وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ [الدخان: 17- 33].
يقول تعالى: ولقد اختبرنا قبل هؤلاء المشركين قوم فرعون، وهم قبط مصر، وجاءهم رسول كريم يعني موسى كليمه عليه الصلاة والسلام، أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ كقوله : فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى [طه:47]. وقوله جل وعلا: إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ أي: مأمون على ما أبلغكموه. وقوله تعالى: وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ أي: لا تستكبروا عن اتباع آياته، والانقياد لحججه، والإيمان ببراهينه كقوله : إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]، إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ أي: بحجة ظاهرة واضحة، وهي ما أرسله الله تعالى به من الآيات البينات، والأدلة القاطعات.
وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ قال ابن عباس رضي الله عنهما، وأبو صالح: هو الرجم باللسان، وهو الشتم.
وقال قتادة: الرجم بالحجارة أي أعوذ بالله الذي خلقني، وخلقكم من أن تصلوا إلي بسوء من قول أو فعل، وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ أي: فلا تتعرضوا لي، ودعوا الأمر بيني وبينكم مسالمة إلى أن يقضي الله بيننا. فلما طال مقامه ﷺ بين أظهرهم، وأقام حجج الله تعالى عليهم، كل ذلك وما زادهم ذلك إلا كفرا، وعنادا، دعا ربه عليهم دعوة نفذت فيهم كما قال تبارك وتعالى: وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا [يونس:88-89]، وهكذا قال هاهنا: فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ، فعند ذلك أمره الله تعالى أن يخرج ببني إسرائيل من بين أظهرهم من غير أمر فرعون، ومشاورته، واستئذانه، ولهذا قال جل جلاله: فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ كما قال تعالى: وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى [طه:77].
وقوله هاهنا: وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ، وذلك أن موسى عليه الصلاة والسلام لما جاوز هو وبنو إسرائيل البحر، أراد موسى أن يضربه بعصاه حتى يعود كما كان، ليصير حائلا بينهم، وبين فرعون فلا يصل إليه، فأمره الله تعالى أن يتركه على حاله ساكنا، وبشره بأنهم جند مغرقون فيه، وأنه لا يخاف دركًا، ولا يخشى، قال ابن عباس رضي الله عنهما، وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا كهيئته، وامضه، وقال مجاهد: رَهْوًا طريقًا يبسا كهيئته. يقول: لا تأمره يرجع اتركه حتى يرجع آخرهم، وكذا قال عكرمة، والربيع بن أنس، والضحاك، وقتادة، وابن زيد، وكعب الأحبار، وسماك بن حرب، وغير واحد.
الشيخ: وهذا واضح من السياق، وهذه من آيات الله العظيمة، أن الله جل وعلا جعل ضربة موسى للبحر تجعله اثني عشر طريقًا كل طريق يبس، والماء قائم بين كل طريقين، قائم كأنه جبل، حتى مر موسى وبنو إسرائيل على أسباطهم الاثني عشرة، كل سبط معه طريق، وأنجاهم الله، وجاء فرعون وجنوده على كثرتهم متبعين لموسى وهارون وبني إسرائيل للانتقام، قالوا من الحكايات عن فرعون أنه تناقله البحر....... والمقصود أنه دخل وجنوده البحر تابعًا لموسى وهارون وبني إسرائيل للانتقام، فلما تكامل آل فرعون في البحر، وخرج موسى، ومن معه من بني إسرائيل من البحر، وهؤلاء تكاملوا داخلين، وأولئك تكاملوا خارجين أطبق الله عليهم البحر، فأغرقهم جميعًا عن آخرهم، نسأل الله العافية، هذا جنده العظيم، وقدرته العظيمة، وآياته الباهرة ، سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ [فصلت:53]، نسأل الله العافية، لكن وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ [يونس:101].
