18- من حديث (نقركم على ما شئنا)

بَابُ الْمُسَاقَاةِ والْإِجَارَةِ

912- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أو زَرْعٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: فَسَأَلُوا أَنْ يُقِرَّهُمْ بِهَا عَلَى أَنْ يَكْفُوه عَمَلَهَا، ولَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا، فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجْلَاهُمْ عُمَرُ .

وَلِمُسْلِمٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَفَعَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَ خَيْبَرَ وأَرْضَهَا عَلَى أَنْ يَعْتَمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، ولَهُ شَطْرُ ثَمَرِهَا.

913- وعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ والْفِضَّةِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ، وأَقْبَالِ الْجَدَاوِلِ، وأَشْيَاءَ مِنَ الزَّرْعِ، فَيَهْلِكُ هَذَا، ويَسْلَمُ هَذَا، ويَسْلَمُ هَذَا، ويَهْلِكُ هَذَا، ولَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاءٌ إِلَّا هَذَا، فَلِذَلِكَ زَجَرَ عَنْهُ، فَأَمَّا شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَفِيهِ بَيَانٌ لِمَا أُجْمِلَ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ إِطْلَاقِ النَّهْيِ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ.

914- وعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنِ الْمُزَارَعَةِ، وأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا.

915- وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وأَعْطَى الَّذِي حَجَمَهُ أَجْرَهُ، ولَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث فيها بيان المزارعة الشرعية، والمؤاجرة الشرعية، وأنه لا بأس على المسلمين أن يُزارعوا بنصف الثمرة، أو بربعها، أو بخُمُسها، بجزءٍ مشاع على النخل أو الأرض، لا بأس بذلك، ويُقال لها، المزارعة، والمساقاة.

ولما فتح الله سبحانه على نبيه خيبرَ طلب منه اليهودُ أن يُقرَّهم على خيبر؛ ليعملوا في الأموال بالنصف، فأقرَّهم النبيُّ ﷺ، وصالحهم على أنهم يعتملوها من أموالهم، فيسقون النخل، ويزرعون الأرض من أموالهم، والبذر منهم، ويكون لهم النِّصف، وقال: نقرُّكم على ما شِئْنَا، وفي لفظٍ: ما أقرَّكم الله، فقرُّوا بها أربع سنين في حياة النبي ﷺ، وفي حياة الصديق، وسنوات من حياة عمر، ثم أجلاهم عمر إلى الشام.

هذا يدل على جواز المزارعة بالنصف، بالثلث، بالربع، وهكذا مُساقاة النخل والأشجار بالربع، بالثمن، بالخمس، بالنصف، لا بأس.

وهكذا المؤاجرة: كونه يُؤجر أرضًا بشيءٍ معلومٍ مضمونٍ، كما قال ..... بشيءٍ معلومٍ، والإيجار في الأرض في مئة صاع بمئة ريـال، بألف ريـال، بألف صاع، ما يُخالف، شيء معلوم.

أما المؤاجرة التي نهي عنها النبيُّ ﷺ، والمزارعة التي نهى عنها النبيُّ ﷺ فهي مُزارعة مجهولة، والأحاديث يُفسِّر بعضُها بعضًا، المزارعة التي نهى عنها النبيُّ ﷺ كونه يُزارع على أنَّ لكم هذه، ولي هذه، يعني: ما ينبت في الأرض هذه فلنا، وما أنبت في الأرض، لا، أو: ما نبت على السَّواقي لكم، أو لنا، فهذا هو المنكر، يعني: جهالة، قد تُنبت هذه، ولا تُنبت هذه، وقد تكون هذه أطيب من هذه، فيكون فيه غررٌ، هذه المُؤاجرة التي نهى عنها النبي ﷺ، وهي المزارعة التي فيها جهالة، والمؤاجرة التي فيها جهالة، أما شيء معلوم مضمون، بأصواع معلومةٍ، بدراهم معلومة، بجزءٍ مشاع: ربع، أو ثلث، هذا لا بأس به، وهذا هو الذي أقرَّه النبيُّ ﷺ بحالين: أحدُهما بالنصف، أو بجزءٍ مشاع معلوم، الثاني: بأجرةٍ معلومةٍ، بدراهم معلومة، أصواع معلومة، فلا بأس.

