01 شرح كتاب وظائف رمضان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ الذي خصَّ بالفضلِ والتَّشرِيفِ شهرَ رمضانَ، وأَنزلَ فيه القرآنَ هُدى للناسِ وبيِّناتٍ من الهدى والفُرقانِ، وخَصَّهُ بالعفو والغفرانِ، واخْتَصَّ منِ اصطَفاهُ بفضلٍ منه وامتنانٍ، وأيقَظَ بالوعظِ من وفَّقهُ في هذا الموسم العظيمِ الشأنِ.

وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ ذُو الفضلِ والإحسانِ، وأشهدُ أن محمدَّا عبدهُ ورسُولهُ، سيدُ ولدِ عَدنانِ، صلّى اللهُ عليه وعلَى آلِهِ وأصحابِهِ وسلّم تسليمًا كَثيرًا.

أمَّا بعدُ: فهذا مختصرٌ لطيفٌ في وظائفِ هذا الموسمِ الشريف، يبعثُ الهمَمَ إلى التَّعرُّضِ للنَّفَحَاتِ، ويُثيرُ العزمَ إلى أشرفِ الأوقاتِ.

واللهَ أسألُ أن يوفِّقَنَا لما يُحبُّ مِنَ الطاعاتِ، وأن يضاعِفَ لنا الحسناتِ ويغفرَ لنا السيئاتِ، ويستجيبَ لنا الدعواتِ، إِنه جوادٌ كريم.

فَضْلُ شَهْرِ رَمضانَ

عن أبي هريرةَ قال: كان رسولُ الله ﷺ يُبشِّرُ أصحابَهُ، يقولُ: قد جاءَكم شهر رمضان شهرٌ مباركٌ، كتبَ اللهُ عليكم صيامَهُ، فِيه تُفتَّحُ أبوابُ الجنّةِ، وتُغلقُ فيه أبوابُ الجحيمِ، وتُغلُّ فيه الشياطينُ، فيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهرٍ، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِم رَواهُ أحمدُ والنسائيُّ. وَرُويَ: أتاكُم رمضانُ سيدُ الشهورِ، فمرحبًا به وأهلًا.

جاء شهرُ الصيامِ بالبركاتِ فأكرِمْ به مِنْ زائرٍ هُوَ آتِ

وعن عبادَ مرفوعًا: أتاكمُ رمضانُ، شهر بركةٍ يغشاكُمُ اللهُ فيهِ، فيُنزِّلُ الرَّحمةَ، وَيحُطُّ الخطايَا، ويَستجيبُ فيه الدعاءَ، ينظرُ اللهُ إلى تَنَافُسِكمُ فيهِ، ويُباهِيْ بكمُ ملائِكتَهُ، فأرُوا اللهَ مِنْ أنفُسِكم خيرًا، فإِنَّ الشقيَّ من حُرِمَ فيه رحمةَ اللهِ رواهُ الطبرانيُّ، ورُوَاتُهُ ثِقاتٌ.

وفي الصحيحينِ عن أبي هُريرَةَ عن النَّبيِّ ﷺ قال: إذا دَخَلَ رمضانُ فُتِّحَت أبوابُ السماءِ، وغُلِّقَتْ أبوابُ جَهنَّم، وسُلسِلتِ الشياطينُ. ولمسلمٍ: فُتِّحَتْ أبوابُ الرَّحمةِ، وله أيضًا عن أبي هُرَيرةَ مرفوعًا: إذا جاءَ رمضانُ فُتِّحتْ أبوابُ الجنةِ وأغلِقتْ أبوابُ النار، وصُفدِّتِ الشياطينُ.

وعنهُ : أنَّ رسول اللهِ ﷺ قالَ: إِذا كان أوَّلُ ليلةٍ من رمضانَ صُفِّدتِ الشياطينُ ومَردَةُ الجنِّ، وغُلِّقت أبوابُ النيرانِ، فلم يفتح منها بابٌ، وفُتِّحتْ أبوابُ الجنةِ فلم يغلقْ منها باب، ويُنادي منادٍ: يا باغيَ الخير أَقبلْ، ويا باغيَ الشرِّ أقصِر، وللهِ عتقاءُ من النارِ، وذلك كل ليلة رواهُ الترمذيُّ والنِسائيُ والحاكم.

الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد: فقد ثبت عن رسول الله ﷺ في هذا الشهر الكريم -شهر رمضان- من الأحاديث الكثيرة ما يدل على عظم شأنه، وأنه شهر المواساة، وشهر الإحسان، وشهر الصدقات، وشهر المسارعة إلى الطاعات والمنافسة في أنواع الخير، شهر تفتح فيه أبواب الجنات، وتغلق فيه أبواب جهنم، وتصفد فيه الشياطين، شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب جهنم، وتفتح فيه أبواب السماء وأبواب الرحمة، وينادي فيه مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة، فجدير بالمؤمن والمؤمنة المنافسة في هذا الخير والمسارعة في هذا الشهر الكريم إلى أنواع الطاعة، فهو شهر عظيم، ما مرّ بالمسلمين شهر أفضل منه، ولا مرّ بالمنافقين شهر أشرّ عليهم منه، لعدم إحسانهم فيه، وعدم قيامهم بحقه، فالمؤمن يسارع في الخيرات، ويخالف فيه أهل النفاق، فيجتهد في طاعة الله وأداء فرائضه وترك محارمه، ويسارع فيه إلى أنواع الخير من الصدقات والتسبيح والتهليل والتكبير وقراءة القرآن، والإكثار من الخير ولاسيما قراءة القرآن، كل حرف به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، مع التدبر والتعقل كما قال الله تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29]، وقال سبحانه: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، قال جل وعلا: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155]. فجدير بالمؤمن أن يعنى بهذا الكتاب العزيز –القرآن- وأن يتدبره ويكثر من تلاوته، وكان النبي ﷺ في هذا الشهر الكريم يدارس جبرائيل القرآن الكريم كل ليلة، وفي السنة الأخيرة دارسه القرآن مرتين، ففي هذا الحث على مدارسة القرآن والعناية به والاستكثار منه، لما فيه من الخير العظيم والحسنات الكثيرة، كل حرف بحسنة، والحسنة بعشر أمثالها.

وهكذا ينبغي للمؤمن أن يستكثر فيه من الصدقات ومواساة الفقراء والمحاويج، يقول عليه الصلاة والسلام: من فطر فيه صائما كان ذلك مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره.

ويقول عليه الصلاة والسلام: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ويقول النبي ﷺ: يقول الله : كل عمل ابن آدم يضاعف له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه.

ويقول عليه الصلاة والسلام لأصحابه إذا جاء رمضان: أتاكم رمضان شهر بركة، يغشاكم الله فيه، فتنزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجاب الدعاء، فينظر الله إلى تنافسكم ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله .

ويقول عليه الصلاة والسلام: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.

فالواجب على المؤمن أن يحذر محارم الله، المعاصي محرمة في كل وقت وفي كل مكان، لكن في هذا الشهر يجب أن يكون الحذر منها أكثر، وأن يجتهد المؤمن في صيامه وحفظه من سائر المعاصي من الغيبة والنميمة والظلم للناس والتعدي عليهم في أي شيء من أموالهم أو أنفسهم، وفي غير هذا من المعاصي كأكل الربا والغش في المعاملات والغيبة والنميمة وأكل الربا وغير هذا مما حرّم الله، فالمؤمن يحذر كل معاصي الله ويبتعد عنها، يرجو ثواب الله ويخشى عقاب الله، ويجتهد في أداء فرائض الله، ويؤدي الصلاة في الجماعة ويحافظ عليها في جميع الأوقات الخمسة، يبر والديه، يصل أرحامه، يدعو إلى الله، يأمر بالمعروف، ينهى عن المنكر، يحذر كل شر ويجتهد في كل خير، ولاسيما في هذا الشهر الكريم، شهر الصيام، شهر الصدقات، شهر القيام، شهر مضاعفة الحسنات، فالمؤمن يجتهد في اغتنام هذه الأيام وهذه الليالي بالصيام والقيام، ويقول عليه الصلاة والسلام: من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.

وقد صلى بهم ثلاث ليالٍ عليه الصلاة والسلام في رمضان واجتمع الناس، ثم إنه ترك ذلك وخاف أن تفرض عليهم صلاة الليل، فلما كان عمر في خلافته جمع الناس على إمام واحد، كانوا يصلون في المسجد أوزاعا فجمعهم على إمام واحد وصلى بهم، فربما صلى ثلاثا وعشرين وربما صلى إحدى عشرة، فالمؤمن في هذا أمره واسع، إن صلى إحدى عشرة أو صلى ثلاث عشرة أو صلى ثلاثا وعشرين كل ذلك بحمد الله ميسر، ويقول الرسول ﷺ: صلاة الليل مثنى مثنى ولم يحدد حدا، فإذا صلى إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة كما صلى الرسول ﷺ فهذا أفضل، وإن صلى ثلاثا وعشرين كما صلى الصحابة أو صلى أكثر من ذلك فالأمر فيه واسع بحمد الله، لأن الرسول ﷺ لم يحدد ركعات معلومة، ولكن يختم بواحدة، يوتر بواحدة سواء صلاها في أول الليل أو في آخر الليل أو في وسط الليل الأمر واسع بحمد الله، لكن يستحب في العشر الأخيرة إحياء الليل كما كان النبي يحي الليل عليه الصلاة والسلام في العشر الأخيرة.

