03 شرح كتاب وظائف رمضان

واعلم أن المؤمن، يجتمعُ له في شهر رمضان جهادان: جهادٌ لنفسه بالنهار على الصيام، وجهادٌ بالليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين ووفَّى بحقوقهما، وصبر عليهما وفِّي أجرُه بغير حساب.

قال كعبٌ: ينادي يوم القيامة منادٍ: إن كلَّ حارث يُعطى بحرثه ويزادُ، غير أهل القرآن والصيام، فيعطون أجورهم بغير حساب. ويشفعان له عند الله ، كما في المسند عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ: الصيام والقيام: يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشراب، والشهوات المحرمات بالنهار، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه فيشفعان.

فالصيام يشفع لمن منعه المحرمات كلَّها، فإنه يشفع له عند الله يوم القيامة، يقول يا رب منعتُه شهواته فشفعني فيه، وأما من ضيَّع صيامهُ، ولم يمنعه مما حرمه الله عليه، فإنه جدير أن يُضرب به وجهُ صاحبه، ويقولُ له: ضيعك الله كما ضيعتني.

قال بعض السلف: إذا احتضر المؤمن، يقال للملك: شُمَّ رأسه. قال: أجد في رأسه القرآن. فيقال شم قلبه. فيقول: أجد في قلبه الصيام. فيقال: شُم قدميه. فيقول: أجد في قدميه القيام. فيقال: حفظ نفسه حفظه الله.

وكذلك القرآن: إنما يشفع لمن منعه النوم بالليل، فإن من قرأ القرآن، وقام به، فقد قام بحقّه، فيشفع له. وقد ذكر النبي ﷺ رجلًا فقال: ذلك لا يتوسَّدُ القرآن أي لا ينامُ عليه، فيصير له كالوسادة.

وروى أحمد من حديث بُريدة مرفوعًا: إن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة، حين ينشقُّ عنه قبرهُ، كالرجل الشاحب -يعني المتغير اللون- فيقول: هل تعرفُني؟ فيقول: أنا صاحبك الذي أظمأتك في الهواجر، وأسهرت ليلك، وكلُّ تاجر من وراء تجارته فيعطى المُلْكَ بيمينه، والخلد بشماله، ويوضعُ على رأسه تاجُ الوقار، ثم يقال له: اقرأ واصعد في درجة الجنة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ، هذَّا كان أو ترتيلًا.

وفي حديث عبادة الطويل: إن القرآن يأتي صاحبه في القبر فيقول له: أنا الذي كنت أسهرُ ليلك، وأظميءُ نهارك، وأمنعُك شهواتك، وسمعك وبصرك، فستجدني من الأخلاء خليل صدقٍ، ثم يصعد، فيسأل له فراشًا ودثارًا، فيؤمر له بفراشٍ من الجنة وياسمين من الجنة، ثم يدفع القرآن في قبلة اللَّحد فيوسع عليه ما شاء الله من ذلك.

قال ابن مسعود: ينبغي لقارئ القرآن: أن يُعرف بليله إذا الناس ينامون، وبنهاره إذا الناسُ يخلطون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبحزنه إذا الناس يفرحون.

وقال وُهيبٌ: قيل لرجل: ألا تنام؟ فقال: إن عجائب القرآن أطرن نومي؛ وصحب رجلٌ رجلًا شهرين فلم يره نائمًا. فقال: ما لي لا أراك نائمًا؟ قال: إن عجائب القرآن أطرْن نومي، ما أخرج من أعجوبةٍ إلا وقعتُ في أخرى.

قال أحمد بن أبي الحواري: إني لأقرأ القرآن وأنظرُ فيه آيةً آيةً، فيتحيرُ عقلي، وأعجبُ من حفاظ القرآن، كيف يهنيهم النوم، أو يسعهم أن يشتغلوا بشيء من الدنيا، وهم يتلون كتاب الله؟ أما إنهم لو فهموا ما يتلون وعرفوا حقه، وتلذذوا به، واسْتَحْلُّوا المناجاة به، لذهب عنهم النوم، فرحًا بما رزقوا.

فأما من كان معه القرآنُ، فنام عنه بالليل، ولم يعمل به بالنهار، فإنه ينتصب له خصمًا يوم القيامة، يطالبه بحقوقه التي ضيعها. روى أحمد من حديث سمرة: أن النبي ﷺ: رأى في منامه رجلًا مستلقيًا على قفاه، ورجلٌ قائم بيده فهرٌ، أو صخرةٌ، فيشدخ بها رأسه، فيتدهده، فإذا ذهب ليأخذه عاد رأسه كما كان، فيصنع به مثل ذلك. فسأل عنه فقيل له: هذا رجلٌ آتاه الله القرآن، فنام عنه بالليل، ولم يعمل به بالنهار، فهو يفعل به ذلك إلى يوم القيامة.

وفي حديث عمرو بن شعيب مرفوعًا: يمثل القرآن يوم القيامة رجلًا، فيؤتى بالرجل قد حمله فخالف أمره، فيتمثل له خصمًا، فيقول: يا رب حمَّلتَهُ إياي، فبئس حامل، تعدَّى حدودي وضيع فرائضي، وركب معصيتي، وترك طاعتي فما يزالُ يقذفُ عليه بالحجج حتى يقال: شأنك به. فيأخذه بيده، فما يرسله حتى يكبَّه على منخره في النار. ويؤتى بالرجل الصالح: كان قد حمله، وحفظ أمره، فيتمثل له خصمًا دونه، فيقول: يا رب: حمَّلته إياي فخير حاملٍ، حفظ حدودي، وعمل بفرائضي، واجتنب معصيتي، واتَّبع طاعتي، فما يزال يقذف له بالحجج، حتى يقال له: شأنك به، فيأخذه بيده، فما يرسله حتى يلبسه حلَّة الإستبرق، ويعقد عليه تاج الملك، ويسقيه كأس الخمر.

الشيخ: هذه الأحاديث والآثار كلها تتعلق بالصيام والقيام والقرآن، فالمؤمن مأمور بالعناية بصومه وصيانته عما حرم الله، وصيانة قيامه عما حرم الله، كما أنه مأمور بالعناية بالقرآن واتباعه وتعظيمه لأن الله أنزله للعمل، أنزله يعمل به لا لمجرد التلاوة والحفظ ولكن للعمل.

والمؤمن في هذا الشهر الكريم في جهاد، جهاد في حفظ صيامه، جهاد في حفظ قيامه، جهاد فيما يتعلق بالقرآن والعناية بتدبره والعمل به، جهاد فيما يتعلق بوالديه بأقاربه بجيرانه، جهاد فيما يتعلق بالمسلمين، فهو في جهاد دائم، فالواجب عليه أن يعنى بهذا الجهاد، وأن يكون جهادا مثمرا، فيصون صيامه عما حرم الله من الفواحش والمنكرات حتى يكون صياما كاملا سليما، وهكذا يصون قيامه من الرياء والكسل والضعف، ويصون جوارحه كلها دائما عما حرم الله، ويعتني بالقرآن حتى يكون حجة له لا حجة عليه، فإنه متى استقام على أمر القرآن واتبع أوامره واجتنب نواهيه ووقف عند حدوده صار حجة له كما في الحديث الصحيح، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: والقرآن حجة لك أو عليك حجة لك إن عملت به، وعليك إن ضيعت، رواه مسلم في الصحيح.

وجميع ما جاء في القرآن والآثار والأحاديث كلها تدل على أنه إما حجة لك أو عليك، فهو حجة لمن عمل به واستقام على ما فيه من الهدى، وحجة على من القوم الآخرين الذين ضيعوه ولم يتبعوا حدوده ولم ينقادوا لأوامره، يقول جل وعلا: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ [الأعراف:3]، ويقول جل وعلا: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155]، ويقول سبحانه: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [إبراهيم:1] تخرجهم باتباع أوامره وترك نواهيه، أما من أعرض عنه فإنه لا يخرج من الظلمات إلى النور، بل سيظل في الظلمات كما جرى لكفار العرب وغيرهم ممن لم يسلم، والإنسان يعتبر بغيره، لنا في غيرنا عبر، فمن ضيع القرآن ضاع وهلك، فالواجب على كل مؤمن أن يتبع ما جاء به نبي الله من القرآن والسنة، وينقاد للحق وإن لم يكن قارئا له، عليه العمل بالأوامر وإن كان عاميا لا يقرأ، عليه أن يستمع قراءته من القراء في المساجد وفي الإذاعة إذاعة القرآن، في المجالس التي بينه وبين إخوانه يسمع القرآن ويستفيد، على أن يؤدي ما أوجب الله، على أن ينتهي عما حرم الله، على أن يقف عند حدود الله حتى تكون حياته معمورة بالخير بعيدة عن الشر.