يقول تعالى: ولقد اختبرنا قبل هؤلاء المشركين قوم فرعون، وهم قبط مصر، وجاءهم رسول كريم يعني موسى كليمه عليه الصلاة والسلام، أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ كقوله : فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى [طه:47]. وقوله جل وعلا: إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ أي: مأمون على ما أبلغكموه. وقوله تعالى: وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ أي: لا تستكبروا عن اتباع آياته، والانقياد لحججه، والإيمان ببراهينه كقوله : إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]، إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ أي: بحجة ظاهرة واضحة، وهي ما أرسله الله تعالى به من الآيات البينات، والأدلة القاطعات.
وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ قال ابن عباس رضي الله عنهما، وأبو صالح: هو الرجم باللسان، وهو الشتم.
وقال قتادة: الرجم بالحجارة أي أعوذ بالله الذي خلقني، وخلقكم من أن تصلوا إلي بسوء من قول أو فعل، وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ أي: فلا تتعرضوا لي، ودعوا الأمر بيني وبينكم مسالمة إلى أن يقضي الله بيننا. فلما طال مقامه ﷺ بين أظهرهم، وأقام حجج الله تعالى عليهم، كل ذلك وما زادهم ذلك إلا كفرا، وعنادا، دعا ربه عليهم دعوة نفذت فيهم كما قال تبارك وتعالى: وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا [يونس:88-89]، وهكذا قال هاهنا: فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ، فعند ذلك أمره الله تعالى أن يخرج ببني إسرائيل من بين أظهرهم من غير أمر فرعون، ومشاورته، واستئذانه، ولهذا قال جل جلاله: فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ كما قال تعالى: وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى [طه:77].
وقوله هاهنا: وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ، وذلك أن موسى عليه الصلاة والسلام لما جاوز هو وبنو إسرائيل البحر، أراد موسى أن يضربه بعصاه حتى يعود كما كان، ليصير حائلا بينهم، وبين فرعون فلا يصل إليه، فأمره الله تعالى أن يتركه على حاله ساكنا، وبشره بأنهم جند مغرقون فيه، وأنه لا يخاف دركًا، ولا يخشى، قال ابن عباس رضي الله عنهما، وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا كهيئته، وامضه، وقال مجاهد: رَهْوًا طريقًا يبسا كهيئته. يقول: لا تأمره يرجع اتركه حتى يرجع آخرهم، وكذا قال عكرمة، والربيع بن أنس، والضحاك، وقتادة، وابن زيد، وكعب الأحبار، وسماك بن حرب، وغير واحد.
ثم قال تعالى: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وهي البساتين، وعيون، وزروع، والمراد بها الأنهار، والآبار، وَمَقَامٍ كَرِيمٍ: وهي المساكن الأنيقة، والأماكن الحسنة. وقال مجاهد، وسعيد بن جبير، وَمَقَامٍ كَرِيمٍ المنابر. وقال ابن لهيعة، عن وهب بن عبدالله المعافري، عن عبدالله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: نيل مصر سيد الأنهار، سخر الله تعالى له كل نهر بين المشرق والمغرب، وذلـله له، فإذا أراد الله أن يجري نيل مصر أمر كل نهر أن يمده، فأمدته الأنهار بمائها، وفجر الله تبارك وتعالى له الأرض عيونًا، فإذا انتهى جريه إلى ما أراد الله جل وعلا أوحى الله تعالى إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره، وقال في قول الله تعالى: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ قال: كانت الجنان بحافتي نهر النيل من أوله إلى آخره في الشقين جميعا.
الشيخ: هذه العقوبة العاجلة، والعقوبة الآجلة أشد، وأعظم النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]، نسأل الله العافية، جاءتهم العقوبات متتابعة، العقوبة بالغرق، العقوبة في البرزخ، عرضهم على النار، والعقوبة في الآخرة أشد العذاب، نسأل الله العافية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.س: المغافري، بالغين، أو المعافري بالمعين عندنا المغافري، والشيخ ذكر المعافري؟
الشيخ: يراجع في التقريب وهب بن عبدالله المعافري، أو المغافري، الأقرب والله أعلم أنه المعافري.