أما مُزارعة الأرض أو النَّخيل على أنَّ لكم ما أنبت في الأرض الفلانية، ولنا ما أنبت في الأرض الفلانية، أو لكم ما كان على السَّواقي، ولنا ما كان بعيدًا عن السواقي، فهذا ما يصحّ، هذا غرر؛ لأنه قد يكون الذي نبت على السواقي أطيب وأجود، قد تكون الأرضُ هذه جيدة، والأرض هذه ما هي بجيدة، فيكون فيه غرر؛ ولهذا أبطله النبيُّ ﷺ.

وفي حديث ابن عباسٍ الدلالة على جواز الحجامة، وأخذ الأجرة عليها، ولو أنَّ كسب الحجَّام خبيثٌ، لا بأس أن يُعطى الأجرة، ومعنى خبيث: أنه رديء، مثل قول الله جلَّ وعلا: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ [البقرة:267]، يعني: التَّمر الرديء، أو الطعام الرديء، يُقال له: خبيث، ما هو محرم، فالطعام الرديء، والحبوب الرديئة، والتمر الرديء يُقال له: خبيث، فكسب الحجَّام خبيث؛ لأنه رديء، لكن ما هو بمحرَّمٍ، ولهذا أعطى النبيُّ ﷺ للذي حجمه أجرًا، قال ابنُ عباسٍ: "ولو كان حرامًا لم يُعْطِه"، فإذا استأجر حجَّامًا بدراهم أو بأصواع فلا حرج، لكن الأفضل للحجَّام ألا يأخذ شيئًا، أو يلتمس صنعةً أخرى غير الحجامة.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: .........؟

ج: وهذا يدل على جواز معاملة اليهود وغيرهم من الكفرة، لا بأس أن يُصالحوا، ولا بأس أن يُعاملوا، سواء كانوا يهودًا، أو نصارى، أو غيرهم، إذا كانوا ما هم في الجزيرة، أما الجزيرة فقد نُسخ، فقد أوصى النبيُّ ﷺ بإخراج اليهود من جزيرة العرب، وسائر الكفرة من الجزيرة العربية، فإذا صالحهم في الشام، أو في مصر، أو الأردن، أو العراق على عملٍ فلا بأس، أو أقرَّهم بالجزية لا بأس؛ لأنهم خارج الجزيرة، أما في الجزيرة لا، لا يجوز استعمالهم في الجزيرة، ولا إقرارهم، لا بأجرةٍ، ولا بغير أجرةٍ، لكن إذا قدموا للضَّرورة رسلًا: جاءوا لولي الأمر رسلًا، أو جاءوا لبيع حاجات ويرجعون لا بأس، كما كانوا يجلبون على المدينة، ويرجعون إلى الشام، لا حرج.

س: ..... كم بقوا؟

ج: مدة طويلة، الله أعلم، أربعة في حياة النبي، وسنتين في حياة الصديق، أما السنوات التي في عهد عمر ما أدري كم، خمس، أو أربع، الله أعلم.

س: إجلاء عمر اليهود من المدينة ألا يدل على أنَّه يجوز للمسلمين أن يُجلوا الكفار الآخرين من بلادهم؟

ج: لا، فقط من الجزيرة العربية، خاصٌّ بالجزيرة العربية.

س: وما دونها؟

ج: البلدان الأخرى لا بأس أن يُقرُّوا فيها بالجزية، إذا استطاع المسلمون إقرارهم بالجزية.

س: وجودهم في عهد الرسول ﷺ عندما أقرَّهم؟

ج: قبل أن يُنسخ.

س: وفي عهد أبي بكر؟

ج: لعله شُغِلَ بأهل الردة.

س: اشتراط البذر؟

ج: الصحيح أنه جزءٌ من العامل، وجزء من المالك، يعني: من ذا، ومن ذا، إن أعطاه المالكُ فلا بأس، وإن شرط أنهم يبذروا من عندهم فلا بأس، كما فعل النبي ﷺ .....

س: إذا كانت الأرضُ واحدةً، لكن قال لك: الناحية الشمالية، أو النقلة الشمالية؟

ج: ما يجوز، هذا ما يجوز.

س: ما لك فيها إلا النّصف؟

ج: يُزارعه عليها بالنصف، ما يُخالف، بالربع، ما يُخالف، يقول: الأرض الشمالية بالنصف، والأرض الجنوبية أنا الذي أزرعها.

س: أعطاه أقلّ من النصف، قال: لك الربع؟

ج: ما في بأس، إن كان معروفًا من هذه، ومعروفًا من هذه، والأرض الشمالية بالنصف، والجنوبية بالربع، وهن معروفات محدودات لا بأس.

