوات ليلا ونهارا، وكالإكثار من الاستغفار والتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، والإكثار من الصدقات على الفقراء والمحاويج وصلة الرحم وبر الوالدين وعيادة المرضى، والإكثار من الدعاء في ليلك ونهارك ولا سيما في أوقات الإجابة في آخر الليل وآخر الصلاة ووقت السجود وبين الأذان والإقامة وفي يوم الجمعة، هذه أوقات عظيمة ترجى فيها إجابة الدعاء، فينبغي لك أن تكثر من الدعاء والاستغفار في هذا الشهر العظيم في شهر رمضان، وأن تري الله من نفسك خيرا في المسابقة والمسارعة إلى الطاعات، ثم إن الشهر الكريم شهر لا يمر عليك في السنة إلا مرة لا تدري هل تدركه في السنة الآتية أم تموت قبل ذلك! فأنت حقيق بأن تجتهد فيه، وأن تسارع إلى كل ما يقربك إلى الله ، وأن تجتهد في اسباب النجاة وأسباب مغفرة الذنوب وحط الخطايا، فإنك لا تدري هل تدركه بعد ذلك أم لا!
ويستحب للمسلمين أن يقوموا ليالي رمضان كما قامه النبي ﷺ وأصحابه، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وكان النبي ﷺ يحث أصحابه على ذلك ويرغبهم في ذلك، فيستحب قيام رمضان بالصلاة في الليل، والأفضل أداء عشر ركعات يسلم من كل ركعتين، ولهذا سئل النبي ﷺ عن صلاة الليل فقال: مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى، وقالت عائشة رضي الله عنها: "ما كان رسول الله ﷺ يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا"، وفي لفظ قالت رضي الله عنها: "كان يصلي من الليل عشر ركعات يسلم من كل ثنتين ويوتر بواحدة" هذا هو الأفضل في رمضان وفي غيره أن تكون التراويح إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ثنتين، يقرأ فيها قراءة مرتلة واضحة بينة بالتخشع وعناية، ويركع ويسجد بطمأنينة وخشوع ولا يعجل في صلاته ولا ينقرها، فإن المقصود من الصلاة هو الإقبال عليها والحضور بهذا القلب والعناية بأسباب المغفرة وبأسباب النجاة، والعناية بما يرضي الله ويقرب لديه في هذه الصلاة، فالخشوع فيها والطمأنينة والإكثار من الدعاء في سجوده، وفي آخر كل تسليمة قبل السلام، والإكثار من تسبيح الرب وتحميده، كل هذه من أسباب المغفرة، ومن أسباب مرضاته .
فالمقصود أنه ﷺ كان يصلي صلاة فيها الطمأنينة، وفيها حضور القلب، وفيها الخشوع، وفيها ترتيل القراءة بخلاف ما يفعله بعض الناس في صلاة التراويح فإنهم يعجلون فيها كثيرا وينقرها، وربما صلاها صلاة لا تقبل ولا تصح، وذلك بالنقر بالعجلة في ركوعه وسجوده، وعدم الطمأنينة بين السجدتين وبعد الركوع، وهذا أمر منكر، فالطمأنينة في الصلاة أمر لا بد منه، وذلك من أهم الأركان أن تطمئن في صلاتكصحأصحاب وألا تعجل.
ثم أمر آخر وهو أن الواجب على المؤمن في صيامه أن يجتهد في حفظه مما حرم الله ، وأن يصونه عن معاصي الله ، فلا يغتاب الناس، ولا يمن عليهم، ولا يتعاطى شيئا من محارم الله ، بل يكون في ذلك مجتهدا في كل ما أوجب الله محافظا على الصلاة في الجماعة، مكثرا من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير وقراءة القرآن، مكثرا من الاستغفار والدعاء، مبتعدا عن كل ما حرم الله حتى لا يبطل صومه وحتى لا ينقص أجره، فينبغي لك يا عبدالله أن تصون صيامك، وأن تحفظه من محارم الله، وأن تجتهد في كل ما أوجب الله عليك من صلاة وصدقة -صدقة الزكاة- وغير ذلك.
عليك بأداء الواجبات وترك المحرمات والاستكثار من الخيرات في هذا الشهر الكريم، وعليك أن تجتهد في رمضان وفي غيره في أداء الواجبات وحفظ الفرائض والحذر من المحارم، وأن تكون ذا عزم صادق على أداء ما أوجب الله وترك ما حرم الله في رمضان وفي غيره، فإن هذا من أسباب نجاحك ومن أسباب مرضاة الله عليك، وإياك والتساهل في أمر الله، وإياك والإقدام على محارم الله، فإن هذا من أسباب غضب الله عليك، ومن أسباب ذهاب الكثير من أجورك، وذهاب الكثير من حسناتك.
فاتق الله يا عبدالله واحفظ صيامك وصنه مما حرم الله، وأكثر فيه من طاعة الله وسل ربك القبول والتوفيق، فإنه سبحانه يحب أن يسأل ويحب أن يدعى جل وعلا.
ونسأل الله أن يوفقنا والمسلمين جميعا لما فيه رضاه، وأن يعيننا جميعا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وعلى حفظ صيامنا وقيامنا من كل ما يجرحه ومن كل ما يغضب الله ، إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.