ومن المهم أيضًا الحرص على الجلساء الطيبين والأصحاب الطيبين، فإن صحبة الأخيار منها الفائدة العظيمة، وصحبة الأشرار فيها الخيبة والندامة والعاقبة السيئة، يقول عليه الصلاة والسلام: المرء على دين خليله، فينظر أحدكم من يخالل، ويقول ﷺ: مثل الجليس الصالح كحامل المسك، إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ومثل الجليس السوء كنافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة.

هذه الدار دار ابتلاء وامتحان، هذه الدار دار الدنيا دار العمل، دار الامتحان، دار الرغبة والرهبة، دار الخوف والرجاء، فالواجب على المكلف أن يعاملها كدار أن يتخذها دار ابتلاء وامتحان، دار عمل، دار رغبة ورهبة لا دار سرور ودار نعيم، فليتذذ بالملذات ويعتني بالشهوات ويضيع ما أوجب الله عليه، هذا هو الهلاك، ولكن يعتبرها دار عمل، دار جد، دار اجتهاد، دار مجاهدة، دار عمل، دار رغبة ورهبة.

وهكذا في جميع أوقاته ينظر ما ينفعه فيفعله، وينظر ما يضره فيجتنبه حتى يلقى ربه، كما يقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18]، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ [البقرة:223]، هكذا يستشعر أنه ملاق ربه، وأنه على خطر صباحا ومساء من حضور أجله، كم من خارج من بيته ما رجع، وكم من ممسٍ لم يصبح، وكم من مصبح لم يمسِ، خرج وله آمال طويلة ورجع ميتا، إما بحادث سيارة، وإما بسكتة، وإما بغير ذلك، كل هذا مشاهد، والعاقل يحرص على عمارة أوقاته بأسباب السعادة، ولا يغره طول الأمل، فالأمل غرّ الآخرين حتى هلكوا، عليه أن يعتني ويستعد فيخشى أن يهجم عليه الأجل صباحا أو مساء، حتى يكون على استعداد، على حذر، على أهبة صالحة، على زاد طيب وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [البقرة:197]، رزق الله الجميع التوفيق والهداية.

س: هل هناك سورة معينة ورد أنها تشفع؟

ج: الله أعلم، ورد في سورة تبارك، المقصود القرآن كله حجة لك أو عليك، المهم صلاح العمل، من صلح عمله واستقام تناله شفاعة القرآن.

س: بعض الإخوة من شرق آسيا يسألون دائما عن سورة يس ما أدري ما فيها؟

ج: ما أعرف فيها شيئا، القرآن كله حجة لك أو عليك، كل القرآن وليس سورة واحدة.

س: عندنا في أوروبا يشتكي الناس من بعض الأئمة الذين يصلون بالناس التراويح حيث لا يجيدون قراءة القرآن مع أنهم من الحفظة، أليس الأولى في هذه الحالة أن يقرأ من المصحف؟

ج: يبحثون عن غيرهم الذي يتقن القرآن، ولو بالمصحف أولى، ولو بالمصحف.

فصلٌ في قيام رمضان

عن أبي هريرة ، عن رسول الله ﷺ قال: من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه متفق عليه. وعن عبدالرحمن بن عوف ، أن رسول الله ﷺ ذكر شهر رمضان فقال: إن رمضان شهر فرض الله صيامه، وإني سننت للمسلمين قيامه، فمن صامه وقامه إيمانًا واحتسابًا، خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه أخرجه النسائي، وقال: الصواب عن أبي هريرة.

ولنذكر ههنا طرفًا في فضل قيام الليل:

قال الله تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [السجدة:16]، ومدح قومًا فقال: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ۝ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18]، وقال تعالى: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [الفرقان:64].

وروى الترمذي عن عبدالله بن سلام، أن النبي ﷺ قال: يا أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نيامٌ، تدخلوا الجنة بسلام.

وروي من حديث أبي هريرة مرفوعًا: أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل، وللترمذي عن بلالٍ مرفوعًا: عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وإن قيام الليل مقربة لكم إلى ربكم، مكفرة للسيئات، ومنهاةٌ عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد.

وفي حديث الكفارات، والدرجات قال: ومن الدرجات: إطعامُ الطعامِ، وطيبُ الكلامِ، وأن تقوم بالليلِ والناسُ نيامٌ صححه البخاري، والترمذي.

وروى الطبراني عن أبي الدرداء مرفوعًا: ثلاثة يحبهم الله ويضحكُ إليهم، ويستبشر بهم -فذكر منهم- الذي له امرأة حسناءُ وفراشٌ حسن، فيقومُ من الليل، فيقول الله تعالى: يذر شهوته، فيذكرني، ولو شاء لرقد.

وفي المسند عن ابن مسعود مرفوعًا: عجب الله من رجلين: رجلٍ ثار عن وطائهِ ولحافِه بين أهلهِ وحِبِّه إلى صلاته رغبة فيما عندي.

وفي حديث أبان عن أنس عن ربيعة، عن النبي ﷺ قال: ثلاثة مواطن لا ترد فيها الدعوة: رجل يكون في برِّية حيث لا يراه أحد، فيقوم فيصلي، فيقول الله لملائكته: علم عبدي هذا أن له ربًا يغفرُ الذنوب، فانظروا ماذا يطلب؟ فتقول الملائكة: أي رب رضاك ومغفرتك، فيقول الله: أشهدُكم أني قد غفرت له ورضيت عنه. ورجل يقوم من الليل، فيقول الله: أليسَ قد جعلتُ الليل سكنًا، والنوم سُباتًا؟ فقام عبدي هذا يصلِّي، يعلمُ أنَّ له ربًّا يغفرُ الذنب، فيقول الله لملائكته: انظروا ماذا يطلبُ عبدي؟ فتقول الملائكة: أي رب رضاكَ ومغفرتك، فيقول الله: أشهدكم أني قد غفرت له ورضيت عنه.

وروى أحمد عن عقبة مرفوعًا، قال: رجلان من أمتي يقوم أحدهما من الليل، يعالج نفسه إلى الطهور، وعليه عُقَدٌ، فيتوضأ، فإذا وضأ يديه انحَّلت عُقدةٌ، وإذا مسح رأسه انحلت عقدة، وإذا وضَّأ رجليه انحلت عقدة، فيقول الله عز وجل للذين وراء الحجاب: انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه يسألني، ما سألني عبدي هذا فهو له.

وفي الأثر المشهور: كذب من ادعى محبتي، فإذا جنَّه الليل نام عنِّي، أليس كل محب يحب خلوة حبيبه؟ فها أنا مطلع على أحبابي، إذا جنّهم الليل، جعلت أبصارهم في قلوبهم، فخاطبوني على المشاهدة. وكلَّموني على حضوري، غدًا أقرُّ أعين أحبابي في جناتي.

ينزل الله تعالى كلّ ليلة إلى سماء الدنيا، فيقول: هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داع فأجيب دعوته؟ إلى أن ينفجر الفجر؛ كان بعض السلف يقوم الليل، فنام ليلة، فأتاه آتٍ في منامه، فقال له: قُمْ؛ أما علمت أن مفاتيح الجنة مع أصحاب الليل خزانها!

قيل لابن مسعود: ما نستطيع قيام الليل؛ قال: أقعدتكم ذنوبكم. وقيل: لبعض المحبين: قد أعجزنا قيام الليل، قال: قيدتكم خطاياكم. وقال الفضيل: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم قد قيدتك خطيئتك.

يا من ضيع عمره في غير طاعة، يا من فرط في شهره بل دهره وأضاعه، يا من بضاعتُه التسويفُ والتفريطُ، وبئس البضاعة، يا من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان، كيف ترجو ممن جعلته خصمك الشفاعة، كلُّ قيام لا ينهى صاحبه عن الفحشاء والمنكر، لا يزيد صاحبه إلا بعدًا، وكل صيام لا ينهي عن قول الزور والعمل به، لا يورثُ صاحبه إلا مقتًا وردَّا. يا قوم: أين آثار الصيام؟ أين أنوارُ القيام؟

عباد الله، هذا شهرُ رمضان، وفي بقيته للعابدين مُسْتَمْتَعْ، وهذا كتابُ الله فيه يتلى ويُسْمَعُ، وهذا القرآنُ لو أنزل على جبل لرأيته خاشعًا يتصدع، ومع هذا فلا قلبٌ يخشع، ولا عين تدمع، ولا صيام يصان فينفع، ولا قيامٌ استقام فيرجى أن يشفع.

قلوب خلت من التقوى فهي خراب بلقع، وتراكمت عليها الذنوب فهي لا تبصر ولا تسمع، كم يتلى علينا القرآن وقلوبُنا كالحجارة أو أشدُّ قسوة؟ كم يتوالى علينا شهرُ رمضان، وحالنا فيه كحال أهل الشِّقْوَة؟ أين نحن من قوم إذا سمعوا داعيَ الله أجابوا، وإذا تليت عليهم آياتُه وجِلَت قلوبهم وأنابوا؟.