أما في العشرين الأول فالسنة أن يصلي بعض الليل وينام تأسيا بالنبي عليه الصلاة والسلام في ذلك، ولكن يجب الحذر من جميع المعاصي في الليل والنهار، والمشروع لك أن تحفظ وقتك في طاعة الله، في تسبيح، في تهليل، في قراءة، في ذكر، في استغفار، في صلاة، في سائر العبادات، هذا الوقت تصونه وتحرص عليه حتى لا يضيع منه شيء، يكون محفوظا، إما في طاعة الله، وإما فيما أباح الله، تحذر أن تضيع منه شيء في محارم الله فيضرك في الدنيا والآخرة.

نسأل الله للجميع التوفيق، كما نسأل الله أن يبلغنا وإياكم إكمال صيامه وإكمال قيامه، ونسأل الله أن يمنحنا وإياكم فيه المسارعة للخيرات والحذر من السيئات إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.

الأسئلة:

س: الذي يأكل الربا في شهر رمضان صومه مقبول؟

الشيخ: الربا محرم في رمضان وفي غيره، يحرم أكل الربا في رمضان وفي غيره.

س: والصيام مقبول؟

الشيخ: يرجى له القبول، ولكن على خطر من المعاصي.

س: في أوروبا في بعض المحلات أصحابها مسلمين وفي رمضان يبيعون الخمر ويبيعون لحم الخنزير؟

الشيخ: يجب الحذر وينكر عليهم، ويعلمون أن هذا محرم ومنكر حتى يتعلموا ويستفيدوا ويتركوا ذلك.

س: بس ما يدخل في الصيام؟

الشيخ: لا، الصيام ينجرح، لكن ما يبطل، ما يبطل الصيام إلا بمفطراته، لكن كونه يتعاطى المعاصي فالمعاصي تنقص الصيام، تنقص الثواب، تنقص الأجر.

س: المرأة إذا كانت بجوار المسجد هل لها أن تصلي مع الإمام، إذا كانت تسمع الصوت؟

الشيخ: لا، تصلي في المسجد، تصلي في بيتها لوحدها، لا تقتدي به إذا كان بعيدا في المسجد، أما إذا كانت في المسجد أو ترى الإمام أو المأمومين لا بأس.

س: إذا كان البيت تابعا لمسجد مثل بيت المؤذن أو بيت الإمام ملتصق مع المسجد؟

الشيخ: ولو، إذا كانت لا ترى الإمام ولا المأموم لا تقتدي به، تصلي وحدها.

س: والأفضل أن تصلي في بيتها أفضل؟

الشيخ: الصلاة للنساء في بيوتهن أفضل.

س: لو كن مجموعة من النساء في بيتهن هل يصلين جماعة أو كل واحدة تصلي وحدها؟

الشيخ: الأمر واسع، إن صلين جميعا وأمتهم إحداهن هذا طيب، يتعلمن وتقرأ عليهن القرآن ويستمعن ويستفدن، وإن صلت كل واحدة لوحدها فالأمر واسع.

س: إذا كانت صلاة النساء داخل المسجد ولكن في حاجز بينهم وبين الرجال هل يجوز؟

الشيخ: نعم إذا كان داخل المسجد لا بأس به، لو كانت تسمع الصوت مثل حرم المساجد.

س: التوسعة في الحرم هل يصلون فيها؟

الشيخ: يصلون فيها تبع الإمام، ما فيه بأس، لأنها أدخلت في الحرم.

س: يقول: أنا صائم، ولكن لم أتمكن من السحور، فهل صومي صحيح؟

الشيخ: لا بأس، السحور سنة وليس بلازم وصومك صحيح.

س: هل تكون نية واحدة لرمضان كله أو كل ليلة نية؟

الشيخ: كل ليلة لها نية، كل يوم له نية.

س: هل يحصل العتق كل ليلة؟

الشيخ: نعم بفضل الله جل وعلا لمن أراد الله إعتاقه.

س: هل ثبت عن رسول الله ﷺ أنه قنت في صلاته عندما صلى بهم في رمضان؟

الشيخ: ما أتذكر شيئا، ما أعلم شيئا، لكن قنت في النوازل.

س: أعني في الوتر في رمضان؟

الشيخ: علم الحسن القنوت والتعليم أبلغ.

س: بالنسبة ... بين مكة والرياض هل الأفضل في حقه أن يفطر بمكة؟

الشيخ: يفطر في أي مكان، الفطر في أي مكان.

وعن أبي هريرةَ عن رسول الله ﷺ قال: أعطيت أمتي في شهر رمضان خمس خصال، لم تعطها أمة قبلهم: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله كل يوم جنته، ثم يقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى، ويصيروا إليك، وتصفد فيه مردة الجن، فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة، قيل: يا رسول الله، أهي ليلة القدر؟ قال: لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله رواه أحمد.

وعن سلمان قال: خطبنا رسول الله ﷺ في آخر يوم من شعبان، فقال: يا أيها الناس، قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة القدر خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزداد فيه الرزق، ومن فطر فيه صائمًا كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء قالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم، قال رسول الله ﷺ: يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائمًا على مذقة لبنٍ أو تمرةٍ، أو شربةِ ماء. ومن سقى صائمًا سقاه الله عز وجل من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة، ومن خفف عن مملوكه فيه غفر الله له، وأعتقه من النار حتى يدخل الجنة، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غناء بكم عنهما، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما اللتان لا غناء بكم عنهما: فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار رواه ابن خزيمة والبيهقي وغيرهما.

وعن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال: أظلكم شهركم هذا، بمحلوف رسول الله ﷺ ما مر بالمسلمين شهر خير لهم منه، ولا مر بالمنافقين شهر شر لهم منه، بمحلوف رسول الله ﷺ إن الله ليكتب أجره ونوافله قبل أن يدخله، ويكتب وزره وشقاءه قبل أن يدخله. وذلك أن المؤمن يُعدُّ فيه القوت والنفقة للعبادة، ويعدُّ فيه المنافق اتباع غفلات المؤمنين واتباع عوراتهم. فغنم يغتنمه المؤمن.

وقال بندار في حديثه: فهو غنم للمؤمنين، يغتنمه الفاجر رواه ابن خزيمة في صحيحه وغيره.

الشيخ: هذه الأحاديث فيها الحث على اغتنام هذا الشهر الكريم بالأعمال الصالحة، وأنه لا شهر أفضل منه، وأنه غنيمة للمؤمن وفرصة للمؤمن يتقرب فيه بأنواع الخير، ويسارع فيه إلى أنواع الطاعات، فينبغي للمؤمن أن ينتهز هذه الفرصة، ولهذا جاء في حديث أبي هريرة المتقدم يقول ﷺ: أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطها أمة قبلهم: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وهذه الخصلة جاءت بها الأحاديث الصحيحة، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله عز وجل كل يوم جنته ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ويصيروا إليك، وتصفد فيه الشياطين ومردة الجن فلا يخلصوا فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره يعني طوى عنهم سلطانه في هذا الشهر الكريم ويغفر لهم في آخر ليلة قيل: يا رسول الله أهي ليلة القدر؟ قال: لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله.

فهذه الخصال لها شواهد كلها تدل على فضل هذا الشهر العظيم، وينبغي للمؤمن أن يغتنمه في أنواع الخير وأنواع العبادة، كثرة الصدقة والاستغفار، والحذر من أسباب الشياطين وأذاهم، فإن المؤمن وإن كان في هذا الشهر الكريم قد أعانه الله ويسر أمره وأضعف شيطانه، لكن ينبغي له أن يجاهد نفسه حتى تستمر هذه العبادات وهذا النشاط في جميع السنة، فلا ينبغي له ولا يليق به أن يجتهد في رمضان ثم يضيع بعد رمضان، بل ينبغي أن يستمر وأن يكون الجهاد مستمرا لعدو الله مستمرا في طاعة الله وابتغاء مرضاته.

وهكذا ما جاء في حديث سلمان أن الرسول الكريم كان يبشر أصحابه له شواهد، وإن كان في حديث سلمان انقطاع وضعف لكن له شواهد تقدم بعضها، كان يبشر أصحابه جاءكم شهر مبارك، شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا، فيه ليلة خير من ألف شهر وهي ليلة القدر، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان من أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة والمؤمن يواسي إخوته الفقراء، شهر يزداد فيه الرزق، من فطر فيه صائما كان له مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار هذا فضل كبير، قيل يا رسول الله أليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم؟ قال: يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائما على مذقة لبن أو تمرة أو شربة ماء، ومن سقى فيه صائما سقاه الله من حوضي شربه لا يظمأ بعدها أبدا، ومن خفف عن مملوكه أو أعتقه أعتق الله رقبته من النار، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار شهر يغلب على أوله الرحمة والتوفيق للمؤمنين بالعمل، وعلى وسطه المغفرة لهم بسبب أعمالهم الطيبة، ويغلب على آخره العتق من النار لأهل التقوى والاستقامة في هذا الشهر الكريم، فينبغي للمؤمن أن يلاحظ هذه الأمور وأن يجتهد في عمارة هذا الشهر الكريم بأنواع الخير وأنواع العبادة، ولهذا قال بعده: فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم وهما شهادة أن لا إله إلا الله والاستغفار يعني الإكثار من ذكر الله ومن الاستغفار، وخصلتان لا غناء بكم عنهما وهما: سؤال الله الجنة، وتعوذون به من النار.