قال: كانت الجنان بحافتي نهر النيل من أوله إلى آخره في الشقين جميعًا، ما بين أسوان إلى رشيد، وكان له تسع خلج: خليج الإسكندرية، وخليج دمياط، وخليج سردوس، وخليج منف، وخليج الفيوم، وخليج المنتهى، متصلة لا ينقطع منها شيء عن شيء، وزرع ما بين الجبلين كله من أول مصر إلى آخره ما يبلغه الماء، وكانت جميع أرض مصر تروى من ستة عشر ذراعا لما قدروا، ودبروا من قناطرها، وجسورها، وخلجها.
وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ أي: عيشة كانوا يتفكهون فيها فيأكلون ما شاؤوا، ويلبسون ما أحبوا مع الأموال، والجاهات، والحكم في البلاد، فسلبوا ذلك جميعه في صبيحة واحدة، وفارقوا الدنيا، وصاروا إلى جهنم وبئس المصير، واستولى على البلاد المصرية، وتلك الحواصل الفرعونية، والممالك القبطية بنو إسرائيل كما قال تبارك وتعالى: كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ [الشعراء:59]. وقال في الآية الأخرى: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ [الأعراف:137].
وقال هاهنا: كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ، وهم بنو إسرائيل كما تقدم. وقوله : فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ أي: لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد في أبواب السماء فتبكي على فقدهم، ولا لهم في الأرض بقاع عبدوا الله تعالى فيها فقدتهم، فلهذا استحقوا أن لا ينظروا، ولا يؤخروا لكفرهم، وإجرامهم، وعتوهم، وعنادهم.
قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا أحمد بن إسحاق البصري، حدثنا مكي بن إبراهيم، حدثنا موسى بن عبيدة، حدثني يزيد الرقاشي، حدثني أنس بن مالك عن النبي ﷺ قال: ما من عبد إلا وله في السماء بابان: باب يخرج منه رزقه، وباب يدخل منه عمله، وكلامه، فإذا مات فقداه، وبكيا عليه، وتلا هذه الآية فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ، وذكر أنهم لم يكونوا عملوا على الأرض عملًا صالحًا يبكي عليهم، ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم، ولا من عملهم كلام طيب، ولا عمل صالح، فتفقدهم فتبكي عليهم. ورواه ابن أبي حاتم من حديث موسى بن عبيدة، وهو الربذي.
الشيخ: الحديث هذا بهذا السند ضعيف، والربذي ضعيف، والرقاشي ضعيف، المقصود نص القرآن كاف، فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ، لا عمل لهم طيب، نسأل الله أن يفقدوا بل راحة للبلاد، والعباد من شرهم، نسأل الله العافية.
وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ أي: عيشة كانوا يتفكهون فيها فيأكلون ما شاؤوا، ويلبسون ما أحبوا مع الأموال، والجاهات، والحكم في البلاد، فسلبوا ذلك جميعه في صبيحة واحدة، وفارقوا الدنيا، وصاروا إلى جهنم وبئس المصير، واستولى على البلاد المصرية، وتلك الحواصل الفرعونية، والممالك القبطية بنو إسرائيل كما قال تبارك وتعالى: كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ [الشعراء:59]. وقال في الآية الأخرى: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ [الأعراف:137].
وقال هاهنا: كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ، وهم بنو إسرائيل كما تقدم. وقوله : فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ أي: لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد في أبواب السماء فتبكي على فقدهم، ولا لهم في الأرض بقاع عبدوا الله تعالى فيها فقدتهم، فلهذا استحقوا أن لا ينظروا، ولا يؤخروا لكفرهم، وإجرامهم، وعتوهم، وعنادهم.
قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا أحمد بن إسحاق البصري، حدثنا مكي بن إبراهيم، حدثنا موسى بن عبيدة، حدثني يزيد الرقاشي، حدثني أنس بن مالك عن النبي ﷺ قال: ما من عبد إلا وله في السماء بابان: باب يخرج منه رزقه، وباب يدخل منه عمله، وكلامه، فإذا مات فقداه، وبكيا عليه، وتلا هذه الآية فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ، وذكر أنهم لم يكونوا عملوا على الأرض عملًا صالحًا يبكي عليهم، ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم، ولا من عملهم كلام طيب، ولا عمل صالح، فتفقدهم فتبكي عليهم. ورواه ابن أبي حاتم من حديث موسى بن عبيدة، وهو الربذي.
