قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن إسحاق بن يسار، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم رضي الله عنهما قالا: خرج رسول الله ﷺ يريد زيارة البيت لا يريد قتالًا، وساق معه الهدي سبعين بدنة، وكان الناس سبعمائة رجل، فكانت كل بدنة عن عشرة، وخرج رسول الله ﷺ حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي فقال: يا رسول الله، هذه قريش قد سمعت بمسيرك؛ فخرجت معها العوذ المطافيل، قد لبست جلود النمور، يعاهدون الله تعالى أن لا تدخلها عليهم عنوة أبدًا، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموه إلى كراع الغميم، فقال رسول الله ﷺ: يا ويح قريش! قد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر الناس؟ فإن أصابوني كان الذي أرادوا، وإن أظهرني الله تعالى دخلوا في الإسلام، وهم وافرون، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فماذا تظن قريش فوالله لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله تعالى به حتى يظهرني الله ، أو انفرد هذه السالفة.
ثم أمر الناس فسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض على طريق تخرجه على ثنية المرار، والحديبية من أسفل مكة، قال فسلك بالجيش تلك الطريق، فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم، ركضوا راجعين إلى قريش، فخرج رسول الله ﷺ حتى إذا سلك ثنية المرار بركت ناقته، فقال الناس خلأت، فقال رسول الله ﷺ: ما خلأت، وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها.
ثم قال ﷺ للناس: انزلوا قالوا: يا رسول الله ما بالوادي من ماء ينزل عليه الناس، فأخرج رسول الله ﷺ سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه، فنزل في قليب من تلك القلب فغرزه فيه، فجاش بالماء حتى ضرب الناس عنه بعطن. فلما اطمأن رسول الله ﷺ إذا بديل بن ورقاء في رجال من خزاعة، فقال لهم كقوله لبشر بن سفيان، فرجعوا إلى قريش فقالوا: يا معشر قريش إنكم تعجلون على محمد ﷺ، إن محمدًا لم يأت لقتال، إنما جاء زائرًا لهذا البيت معظمًا لحقه، فاتهموهم.
قال محمد بن إسحاق: قال الزهري: وكانت خزاعة عيبة نصح رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، مشركها ومسلمها، لا يخفون على رسول الله ﷺ شيئًا كان بمكة، فقالوا: وإن كان إنما جاء لذلك فوالله لا يدخلها أبدًا علينا عنوة، ولا يتحدث بذلك العرب، ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص أحد بني عامر بن لؤي، فلما رآه رسول الله ﷺ قال: هذا رجل غادر فلما انتهى إلى رسول الله ﷺ، كلمه رسول الله ﷺ بنحو مما تكلم به مع أصحابه، ثم رجع إلى قريش فأخبرهم بما قال له رسول الله ﷺ، فبعثوا إليه الحليس بن علقمة الكناني، وهو يومئذ سيد الأحابيش، فلما رآه رسول الله ﷺ قال: هذا من قوم يتألهون، فابعثوا الهدي فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله، رجع ولم يصل إلى رسول الله ﷺ إعظامًا لما رأى، فقال: يا معشر قريش لقد رأيت ما لا يحل صده، الهدي في قلائده قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله، قالوا: اجلس إنما أنت أعرابي لا علم لك.
فبعثوا إليه عروة بن مسعود الثقفي فقال: يا معشر قريش إني قد رأيت ما يلقى منكم من تبعثون إلى محمد إذا جاءكم من التعنيف، وسوء اللفظ، وقد عرفتم أنكم والد، وأني ولد، وقد سمعت بالذي نابكم فجمعت من أطاعني من قومي ثم جئت حتى آسيتكم بنفسي. قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتهم. فخرج حتى أتي رسول الله ﷺ فجلس بين يديه، فقال: يا محمد جمعت أوباش الناس، ثم جئت بهم لبيضتك لتفضها، إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله تعالى أن لا تدخلها عليهم عنوة أبدًا، وايم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا، قال: وأبو بكر قاعد خلف رسول الله ﷺ فقال: امصص بظر اللات، أنحن ننكشف عنه؟ قال من هذا يا محمد؟ قال ﷺ: هذا ابن أبي قحافة قال: أما والله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها، ولكن هذه بها.