س: حديث رافع بن خديج أنَّ الرسول نهى عن كسب الحجَّام، خبيث، هذا لا يكون قبل حديث ابن عباس؟

ج: لا، ذا كان في حديث جابر .....

س: حديث ابن عباس كان في السنة العاشرة، وحديث رافع قبله؟

ج: لا، هذا يسبق حديث ..... النبي حجَّ مع طلحة .....، لكن حديث مَن أراد منكم معناه محرم ..... ثمن الكلب خبيث، وكسب الحجَّام خبيث، ومهر البغي خبيث.

س: كراء الأرض بغير الخارج منها؟

ج: ما يُخالف، إذا كان بدراهم ما يُخالف .....

س: هل الحجامة من السنة؟ كون النبي ﷺ فعلها؟

ج: نعم، إذا احتاجها المؤمن، وفي الحديث: إنَّ خير ما تداويتُم به الحجامة والسعوط رواه مسلم، فإذا احتاج حجامةً يحتجم، لكن بعض الناس ما يحتاج الحجامة.

س: السّعوط ما هو؟

ج: يسعط في أنفه إذا دعت الحاجةُ لشيءٍ ينفعه: مرض في رأسه، أو شيء، والسعوط نافعٌ، ما في بأس.

س: يعني: يشمّه؟

ج: يشم، نعم.

س: أحسن الأوقات للحجامة؟

ج: تختلف على حسب تغير الدم، وفساد الدم.

س: المواضع التي احتجم فيها النبيُّ ﷺ؟

ج: وردت أحاديث فيها مقال، لكن المعتمد عند الحاجة إليها.

س: هل هي مُعينة؟

ج: لا، لا، فيها أحاديث فيها ضعف، ما يُعتمد عليها.

س: المواضع التي احتجم فيها ﷺ؟

ج: المعروف أنه احتجم في رأسه عليه الصلاة والسلام، وما لها محلٌّ معينٌ، على حسب ما يُقرر الخبراء من أهل الخبرة، قد يحجم في رأسه، قد يحجم في ظهره، قد يحجم رجليه، على حسب الحاجة.

س: التَّبرع بالدم؟

ج: لا، ما يصلح التبرع بالدم، التبرع بالدم للذي عنده دمٌ كثيرٌ ويتبرع منه، والحجامة علاج، دواء في محلٍّ معينٍ.

س: إذا أعطاه أجرةً على التَّبرع بالدم؟

ج: لا، ما يصلح، نهى الرسولُ ﷺ عن بيع الدم، ونهى عن ثمن الدم، فلا يأخذ شيئًا مقابله.

س: وإذا أعطوه؟

ج: لا يقبل، إذا أعطوه لا يقبل.

س: ............؟

ج: إذا كان ما يضرّه لا بأس، يتبرع .....

س: يشترط أن يكون مسلمًا؟

ج: لا، ولو ما هو بمسلمٍ، إذا كان ثقةً.

س: أطيب المكاسب؟

ج: الزراعة من أطيب المكاسب، والتجارة مع الصدق من أطيب المكاسب.

س: الغنائم؟

ج: إذا تيسرت، ..... أن يُقيم الجهاد.

س: وعمل اليد؟

ج: وعمل اليد، قيل للنبي ﷺ: أي الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيعٍ مبرور، البيع والشراء والعمل باليد: نجارة، حدادة، وأشباه ذلك، زراعة كذلك.

س: الكاتب يدخل في هذا؟

ج: من عمل اليد، في الحديث: ما من مسلمٍ يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه دابَّة، أو طير، أو إنسان إلا كان له صدقة.

س: والمُوظف؟

ج: هذا عمل يدٍ: المدير، والكاتب، والخياط، والنَّجار، والحداد، كلها من أعمال اليد، إذا نصح وصدق .....

س: كيف يكون خبيثًا والرسول أمر؟

ج: الكسب، الكسب كونه يأخذ أجرةً، يحجم بدون أجرةٍ، يُساعده، هو يعلم ما تكلفه الحجامة.

 

916- وعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

917- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قَالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي، ثم غَدَرَ، ورَجُلٌ بَاعَ حُرًّا، فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، ورَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا، فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، ولَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

918- وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أن رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ حَقًّا كِتَابُ اللَّهِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

919- وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.

وفي الباب عن أبي هريرة : عند أبي يعلى، والبيهقي، وجابر عند الطبراني، وكلها ضعاف.

920- وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُسَمِّ لَهُ أُجْرَتَهُ.