الشيخ: هذه الأحاديث والآثار كلها تدل على فضل قيام الليل في جميع السنة، وفي رمضان بوجه أخص له مزية عظيمة، والله جل وعلا قد مدح عباده المؤمنين، عباد الرحمن في قيام الليل والتهجد، فقال جل وعلا: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ۝ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [الفرقان:63-64]، وقال في وصف المتقين: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ۝ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18]، وقال في وصفهم أيضا: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ۝ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16-17].

 هذا في جميع السنة، مشروع للمؤمن والمؤمنة التهجد بالليل، وأن لا ينام الليل كله بل يكون له قسط من الليل يصلي فيه ما تيسر ويختم بركعة، يصلي في أوله بعد صلاة العشاء أو في جوف الليل في وسطه أو في آخره، هو أفضل في آخر الليل عند نزول الرب جل وعلا، يقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له حتى ينفجر الفجر هذا من فضله جل وعلا، يدعو عباده إلى أن يسألوه ويستغيثوا به ويستعينوا به جل وعلا ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]، ويقول عليه الصلاة والسلام: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.

فقيام رمضان له مزية، سنه الرسول ﷺ وفعله بأصحابه، وفعله الصحابة واجتهدوا في ذلك، ففيه فضل عظيم، من قام رمضان مع الإيمان والتصديق بإخلاص واحتساب غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وهكذا ليلة القدر في العشر الأخير، من قام العشر الأخيرة أدرك ليلة القدر، فهذه أيام عظيمة وليال عظيمة يشرع للمؤمن أن يغتنمها بأنواع الخير من قراءة القرآن بالتدبر والتعقل، وبالتسبيح وبالتهليل وبالتكبير والاستغفار والصدقة وعيادة المريض واتباع الجنائز إلى غير هذا من وجوه الخير يرجو ثواب الله ويخشى عقابه، وينافس ويسارع في كل خير، لا يكون كالمعرضين والغافلين تمر بهم أوقات فضائل وهم في غفلة، بل يجاهد نفسه في اغتنام أسباب الخير وأوقات الخير.

ولهذا كان السلف رضي الله عنهم وأرضاهم يحرصون على اغتنام هذه الفضائل بالقراءة والتعبد والصلاة والذكر والصدقات وغير هذا من وجوه الخير كالاعتكاف وغير ذلك، فهي أوقات تمر بما فيها خزائن، هذا يخزن فيها الخير العمل الصالح، وهذا يخزن فيها الشر والعمل السيئ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فالعاقل والحازم والكيس هو الذي يحرص ليخزن فيها الخير من كثرة القراءة وكثرة التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، وكثرة الدعاء، وكثرة الصلاة، وكثرة الاستغفار، وكثرة الصدقة، إلى غير هذا من وجوه الخير، يعني يعتني بهذه الأيام والليالي، ولأنها أيام معدودة ومحدودة تفوت بما فيها فالحازم يعتني بها ويخصها بمزيد من العناية، يرجو ثواب الله ويخشى عقاب الله، نسأل الله للجميع التوفيق والقبول والمغفرة، والله المستعان.

س: ما هي الأسباب المعينة على قيام الليل؟

ج: عدم السهر، ينام مبكرا يعينه الله على قيامه، وإن صلى قبل أن ينام من باب الحزم مثلما أوصى رسول الله ﷺ بها أبا هريرة وأبا الدرداء فلا بأس، لكن إذا كان يحب أن يقوم في آخر الليل فليبكر لا يسهر، يبكر ويعتني يوقت الساعة، الوقت المطلوب، الساعة من أسباب التيسير، الساعة تيسرت والحمد لله، يستطيع الإنسان أن يوقتها على الوقت الذي يريد ثم يقوم لعبادته، الحمد لله.

س: بالنسبة للدعاء أحسن الله إليك هل يبدأ كدعاء القنوت يعني كصفة دعاء القنوت؟

ج: في الوتر يقول: اللهم اهدنا فيمن هديت، إذا كانوا جماعة: اللهم اهدنا، وإن كان واحدا: اللهم اهدني فيمن هديت.

س: هل كان قيام الليل فرضا واجبا على رسول الله ﷺ؟

ج: الصواب أنه نافلة قال: فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ [الإسراء:79] لكن أمره أمر استحباب لأن الرسول ﷺ قال: الصلوات الخمس والجمعة هي الفرض، قال لما سأله سائل هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع هو داخل في الخطاب عليه الصلاة والسلام.

س: طيب هي مستحبة لنا؟

ج: وله كذلك، كلها متأكدة في حق الجميع.

س: كل الشهر أو بعض الأيام؟

ج: كل الشهر.

س: هذا حديث أبان عن أنس عن ربيعة أو عن ربيعة عن أنس؟

ج: عن ربيعة عن أنس، عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن عن أنس.

س: هذا مكتوب في الأصل عن أنس عن ربيعة بن وقاص؟

ج: انقلاب هو ربيعة بن أبي عبدالرحمن شيخ مالك.

س: مكتوب في الأصل ربيعة بن وقاص عن أنس عن النبي ﷺ؟

ج: لا، غلط ؛ لأن ربيعة هو ربيعة بن أبي عبدالرحمن.

س: ما حكم من يتوسد الكتب الشرعية بعد أن يشعر بالتعب؟

ج: لا ما يجوز إهانتها، يتوسد يده، يتوسد بشته، يتوسد شيئا آخر ما يتوسدها.

س: مؤذن أذن قبل الوقت بثلاث دقائق تقريبا ما حكم من أفطر على أذانه؟

ج: هذا سهل يعفى عنه، ما يضر الصوم، لا، ما في شيء.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد: فإن هذا الشهر الكريم شهر رمضان قد ذهب أكثره، اليوم السادس عشر، فنسأل الله أن يوفقنا وإياكم لمضاعفة الجهود في كل ما يرضيه، وأن يعيننا وإياكم على المسابقة إلى كل خير، فهذه الأيام الفاضلة الباقية يشرع للمؤمن فيها أن يضاعف الجهود، وأن يغتنم ما فاته في البقية من طاعة الله جل وعلا بكثرة الصلاة وكثرة التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد، وكثرة القراءة للقرآن الكريم بالتدبر والتعقل، وكثرة الصدقة، وكثرة النصيحة والتوجيه إلى الخير، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، إلى غير هذا من وجوه الخير كلما تقدم الشهر، فينبغي للمؤمن أن يزيد في العمل ويستدرك البقية لأنه شهر كريم من الخير في هذا الشهر العظيم واغتنام أيامه ولياليه مع سؤال الله التوفيق والإعانة والقبول والمغفرة.

فالمؤمن يجتهد مع الإخلاص والصدق والرغبة فيما عند الله وخشيته سبحانه وتعالى، فإن البقية لا يعادلها شيء، أيام فضائل وتنتهي، فالمؤمن يجتهد في حفظ أيامه ولياليه، وفي حفظ بقية عمره وفيما يستقبله من الزمان بالجد والاجتهاد في طاعة الله والتوبة مما سلف من التقصير والذنوب، فالإنسان محل للخطأ كما قال ﷺ: كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون.

فالحازم والكيس هو الذي دائما في ملاحقة لأخطائه بالتوبة والندم، والإقلاع، في مسابقة إلى الأعمال الصالحات في أيام الفضائل والليالي الفضائل، وفي غيرها من الأوقات، هكذا الكيس هكذا الحازم يكون دائما في نشاط وهمة ورغبة في الخير والزيادة والمسابقة، كما قال جل وعلا: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ۝ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ۝ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [الواقعة:10-12]، ويقول سبحانه: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148]، ويقول: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ۝ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ۝ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:133-135] فهم مراقبون لما قد يقع منهم، مسارعون للتوبة مما قد يقع من السيئات، ومما يقع من ظلمهم لأنفسهم من معاصٍ خفية التي بينه وبين الله، والتوبة من المعاصي الظاهرة وهي الفواحش، والإنسان محل الذنوب فلا ينبغي أن يعجب بنفسه، أو يمن بعمله، بل ينبغي أن يكون دائم الخوف، دائم الحذر، دائم الضراعة إلى الله أن يهديه وأن يعيذه من شر نفسه ومن شر الشيطان، وأن يمنحه التوفيق والتسديد في قوله وعمله.

والله يقول جل وعلا: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، ويقول جل وعلا: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3]، فهذا ميدان السباق، ميدان المسارعة، ميدان السباق إلى الطاعات من سائر الأنواع: من صلاة وصدقة وقراءة قرآن وتسبيح وتهليل وتكبير وتحميد، وبر والدين، وصلة الرحم، ودعوة إلى الله، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، إلى غير هذا من وجوه الخير، ترجو بها ثواب الله وتخشى بها عقابه، نسأل الله وإياكم أن يمنحنا التوفيق، وأن يرزقنا وإياكم المسارعة إلى كل خير، والحذر من كل شر، والتوبة الصادقة إلى الله من سائر الذنوب، إنه سميع قريب.