ثم تناول لحية رسول الله ﷺ، والمغيرة بن شعبة ، واقف على رأس رسول الله ﷺ بالحديد، قال: فقرع يده، ثم قال: أمسك يدك عن لحية رسول الله ﷺ قبل والله أن لا تصل إليك، قال: ويحك ما أفظك، وأغلظك! فتبسم رسول الله ﷺ قال: من هذا يا محمد؟
قال ﷺ: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة قال: أَغُدَر، وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس؟
قال: فكلمه رسول الله ﷺبمثل ما كلم به أصحابه، وأخبره أنه لم يأت يريد حربا. قال فقام من عند رسول الله ﷺ، وقد رأى ما يصنع به أصحابه، لا يتوضأ وضوءًا إلا ابتدروه، ولا يبصق بصاقًا إلا ابتدروه، ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه، فرجع إلى قريش فقال: يا معشر قريش، إني جئت كسرى في ملكه، وجئت قيصر والنجاشي في ملكهما، والله ما رأيت ملكًا قط مثل محمد ﷺفي أصحابه، ولقد رأيت قومًا لا يسلمونه لشيء أبدًا فروا رأيكم.
الشيخ: وفي هذه القصة جواز اتخاذ الحرس، كان المغيرة على رأسه حارسًا عليه الصلاة والسلام، وفيه منع من أساء الأدب؛ ولهذا قرعه المغيرة بنصل السيف ليكف يده عن لحية رسول الله، ففي هذا عن مثل هذا لا بأس به، ولا حرج فيه أن يقف الحارس على رأس السلطان، أو الأمير لحمايته من الأعداء حارسًا، ولا ينافي التوكل، التوكل مع الأخذ بالأسباب.
قال: فدعاه رسول الله ﷺ، فبعثه يخبرهم أنه لم يأت لحرب أحد، وإنما جاء زائرًا لهذا البيت معظمًا لحرمته، فخرج عثمان حتى أتى مكة، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص، فنزل عن دابته، وحمله بين يديه، وأردفه خلفه، وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله ﷺ، فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان، وعظماء قريش، فبلغهم عن رسول الله ﷺ ما أرسله به، فقالوا لعثمان : إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به، فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله ﷺ. قال: واحتبسته قريش عندها. قال: وبلغ رسول الله ﷺ أن عثمان قد قتل.
قال محمد: فحدثني الزهري أن قريشًا بعثوا سهيل بن عمرو، وقالوا: ائت محمدًا فصالحه، ولا تلن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا، فو الله لا تحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة أبدًا، فأتاه سهيل بن عمرو فلما رآه رسول الله ﷺ قال: قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل فلما انتهى إلى رسول الله ﷺ، تكلما، وأطالا الكلام، وتراجعا حتى جرى بينهما الصلح، فلما التأم الأمر، ولم يبق إلا الكتاب، وثب عمر بن الخطاب ، فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر، أوليس برسول الله؟ أولسنا بالمسلمين؟ أوليسوا بالمشركين؟
قال: بلى.
قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟
فقال أبو بكر : الزم غرزه حيث كان، فإني أشهد أنه رسول الله ﷺ.
فقال عمر : وأنا أشهد، ثم أتى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، أولسنا بالمسلمين؟ أوليسوا بالمشركين؟
قال ﷺ: بلى.
قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟
فقال ﷺ: أنا عبدالله ورسوله، لن أخالف أمره، ولن يضيعني.
قال: ثم دعا رسول الله ﷺ علي بن أبي طالب فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل: لا أعرف هذا، ولكن اكتب: باسمك اللهم. فقال رسول الله ﷺ: اكتب باسمك اللهم. هذا ما صالح عليه محمد رسول الله فقال له سهيل بن عمرو: لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله، وسهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض، على أنه من أتى رسول الله ﷺ من أصحابه بغير إذن وليه رده عليهم، ومن أتى قريشًا ممن مع رسول الله ﷺ لم يردوه عليه، وأن بيننا عيبة مكفوفة، وأنه لا إسلال، ولا إغلال، وكان في شرطهم حين كتبوا الكتاب: أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد ﷺ وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن في عقد رسول الله ﷺ، وعهده، وتواثبت بنو بكر فقالوا: نحن في عقد قريش، وعهدهم، وأنك ترجع عنا عامنا هذا فلا تدخل علينا مكة، وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فتدخلها بأصحابك، وأقمت بها ثلاثًا، معك سلاح الراكب، لا تدخلها بغير السيوف في القرب.