فأنت يا عبد الله في هذا الشهر الكريم مأمور بالعناية بهذه الخصال الطيبة، بالاستكثار من طاعة الله وبالاستكثار من ذكر الله والتسبيح والتهليل والتحميد، والاستكثار من الاستغفار وسؤال الله الجنة والتعوذ به من النار، ترجو ثواب الله وتخشى عقاب الله، ويبين الحديث السابق أنه ما مرّ بالمؤمنين شهر خير لهم منه بمحلوف رسول الله ﷺ، ولا مرّ بالمنافقين شهر أشر لهم منه، لأن المؤمن يعد فيه النفقة والقوة للعبادة، والمنافق يعد فيه اتباع غفلات الناس واتباع عوراتهم، نسأل الله العافية.

فهو غنيمة للمؤمن يغتنمها من الأجر فينبغي للمؤمن أن يكون ذا حرص على اغتنام الخيرات والمسارعة إلى الطاعات، ضد أهل النفاق الذين يربصون الدوائر ويعدون الشر، فالمنافق عدو الله وعدو المؤمنين يعد لهم كل شر ويتبع عوراتهم ويغتابهم ويتسلط عليهم بأنواع الأذى، أما المؤمن فهو رحمة ينفع الله به العباد وينصح ويواسي ويحسن ويدعو إلى الله ويرغب في الخير ويعين على نوائب الحق، فالمؤمن حاله غير حال المنافق، المنافق مخرب وداعي سوء ومزيف وملبس، والمؤمن صاحب نصح وتوبة واجتهاد وعناية وإعانة على الخير والترغيب فيه في الخير، فالفرق فيه عظيم بين هذه وهذا.

فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم من عباده الصالحين، ومن المؤمنين ومن المسارعين إلى الخيرات، ونعوذ بالله من حال المنافقين وحال أشباههم.

نسأل الله السلامة والعافية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الأسئلة:

س: هل المراد بتفطير الصائم إشباعه؟

الشيخ: على ما يسر الله لأن الحالة مطلقة، على ما يسر الله.

س: تدريب الصغار على الصيام هل يؤجر ولي أمرهم وكذلك هم؟

الشيخ: يجب على ولي أمرهم مثلما يجب في الصلاة، يجب أن يدربهم ويعتني بهم حتى يعتادوا الصوم إذا كانوا من أهله، إذا كانوا يستطيعون مثل ابن عشر أو أشباهه.

س: إذا كانوا أقل؟

الشيخ: قد لا يستطيع، لكن ابن عشر وما فوق قد يستطيع، ليس مثل الصلاة، الصلاة أخف.

س: في أوروبا كثير من الناس يصومون رمضان لكن لا يصلون وليست القضية أنهم لا يريدون الصلاة لا، بل إنهم لا يعرفون الصلاة؟

الشيخ: إلى الله المشتكى، لا بد أن يعلموا، الصلاة أعظم وأهم، والذي ما يصلي كافر نسأل الله العافية، لا بدّ أن يعلموا ويوجهوا إلى الخير، وعلى الدعاة إلى الله أن يعلموهم.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الجنة لتبخَّرُ وَتُزَيَّنُ من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان. فإذا كانت أول ليلة من شهر رمضان هبت ريح من تحت العرش يقال لها: المثيرة، فتصفق أوراق أشجار الجنان، وحلق المصاريع. فيسمع لذلك طنين لم يسمع السامعون أحسن منه. فتبرز الحور العين، حتى يقفن بين شرف الجنة فينادين: هل من خاطب إلى الله فيزوجُه؟ ثم يقلن الحور العين: يا رضوان الجنة، ما هذه الليلة؟ فيجيبهن بالتلبية. ثم يقول: هذه أول ليلة من شهر رمضان، فتحت أبواب الجنة على الصائمين من أمة محمد ﷺ رواه البيهقي وغيره.

وعن عمرو بن مرة قال: جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان وقمته، فممن أنا؟ قال: من الصديقين والشهداء رواه ابن خزيمة وابن حبان.

وعن أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ كان يدعو ببلوغ رمضان، فكان إذا دخل شهر رجب، قال: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان رواه الطبراني وغيره.

وقال عبدالعزيز بن مروان: كان المسلمون يقولون عند حضور شهر رمضان: اللهم قد أظلنا شهر رمضان وحضر، فسلمه لنا وسلمنا له، وارزقنا صيامه وقيامه، وارزقنا فيه الجد والاجتهاد والقوة والنشاط، وأعذنا فيه من الفتن.

وقال معلى بن الفضل: كانوا يدعون الله ستة أشهر: أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر: أن يتقبله منهم.

وقال يحيى بن أبي كثير: كان من دعائهم: اللهم سلِّمني إلى رمضان وسلم لي رمضان، وتسلَّمه مني متقبلا.

بلوغ شهر رمضان، وصيامه نعمة عظيمة، ويدل عليه حديث الثلاثة الذين استشهد اثنان منهم، ومات الثالث بعدهما على فراشه، فرؤي في المنام سابقًا لهما، فقال النبي ﷺ: أليس صلى بعدهما كذا وكذا صلاة، وأدرك رمضان فصامه؟ فوالذي نفسي بيده إن بينهما لأبعد مما بين السماء والأرض رواه أحمد وغيره.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ودخل رمضان، يا رسول الله، فما أقول: قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني.

جاء رمضان، فيه الأمان والعتق والفوز بسكنى الجنان. من لم يربح في هذا الشهر ففي أي وقت يربح؟ من لم يقرب فيه لمولاه فهو على بعده لا يبرح، من رحم في هذا الشهر فهو المرحوم، ومن حرم خيره فهو المحروم.

أتى رمضان مزرعة العباد لتطهير القلوب من الفساد
فأدِّ حقوقه قولا وفعلا وزادَك فاتخذه للمعاد
فمن زرع الحبوب وما سقاها تأوه نادمًا عند الحصاد

وعن أبي جعفر بن علي ، قال: كان رسول الله ﷺ إذا استهل شهر رمضان استقبله بوجهه، ثم يقول: اللهم أَهِلَّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والعافية المجللة، ودفاع الأسقام، والعون على الصلاة والصيام، وتلاوة القرآن. اللهم سلمنا لرمضان وسلمه لنا، وتسلمهُ منا، حتى يخرج رمضان وقد غفرتَ لنا ورحمتنا وعفوت عنا أخرجه ابن عساكر.

وروى ابن النجار عن الحارث الأعور، عن علي ، أنه كان إذا نظر إلى الهلال قال: اللهم إني أسألك خير هذا الشهر، وفتحه ونصره وبركته، ورزقه ونوره وظهوره، وأعوذ بك من شره وشر ما بعده.

الشيخ: هذه الأحاديث والآثار عن السلف كلها تدل على حرصهم على الأعمال الصالحة في هذا الشهر، واستبشارهم ورغبتهم فيما أعد الله للمؤمنين فيه، وأنه ينبغي للمؤمن أن ينافس في هذه الأيام الكريمة، وأن يسارع إلى أنواع الخير من صلاة وتسبيح وتحميد وتهليل وذكر وقراءة قرآن وصدقات وغير هذا من وجوه الخير اغتناما للزمن العظيم، فإنه شهر عظيم تفتح به أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب جهنم وتغل فيه الشياطين، وينادي فيهم مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة، يغشاهم ويقول فيه الرب جل وعلا: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وانا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي.

ويقول ﷺ: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه هذا فضل عظيم.

وكان السلف يعتنون بهذا الأمر يقولون: اللهم سلمنا لرمضان، وسلم لنا رمضان، وتسلمه منا متقبلا، كان بعضهم يدعو الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ويدعون ستة أشهر أن يتقبله منهم، هذا من أدلة حرصهم على العمل فيه ورغبتهم فيه واستبشارهم به.

وسأله القائل: يا رسول الله أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصليت الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان وقمته، فممن أنا؟ قال: من الصديقين والشهداء.

العبد إذا أدى هذه الأركان مع الاستقامة على طاعة الله ومع ترك محارم الله، فلا شك أنه من عباد الله الصديقين، من عباد الله الأخيار، فإن النصوص يفسر بعضها بعضا، ويدل بعضها على بعض، ويقيد بعضها بعضا، فمن استقام على دين الله: من صلاة وصوم وزكاة وغير ذلك، وابتعد عن محارم الله فهو من الأخيار، وهو داخل في قوله جل وعلا: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69].

ومما ينبغي الحرص عليه مواساة الفقير في هذا الشهر الكريم، والإحسان إليه من غير زكاة الفطر ومن غير زكاة المال، بالحرص على أن يحرص المؤمن على المواساة ولو بالقليل اتقوا النار ولو بشق تمرة.

فإن كل واحد إذا حرص وبذل ما تيسر تجمع للفقير خير كثير، فالمؤمن يسارع إلى الخيرات ويواسي ويحسن ويرجو ما عند الله من المثوبة ولا يستقل بل يدفع ما تيسر له عشرة، خمسة، عشرين، ثلاثين، طعام، ملابس، الفقراء في حاجة إلى المساعدة بجميع أنواعها، وذكر الله وقراءة القرآن لها شأن عظيم، وهذا بحمد الله ميسر.

فينبغي للعبد الإكثار من قراءة القرآن الكريم والإكثار من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والاستغفار وقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإن هذه أعمال عظيمة وثوابها عظيم، ومع ذلك ميسرة بحمد الله لا كلفة فيها، نسأل الله أن يوفق الجميع للمسارعة إلى كل خير والحذر من كل شر، اللهم صل وسلم على رسول الله.