س: من يرجع إلى المعاصي بعد رمضان هل هو علامة على عدم قبول عمله في رمضان؟

ج: يخشى عليه لأن هذا علامة على التساهل، وأنه غير صادق التوبة، فينبغي للمؤمن إذا منّ الله عليه بإكمال الشهر أن يستقيم، وأن يستمر على الخير، وأن يحذر الشر والعودة إليه، فإن العودة إلى الشر خطير، قد يكون سببا لحبوط عمله وعدم قبوله، لا حول ولا قوة إلا بالله، نسأل الله السلامة.

س: اختلفت أنا وزميلي بأن القراءة من المصحف بدون وضوء جائز لأن المسلم لا ينجس، فما هو الصحيح؟

ج: المسلم لا ينجس، لكن يحتاج إلى طهارة، وليس معناه أنه نجس، طهارة الوضوء عبادة مستقلة، وطهارة الجنابة عبادة مستقلة، ولا يلزم منه أنه نجس قبل ذلك، المسلم لا ينجس مثلما قال ﷺ: إن المسلم لا ينجس ولكن هذه طهارة شرعية، عبادة شرعية من الحدث الأصغر يتوضأ حتى يصلي وحتى يمس المصحف، ومن الحدث الأكبر الجنب يغتسل وبعد هذا يصلي ويمس المصحف، أما الجنب والمحدث فلا يمسان المصحف، ولكن يقرأ عن ظهر قلب، إذا كان ليس بجنب يقرأ عن ظهر قلب، والحمد لله.

س: من قرأ بالمصحف وهو على غير وضوء يأثم على ذلك؟

ج: يأثم لأن الرسول ﷺ نهى عن ذلك فقال: لا يمس القرآن إلا طاهر.

س: أكثر الأئمة والناس لا يلتزمون بالأذكار بعد الصلوات وخاصة بعد صلاة الفجر والمغرب كما ورد من تسبيح وتهليل، حتى الأئمة يتركون هذا الشيء، يا شيخ عظم الله أجرك أرشد المسلمين بالعمل بالأذكار؟

ج: الله يهدي الجميع، عليك بنفسك يا ولدي ونصيحة غيرك، الزم الحق والحمد لله واستغفر، هذه كلها نوافل، إذا سلمت -انتهت الصلاة- هذه نوافل ليست بواجبة، وأنت اشتغل بنفسك وانصح الذي تحب.

فصلٌ في العشْرِ الْوُسَط

عن أبي سعيد ، قال: «كان رسولُ الله ﷺ يعتكفُ في العشر الوُسَطِ من شهر رمضان» وقد دل الحديث: على أنه كان يعتكف العشر الوُسط لابتغاء ليلة القدر. وفي رواية: «أنه اعتكف العشر الأول، ثم اعتكف العشر الوسط، ثم قال: إني أتيتُ فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحبَّ أن يعتكف فليعتكف، فاعتكف الناسُ معه».

وقد ورد الأمرُ: بطلب ليلة القدر في النِّصف الآخر من رمضان، وفي أفراد ما بقي من العشر الوسط، وهما: ليلة سبع عشرة، وتسع عشرة، أما الأول: فروى الطبراني عن عبدالله بن أنيس أنه ﷺ سئل عن ليلة القدر؟ فقال: رأيتُها وأُنْسِيْتُها، فتحرَّوها في النصف الآخر الحديث. وكلُّ زمانٍ فاضلٍ من ليلٍ أو نهار، فإن آخره أفضلُ من أوله.

وأما الثاني: فروى أبو داود عن ابن مسعود مرفوعًا: اطلبوها ليلة سبع عشرة، وقالوا: إن صبيحتها كان يوم بدر.

والمشهور عند أهل السِّير والمغازي: أن ليلة بدرٍ ليلةُ سبع عشرة، وكانت ليلة جمعةٍ، وكان زيدٌ بن ثابت لا يحيي ليلةً من رمضان كما يحيى ليلة سبع عشرة، ويقول، إن الله تعالى فرق في صبيحتها بين الحق والباطل، وأذلَّ في صبيحتها أئمة الكفر.

وحكى أحمدُ عن أهل المدينة: أن ليلة القدر تطلبُ ليلة سبع عشرة.

وأصحُّ ما روي من الحوادث في هذه الليلة: أنها ليلةُ بدر، وصبيحتها هو يوم الفرقان، وسمي يوم الفرقان: لأن الله تعالى فرق فيه بين الحق والباطل، وأظهر الحق وأهله على الباطل وأهله، وعلت كلمةُ الله وتوحيدُه، وذُلَّ أعداؤه من المشركين وأهل الكتاب.

وفي الموطأ عن طلحة بن عبيدالله مرفوعًا: ما رئِي الشيطانُ أحقر ولا أدحر ولا أصغر منه يوم عرفة، إلا ما رؤي يوم بدر، فقيل: ما رؤي يوم بدر؟ قال: رأى جبريل عليه السلام يزُع الملائكة.

وفي ليلة القدر تنتشرُ الملائكةُ في الأرض، فيبطل سلطان الشياطين، كما قال تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ۝ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر:4-5].

وفي المسند عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: الملائكةُ في الأرض في تلك الليلة، أكثر من عدد الحصى.

وفي صحيح ابن حبان عن جابر ، عن النبي ﷺ في ليلة القدر: لا يخرج شيطانها حتى يخرج فجرها.

وفي المسند عن عبادة مرفوعًا: لا يحل لكوكب أن يرمى به فيها حتى يصبح، وإن أمارَتها: أن الشمس تخرجُ في صبيحتها مستويةً ليس لها شعاع، مثلُ القمر ليلةَ البدر، ولا يحلُّ لشيطانٍ أن يخرج معها يومئذٍ.

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «إن الشيطان يطلعُ مع الشمس كلَّ يومٍ، إلا ليلةَ القدرِ، وذلك أنها تطلُعُ لا شعاعَ لها» وقال مجاهد: سَلَامٌ هِيَ قال: «لا يحدث فيها داءٌ، ولا يستطيع الشيطان العمل فيها»، وعنه قال: «ليلةُ القدر ليلةٌ سالمةٌ، لا يحدثُ فيها حدثٌ، ولا يرسل فيها الشيطان» وعنه قال: «سالمةٌ، لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سُوءًا، ولا يُحدثُ فيها أذىً».

وعن ابن عباس قال: في تلك الليلة تُصفَّدُ مردةُ الجنِّ وتُغَلُّ عفاريت الجن، وتُفتحُ فيها أبوابُ السماءِ كلُّها، وتُقبلُ فيها التوبةُ من كلِّ تائبٍ، فلذلك قال: سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر:5].

أبشروا يا معشر المسلمين: فهذه أبوابُ الجنة الثمانية في هذا الشهر لأجلكم قد فُتِّحت، ونسماتُها على قلوب المؤمنين قد تفَتَّحت، وأبوابُ الجحيم كلُّها لأجلكم مغلقة، وأقدامُ إبليس وذريته من أجلكم موثقة.

قَصِّمُوا ظهره بكلمة التوحيد، فهو يشكو ألم الانكسار في كل موسم من مواسمِ الفضل، ففي هذا الشهر يدعو بالويل، لما يرى من تنزل الرحمة ومغفرة الأوزار، غلب حزبُ الرحمن، وهرب حزبُ الشيطان.

عباد الله: هذا شهر رمضان قد انتصف، فمن منكم حاسب نفسه فيه لله وانتصف؟ من منكم قام في هذا الشهر بحقِّهِ الذي عرف؟ ألا إن شهركم قد أخذ في النقص فزيدوا في العمل، فكأنكم به وقد انصرف، فكلُّ شهر فعسى أن يكون منه خلف، أما شهر رمضان، فمن أين لكم منه خلف؟

تنصف الشهرُ وا لهفاهُ وانصرَما واختصَّ بالفوزِ بالجناتِ مَنْ خَدَما
وأصبح الغافلُ المسكينُ منكسِرا مثلي، فيا ويحَهُ، يا عُظمَ ما حُرما
من فاتُه الزرعُ في وقت البذارِ فما ترَاهُ يحصُدُ إِلاَّ الهمَّ والنَّدَما
طُوبَى لمن كانت التَّقوى بِضاعتَه في شهرِه وبحبلِ اللهِ مُعْتَصِما

الشيخ: هذه الأحاديث والآثار فيما يتعلق بالعشر الوسط من رمضان وليلة القدر، العشر الوسط روي عن النبي ﷺ في حديث سلمان وفي سنده ضعف أنه يقال لها عشر المغفرة، لأنه أوله رحمة، وأوسطة مغفرة، وآخره عتق من النار رواه ابن خزيمة من حديث سلمان وفي سنده ضعف.