فبينا رسول الله ﷺ يكتب الكتاب إذ جاءه أبو جندل بن سهيل بن عمرو في الحديد قد انفلت إلى رسول الله ﷺ، قال وقد كان أصحاب رسول الله ﷺ خرجوا، وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله ﷺ، فلما رأوا ما رأوا من الصلح، والرجوع، وما تحمل رسول الله ﷺ على نفسه، دخل الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا أن يهلكوا. فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه، وقال: يا محمد قد تمت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا. قال: صدقت، فقام إليه فأخذ بتلابيبه قال وصرخ أبو جندل بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أتردونني إلى أهل الشرك فيفتنوني في ديني؟
س: الفرق بين باسمك اللهم، وبسم الله الرحمن الرحيم؟
الشيخ: باسمك اللهم صحيحة، لكن بسم الله الرحمن الرحيم أصرح في أسماء الله، وتعظيمه.
قال: فوثب إليه عمر بن الخطاب ، فجعل يمشي مع أبي جندل إلى جنبه، ويقول: اصبر أبا جندل فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب، قال: ويدني قائم السيف منه، قال يقول: رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه. قال: فضن الرجل بأبيه، قال: ونفذت القضية، فلما فرغا من الكتاب، وكان رسول الله ﷺ يصلي في الحرم، وهو مضطرب في الحل، قال: فقام رسول الله ﷺ فقال: يا أيها الناس انحروا، واحلقوا قال: فما قام أحد، قال ثم دعا رسول الله ﷺ بمثلها، فما قام رجل، ثم عاد ﷺ بمثلها فما قام رجل، فرجع رسول الله ﷺ فدخل على أم سلمة رضي الله عنها، فقال: يا أم سلمة ما شأن الناس؟ قالت: يا رسول الله قد دخلهم ما رأيت، فلا تكلمن منهم إنسانًا، واعمد إلى هديك حيث كان فانحره، واحلق، فلو قد فعلت ذلك فعل الناس ذلك.
هكذا ساقه أحمد من هذا الوجه.
وقد رواه أيضًا عن عبدالرزاق، عن معمر، عن الزهري به نحوه، وخالفه في أشياء، وفيه إغراب.
الشيخ: يعني الكافر الحربي.
س: خاص بالحربي؟
الشيخ: خاص به نعم.
س: والكتابي له دية؟
الشيخ: نعم.
فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدي، وأشعره، وأحرم منها بعمرة، وبعث عينًا له من خزاعة، وسار حتى إذا كان بغدير الأشطاط أتاه عينه، فقال: إن قريشًا قد جمعوا لك جموعًا، وقد جمعوا لك الأحابيش، وهم مقاتلوك، وصادوك، ومانعوك. فقال ﷺ: أشيروا أيها الناس علي، أترون أن نميل على عيالهم، وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت؟ وفي لفظ: أترون أن نميل على ذراري هؤلاء الذين أعانوهم، فإن يأتونا كان الله قد قطع عنقًا من المشركين، وإلا تركناهم محزونين، وفي لفظ: فإن قعدوا قعدوا موتورين مجهودين محزونين، وإن نجوا يكن عنقًا قطعها الله ، أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه؟.
فقال أبو بكر : يا رسول الله؟ خرجت عامدًا لهذا البيت لا تريد قتل أحد، ولا حربًا، فتوجه له، فمن صدنا عنه قاتلناه، وفي لفظ: فقال أبو بكر : الله ورسوله علم إنما جئنا معتمرين، ولم نجئ لقتال أحد، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه، فقال النبي ﷺ: فروحوا إذن، وفي لفظ: فامضوا على اسم الله تعالى، حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي ﷺ: إن خالد بن الوليد في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين فو الله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيرًا لقريش.