وقال ابن جرير: حدثني يحيى بن طلحة، حدثني عيسى بن يونس، عن صفوان بن عمرو، عن شريح بن عبيد الحضرمي قال: قال رسول الله ﷺ: إن الإسلام بدأ غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض، ثم قرأ رسول الله ﷺ: فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ، ثم قال: إنهما لا يبكيان على الكافر.
الشيخ: هذا مرسل، شريح بن عبيد أرسل تابعي، نعم، شف التقريب يحيى بن طلحة.الطالب: وهب بن عبدالله ما ذكره يا شيخ.
الشيخ: ما ذكره في التقريب.
الطالب: ذكر اثنين فقط.
الشيخ: ما في معافري، ولا مغافري؟
الطالب: لا.
الشيخ: طيب شف يحي بن طلحة.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عصام، حدثنا أبو أحمد يعني الزبيري، حدثنا العلاء بن صالح، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبدالله قال: سأل رجل عليا هل تبكي السماء والأرض على أحد؟ فقال له: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، إنه ليس من عبد إلا له مصلى في الأرض، ومصعد عمله من السماء. وإن آل فرعون لم يكن لهم عمل صالح في الأرض، ولا عمل يصعد في السماء، ثم قرأ علي : فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ.
وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا طلق بن غنام، عن زائدة، عن منصور، عن منهال، عن سعيد بن جبير قال: أتى ابن عباس رضي الله عنهما رجل فقال: يا أبا العباس أرأيت قول الله تعالى: فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ، فهل تبكي السماء والأرض على أحد؟ قال : نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء منه ينزل رزقه، وفيه يصعد عمله، فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله، وينزل منه رزقه، ففقده بكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها، ويذكر الله فيها بكت عليه، وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة، ولم يكن يصعد إلى الله منهم خير، فلم تبك عليهم السماء والأرض، وروى العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما نحو هذا.
الشيخ: هذا سند جيد عن ابن عباس .
وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا طلق بن غنام، عن زائدة، عن منصور، عن منهال، عن سعيد بن جبير قال: أتى ابن عباس رضي الله عنهما رجل فقال: يا أبا العباس أرأيت قول الله تعالى: فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ، فهل تبكي السماء والأرض على أحد؟ قال : نعم، إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء منه ينزل رزقه، وفيه يصعد عمله، فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله، وينزل منه رزقه، ففقده بكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها، ويذكر الله فيها بكت عليه، وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة، ولم يكن يصعد إلى الله منهم خير، فلم تبك عليهم السماء والأرض، وروى العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما نحو هذا.
وقال سفيان الثوري عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان يقال: تبكي الأرض على المؤمن أربعين صباحًا، وكذا قال مجاهد، وسعيد بن جبير، وغير واحد، وقال مجاهد أيضًا: ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحًا، قال فقلت له: أتبكي الأرض؟ فقال: أتعجب، وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع، والسجود؟ وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل؟
وقال قتادة: كانوا أهون على الله من أن تبكي عليهم السماء والأرض.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا عبدالسلام بن عاصم، حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا المستورد بن سابق، عن عبيد المكتب، عن إبراهيم قال: ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إلا على اثنين، قلت لعبيد: أليس السماء والأرض تبكي على المؤمن؟ قال: ذاك مقامه حيث يصعد عمله. قال: وتدري ما بكاء السماء! قلت: لا. قال: تحمر، وتصير وردة كالدهان، إن يحيى بن زكريا عليه الصلاة والسلام لما قتل احمرت السماء، وقطرت دما، وإن الحسين بن علي رضي الله عنهما لما قتل احمرت السماء.