الأسئلة:

س: في بداية شهر رمضان يكون هناك إقبال على الحضور في المساجد ثم بعد فترة يكون هناك فتور، فما هو العلاج؟

الشيخ: العلاج تقوى الله جل وعلا ومراقبة الله، إن الله سبحانه يجب أن يعظم ويعبد في رمضان وفي غيره، يجب على المؤمن أن يؤدي الفرائض ويحذر المحارم في جميع الأوقات، لكن يخص أوقات الفضائل بمزيد من العناية، رمضان، عشرة من ذي الحجة، أيام الحج في مكة، يخص الأيام الفاضلة بمزيد عناية من المسارعة إلى أنواع الخير وأنواع القربات، لكن يجب في جميع الأوقات أن يؤدي ما أوجب الله، وأن يحذر ما حرم الله، وأن يقف عند حدود الله، هذا هو الواجب عليه، وأن يتذكر عظمة الله، وأنه عبد مأمور، وأن الله يطلع ويرى مكانه، وأنه سبحانه جواد كريم، فمن أحسن أحسن الله إليه، والله المستعان.

س: حديث على الاستهلال الأخير الذي رواه الحارث الأعور؟

الشيخ: حديث الحارث الأعور ضعيف، لكن هذه الآثار يسوقها المؤلف وغيره من باب الترغيب إلى أعمال الخير.

س: التطويل في دعاء القنوت؟

الشيخ: السنة عدم التطويل في ختم القرآن وفي دعاء القنوت، لا يشق على الناس، بل يتحرى الرفق بهم وعدم المشقة عليهم.

س: هل الدعوة مستجابة عند ختم القرآن وهل فيها شيء؟

الشيخ: ما ورد فيها شيء يعتبر، إنما هو من فعل السلف يرجى فيها خير.

س: هل يجتمعون للدعاء وهل في ذلك شيء؟

الشيخ: إذا دعا أمّنوا مثل القنوت، مثل قنوت النوازل ومثل قنوت الاستسقاء، نعم في دعاء الاستسقاء الإمام يخطب ويدعو والمأموم يؤمن.

س: بعض الناس يجتمعون في يوم ختم القرآن فيعملون مأدبة ثم يجتمعون للدعاء، يدعو أحدهم ويؤمن الباقون، يجتمعون على صفة خاصة؟

الشيخ: إذ كان فيما بينهم يدرسون ويختمون، يرجى لهم خير إن شاء الله، ما فيه بأس.

س: لكن يعملون شيئا مرتبا بالنظام، في كل فترة يجتمع في بيت أحدهم، وأحدهم يدعو والآخرون يؤمنون بعده؟

الشيخ: ما نعلم فيه شيء، عند ختم القرآن ترجى الإجابة، هكذا قال السلف: ترجى الإجابة.

س: الدعاء يكون داخل الصلاة أو خارجها؟

الشيخ: في داخلها وفي خارجها كلاهما جائز.

س: أيهما أفضل: حفظ القرآن أو تلاوته؟

الشيخ: الإكثار من قراءة القرآن أولى في اغتنام الشهر، وإذا جعل وقت للحفظ ووقت للقراءة كله خير.

فصل

في فضل صوم شهر رمضان

في الصحيحين عن أبي هريرة ، عن النبي ﷺ قال: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك.

وفي رواية: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي.

وفي رواية للبخاري: لكل عمل كفارة، والصوم لي، وأنا أجزي به.

ولأحمد: كل عمل ابن آدم كفارة إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به.

فعلى الرواية الأولى: يكون استثناء الصوم من الأعمال المضاعفة، فتكون الأعمال تضاعفُ بعشر أمثالِها إلى سبعمائَةِ ضعفٍ إلا الصوم، فإنه لا ينحَصرُ تضعيفه، بل يضاعِفه الله أضعافًا كثيرةً. فإن الصيام من الصبر، وقد قال الله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10].

ولهذا روي عن النبي ﷺ أنه قال: شهر رمضان شهر الصبر، وعنه أنه قال: الصوم نصف الصبر رواه الترمذي.

والصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، وتجتمع الثلاثة كلها في الصوم. وتقدم في حديث سلمان: هو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وروى الطبراني عن ابن عمر مرفوعًا: الصيام لله، لا يعلم ثوابه إلا الله.

واعلم أن مضاعفة الأجر للأعمال تكون بأسباب:

منها: شرف المكان المعمول فيه ذلك العمل، كالحرم، ولذلك تضاعف الصلاة في مسجديْ مكة والمدينة، كما ثبت في الصحيح صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وفي رواية فإنه أفضل، ولذلك روي أن الصيام يضاعف بالحرم.

وفي سنن ابن ماجه بإسناد ضعيف عن ابن عباس مرفوعًا: من أدرك رمضان بمكة فصامه وقام منه ما تيسر: كتب الله له مائة ألف شهر رمضان فيما سواه وذكر له ثوابًا كثيرًا.

ومنها: شرف الزمان، كشهر رمضان وعشر ذي الحجة، وتقدم في حديث سلمان في فضل شهر رمضان من تطوع فيه بخصلة من خصال الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه.

وفي الترمذي عن أنس ، سئل النبي ﷺ: أي الصدقة أفضلُ؟ قال: صدقة في رمضان.

وفي الصحيحين عنه ﷺ قال: عمرة في رمضان، تعدل حجة أو قال: حجة معي، وروي في حديث أن عمل الصائم مضاعف.

وذكر ابن أبي مريم عن أشياخه: أنهم كانوا يقولون: إذا حضر شهر رمضان فانبسطوا فيه بالنفقة، فإن النفقة فيه مضاعفة كالنفقة في سبيل الله، وتسبيحةٌ أفضل من ألف تسبيحة في غيره.

قال النخعي: صوم يوم من رمضان أفضل من ألف يوم، وتسبيحةٌ فيه أفضل من ألف تسبيحة، وركعة فيه أفضل من ألف ركعة.

فلما كان الصيام في نفسه مضاعفًا أجره بالنسبة على سائر الأعمال، كان صيام شهر رمضان مضاعفًا على سائر الصيام، لشرف زمانه، وكونه هو الصوم الذي فرضه الله على عباده، وجعل صيامه أحد أركان الإسلام التي بني الإسلام عليها.

الشيخ: هذه الأحاديث والآثار كلها تتعلق ببيان فضل العمل في هذا الشهر الكريم، فهو سيد الشهور وأفضل الشهور، والأعمال فيه مضاعفة من تسبيح وتهليل وتكبير وقراءة قرآن وصلاة وصدقات، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، ودعوة إلى الله والجهاد فيه، وغير هذا من وجوه الخير كلها مضاعفة، من ذلك الصيام يقول الله جل وعلا: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به معناه أن الصيام لا يعلم كثرة مضاعفته وعدد مضاعفته إلا الله ، وأنه يضاعف كثيرا دون حصر بعدد كما قال: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي يعني المؤمن ترك هذه المشتهيات وهذه المفطرات من أجل الله يتقرب إليه بترك شهواته ابتغاء مرضاته .

وهذه الشهوات صعب على النفوس تركها ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس، صعب على النفوس تركها الأكل والشرب والجماع وغير ذلك من المباحات، ولكن متى تركها العبد لله يبتغي ثوابه ويطلب أجره ويعظم أمره صار له بذلك الأجر العظيم عند الله ، ولهذا قال جل وعلا: كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به خص به هنا لأن العبد أضمر هذا الإخلاص في قلبه وتقرب إليه بمحابه من هذه الدنيا من طعام وشراب ونكاح وغير ذلك يرجو ثواب الله، ترك ذلك ابتغاء مرضاته، وقد يتركها في وقت هو أشد ما يكون حاجة فيها كأيام الصيف، فأيام الصيف طويلة والحاجة إلى الشرب شديدة، ومع هذا فالمؤمن يتقرب إلى الله بترك هذه الشهوات في الشتاء والصيف، يرجو ثواب الله ويخشى عقابه ، فشكر الله له هذا العمل وضاعف له المثوبة .

فينبغي للمؤمن أن يحتسب هذه الأشياء، وأن يجتهد في أعمال الخير، يرجو ثواب الله ويخشى عقابه، كما يجب أن يحذر السيئات والمعاصي كلها، لأن المعصية في هذا الشهر عظيمة، يقول النبي ﷺ: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه. ويقول: الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم فليس الصيام من الطعام والشراب، إنما الصيام من اللغو والرفث عما حرم الله جل وعلا.

ويقول عليه الصلاة والسلام: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ويقول ﷺ: عمرة في رمضان تعدل حجة، وفي اللفظ الآخر: حجة معي عليه الصلاة والسلام، هذا فضل كبير والأعمال تضاعف بشرف الزمان، وقد تضاعف بشرف المكان، وقد تضاعف بشرف العامل نفسه، فالمضاعف بشرف المكان مثل: الحرمين الشريفين، فإن العمل بمكة من صلاة وصوم وصدقات تضاعف، والطواف وغير ذلك تضاعف في مكة، في الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام فإنها خير من مائة ألف صلاة.

أما الصيام فلم يرد فيه حديث ثابت في مضاعفته في مكة، هذه رواية ابن ماجه أنه يضاعف فيه بمائة ألف رمضان هذا حديث ضعيف، لكن على كل حال الصيام في مكة والتسبيح وقراءة القرآن وغيرها من الأعمال الصالحات مضاعفة، لكن لا يعلم عدد المضاعف ولا كميتها إلا هو .