المقصود أن هذا الشهر العظيم كله مغفرة، كله رحمة، كله عتق من النار، كله خير، الجدير بالمؤمن أن يجتهد في أيامه ولياليه في أسباب المغفرة من الصلوات والصدقات، كثرة الذكر وقراءة القرآن، إلى غير هذا من وجوه الخير الذي جعلها الله أسباب المغفرة، وقد كان النبي ﷺ يعتكف في العشر الأول، ثم اعتكف في العشر الوسط، ثم أخبر أن ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان فاستقر اعتكافه في العشر الأواخر من رمضان، وتوفي عليه الصلاة والسلام وهو يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فالسنة اعتكاف العشر الأواخر من رمضان.

والاعتكاف هو لزوم مسجد بطاعة الله والتقرب إليه كما قال جل وعلا: وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، فالاعتكاف اللبث في المسجد للتعبد وقراءة القرآن والصلاة وغير ذلك، وهو مشروع في كل وقت، لكن أفضله اعتكاف في العشر الأخيرة تأسيا به عليه الصلاة والسلام.

وهذا الشهر الكريم قد ذهب أكثره وبقي أقله، فالمشروع للمؤمن الجد في البقية واستدراك ما بقي منه بأنواع الأعمال الصالحة والاستكثار من الخير كلما زاد تقدم الشهر، فالمشروع لك يا عبدالله أن تكون أنت تزيد في العمل، تستدرك الباقي بمزيد من العمل الصالح من: صلاة، وصدقات، واستغفار، وتسبيح وتهليل، وتحميد وتكبير، وقراءة القرآن، والدعوة إلى الله، ونصيحة العباد، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، إلى غير هذا من وجوه الخير، كلما تقدم الشهر فأنت تزيد في العمل حتى تختم شهرك بأحسن أعمالك وبخير أعمالك، وأنت تشاهد بين حين وآخر وبين وقت وآخر، هذا أصابه حادث يمنعه من العمل، هذا توفي، فأنت استدرك واغتنم ما بقي بأنواع الخير وأنواع الاجتهاد مع الإخلاص لله والصدق في طاعته.

وأما العشر الأخيرة، فكان الرسول يحييها عليه الصلاة والسلام، يحييها ويعمرها بطاعة الله لأن فيها ليلة القدر، ولهذا كان يحييها ويجتهد فيها أكثر مما يجتهد في العشرين اغتناما لبقية الشهر، وحرصا على العمل الصالح في ليلة القدر، فمن قام ليل العشر فقد قام ليلة القدر لأنها لا تخلو منها، فهي في ليالي العشر الأواخر ولا بد، وأحراها وأقربها ليلة سبع وعشرين، وهي تتحرى في كل الأوتار: ليلة إحدى وعشرين، ثلاث وعشرين، خمس وعشرين، سبع وعشرين، تسع وعشرين، وفي جميع ليالي العشر، وقد قال الله فيها جل وعلا: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر: ]، وسماها ليلة مباركة إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ۝ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان:3-4] فجدير بك أن تعمل فيها ما يسر الله لك، لأن هذه الليلة مضاعفة عظيمة، الصلاة فيها أفضل من ألف شهر، وهكذا الصدقة، وهكذا أنواع العبادة كلها، هذا فضل كبير، وخير عظيم، فنسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه، وأن يجعلنا وإياكم من المسارعين إلى كل خير في هذه البقية، وأن يتقبل من الجميع ويجعلنا وإياكم من العتقاء من النار، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

س: ما معنى قوله ﷺ عن ليلة القدر: رأيتها وأنسيتها؟

ج: يعني: أنسيها، ذهبت عن باله، هذا أحسن من نسيها، أنسيت أحسن من نسيت لأن أنساه هي من الشيطان لحكمة بالغة، لكن إذا عرفوا أنها في العشر، وأنه لا يعلم متى تكون في العشر اجتهدوا في العشر كلها، فصار أعظم لأجورهم وأكثر لحسناتهم.

س: هل ليلة القدر ثابتة في سبع وعشرين أو متنقلة؟

ج: جاء فيها أحاديث تدل على أن أرجاها ليلة سبع وعشرين، وأنها متنقلة في الأوتار.

س: رجل سوف يأخذ عمرة ثم يذهب إلى جدة لاستقبال زوجته سوف تكون قادمة من مصر، من أين يحرم المرة الثانية هل من جدة أو من مكان آخر؟

ج: من الحل، وإذا أحرم من جدة فلا بأس، وإن كان سيحرم من الحل لكن إذا نوى الإحرام وهو في جدة يحرم من جدة، إذا جاءت زوجته ونوى وهو في جدة يحرم من جدة.

س: الذي يدعو الله بغير لغة العرب؟

ج: ما في بأس، يدعو الله كل واحد بلغته، بس القرآن يكون باللغة العربية، أما الدعاء فهو يدعو الله بكل اللغات، كل يدعو بلغته، والحمد لله ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]

س: رجل أحرم من الميقات وهو لابس المخيط، لما وصل إلى مكة مرض ورجع إلى بلاده غير معتمر، في هذه الحال ماذا عليه؟

ج: لابس المخيط ما عنده إحرام.

س: ما عنده إحرام أو أنه تكاسل؟

ج: المقصود عليه فدية، عليه إطعام ستة مساكين، أو صوم ثلاثة أيام، أو ذبح شاة، أحد الثلاثة في لبس المخيط مثلما عليه لو حلق رأسه، أما إذا رجع ولم يحل إحرامه عليه أن يرجع إلى مكة.

س: ما اعتمر أحسن الله إليك؟

الشيخ: ما أحرم تقول؟

س: هو أحرم لكن مرض ورجع؟

الشيخ: إن كان عمل عمل المحصر لا بأس، إن كان نحر وقصر وحلّ على أنه محصر لا بأس لأن مرضه يكون إحصارا فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] إذا أحصر الإنسان بالمرض أو بالعدو أو بذهاب النفقة يكون محصرا، والمحصر ينحر شاة، أو سبع بدنة، أو سبع بقرة بنية الإحصار، ثم يحلق رأسه أو يقصر ويحل، والحمد لله لأن الله قال: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] إذا لم يشترط، وإذا اشترط ما عليه شيء.

س: إذا كان ما اشترط يا شيخ؟

ج: عليه أن يعمل عمل الإحصار، يهدي ثم يقصر ويحلق.

س: حتى وإن وصل إلى الرياض يقصر شعره في الرياض؟

ج: نعم نعم، في محله الذي وصل فيه.

س: شخص مقيم في الرياض أراد أن يعتمر وليس معه إذن من الجهة المختصة -خطاب رسمي- وخشى أن يرد من قبل رجال الأمن فلم يحرم، وبقي بملابسه، ثم مع ذلك رد إلى الرياض من قبل رجال الأمن؟

ج: ليس له أن يذهب إلا بإذن رسمي، يبقى حتى يتيسر له من طريق رسمي، لكن لو فعل ودخل عليه فدية ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين فدية لبس المخيط.

س: إذا أرجع إلى الرياض؟

ج: يكون محصرا، يذبح هدي ويقصر في الطريق أو في الرياض، يكون حكمه حكم المحصر.

س: من قال أن ليلة القدر هي ليلة سبعة عشر له وجه؟

ج: استقرت الشريعة أنها في العشر الأخيرة، هذا كان قبل أن يعلم ﷺ.

فصلٌ

في فَضْلِ العشِرِ الأواخرِ من رمضانَ

في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان رسول الله ﷺ إذا دخل العشرُ شدَّ مئزرَه، وأحيَا ليله، وأيقظَ أهلَه»، وفي رواية لمسلم عنها، قالت: «كان رسول الله ﷺ يجتهدُ في العشرِ الأواخرِ من رمضانَ ما لا يجتهدُ في غيرِه».

كان النبي ﷺ يخصُّ العشر الأواخر من رمضان، ما لا يخصُّ غيره، بأعمالٍ يعملُها في بقية الشهر.

فمنها إحياء الليل؛ فيحتمل أن المراد إحياء الليل كلِّه، وروي من وجه فيه ضعفٌ بلفظ: وأحيا الليل كُلَّه، وفي المسند من وجهٍ آخرَ عنها قالت: «كان النبي ﷺ يخلطُ العشرين بصلاةٍ ونومٍ. فإذا كان العشرُ -تعني الأخيرَ- شمَّرَ وشَدَّ المئزر».

وخرَّج أبو نعيم بإسناد فيه ضعف، عن أنس : «كان رسول الله ﷺ إذا دخل رمضان قام ونام، فإذا كان ليلةُ أربعٍ وعشرين لم يَذُق غمضًا».

ويحتمل أن يراد بإحياء الليل إحياء غالبه؛ وروي عن بعضهم من أحيا نصف الليل فقد أحيا الليل؛ وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما علمتُهُ ﷺ قام ليلة حتى الصباح».

ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن إحياءها يحصلُ بأن يُصلِّيَ العشاء في جماعة، ويعزمَ على أن يصلِّي الصبح في جماعة.

وقال الشافعي: من شهد العشاء والصبح ليلة القدر، فقد أخذ بحظه منها، ونقل مثله مالكٌ عن ابن المسيب، وروي مرفوعًا من حديث أبي هريرة: من صلى العشاء في جماعةٍ في رمضان، فقد أدرك ليلة القدر أخرجه الأصبهاني.

ويروى من حديث أبي جعفر، محمد بن علي مرفوعًا: من أدرك رمضان صحيحًا مسلمًا، فصام نهاره، وصلى وردًا من ليله، وغضّ بصره، وحفظ فرجه ولسانه ويده، وحافظ على صلاته في الجماعة، وبكر إلى جمعه، فقد صام الشهر، واستكمل الأجر، وأدرك ليلة القدر، وفاز بجائزة الرب. قال أبو جعفر: جائزة لا تشبه جوائز الأمراء. رواه ابن أبي الدنيا.

ومنها: أنه ﷺ كان يُوقظُ أهله للصلاة في ليالي العشر دون غيرها.

وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه ﷺ قام بهم ليلة ثلاثٍ وعشرين، وخمسٍ وعشرين، وسبع وعشرين؛ وذكر أنه دعا أهله ونساءه ليلةَ سبع وعشرين خاصة. وهذا يدل على أنه يتأكد إيقاظُهم في آكد الأوتار، التي ترجى فيها ليلةُ القدر.

وروى الطبراني عن علي أنه ﷺ: كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان، وكلَّ صغيرٍ وكبيرٍ يطيق الصلاة؛ قال سفيان الثوري: أحبُّ إليَّ إذا دخل العشر الأواخر: أن يتهجد بالليل ويجتهد فيه، وينهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك.

وصح أنه ﷺ: كان يطرق فاطمة، وعليًا ليلا، فيقول تقومان فتصليان؟، وكان يوقظ عائشة بالليل، إذا قضى تهجُّدَهُ وأراد أن يوتر.

وورد الترغيب في إيقاظ أحد الزوجين صاحبه للصلاة، ونضح الماء على وجهه.

وفي الموطأ: أن عمر ، كان يصلي من الليل ما شاء الله، حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة، يقول لهم: الصلاة الصلاة، ويتلو هذه الآية وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132] الآية.

ومنها: أنه ﷺ: كان يَشُدُّ المئزر، والمرادُ اعتزاله النساء. وورد أنه لم يأوِ إلى فراشه، حتى ينسلخ رمضان. وفي حديث أنس: وطوى فراشه، واعتزل النساء.

وقد كان ﷺ: يعتكفُ العشر الأواخر؛ والمعتكفُ ممنوعٌ من قربان النساء بالنصَّ والإجماع؛ وقد قال طائفةٌ من السلف في قوله تعالى: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة:187] إنه طلبُ ليلةِ القدر.

والمعنى في ذلك: أن الله تعالى لما أباحَ مباشرةَ النساء في ليالي الصيام، إلى تَبَيُّن الخيطِ الأبيض من الخيط الأسود، أمر مع ذلك بطلب ليلة القدر، لئلا يشتغل المسلمون في طول ليالي الشهر بالاستمتاع المباح، فيفوتُهم طلبُ ليلةِ القدر، فأمر مع ذلك بطلب ليلة القدر بالتهجد من الليل، خصوصًا في الليالي المرجوَّة فيها، فمن ههنا كان ﷺ يصيبُ من أهله في العشرين من رمضان، ثم يعتزلُ نساءهُ، ويتفرغُ لطلب ليلة القدر في العشر الأواخر.

ومنها: تأخيره الفطور إلى السحور. روي عن عائشة وأنس أنه ﷺ كان في ليالي العشرة يجعل عشاءه سحورًا. وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد مرفوعًا قال: لا تواصلوا. فأيكم أراد ان يُواصل فليواصل إلى السحر. قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟ قال: إني لست كهيئتكم، إني أبيتُ لي مطعم يطعمني، وساقٍ يسقيني.

وهذا إشارة إلى ما كان الله يفتحه عليه، في صيامه وخلوته بربه، لمناجاته وذكره، من مواد أنسه ونفحات قدسه، فكان يرد بذلك على قلبه من المعارف الإلهية والمنح الربانية ما يغذيه ويغنيه عن الطعام والشراب.

الذكر، قوت العرافين، يغنيهم عن الطعام والشراب؛ لما جاع المجتهدون شبعوا من طعام المناجاة، فأُفٍّ لمن باع لذة المناجاة، بفضل لقمةٍ أو لقيمات.

الشيخ: هذه الأحاديث والآثار فيما يتعلق بالعشر الأخيرة من رمضان، هذا الشهر الكريم كله خير، كله رحمة، كله مضاعفة، كله توجيه إلى خير، كله من نعم الله العظيمة، ولكن عشره الأخيرة هي أفضله وهي خاتمته، ولهذا كان يخصها ﷺ بالعناية، كان يخصها بالاعتكاف وتحري ليلة القدر، ويخصها بالعناية بإحياء لياليها وعدم النوم فيها، بل يجتهد بإحيائها بالعبادة من قراءة وصلاة، وهذا كله مما يدل على أن هذه العشر لها مزية خاصة، ولهذا إذا دخلت شد المئزر وأحيا ليله وأيقظ أهله عليه الصلاة والسلام.

فيشرع للمؤمنين التأسي بنبيهم عليه الصلاة والسلام، وأن يختموا هذا الشهر الكريم بالعناية بهذه العشر والحرص على مضاعفة الجهود فيها، ومن تيسر له الاعتكاف فالاعتكاف سنة، مع العناية بكثرة القراءة والصلاة والاستغفار والتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والصدقات، وغير هذا من وجوه الخير، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: «كان النبي ﷺ إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله».

ومن المهم أيضا العناية بالأشياء التي يرجى فيها المغفرة والعتق من النار في هذه الأيام والليالي من تفطير الصوام، والصدقات على الفقراء والمساكين، ومساعدة الغرماء على قضاء ديونهم، إلى غير هذا من وجوه الخير، يقول الله جل وعلا: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195]، ويقول جل وعلا: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:56]، فالمؤمن يحسن فيحسن الله إليه، يحسن بما يستطيع، فالصدقات وقضاء دين المدينين من أفضل القربات ومن أفضل الطاعات.

وهكذا العبادات الخاصة تسبيح وتهليل وقراءة قرآن وصلاة، كل هذا مما يرفع الله به الدرجات ويعظم به الأجور في كل وقت، وفي وقت العشر الأخيرة تضاعف الحسنات ويعظم الأجر، فينبغي للمؤمن بل ويشرع له المضاعفة في جهوده في كل سبل الخير في خاتمة الشهر رجاء أن يختم الله له بالمغفرة والعتق من النار، ومن ذلك أيضا العناية ببر الوالدين وصلة الرحم والعناية بالأهل وتوجيههم إلى الخير وإرشادهم وتعليمهم وتشجيعهم.

ولا بأس من المواصلة إذا أحب أن يواصل إلى العشاء أو السحور فلا بأس، ولكن أفضل له أن يفطر مع الناس يقول الله: أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا، المبادرة بالفطر كما قال ﷺ: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ويفطر مع الناس إن غابت الشمس، ويستعين بما يتناول في الليل من طعام وشراب على العبادة بالتهجد والقراءة وغير هذا من وجوه الخير.

نسأل الله للجميع التوفيق والعاقبة الحميدة، ونسأل الله أن يوفق الجميع لأسباب العتق من النار والمغفرة، ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يوفق لإكمال صيامه وقيامه إيمانا واحتسابا، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

س: ما حكم استنشاق البخور والطيب للصائم؟

ج: لا ينبغي أن يستنشق، لأن بعض أهل العلم يرى أن يبطل الصيام، لكن إذا شمّ الإنسان الطيب في المسجد أو في البيت من غير استنشاق ما يضر الحمد لله، أما أن يستنشق البخور فهذا بعض أهل العلم يرى أنه يفطر، فيبنغي تركه.

س: ما حكم من تبرع بفرش للمسجد هل يكتب له أجر المصلين أو له أجر خاص؟

ج: له أجر خاص، مساعدته بفرش المسجد له أجر خاص على هذا، ليس من البناء هذا من المساعدة على تسهيل الصلاة للمصلين وترغيبهم وتسهيل السجود عليه له أجر ذلك.

س: هل ورد أن السلف رحمهم الله كانوا يهنئون بعضهم البعض بدخول العشر؟

ج: ما أتذكر شيئا، لكنها عشر عظيمة، التهنئة بها مهمة، إذا كان يهنأ لولده بزواجه ببناء بيته فهذا أكبر وأعظم وأنفع، إدراكها نعمة عظيمة.