رَوَاهُ عَبْدُالرَّزَّاقِ، وفِيهِ انْقِطَاعٌ، ووَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَنِيفَةَ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث فيها عدَّة أحكام:

فالحديث الأول فيه كسب الحجَّام، سمَّاه النبيُّ ﷺ: خبيثًا، وهذا يدل على أنه كسبٌ رديءٌ، كما يُقال في التمر الرديء: خبيثًا، قال جلَّ وعلا: وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ [البقرة:267] أي: الرديء، وليس المراد به التَّحريم، ليس المراد به أنه مُحرَّم مثلما قال في ثمن الكلب: خبيث، ومهر البغي: خبيث ومُحرَّمٌ، أما كسب الحجَّام فهو خبيثٌ، بمعنى الرديء؛ ولهذا أعطى للذي حجمه أجره، قال ابن عباس: "ولو كان حرامًا لم يُعْطِه"، فله أجر، فالحجَّام يُعطى أجرًا، وهو حلالٌ له، لكنه كسب رديء، ولو حجم بدون أجرٍ يكون أحسن، لو حجم إخوانه بدون أجرٍ يكون أحسن.

والحديث الثاني: يقول ﷺ: يقول الله جلَّ وعلا: ثلاثةٌ أنا خصمهم يوم القيامة: رجلٌ أعطى بي ثم غدر، ورجلٌ باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجلٌ استأجر أجيرًا، فاستوفى منه، ولم يُعطه أجره، هذا وعيدٌ شديدٌ يدل على أنَّ هذا من الكبائر، والله خصم هؤلاء يوم القيامة: رجلٌ يُعاهِد ثم يغدر، يُعاهد الناس ثم يغدر، والله يقول: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [الإسراء:34]، ومن خصال المنافقين: إذا عاهد غدر.

والثاني: باع حرًّا فأكل ثمنه، باعه على أنه عبدٌ، وهو كذَّابٌ، هذا من أكبر الكبائر -نعوذ بالله.

والثالث: استأجر أجيرًا يحمل له متاعًا، أو يبني شيئًا، ثم لم يُعطه أجره، استوفى منه ولم يُعطه أجره، ظلمه، فهذا منكرٌ عظيمٌ، وظلمٌ كبيرٌ، ولهذا يقول الله جلَّ وعلا: أنا خصمُهم يوم القيامة، ومَن كان الله خصمه فهو مخصومٌ، مفلوج، رواه مسلم.

وهذا وهمٌ من المؤلف رحمه الله، والصواب: رواه البخاري، حديث أبي هريرة في البخاري، ما هو في مسلم، وكأنها سبق قلمٍ من المؤلف، الصواب: رواه البخاري، فهو في "صحيح البخاري"، وليس في مسلمٍ.

والحديث الثالث حديث ابن عباس: إنَّ أحقَّ ما أخذتُم عليه أجرًا كتابُ الله، هذا فيه جواز أخذ الأجر على كتاب الله، وتعليم القرآن، أو الرقية به، لا بأس أن يُعطى المعلم أجرًا، والراقي يُعطى أجرًا، أما مجرد التلاوة فلا يأخذ عليها عند جميع أهل العلم، مجرد التلاوة لا يُعطى عليها شيئًا، لكن إذا علَّم المعلمُ يُعطى حتى يتشجع على التَّعليم، والناس في حاجةٍ إلى التعليم، وكذلك الذي يرقي المرضى يُعطى؛ ولهذا لما مرَّ الصحابةُ على محلٍّ من البادية عندهم لديغ، ولم يجدوا له علاجًا، فجاءوا إلى الصحابة فقالوا: هل عندكم من علاجٍ؟ قالوا: نعم، ولكنَّكم لم تُضيِّفونا! فلا بدّ من أجرٍ، فاتَّفقوا معهم على أجرٍ: قطيع من الغنم، فرقوه، وشفاه الله، رقاه واحدٌ بالفاتحة، وشفاه الله، فلما قدموا على النبي ﷺ قال: أصبتُم، واضربوا لي معكم بسهمٍ، فهذا يدل على أنه لا بأس بأخذ الأجرة على التعليم، والرقية للمريض لا بأس بذلك، أما كونه يقرأ القرآنَ فقط فلا يأخذ أجرةً على مجرد القراءة.