وهكذا الصوم والصدقات والصلاة وسائر الأعمال الصالحة مضاعفة أيضا في المدينة المنورة، يقول ﷺ: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه يعني بمائة ألف بالنسبة إلى غير مسجده عليه الصلاة والسلام.

فالحازم والكيس والمشروع للمؤمن أن يضاعف الأعمال في مكة والمدينة، وفي هذا الزمان في رمضان، فإن الصدقة والأعمال الصالحة تضاعف في الزمان الفاضل أيضًا، كرمضان وكعشر ذي الحجة تضاعف فيها الأعمال الصالحات، والإنسان لا يدري ما قدر حياته، فيشرع له اغتنام الفرص في كثرة الأعمال الصالحات في الزمن الفاضل كرمضان وذي الحجة، وفي المكان الفاضل كمكة والمدينة، يرجو ثواب الله ويخشى عقاب الله، وكلما كان الإنسان أكثر عملا صالحا كانت المضاعفة أكثر، فمضاعفة العمل لأصحاب الرسول ﷺ أكثر من غيرهم لفضلهم وكمال إيمانهم حتى قال النبي ﷺ: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه.

لو أنفق مثل أحد ذهبا وأحد جبل عظيم في المدينة، لو أنفق الإنسان مثله ذهبا ما بلغ مد الصحابة ولا نصيف الصحابة رضوان الله عليهم، هذا فضل عظيم لأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام.

وهكذا من كان مجتهدا في الأعمال الصالحات والتقوى لله تكون أعماله مضاعفة، وينبغي للمؤمن في هذا الشهر الكريم اغتنامه بكثرة الصدقات والتسبيح والتهليل وتفطير الصوام وكثرة الاستغفار إلى غير هذا من وجوه الخير، اغتناما لهذه الأيام الفاضلة.

ويروى عنه ﷺ من حديث سلمان أنه قال في هذا الشهر الكريم: من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه.

ويقول الرسول ﷺ: شهر الصبر سماه شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، يقول الله جل وعلا: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10]، ويقول جل وعلا: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127]. فالمقصود أن هذا الشهر فيه صبر على الصيام، وصبر على القيام، وصبر على حفظ الجوارح عما حرم الله، وصبر على أعمال الخير هو شهر الصبر من جميع الوجوه.

فالمشروع للمؤمن والمؤمنة كثرة الأعمال الصالحة فيه والصبر في ذلك على كل خير، مع الصبر على كف النفس عما حرم الله، يجاهدها حتى لا تقدم على ما حرّم الله، وحتى لا تكسل عما شرع الله، رزق الله الجميع التوفيق والقبول والهداية.

س: إذا كان الإنسان في الحرم هل أفضل له أن يقرأ القرآن أو يأخذ سبعة أشواط؟

الشيخ: ينبغي أن يكثر من الطواف، لأن الطواف ما يعمل إلا في مكة، وهو عمل يختص بمكة فيكثر منه، الطواف أفضل من سائر الأعمال للغرباء، أما أهل مكة المقيمون بها استيطانا فالصلاة في حقهم أفضل، كثرة الصلاة أفضل من كثرة الطواف لأن الطواف عندهم دائم وقادرون عليه، وهكذا الصدقات في مكة تغتنم، وكثرة قراءة القرآن، فالأجور فيها مضاعفة.

س: الذي يصوم الخميس والاثنين في غير رمضان، ودعوه بعض الإخوان لشرب الشاي هل يقول لهم: إني صائم؟

الشيخ: الأفضل أن يكمل صومه يقول: إني صائم اعذروني مثلما قال الرسول ﷺ: إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل إني صائم ما في بأس.

س: إذا ارتكب الإنسان مخالفة شرعية في رمضان في مكة هل يكون الإثم مضاعفا؟

الشيخ: يكون مضاعفا من جهة الكيفية لا من جهة العدد، السيئة بالسيئة لكن سيئة في مكة أعظم من سيئة في الطائف أو في الرياض.

س: وفي رمضان يكون الإثم أعظم؟

الشيخ: وسيئة في رمضان أعظم من سيئة في شعبان لعظم وزرها، لعظم الإثم لكن لا تعدد يقول جل وعلا: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [الأنعام:160].

س: قول الرجل: إني صائم في صيام رمضان يقولها جهرا أم سرا؟

الشيخ: يقولها ليعتذر من أخيه، من كان يريد عذرا لئلا يتهمه أنه لا يحب مجيئه ولا يحترمه، وفي رمضان كل الناس يعرفون أنه صائم وصائمة، فإذا قال: صائم ما في بأس.

س: من يرتكب مخالفة في المدينة هل يكون الإثم أعظم أيضا؟

الشيخ: كذلك نعم تعظم، الحسنة والسيئة تعظم، وهكذا في عشر ذي الحجة.

وقد يضاعف الثواب بأسباب أخر، منها: شرف العامل عند الله وقربه منه، وكثرة تقواه، كما ضوعف أجر هذه الأمة على أجور من قبلهم من الأمم. وأما على الرواية الثانية: فاستثناء الصيام يرجع إلى أن سائر الأعمال للعباد، والصيام اختصه الله لنفسه كما يأتي، وأما الرواية الثالثة: فالاستثناء يعود إلى التكفير بالأعمال.

ومن أحسن ما قيل في ذلك: ما قاله سفيان، قال: هذا من أجود الأحاديث وأحكمها إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده، ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى لا يبقى إلا الصوم، فيتحمل الله ما بقي من المظالم، ويدخله بالصوم الجنة رواه البيهقي وغيره.

وعلى هذا فيكون المعنى: أن الصيام لله عز وجل، فلا سبيل لأحد إلى أخذ أجره من الصيام، بل أجره مدخر لصاحبه عند الله، وحينئذ فقد يقال: إن سائر الأعمال قد يكَّفرُ بها ذنوب صاحبها، فلا يبقى له أجر، فإنه روي: إنه يوازن يوم القيامة بين الحسنات والسيئات، ويقص بعضها من بعض، فإن بقي حسنة دخل بها صاحبها الجنة.

وفيه حديث مرفوع فيحتمل أن يقال في الصوم: إنه لا يسقط ثوابهُ بمقاصة ولا غيرها، بل يوفَّر أجرهُ لصاحبه حتى يدخل الجنة، فيوفى أجرُه فيها.

وأما قوله: فإنه لي فإن الله خص الصيام بإضافته إلى نفسه دون سائر الأعمال؛ وذكر في معنى ذلك وجوه، من أحسنها وجهان:

أحدهما: أن الصيام مجرد ترك حظوظ النفس وشهواتها الأصلية، التي جبلت على الميل إليها لله ولا يوجد ذلك في عبادة أخرى غير الصيام. فإذا اشتد توقان النفس إلى ما تشتهيه مع قدرتها عليه، ثم تركته لله في موضع لا يطلع عليه إلا الله: كان ذلك دليلا على صحة الإيمان.

فإن الصائم يعلم أن له ربا يطلع عليه في خلوته، وقد حرم عليه أن يتناول شهواته المجبول على الميل إليها في الخلوة، فأطاع ربه وامتثل أمره، واجتنب نهيه، خوفًا من عقابه ورغبة في ثوابه، فشكر الله له ذلك، واختص لنفسه عمله هذا من بين سائر أعماله، ولهذا قال بعد ذلك إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي قال بعض السلف: طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد غيب لم يره.

لما علم المؤمن الصائم أن رضى مولاه في ترك شهواته، قَدَّمَ رضى مولاهُ على هواه، فصرات لذتُه في ترك شهواتِه لله، لإيمانِه باطلاع الله وأن ثوابَه وعقابَه أعظمُ من لذةٍ يتناولُها في الخلوة، إيثارًا لرضى ربه على هوى نفسه، بل المؤمن يكره ذلك في خلوته أشد من كراهته لألم الضرب.

ولهذا كثير من المؤمنين لو ضرب على أن يفطر في رمضان لغير عذر لم يفعل، لعلمه بكراهية الله تعالى لفطره في هذا الشهر، وهذا من علامات الإيمان: أن يكره المؤمن ما يلائمه من شهواته إذا علم أن الله يكرهه، فتصير لذته فيما يرضي مولاه، وإن كان مخالفًا لهواه.

وإذا كان هذا فيما حُرِّمَ لعارض الصوم: من الطعام والشراب، ومباشرة النساء، فينبغي أن يتأكد ذلك فيما حُرِّمَ على الإطلاق، كالزنا وشرب الخمر، وأخذ أموال الناس بالباطل، وهتك الأعراض بغير حق، وسفك الدماء المحرمة، فإن هذا يسخط الله على كل حال، وفي كل مكان وزمان.

الوجه الثاني: أن الصيام سرٌّ بين العبد وبين ربه لا يطلعُ عليه غيره، لأنه مركبٌ من نيةٍ باطنةٍ لا يطلعُ عليها إلا الله، وتركٍ لتناولِ الشهوات التي يستخفى بتناولها في العادة، ولذلك قيل: لا تكتبه الحفظة وقيل: إنه ليس فيه رياء.

وقد يرجع إلى الأول، فإن من ترك ما تدعوه نفسه إليه لله ، بحيث لا يطلع عليه غير من أمره ونهاه: دلَّ على صحة إيمانه، والله تعالى يحبُّ من عباده أن يعاملوه سرًا بينهم وبينهُ بحيثُ لا يطلعُ على معاملتهم إياهُ سواهُ.