س: هل يقال باستحباب الوصال للعشاء إذا لم يشق على الإنسان؟

ج: لا، السنة المبادرة بالفطر، يقول ﷺ: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر. متفق على صحته.

س: وحتى إن كان في العشر الأواخر التي يرجى فيها ليلة القدر؟

ج: نعم أحب عباد الله إليه أعجلهم فطرا.

س: إذا كان الغارم يلبس من أحسن اللباس ويركب من أحسن المراكب، يعني متلاعب بالأموال، هل يعان؟

ج: يعان في حق الغرماء، ما هو من أجله، من أجل الغرماء.

س: هو ما يتوقى في المال، يلبس من أحسن اللباس، ويركب من أحسن المراكب؟

ج: يعان في حق الغرماء إذا كان جاء من طريق المحكمة وجاء بما يوثق به من المحكمة، فمن أراد أن يحسن إليه يعطيهم حتى توزع بينهم، ما يجوز لهم التساهل في هذا.

س: لا قدر الله علينا وعليك شر، مثلا واحد حصل له حادث توفي معه واحد كافر هل يلزمه الصيام أم لا؟

ج: إذا كان بأسبابه نعم.

س: الحادث كما تعرفون كان عفويا؟

ج: إذا قرر المرور عليه أنه هو المخطئ عليه كفارة: عتق رقبة، أو صيام شهرين إذا عجز عن الرقبة مع الدية لأنه مستأمن.

س: من أدرك رمضان صحيحا مسلما؟

ج: هذا كلام أبي جعفر الباقر من التابعين.

س: معناه صحيح؟

ج: يرجى له الخير إن شاء الله، يرجى له الخير.

س: هل معنى هذه الآية:  فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة: 187] إنه طلب ليلة القدر؟

ج: يعني الاجتهاد في طاعة الله يباشر زوجته ويجتهد في طاعته لا يشغله الجماع عن ابتغاء ما كتب الله له، يعني يعطي الزوجة ويجتهد في الخير.

س: بالنسبة لعمرة رمضان هل هي سنة أو مستحبة؟

ج: عمرة في رمضان تعدل حجة وماذا يصير هذا إن لم يكن مستحبا وسنة! هذا فضل عظيم.

ومنها: اغتسالُه بين العشاءين؛ روى ابن أبي عاصم عن عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله ﷺ إذا كان في رمضان نام وقام، فإذا دخل العشرُ شدَّ المئزر، واجتنب النساء، واغتسل بين العشاءين يعني المغرب والعشاء.

وروي عن علي : أنه ﷺ كان يغتسلُ بين العشاءين كل ليلةٍ، يعني من العشر الأواخر. وفي إسناده ضعف. وروي عن حذيفة أنه: قام مع النبي ﷺ ليلةً في رمضان، فاغتسل، وبقي فضلةٌ، فاغتسل بها حذيفةُ، رواه ابن أبي عاصم.

قال ابنُ جرير: كانوا يستحبون أن يغتسلوا كلَّ ليلةٍ من ليالي العشر الأواخر، ومنهم من كان يغتسل ويتطيبُ، في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر. وروي عن أنس: أنه إذا كان ليلةُ أربع وعشرين اغتسل وتطيَّب، ولبس حُلَّةً وإزارًا ورداءً، فإذا أصبح طواهما فلم يلبسهما إلى مثلها من قابل.

وقال حمَّادُ بن سلمةَ: كان ثابتٌ وحميدٌ يلبسان أحسن ثيابهما، ويتطيبان، ويطيبان المسجد بالنضوح والدُّخنة في اللِّيلة التي تُرجى فيها ليلة القدر.

فيستحبُّ في الليالي التي تُرجى فيها ليلةُ القدر: التنظُّفُ، والتطيُّبُ، والتزيُّن بالغسل والطيب، واللباس الحسن، كما شُرع ذلك في الجمع والأعياد. وكذلك يشرعُ أخذُ الزينة بالثياب، في سائر الصلوات، كما قال تعالى: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]. وقال ابن عمر: الله أحق أن يتزين له؛ وروي عنه مرفوعًا.

ولا يكمل التزين الظاهر إلا بتزيين الباطن، بالإنابة والتوبة وتطهيره من أدناس الذنوب وأوضارها، فإنَّ زينةَ الظاهر مع خراب الباطن لا تغني شيئًا.

إذا المرءُ لم يلبس ثيابًا من التقى تقلَّب عُريانا، وإِن كانَ كاسيا

 

والله سبحانه لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، وإنَّما ينظرُ إلى قلوبكم وأعمالكم، فمن وقف بين يديه، فليزين ظاهره باللباس، وباطنه بلباس التقوى، قال تعالى: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26].

ومنها: الاعتكافُ، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبي ﷺ كان يعتكفُ العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله».

وإنما كان ﷺ يعتكفُ في هذه العشر، التي تطلب فيها ليلةُ القدر قطعًا لأشغاله، وتفريغًا لباله، وتخلّيًا لمناجاةِ ربه، وذكره ودعائه.

وذهب أحمدُ: أنَّ المعتكف لا يستحبُ له مخالطةُ الناس، حتى ولا تعليم علم وإقراء قرآن، بل الأفضلُ له: الانفرادُ بنفسه، والتخلي بمناجاة ربه، وذكره ودعائه.

وهذا الاعتكاف، هو: الخلوةُ الشرعية، وإنما يكون في المساجد، لئلا يُترك به الجمعُ والجماعات، فإنَّ الخلوة القاطعة عن الجمع والجماعات منهيٌّ عنها؛ وسئل ابنُ عباس رضي الله عنهما عن رجل يقوم الليل ويصوم النهار، ولا يشهدُ الجمعة ولا الجماعة؟ قال: هو في النار.

فالخلوة المشروعة لهذه الأمة: هي الاعتكافُ في المساجد، خصوصًا في شهر رمضان، وخصوصًا في العشر الأواخر منه، كما كان النبي ﷺ يفعله. فالمتعكفُ قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره، وقطع عن نفسه كُلَّ شاغلٍ يشغلهُ عنه، وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه، فما بقي له همٌّ سوى الله وما يرضيه عنه.

ومعنى الاعتكاف وحقيقتُه: قطعُ العلائق عن كُلِّ الخلائق، للاتصال بخدمة الخالق. وكلَّما قويت المعرفة والمحبّةُ له والأنسُ به: أورثت صاحبها الانقطاع إليه بالكلية على كُلِّ حال. كان بعضهم لا يزالُ منفردًا في بيته خاليًا بربه، فقيل له: أما تستوحش؟ فقال: كيف أستوحش وهو يقول: أنا جليسُ من ذكرني؟.

يا من أضاع عمرهُ في لا شيء، استدرك ما فاتك في ليلة القدر. فإنها تحسب من العمر؛ قال الله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ۝ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر:1-3].

قال مالكٌ: بلغني أن النبيَّ ﷺ أُريَ أعمارَ الناس قبلَه، أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أُمته أن لا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر.

وروي عن مجاهد: «أن النبي ﷺ ذكر رجلًا من بني إسرائيل لبس السلاح ألف شهر، فتعجب المسلمون من ذلك، فأنزل الله هذه السورة: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1] التي لبس فيها ذلك الرجل السلاح في سبيل الله ألف شهر». وقال النخعي: العملُ فيها خيرٌ من العمل في ألف شهر سواها.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه. وفي المسند عن عبادة مرفوعًا: من قامها ابتغاءها، ثم وقعت له غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وفي المسند والنسائي عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ أنه قال في شهر رمضان: فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم.

قال جويبرٌ، قلتُ للضّحَّاكِ: أرأيتَ النُّفساء والحائض، والمسافر والنائم، لهم في ليلة القدر نصيبٌ؟ قال: نعم؛ كُلُّ من تقبل الله عمله، سيعطيه نصيبه من ليلة القدر.

المعوَّلُ على القبول لا على الاجتهاد، والاعتبارُ ببر القلوب وطهارتها، لا بعمل الأبدان، رُبَّ قائمٍ حظَّهُ من قيامه التعبُ والسهرُ، كم من قائم محروم، ونائم مرحوم، هذا نائم وقلبه ذاكر، وهذا قائم وقلبه فاجرٌ، لكن العبدُ مأمورٌ بالسعي في اكتساب الخيرات، والاجتهاد في الأعمال الصالحات، والانزجار عن المكروهات، وأعمال السيئات، وكُلٌّ ميسرٌ لما خلق له، أما أهلُ السعادة فيُيَسرُن لعمل أهل السعادة، وأما أهلُ الشقاوة فيُيَسَّرُون لعمل أهل الشقاوة، فالمبادرة المبادرة إلى اغتنام العمل فيما بقي من الشهر، فعسى أن تُدرك ما فات من ضياع العمر.