وحديث: أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفَّ عرقه هذا حديثٌ ضعيفٌ، ولكن معناه صحيح، معناه: أنه يجب إعطاؤه أجره، لكن ما هو بلزومٍ قبل أن يجفَّ عرقه، لو أعطاه بعد يومٍ، يومين، ما في مذلّة، ولا مماطلة، ما في بأس، أو سامحه يومًا، يومين، أو شهرًا، ما في بأس.

المقصود أنَّ الواجب أن يُعطيه أجره ولا يظلمه، كما تقدَّم في الحديث: ثلاثةٌ أنا خصمهم يوم القيامة، فالواجب أن يُعطى الأجيرُ أجره إذا أتمَّ عمله، إلا إذا تراضى هو وإياه على أن يُؤجِّل يومًا، يومين، ثلاثة، ما في بأس.

وكذلك لا بدّ من تسمية الأجرة، إلا إذا كانت معروفةً بالعادة فلا بأس، وإذا استأجر أجيرًا يبني كذا، أو يفعل كذا، يُسمِّي له: أجرته، إلا إذا كان شيئًا معروفًا، مثل: أجرة التاكسي، أو أشباهه، شيء معروف بالعادة، فهذا لا بأس، يُعطى على العادة، إذا كان شيئًا معروفًا، مثل: أجرة التاكسي، مثل أشياء معروفة بين الناس، وإذا كان غير معروفٍ يُعطى إياه، ولا حاجة إلى أن يقول: سمِّ كذا، فالعُرْف يكفي.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: ورد حديثٌ عن عبادة رضي الله عنه: أنه علَّم .....، فأعطاه أحد .....؟

ج: هذا محمولٌ عند أهل العلم على أنه نوى التبرع والأجر .....، إنما لو نوى شيئًا وقصد التعليم بالأجرة فلا بأس، المعلمون يُعطون، أما حديث عبادة -وهو حديثٌ لا بأس به- فقد حمله العلماءُ على أنه قد نواه لله.

س: إذا كان الراقي يفرغ نفسَه وقتًا معينًا، ثم يشترط على الذي يقرأ عليه مبلغًا معينًا، ويضع لوحةً تدل عليه؟

ج: ما أعلم فيه شيئًا، لكن إذا تسامح يكون أحسن، وإلا فالصحابة شرطوا، إذا شرط فلا بأس، وإن تسامح جزاه الله خيرًا.

س: لكنه يشترط؟

ج: لا بأس أن يشترط، لكن ينبغي له أن يتسامح، لا يُشدد على الناس؛ لأنَّ الناس بحاجةٍ إلى مَن يرقيهم.

س: لكن هل من السنة أن يضع لوحةً ويدل على نفسه، وقد يُوصي مَن يدل عليه، ويضع لافتات، وأنه يرقي وكذا؟

ج: الأمر سهلٌ إن شاء الله؛ لأنَّ الناس قد يحتاجون إلى هذا، ما كل الناس يعرف أنه يرقي، أقول: إذا كان جيدًا، وابن حلالٍ خلاص.

س: بالنسبة للعبودية: هل لها ضوابط شرعية؟

ج: كل الناس عبيدٌ لله، ولو كان يهوديًّا، أو مجوسيًّا، كلهم عبيد الله، التَّمليك يكون في الرقِّ، أو بالهبة، أو بالمواريث؛ ولو أنه أجنبي يُسمَّى: رقيقًا، لكن السواد يكون في بلادٍ متعددةٍ في إفريقيا وغيرها، خلقهم الله في بلادهم هكذا، هذا في بلاده يكون أبيض، وهذا يكون في بلاده أحمر، وهذا يكون في بلاده أسود، خلق الله، نوَّع الخلق سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأُنْثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [الحجرات:13]، هذا أسود، وهذا أدبس، وهذا أبيض، وهذا أحمر، وهذا ملون، آية من آيات الله، تدل على قُدرة العظيم سبحانه وتعالى.

س: عامَّة الناس يعتبرون الأسود عبدًا؟

ج: هذا من الجهل.

س: ما وجه الخُبث في كسب الحجَّام؟

ج: الله أعلم، لعلها من جهة إخراج الدم، ومصِّ الدم، فالدم أصله خبيث، لعله من أجل جهة إخراج الدم، وبعض أهل العلم قالوا: من باب التَّعاون بين المسلمين، فلا يأخذ أجرًا؛ لأنها مسألة بسيطة، فلا ينبغي أن يأخذ عليها أجرًا، مثلما يُعامل أخاه في الأشياء الخفيفة، ما تحتاج أجرًا، كونه يحمل له متاعه إلى السيارة، أو على مطيَّته، ما يحتاج أن يُعطيه عليه أجرة، أو يُنِيخ ..... ما يعرف أن يُنِيخها، أو يشك لها إذا شردت، هذه الأمور البسيطة ما ينبغي فيها الأجر، من باب التَّعاون.