وقوله: ترك شهوتهُ وطعامه من أجلي فيه إشارةٌ إلى ما ذكر من أن الصائمين يتقربون إلى الله تعالى، بترك ما تشتهيه نفوسهم من الطعام والشراب والنكاح، وهذه أعظمُ شهوات النفس.

وفي التقرب إلى الله بترك هذه الشهوات بالصيام فوائد.

منها: كسرُ النفس، فإن الشبع والرِّيَّ ومباشرة النساء، تحملُ النفس على الأشَر والبطرِ والغفلةِ.

ومنها: تخليِّ القلب للفكر والذكر، فإن تناول هذه الشهوات يقسَّي القلب ويُعميه، ويحولُ بين القلب والذكر والفكر، ويستدعي الغفلة، وخلوة البطن من الطعام والشراب ينورُ القلب، ويوجبُ رقَّته، ويزيلُ قسوتهُ، ويُخْليهِ للذكر والفكر.

ومنها: أن الغني يعرفُ قدر نعمة الله عليه، بإقداره له على ما منعهُ كثيرًا من الفقراء، من فضول الطعام والشراب، والنكاح، فإنه بامتناعه من ذلك في وقت مخصوص، وحصول المشقة له بذلك، يتذكرُ به مَنْ مُنع منْ ذلك على الإطلاق، فيوجب له ذلك شكر نعمة الله عليه بالغنى، ويدعوه إلى رحمة أخيه المحتاج، ومواساته بما يمكنُ من ذلك.

الشيخ: هذه الأحاديث والآثار والعلل والحكم كلها تدل على عظم شأن الصوم ومنزلته عند الله عز وجل، ولهذا يقول سبحانه فيما رواه عنه نبيه عليه الصلاة والسلام يقول جل وعلا: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، يترك شهوته وطعامه من أجلي. هذا يدل على أن الله جل وعلا اختص هذه العبادة لنفسه لأنها سر بين العبد وبين ربه، الصلاة يراها الناس، والحج يراه الناس، والزكاة يراها الناس، حتى الشهادتان يسمعها الناس، وهكذا الجهاد، وهكذا المعاملات، أما الصوم فهو سر بين العبد وبين ربه، نية بترك الطعام والشراب والجماع يرجو ثواب الله ويخشى عقاب الله، فالله جل وعلا اختصه لنفسه وقال: إلا الصوم فإنه لي يعني عبادة خاصة ليس فيها ما يدعو إلى الرياء، لأنها سر بين العبد وبين ربه، وإن كان قد يتحدث بها مرائيا لكن الأصل أنها لا نصيب للرياء فيها لأن سر بين العبد وربه، لأنها مجرد ترك أكل وشرب وجماع، يبتغي ما عند الله أي يريد ثواب الله والدار الآخرة، فاختص الله عمله بهذا الفضل فقال: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به وجعل ثوابه وجزاءه غير محدد جل وعلا يجازيه بما يشاء من مضاعفة الأجور.

وفي الصوم فوائد عظيمة:

منها: تذكر العبد ربه وإخلاصه له وإقباله عليه بهذه العبادة، فيكسر ذلك نفسه ويجعله خاضعا ذليلا مقبلا على الله، خائفا منه راجيا له لكونه تقرب إليه بأعمال خاصة لا يعلمها سواه بهذه النية، فينكسر لله ويذل لله ويعظم حرمات الله يرجو ثوابه ويخشى عقابه، ومعلوم ما في الانكسار لله والتذلل لله من البعد عن المحارم والإقبال على الطاعات والفضائل، فإن النفوس في الغالب متى شربت وأكلت وأعطيت حقها وحاجتها أصابها الأشر والبطر والتكبر، فالصوم يكسر النفس ويذلها ويعرفها بحاجتها، وأنها ضعيفة مفتقرة للطعام والشراب.

فهذا الترك الذي بين الفجر وبين الليل يعرف العبد نفسه وضعفه، وأنه في حاجة إلى هذه المادة من الأكل والشرب حتى تعيش هذه النفس، فالله يذكره بحاجته، ويذكره بضعفه، فيحصل له بذلك الانكسار والذل بين يدي الله، وتواضع ورغبة فيما عند الله ورهبة مما عنده ، ومن ذلك أنه يتذكر في حاجته إلى الطعام والشراب -أيام الصوم- يتذكر إخوانه الفقراء الذين يحتاجون إلى الطعام والشراب دائما، ويحتاجون إلى ما يساعدهم في جميع شؤونهم فيرحمهم ويعطف عليهم ويتصدق، فإنه عرف حاجته لما حيل بينه وبين الطعام والشراب عرف الحاجة إلى هذه المادة معرفة أكثر، هذا يوجب له أيضًا أن يتذكر حاجة المحرومين من الفقراء الذين ليس عندهم ما يحتاجون إليه من الطعام والشراب والنكاح فيدعوه ذلك إلى الرحمة والعطف والإحسان والجود والكرم.

ومن ذلك أيضا: أن الله جل وعلا يعرف العبد حاجته التي تدل على أنه ضعيف مسكين، فينكسر لله ويذل ويجتهد في طاعته سبحانه والتقرب إليه والبعد عن معصيته، فإذا كان هذا الفضل في ترك هذه الأمور المباحة في وقت مخصوص تقربا إلى الله دل ذلك على أنه يجب عليه أن يحذر المحرمات الأخرى التي حرم الله عليه في جميع الزمان من الزنا والسرقة والظلم وشرب المسكرات وتعاطي الربا إلى غير هذا من المحرمات، إذا عرف أن الله جل وعلا قد أحب منه ترك هذه الأشياء التي حرّمها عليه في الصوم فهو كذلك سبحانه يحب منه أن يدع ما حرّم الله عليه دائما، وأن يحذره في جميع الأوقات في جميع الزمان والمكان يرجو ثواب الله ويخشى عقابه، وهذا هو الواجب على العبد، الواجب على العبد أن يكون مع ربه منقاد لأمره حيث أمره يأتمر، وحيث نهاه ينتهِ، ليس مع نفسه بل مع ربه في الامتثال بالطاعات وفي الحذر من السيئات وفي الوقوف عند الحدود يرجو ثوابه ويخشى عقابه، هكذا يجب على العبد أن يكون مع ربه في الامتثال بالطاعات وفي الحذر من السيئات وفي الوقوف عند الحدود يرجو ثوابه ويخشى عقابه، هكذا يجب على العبد يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ  [الأنعام:162-163] فالعبد ملك لله يجب أن يخضع لهذه العبودية ويؤدي حقها. وفق الله الجميع، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم.

س: بالنسبة للصلاة بالمسجد القريب في الحرم هل يكون أجرها مثل أجر الحرم؟

الشيخ: كل مساجد مكة مثل الحرم تضاعف فيها الحسنات كل الحرم، لكن قرب الكعبة وكونه مع الجماعة الكثيرة أفضل وأفضل.

س: دعاء الصائم عند إفطاره بعد دخول الوقت أو بعد صلاة المغرب أو قبل الأذان؟

الشيخ: يوسع فيه للصائم في الدعاء في حال صومه وعند إفطاره قبله أو بعده، قبل الإفطار وبعد الإفطار يستحب الإكثار من الدعاء في جميع أوقات الصوم، وعند الإفطار وعند السحور حال صومه وعند إفطاره جميعا.

س: أقل مدة الاعتكاف؟

الشيخ: ما له حد محدود، لا يوم ولا ليلة ولا ساعة معلومة، ما تيسر له أقول ما تيسر له لأن الرسول ﷺ ما حدد شيئا والله ما حدد شيئا.

س: امرأة صلت الفرض في السيارة وهي مسافرة حيث رفض زوجها أن يوقف لها في الطريق هل صلاتها صحيحة؟

الشيخ: إن كان منعها حتى خافت خروج الوقت؛ لأنه أبى أن يوقف السيارة لها هذا صحيح، تصليها على حسب حالها في السيارة في أي محل ولا تترك الوقت يخرج.

س: ما تعيد الصلاة؟

الشيخ: إذا كانت مسافرة في الفريضة لا بدّ أن تنزل في السفر ما تصليها فوق الدابة، كان النبي ﷺ في السفر يوقف البعير وينزل ويصلي الفريضة في الأرض، إنما يصلي على الدابة التطوعات.

س: يعني صلاتها ليست صحيحة؟

الشيخ: في الفريضة بهذا الشرط حتى خافت خروج الوقت.

ومنها: أن الصيام يضيق مجاري الدم، التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم. فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فتسكنُ بالصيام وساوسُ الشيطان، وتنكسرُ سورةُ الشهوة والغضب، ولهذا جعل النبي ﷺ الصوم وجاءً، لقطعه عن شهوة النكاح.

واعلم أنه لا يتمُّ التقربُ إلى الله تعالى بترك هذه الشهوات المباحة، في غير حالة الصيام، إلا بعد التقرب إليه بترك ما حرم الله عليه في كلِّ حالٍ: من الكذب، والظُّلم، والعُدوان، على الناس في دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم، ولهذا قال ﷺ: من لم يدَعْ قولَ الزور والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه أخرجه البخاري. وفي حديث آخر: ليس الصيامُ من الطعام والشراب، إنما الصيامُ من اللغو والرفث. قال ابن المديني: على شرط مسلم.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعًا: الصيامُ جُنَّةٌ، فإذا كان يومُ صومِ أحدكم، فلا يَرْفُثُ ولا يفسق، ولا يجهل، فإن سابَّه أحدٌ فليقل: إني امرؤٌ صائمٌ. الجُنةُ: ما يستر صاحبه، ويحفظه من الوقوع في المعاصي. والرَّفثُ: الفُحْشُ، ورديءُ الكلامِ.