الشيخ: هذه الأحاديث والآثار كلها تتعلق بليالي العشر الأخيرة من رمضان وبليلة القدر، الله جل وعلا جعل هذا الشهر ميدانا لعباده المؤمنين، يتسابقون فيه بالطاعات، ويسارعون فيه إلى الخيرات، ويتقربون إليه سبحانه بما يحب من سائر أنواع الخير، وجعل عشره الأخيرة هي أفضله، والأعمال بالخواتيم، وفيه ليلة خير من ألف شهر وهي ليلة القدر، وكان ﷺ يخصها بمزيد عناية كما قالت عائشة رضي الله عنها: «كان النبي ﷺ إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله». وقال ﷺ: من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قامها ابتغاءها ثم وقعت له غفر ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

فجدير بأهل الإيمان من الرجال والنساء أن يعنوا بهذه البقية، وأن يجتهدوا في أنواع الطاعات، وأن يستكمل هذا الشهر بأنواع الخير من الصلاة والقراءة والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والصدقة، وغير هذا من وجوه الخير يرجو ثواب الله ويخشى عقابه، والمؤمن مشروع له المبادرة إلى كل خير واغتنام الفرص والتذلل بين يدي الله والخشوع بين يديه، وأن تكون أعماله على وجه الإخلاص والصدق والرغبة فيما عند الله، فالاعتبار في الأعمال بالإخلاص فيها والصدق والاستكمال لها، فكم من ركعة خير من مئات الركعات، وكم من درهم خير من عدة دراهم، فالمؤمن يعنى بالإخلاص والصدق وتحري الخير بإخلاص وصدق وخشوع وذل وانكسار، قد يقوم الرجلان معا بالعبادة بينهما أعظم ما بين المشرق والمغرب في الفضل بخشوع هذا وإقبال هذا وذهول هذا وإعراض هذا.

فأنت يا عبدالله عليك أن تحاسب نفسك وأن تجاهدها في جميع أعمالك، وأن تؤدي الأعمال مع صدق وإخلاص وإقبال ورغبة ورهبة ترجو ثواب الله وتخشى عقابه سبحانه وتعالى.

ومن ذلك الاعتكاف فهو من العبادات التي شرعها الله ليخلو العبد بربه ويحاسب نفسه وينظر في أعماله وأقواله، ولهذا كان النبي يعتكف في العشر الأواخر من رمضان عليه الصلاة والسلام، والخلوة هي الانفراد بالرب جل وعلا، يكون في محل خاص خيمة من حجرة ينفرد بربه في خشوعه وصلاته وقراءته ودعائه وضراعته إلى الله جل وعلا يرجو ثوابه ويخشى عقابه كما فعله النبي ﷺ، ولا مانع أن يزور أحبابه وأهله في بعض الأحيان كما كان النبي ﷺ يزور أهله، ولكن مع العناية بالإخلاص والصدق والخشوع واغتنام الفرص في أنواع الطاعات وأنواع الخير، وإذا دعت الحاجة إلى أن يحضر حلقات العلم في المسجد أو يعلم غيره أو يفيد غيره كان هذا أعظم وأفضل، كونه يخلو بربه ويخلو بالعبادة لا ينافيه كونه يحضر حلقات العلم إذا تيسرت تستفيد علما، أو كونه يعلم الناس وينصحهم ويوجههم إلى الخير يجمع بين الحسنيين، هذه دار العمل دار المسابقة وهذه أيامها.

نسأل الله لنا ولكم التوفيق وصلاح النية والعمل، ونسأل الله أن يوفقنا وجميع المسلمين إلى المسارعة لما يرضيه والفقه في دينه والاستقامة عليه والحذر من أسباب الرد والطرد والإبعاد ولا حول ولا قوة إلا بالله، نسأل الله التوفيق والهداية.

س: هل يستحب للمعتكف أن يجلس في الغرفة داخل المسجد أو خيمة؟

ج: نعم مثلما ما فعل الرسول ﷺ، كانت تضرب الخيام له ولأزواجه في المسجد ليخلو بربه.

س: ليلة القدر قطعا سيراها أحد بعينه وإلا قد ترفع ولا يراها أحد؟

ج: يرى علاماتها مثلما في الحديث ليلة سالمة، قد يكون من أوضح علاماتها طلوع الشمس لا شعاع لها كما قال أبي راقبتها كذا وكذا سنة تطلع لا شعاع لها، وهذه علامة نسبية رأى النبي ﷺ الشمس لا شعاع لها.

س: يذكر أن الصحابة قل منهم من كان يعتكف ما السبب في ذلك؟

ج: لعلها المشاغل يطلبون الرزق.

س: هل ليلة القدر محصورة في العشر الأواخر من رمضان أو قد تكون في العشر الأول؟

ج: في العشر الأواخر استقر الأمر على أنها في العشر الآخرة.

س: هل اعتكف الرسول ﷺ في شوال؟

ج: مرة من المرات اعتكف في شوال.

س: هل هذا من السنة يعني: من يعتكف في شوال؟

ج: ترك الاعتكاف في ليالي العشر بأسباب حصلت ثم اعتكف في شوال عليه الصلاة والسلام، والاعتكاف جائز في كل وقت.

س: من اعتكف في شوال هل يقال هذا بدل العشر الأخيرة؟

ج: إذا كان ما تيسر له في العشر الأخيرة ما في بأس.

س: ورد أن الرسول ﷺ إذا دخلت العشر شد المئزر وأيقظ أهله، ما معنى شد المئزر؟ هل لكي يقوم أكثر مما يقوم أو يقرأ أكثر مما يقرأ؟

ج: شد المئزر إشارة إلى النشاط والقوة والهمة العالية في العمل الصالح، وبعضهم قالوا: كنى به عن اعتزال النساء.

س: في بعض البلاد الإسلامية هناك من يطالب بإلغاء الشريعة الإسلامية ويقول لا بد أن نساوي المرأة مع الرجل في الحقوق، وأنه ظلم للمرأة أن تعطى نصف الرجل، فهل يجوز الاعتذار لهؤلاء بالجهل إذا كانوا يخالطون المسلمين؟

ج: لا، هذا شيء واضح مثل هذا في الكتاب والسنة، هذا كافر الذي يقول هذا كافر إلا إنسان بعيد عن الشرع وعلوم الدين فهذا أمره إلى الله يصير من أهل الفترة.

س: بالنسبة للمعتكف في المسجد هل الأفضل له أن يخرج يوم العيد أو إذا سمع أنها ليلة العيد؟

ج: الأمر واسع، إن بغى يبقى ليلة العيد ويخرج يوم العيد، وإن بغى يخرج إن غابت الشمس من اليوم الآخر، الأمر واسع ما أعرف في السنة شيئا واضحا إسناده صحيح في خروج المعتكف، يروى عن النبي ﷺ أنه كان يخرج من اعتكافه إلى المصلى لكن يحتاج إلى سند صحيح.

س: هل يخرج من المعتكف لتشيع الجنازة؟

ج: لا.

س: حتى ولو كانت جنازة قريبة؟

ج: لا، ما يشرع.

س: دخول المعتكف إلى المعتكف هل هو بعد صلاة الفجر؟

ج: يدخل المعتكف بعد صلاة الفجر، أما التهجد بالليل والخلوة بربه في الليل هذا لا يحصر في الاعتكاف بليلة عشرين، ليلة واحد وعشرين لكن إذا أخر الدخول مثلما قالت عائشة طيب.

س: إذا اشترط بالنسبة لتشييع الجنازة قبل دخوله إلى الاعتكاف هل من حقه أن يخرج؟

ج: ظاهر السنة أنه لا يخرج إلا لما لا بدّ له منه مثل: قضاء الحاجة وأشباهه، واشتراط أشياء تخالف ما يقتضيه الاعتكاف تركه أولى، لكنها نافلة إذا أراد أن يخرج.

س: الحسنة مضاعفة في مكة؟

ج: كل الأعمال الصالحة مضاعفة، لكن الله أعلم بكمية المضاعفة إلا الصلاة في مكة فقد وضحها النبي ﷺ أنها مضاعفة إلى مئة ألف صلاة.

س: والسيئة تضاعف؟

ج: من جهة الكيفية من جهة الإثم، أما العدد لا، السيئة بواحدة.

س: يعني تعظم؟

ج: إيه من جهة أنها تعظم من شدة الإثم.

س: والحسنات كذلك؟

ج: الحسنات كذلك، لكن الحسنات تضاعف كمية وكيفية، أما السيئات تضاعف كيفية لا عددا، ومن جاء بالسيئة فليس له إلا واحدة.

س: صلاة ركعتين بعد الحلق هل لها أصل؟

ج: حلق العمرة؟

س: نعم.

س: ما أعرف لها أصلا ما أعرف لها شيئا.

س: ما ورد عند أبي حنيفة شيء؟

ج: ما أعرف في السنة شيئا، أما أقوال الناس ما لها قيمة.