س: إذا ما سُمِّيَت الأجرةُ، واختلفا بعد العمل، مثلًا: الأجير طلب كثيرًا، والمُستأجر قال: لا؟

ج: إن اصطلحوا، وإلا يرجعوا إلى المحكمة.

س: تأجير الأرض بأجرٍ غير معلومٍ، هل يُعتبر بيعًا؟

ج: ما يجوز، لا بدّ من أجرةٍ معلومةٍ، الأجرة ما هي مثل البيع، لا بد أن تكون معلومةً.

س: ..............؟

ج: لا، لا، ينزل له أجرة المثل، إن استعمل تلك وإلا له أجرة المثل، يرجعون المحكمة، والمحكمة تحكم بأجرة المثل، وإن تراضَوا فلا بأس.

س: ...........؟

ج: ما فيه بأس.

س: قوله تعالى: رجلٌ أعطى بي معناه: الحلف؟

ج: يعني: عاهد، أو حلف.

س: حديث: إنَّ أحقَّ ما أخذتُم عليه حقًّا كتابُ الله؟

ج: يعني: الظاهر والله أعلم لأنَّ بعض الناس قد يتحرَّج من أخذ الأجرة، فبين النبيُّ ﷺ أنه لا بأس؛ لأنَّ أخذ الأجرة يُعين على نشر القرآن، وتعليم القرآن، وكثرة المتعلِّمين، أما إذا كان ما يأخذ شيئًا، وكونه يجلس ويتعطل للناس، ما الكل يصبر، لكن إذا كان يُعطى أجرًا يكون من باب التَّعاون على البرِّ والتَّقوى، حتى يتعلَّم الناس.

س: ............. إخراج الأُجرة؟

ج: لأنَّ هذا ما يُكلِّف شيئًا، كونه يقرأ آيات من دون تعليم أحد ما يُكلِّف شيئًا، والأمور التي ما تُكلِّف ما ينبغي أن يأخذ عليها أجرًا، ينبغي فيها التَّعاون بين المسلمين، كونه يقرأ عليهم آيات، يعظهم في المجلس، والمسلمون فيما بينهم عليهم التعاون، فالأشياء الخفيفة التي ما تُكلِّف شيئًا ينبغي فيها عدم التَّكلف، وعدم أخذ الأجرة.

س: يعمّ أعمال الطاعة كلها؟

ج: لا، الطاعة ما يدفع فيها أجرًا، يأخذ أجرةً ويرجع يُصلي، يأخذ أجرةً ويذهب يُصور، هذا ما يصلح، المقصود أنه يتعدَّى عن عمله، القرآن عملٌ مُتعدٍّ نفعه، والإمامة متعدية نفعها، يؤمُّهم وينحبس، لا يأخذ منهم ولا منا الأوقات الخمسة؛ ولهذا يُعطى ما يُعينه، والمؤذن كذلك يُعطى من بيت المال.

س: الراقي كذلك علمه ما هو؟

ج: قد يتعطل، قد يتعارف عليه الناسُ، تروح عليه أوقات.

س: أعمال الطاعة التي يجوز أخذ الأجرة عليها ما هي؟

ج: توقيفية، الذي يظهر أنها توقيفية، ما جاء فيها الأجر، وإلا فالأصل المنع إلا بالتوقيف.

س: ............؟

ج: لا، ما ينبغي إلا إذا رقاه، أما كونه ..... ويدل على الناس ما ينبغي، هذا شغلٌ ما هو بطيبٍ، هذا راقٍ يرقى إنسانًا مُعينًا يقصده.

س: هذا الذي يحصل الآن؛ يأخذ على كراسٍ مئات الكراسي، ثم يأتي، ويأتي ويُعطيه على خمسين على مئة؟

ج: لا، ما يقرأ على إنسانٍ معينٍ، هذا يقرأ .....، هذا يقرأ في زيتٍ، هذا يقرأ على جسده، أما أن يقرأ في تنك، أو في براميل، هذا ما هو صحيح.

س: بعضُهم يقرأ على وايت؟

ج: ما ينبغي مثل هذا، هذا تساهلٌ في الدِّين ما ينبغي .....، ينبغي أن يقرأ على إنسانٍ معينٍ فقط، يقصده بالقراءة.