ولأحمد والنسائي عن أبي عُبيدة مرفوعًا: الصيامُ جُنّةٌ ما لم يُخرِّقْها. وروى الطبراني عن أبي هريرة مرفوعًا: إن الصيام جُنَّةٌ ما لم يُخرِّقْها، قيل: بم يُخرّقْها؟ قال بكذب أو غيبة، وروي عن أبي هريرة مرفوعًا: الصائمُ في عبادة، ما لم يغتب مسلمًا أو يؤذه، وعن أنس: ما صام من ظلَّ يأكلُ لحوم النَّاس.

قال بعض السلف: أهونُ الصيام: تركُ الطعام والشراب.

الشيخ: هذه الأحاديث والآثار كلها تدل على أن الصيام يجمع الأمرين: يجمع بين ترك الطعام والشراب والمفطرات، وبين الكف عن محارم الله التي حرمها دائما، فإن تحريمها في رمضان يكون أشد، فالصائم الكامل الصوم هو الذي يدع ما حرم الله عليه من الطعام والشراب والمفطرات رجاء رحمة الله وعفوه وامتثال أمره، ويدع ما حرم الله عليه من سائر المعاصي كذلك، هكذا يكون الصيام، وهذا الصيام الكامل صيام المؤمنين: الإمساك عن المفطر والكف عن محارم الله التي حرمها في الصيام والتي حرمها دائما يرجو ثواب الله ويخشى عقاب الله، لا عن رياء ولا عن سمعة ولا عن تقليد ولا عن تجلد ولكن عن رغبة فيما عند الله عن إخلاص وعن صدق يرجو ثواب الله ويخشى عقابه، ولهذا يقول ﷺ: من صام رمضان إيمانا واحتسابا ليس هو مجرد ترك الطعام والشراب بل من صام رمضان إيمانا بأن الله شرعه وأوجبه عليه واحتسابا يرجو ثوابه عند الله جل وعلا غفر له ما تقدم من ذنبه، وهكذا من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.

فالصيام نعمة من الله ورحمة من الله وتوجيه من الله لعباده إلى الخير، ولهذا سماه جنّة قال: الصيام جنّة والجنة ما يستتروا بها عند القتال، فالسيوف جنّة يجتن بها عند القتال عن السيوف وعن الرماح هذه جنّة، فالصيام جنّة أحدنا من النار كجنته من القتال يدفع الله به عنه شر الدنيا والآخرة إذا أخلص وصدق، ولهذا قال ﷺ: والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم.

يرفث الرفث: الجماع وردئ الكلام، ولا يصخب لا يفعل، لا يتكلم بما لا ينبغي، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم، ولهذا يقول جابر : إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء.

قال أنس : ما صام من ظل يأكل لحوم الناس. يعني من ظل يغتاب الناس.

قال ﷺ: الصيام جنة ما لم يخرقها قيل: وبم يخرقها؟ قال: بكذب أو غيبة.

وهذا الصيام يضيق الله بها مجاري الدم التي يجري منها، الشيطان يجري من بني آدم مجرى الدم، وهذا الصيام يضيق المجاري ويسدها على عدو الله من بني آدم لمن أخلص وصدق، وهذه الأيام فرصة للمؤمن يجاهد فيها نفسه ويعبد فيها ربه ويجتهد فيها في أنواع العبادة والذكر يرجو ثواب الله ويخشى عقابه.

وهكذا جميع الفرص: فرص الحج، فرص العمرة، فرص عشر ذي الحجة، وفرص الاجتماع بالأخيار، فرص مجالس الذكر، هذه الفرص يعتني بها المؤمن حتى يزداد إيمانه وحتى تكثر أعماله الطيبة، ويحذر من الاجتماعات الضارة فليحرص على أن تكون زيارته في الله ولله وفي سبيل الله، وأن تكون اجتماعاته مع أهل الخير والصلاح والاستقامة لا مع أهل الغفلة والغيبة والنميمة.

وهكذا في جميع أوقاته يحفظ وقته ويصونه عما حرم الله، فالمؤمن صوان لوقته، صوان للجوارح، واقف عند الحدود يرجو ثواب الله ويخشى عقاب الله، قال تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90] هكذا أولياء الله، وقال عنهم جل وعلا أيضًا: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ۝ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ ۝ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ۝ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:57-61] يعملون وهم خائفون وجلون، يعملون الصالحات ويجتهدون في الخيرات وهم على وجل وخوف يخشون أن ترد عليهم أعمالهم، ألا تقبل لتقصير اقترفوه أو شرط أخلوا به، أو غير هذا من أسباب الرد. وفق الله الجميع.

س:. هل الرفث والفسوق داخل في المزح؟

الشيخ: لا، المزح يختلف، المزح فيه جائز وفيه الممنوع، أما الرفث: جماع الزوجة والردئ من الكلام والفحش، والفسوق جميع المعاصي.

س: واللغو؟

الشيخ:اللغو يختلف، إن كان كلاما خفيفا في وجه خفيف صادق لا بأس، وأما إن كان مزحا كثيرا يكره.

س: ضابط الاعتداء في الدعاء؟

الشيخ: أن يدعو بما حرم الله عليه، هذا ضابط الاعتداء مثلما قال ﷺ: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إذا كان في الدعاء إثم أو قطيعة رحم.

س: حكم السواك في رمضان؟

الشيخ: لا بأس به سنة.

س: في أي وقت؟

الشيخ: في أي وقت في أول النهار أو في آخره، نعم هذا هو الصواب لقول النبي ﷺ: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة الظهر والعصر وغيره.

س: حتى صلاة الفجر ما يخالف في وقت رمضان؟

الشيخ: الفجر والعصر والمغرب والعشاء في رمضان وغيره.

س: رجل نوى أن يذهب إلى العمرة ومعه طفل سنة ونصف يقول كيف يحرم به، يعني هل يكون له إحرام؟

الشيخ: لا، ليس بلازم، وإن نوى عنه فلا بأس، وإن أحرم عنه وجردوه من المخيط ويكشف رأسه وإن كان أنثى جنبوه شيئا من الطيب ونحوه وإن تركه فلا بأس إذ ليس هو بلازم، بعض الناس ما يحسن الأداء عنه فتركه أحوط له حتى لا يتكلف.

وقال جابرٌ: إذا صُمت فليصم سمعُك وبصرُك ولسانُك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقارٌ وسكينةٌ، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء.

إذا لم يكنْ في السَّمع مني تصاوُنٌ وفي بصري غَضٌّ، وفي منطقي صمتُ
فحظِّي إذًا من صومي الجوعُ والظمأ فإن قلتُ: إني صمتُ يومي فما صمتُ

وقال النبي ﷺ: رُبَّ صائمٍ حظُّه من صيامه الجوع والعطشُ، ورب قائمٍ حظهُ من قيامه السهرُ.

وسرُّ هذا: أن التقربَ إلى الله بتركِ المباحات، لا يكملُ إلاّ بعد التقرب إلى الله بترك المباحات، لا يكمل إلا بعد التقرب إليه بترك المحرمات، فمن ارتكب المحرمات، ثم تقرب إلى الله بترك المباحات كان بمثابة من يتركُ الفرائض، ويتقربُ بالنوافل.

وفي مسند أحمد: أن امرأتين صامتا في عهد رسول الله ﷺ، فكادتا أن تموتا من العطش، فذُكِرَ ذلك للنبي ﷺ، فأعرض عنهما، ثم ذكرتا له، فدعاهما، فأمرهما، أن تتقيئآ، فقاءتا ملء قدحٍ قيحًا، ودمًا وصديدًا، ولحمًا عبيطًا، فقال النبي ﷺ: إن هاتين صامتا عمّا أحل الله لهما، وأفطرتا على ما حرَّمَ اللهُ عليهما، جلستْ إحداهُما إلى الأخرى، فجعلتا تأكلان لحوم الناس.

وقولُه ﷺ: للصائم فرحتان: فرحةٌ عند فطره، وفرحة عند لقاء ربِّه أمَّا فرحةُ الصائم عند فطره: فإن النفوس مجبولةٌ على الميل إلى ما يلائمُها، من مطعمٍ، ومشرب، ومنكحٍ، فإذا مُنعت من ذلك في وقت من الأوقات، ثم أُبِّيح لها في وقتٍ آخر، فرحت بإباحة ما مُنعت عنه، خصوصًا عند اشتداد الحاجة إليه. فإن النفوس تفرح بذلك طبعًا، فإن كان ذلك محبوبًا لله، كان محبوبًا شرعًا، والصائمُ عند فطره كذلك، فكما أن الله حرَّم على الصائم تناوُل هذه الشهوات، في نهار الصيام، فقد أذن له فيها في ليل الصيام، بل أحبَّ منه المبادرة إلى تناولها، في أول الليل وآخره، بل أحبُّ عباده إليه أعجلُهُم فطرًا، لما في الصحيحين عن سهلٍ مرفوعًا: لا يزالُ الناسُ بخيرٍ ما عجَّلوا الفطر.

وللترمذي عن أبي هريرة مرفوعًا: قال الله : أحبُّ عبادي إليَّ أعجلهم فطرًا، وروى أحمد عن أبي ذرّ مرفوعًا: لا تزال أمتي بخير ما عجّلوا الفطر، وأخرُوا السّحور.