الشيخ: كل هذا ليس بشيء، إبراهيم من صغار التابعين، وعبيد المكتب كذلك ممن لا يحتج بأقوالهم في مثل هذا، هذا أخبار تحتاج إلى قول النبي ﷺ، ما ينفع فيها قول الناس، فهذا مما تلقى عن بني إسرائيل وغيرهم، فلا يعتمد في مثل هذا في بكاء السماء، وفي بكاء الأرض، أو أخبار الماضين، ما يعتمد في هذا قول إبراهيم، أو غيره، وإنما يعتمد في ذلك على ما يثبت عن النبي ﷺ من السنة.
وقال قتادة: كانوا أهون على الله من أن تبكي عليهم السماء والأرض.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا عبدالسلام بن عاصم، حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا المستورد بن سابق، عن عبيد المكتب، عن إبراهيم قال: ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إلا على اثنين، قلت لعبيد: أليس السماء والأرض تبكي على المؤمن؟ قال: ذاك مقامه حيث يصعد عمله. قال: وتدري ما بكاء السماء! قلت: لا. قال: تحمر، وتصير وردة كالدهان، إن يحيى بن زكريا عليه الصلاة والسلام لما قتل احمرت السماء، وقطرت دما، وإن الحسين بن علي رضي الله عنهما لما قتل احمرت السماء.
وحدثنا علي بن الحسين، حدثنا أبو غسان محمد بن عمرو زنيج، حدثنا جرير، عن يزيد بن أبي زياد قال: لما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما احمرت آفاق السماء أربعة أشهر، قال يزيد: واحمرارها بكاؤها، وهكذا قال السدي الكبير.
الشيخ: كل هذا يحتاج إلى تأمل، يزيد بن أبي زياد شيعي، المقصود أن هذا يحتاج إلى نظر، وإن كان قتل الحسين جريمة عظيمة، ومنكر عظيم، لكن كونه بكت عليه السماء أربعة أشهر هذا يحتاج إلى رواية الثقات عما وقع.
وقال عطاء الخراساني: بكاؤها أن تحمر أطرافها، وذكروا أيضا في مقتل الحسين أنه ما قلب حجر يومئذ إلا وجد تحته دم عبيط، وأنه كسفت الشمس، واحمر الأفق، وسقطت حجارة.
الشيخ: هذا من خرافات الشيعة، يقول النبي ﷺ: إن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد، ولا لحياته، مات إبراهيم ابن النبي ﷺ في يوم كسوف الشمس، فقال بعض الناس أنها كسفت لموت إبراهيم، وقال ﷺ: إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، ولكن الله يرسلهما يخوف بهما عباده .
وفي كل من ذلك نظر، والظاهر أنه من سخف الشيعة، وكذبهم ليعظموا الأمر، ولا شك أنه عظيم، ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه، وكذبوه، وقد وقع ما هو أعظم من قتل الحسين ، ولم يقع شيء مما ذكروه، فإنه قد قتل أبوه علي بن أبي طالب ، وهو أفضل منه بالإجماع، ولم يقع شيء من ذلك، وعثمان بن عفان قتل محصورًا مظلومًا، ولم يكن شيء من ذلك، وعمر بن الخطاب قتل في المحراب في صلاة الصبح، وكأن المسلمين لم تطرقهم مصيبة قبل ذلك، ولم يكن شيء من ذلك.
وهذا رسول الله ﷺ، وهو سيد البشر في الدنيا، والآخرة، يوم مات لم يكن شيء مما ذكروه.
ويوم مات إبراهيم ابن النبي ﷺ خسفت الشمس فقال الناس: خسفت لموت إبراهيم! فصلى بهم رسول الله ﷺ صلاة الكسوف، وخطبهم، وبين لهم أن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد، ولا لحياته.
وهذا رسول الله ﷺ، وهو سيد البشر في الدنيا، والآخرة، يوم مات لم يكن شيء مما ذكروه.
ويوم مات إبراهيم ابن النبي ﷺ خسفت الشمس فقال الناس: خسفت لموت إبراهيم! فصلى بهم رسول الله ﷺ صلاة الكسوف، وخطبهم، وبين لهم أن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد، ولا لحياته.