وسار النبي ﷺ حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال الناس:
حل حل فألحت، فقالوا: خلأت القصواء، خلأت القصواء. فقال النبي ﷺ: ما خلأت القصواء، وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل، ثم قال ﷺ: والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة.
الطالب: أعداد مياه.
طالب آخر: أعداد، وإعداد.
الشيخ: لا إعداد، العود التي يسمونها عدود، المياه الموجودة يعني الآبار الموجودة.
س: العد بالكسر؟
الشيخ: نعم جمع أعداد.
وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته يقول. قال: سمعته يقول كذا، وكذا، فحدثهم بما قاله رسول الله ﷺ فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى، قال: أولست بالولد؟ قالوا: بلى، قال: فهل تتهمونني؟ قالوا: لا، قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ، فلما بلحوا.
قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها، ودعوني آته. قالوا: ائته، فأتاه فجعل يكلم النبي ﷺ.
ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي ﷺ بعينيه، قال: فو الله ما تنخم رسول الله ﷺ نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيمًا له ﷺ، فرجع عروة إلى أصحابه. فقال: أي قوم!، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على كسرى، وقيصر، والنجاشي، والله إن رأيت ملكًا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدًا.
س: رد النبي للمال مع أنهم محاربون، الذين قتلهم المغيرة؟
الشيخ: هذا ما للنبي منها نظر، إنما قبل إسلامه فقط، أما .. قتلهم فلهم شأن آخر، ما تعرض له النبي ﷺ...
فبعثت له، واستقبله الناس يلبون. فلما رأى ذلك قال: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت، فلما رجع إلى أصحابه قال: رأيت البدن قد قلدت، وأشعرت فما أرى أن يصدوا عن البيت. فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص، فقال: دعوني آته. فقالوا: ائته. فلما أشرف عليهم قال النبي ﷺ: هذا مكرز، وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبي ﷺ، فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو.
وقال معمر: أخبرني أيوب عن عكرمة أنه قال: لما جاء سهيل بن عمرو، قال النبي ﷺ: قد سُهِّل لكم من أمركم.
فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين.
قلت: أوليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت، ونطوف به؟ قال بلى، قال: أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك تأتيه، وتطوف به.
س: هو أجاب بهذا، ولم يسمعه من النبي؟
الشيخ: نعم نعم.
س: قوله: كاد يقتل بعضهم بعضًا غمًا؟
الشيخ: من الحرص على الامتثال، غمًا عن تأخرهم.
فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر، قال: وتفلت منهم أبو جندل بن سهيل، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فو الله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها، فقتلوهم، وأخذوا أموالهم. فأرسلت قريش إلى النبي ﷺ تناشده الله، والرحم، لما أرسل إليهم: فمن أتاه منهم فهو آمن، فأرسل النبي ﷺ إليهم، وأنزل الله : وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ، حتى بلغ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه رسول الله ﷺ، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت.
هكذا ساقه البخاري هاهنا.
الشيخ: ما أطاع سهيل، ما أطاع أباه، أبوه هو الوكيل عن قريش.
وقد رواه البخاري أيضًا في مواضع أخر، ومسلم، والنسائي من طرق أخر عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن سهل بن حنيف به.
الحالة الأولى قوله: اكتب محمد بن عبدالله، لا تكتب محمد رسول الله.
والثانية: قوله: اكتب باسمك اللهم، لا تكتب بسم الله الرحمن الرحيم.
والثالثة: أن من جاءنا منكم لا نرده إليكم، ومن جاءكم منا تردونه إلينا، هذه ثلاث عظيمة لكن صبر عليها النبي بأمر الله، الله أمره أن يصبر عليها، وأمره سبحانه أن يوافق عليها؛ لما فيها من الخير العظيم بعد ذلك، والفتح، والأمن، ودخول الناس في دين الله أفواجًا، وتسابقهم إلى الهجرة.
وروى الإمام أحمد عن يحيى بن آدم عن زهير بن حرب عن محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نحر رسول الله ﷺ يوم الحديبية سبعين بدنة، فيها جمل لأبي جهل، فلما صدت عن البيت حنت كما تحن إلى أولادها.