وروى الحاكمُ، وابن عساكر عن ابن عمر، وأنسٍ مرفوعًا: من فقه الرجل تعجيل فطره، وتأخيرُ سحوره، وتسحروا فإنَّه الغذاءُ المُباركُ، واللهُ وملائكتُه يُصلون على المتسحرين.

فالصائمُ ترك شهواته لله بالنهار، تقرَّبا إليه وطاعةً له، ويبادرُ إليها في الليل تقرُّبًا إلى الله وطاعةً له، فما تركها إلا بأمر ربّه. ولا عاد إليها إلا بأمر ربّه، فهو مطيعٌ له في الحالتين، فإذا بادر الصائمُ إلى الفطر تقرُّبًا إلى مولاه، وأكل وشرب وحمد الله، فإنه يُرجى له المغفرةُ وبُلوُغُ الرّضوان بذلك.

وفي الحديث: إن الله ليرضى عن العبد يأكلُ الأكلة فيحمدُه عليها، ويشربُ الشربة فيحمده عليها، وربما استجيب دعاؤه عند ذلك، كما في الحديث المرفوع: إن للصائم عند فطره دعوةً لا تردُّ.

ولأحمد والترمذي عن أبي هريرة مرفوعًا: ثلاثةٌ لا ترد دعوتُهم: الصائمُ حتى يفطر... الحديث وعن ابن عمر مرفوعًا لكلِّ عبدٍ صائمٍ دعوةٌ مستجابةٌ عند إفطاره، أعطيها في الدنيا، أو ادّخرت له في الآخرة.

ورُوي عن أنسٍ وابن عباسٍ : كان النبي ﷺ إذا أفطر قال: اللهم لك صمتُ، وعلى رزقك أفطرتُ، فتقبَّل منِّي إنك أنت السمعي العليمُ، ورُوي عن ابن عمر مرفوعًا: كان إذا أفطر قال: ذهب الظَّمأ، وابتلَّت العروقُ، ووجب الأجرُ إن شاء الله تعالى، وروي عنه أنه كان إذا أفطر يقولُ: اللهم يا واسع المغفرة، اغفر لي.

وإن نوى بأكله وشُربه تقويةَ بدنه، على القيام والصيام، كان مُثابًا على ذلك، كما أنه إذا نوى بنومه في الليل والنهار، التقوِّي على العمل كان نومُه عبادةً. وفي حديثٌ مرفوعٌ: نوم الصائم عبادةٌ، وصمتُه تسبيحٌ، وعملهُ مضاعفٌ، ودعاؤه مستجابٌ، وذنبهُ مغفورٌ رواه البيهقي.

قال أبو العالية: الصائمُ في عبادةٍ ما لم يغتب أحدًا، وإن كان نامًا على فراشه، رواه عبدالرزاق.

فالصائم في ليله ونهاره في عبادةٍ، ويستجابُ دعاؤه في صيامه وعند فطره؛ فهو في نهاره صائمٌ صابرٌ، وفي ليله طاعمٌ شاكرٌ. وفي حديث رواه الترمذي وغيرهُ: الطاعمُ الشاكرُ بمنزلةِ الصائم الصابر، ومن فهم هذا لم يتوقف في معنى: فرح الصائِم عند فطره. فإن فطرهُ على الوجه المشار إليه، من فضل الله ورحمته، فيدخل في قوله تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ  [يونس:58]، ومن شرط ذلك: أن يكون فطره على حلالٍ، فإن كان فطره على حرام كان ممَّن صام عما أحلَّ الله، وأفطر على ما حرَّم اللهُ، ولم يستجب له دعاءٌ.

وأما فرحُهُ عند لقاء ربه: فبما يجدُهُ عند الله من ثواب الصيام مُدَّخرًا، فيجُده أحوج ما كان إليه، كما قال تعالى: وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا [المزمل:20].

ولابن خُزيمة: فإذا لقي الله ، فرح بصومه، وفي المسند عن عقبة بن عامر ، عن النبي ﷺ قال: ليس من عمل يومٍ إلا يختمُ عليهِ.

وعن عيسى عليه السلام قال: إن هذا الليلَ والنَّهار خزانتان، فانظرُوا ماذا تضعون فيهما، فالأيام خزائنُ للناس، ممتلئةٌ بما خزنوه فيها من خير وشر. وفي يوم القيامة تُفْتَحُ هذه الخزائنُ لأهلها، فالمتقُون يجدون في خزائنهم: العزة والكرامة، والمذنبُون يجدون في خزائنهم: الحسرة والندامة.

الشيخ: الصيام الذي شرعه الله لعباده جعله وسيلة إلى حفظ جوارحهم عن محارم الله، واستعمالها في طاعة الله وتذكر نعم الله التي أنعم بها عليهم، أحد عشر شهرا في كل سنة يأكلون في الليل والنهار، ويشربون في الليل والنهار، ويأتون الناس في الليل والنهار من دون مؤاخذة في ذلك، بل أباح لهم ذلك فضلا منه سبحانه وتعالى، ثم ذكرهم بهذه النعم في شهر واحد، وهو شهر رمضان ليشكروه ويحمدوه ويعرفوا ما أحسن به إليهم جل وعلا. فالواجب على المؤمن أن يعرف قدر هذه النعمة، وأن يصون شهره عن محارم الله، وأن يجتهد في عمارته بطاعة الله: ذكره وشكره واستغفاره والتوبة إليه حتى يكون هذا الشهر غنيمة له ونعمة كبيرة ساقها الله إليه، يتطوع فيها بالأعمال الصالحات، ويجتهد فيها بأنواع الخيرات، ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه، ويقول: الصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم.

ويقول جابر : (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء).

ويقول ﷺ لما بشرهم برمضان قال لهم: إنه شهر بركة، يغشاكم الله فيه، فيحط الخطايا، وينزل الرحمة، ويستجيب الدعاء، وينظر إلى تنافسكم فيه، فيباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله .

فهذا شهر الميدان -ميدان السباق- يتسابق فيه المؤمنون إلى ربهم جل وعلا بأنواع الطاعات وأنواع الخير ليلا ونهارا، فينبغي للمؤمن أن يكون في نهاره وفي ليله مجتهدا في طاعة الله، إن نام نام يستعين به على طاعة الله، وإن أكل يستعين به على طاعة الله، وإن شرب هكذا، فهو يجتهد في أنواع العبادة، ويستعين بنعم الله على طاعة الله.

والسنة أن يبادر بالإفطار لأنه جل وعلا يقول: أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا، ويقول الرسول ﷺ: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر، وفي لفظ آخر: وأخروا السحور، فمن نعم الله أن شرع السحور ليتقوى على طاعة الله بالنهار، وشرع الإفطار والمبادرة إليه ليتقوى على طاعة الله بالليل، وليعرف قدر نعمة الله عليه حيث منعه ثم أذن له لتعرف قدر نعمة الله عليك، حيث منعت من تناول المفطرات ثم أذن لك فتعرف فضل الله عليك وإحسانه عليك، وهو سبحانه القادر على أن يجعل الصوم شهرين أو ثلاثة لا معقب لحكمه سبحانه وتعالى، وهو القادر أيضا أن يمنعك من كذا ويحرم عليك كذا، ولكنه جل وعلا لطف بعباده ورحم عباده فجعله شهرا واحدا، ومنعهم من الأكل والشرب والجماع وما يلحق بذلك من المفطرات ليذكرهم نعمه وفضله عليهم في بقية السنة.

ثم أنت أيها المؤمن مأمور بالمسارعة إلى الخيرات في جميع الزمان، والمسارعة إلى الخيرات من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والصدقات والصلاة والصوم وغير ذلك، فبادر إلى هذه الخيرات وسارع إليها في هذا الميدان، ميدان السباق، ميدان العبادة، ميدان مضاعفة الأجور في هذا الشهر الكريم.

نسأل الله أن يوفق الجميع للمسارعة إلى كل خير، ونسأل الله أن يعيذنا وإياكم من مضلات الفتن ومن شرور النفس وسيئات الأعمال، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

س: بالنسبة للدعاء: ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله يقال في أثناء الإفطار أو بعد نهاية الإفطار؟

الشيخ: إذا أفطر يقول: ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله حتى يكون صادقا.

س: يعني حين يفطر مباشرة؟

الشيخ: نعم هذا السنة.

س: المرأتان اللتان أفطرنا على الغيبة هل الحديث صحيح؟

الشيخ: هذا الحديث في صحته نظر، فيه نكارة يحتاج إلى مراجعة سنده.

س: في حاشية ابن رجب كتب فيها بالحاشية إنه ضعيف؟

الشيخ: هو منكر، والظاهر أنه لا يصح.

س: بعض الأئمة بعدما ينتهي من قراءة الفاتحة وفي صلاة التروايح يشرع في القراءة بعدها، هل ينصت الإمام أو يقرأ الفاتحة؟

الشيخ: يقرأ الفاتحة لقول النبي ﷺ: لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم، قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها يقرأ ثم ينصت.

س: يقرأ ولو كان الإمام يقرأ؟

الشيخ: يقرؤها ثم ينصت مع الإمام، بعده أو قبله كله سواء.

س: لما يأتي يوم الجمعة ويوم السبت في أيام البيض يوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر في غير رمضان يكره صومها؟

الشيخ: لا لا، إذا صام مع الجمعة لا بأس، مع أن الحديث الذي فيه النهي عن صيام يوم السبت حديث ضعيف، ولكن يوم الجمعة لا يفرد بل يصام مع السبت أو مع الخميس، لا يخص يوم الجمعة بالصوم، ولكن يصوم معه الخميس أو السبت.