4/904- وعن سعدِ بن أَبي وَقَّاصٍ قَالَ: عَادَني رسولُ اللَّه ﷺ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اشْفِ سعْدًا، اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا، اللَّهُمَّ اشْفِ سَعدًا رواه مسلم.
5/905- وعن أَبي عبداللَّهِ عثمانَ بنِ أبي العَاصِ : أَنه شَكا إِلى رسول اللَّه ﷺ وَجعًا يجِدُهُ في جَسدِهِ، فَقَالَ لَهُ رسولُ اللَّه ﷺ: ضَعْ يَدَكَ عَلى الَّذِي يَأْلَمُ مِن جَسَدِكَ وَقُلْ: بِسمِ اللَّهِ، ثَلاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِن شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحاذِرُ رواه مسلم.
6/906- وعن ابن عباسٍ رضي اللَّه عنهما، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْهُ أَجَلُهُ فقالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مَرَّات: أَسْأَلُ اللَّه الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَك، إِلَّا عَافَاهُ اللَّه مِنْ ذلكَ المَرَضِ رواه أَبُو داود، والترمذي وقال: حديث حسن، وقال الحاكِم: حديث صحيح عَلَى شرطِ البخاري.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فهذه الأحاديث الثلاثة فيها الحثُّ على الدعاء للمريض، وشرعية الدعاء من نفس المريض؛ أن يدعو ربَّه ويطلب منه الشفاء؛ لأنه جلَّ وعلا هو المالك لكل شيءٍ، هو المالك في إنزال الضرِّ، وإنزال الشفاء ، فهو الشافي المعافي، وهو النافع الضار، بيده كل شيء، يُقدِّر المرض لحكمةٍ، والشفاء لحكمةٍ ، ويُري عباده الأضداد ليشكروه، ويصبروا على ما أصابهم، ويحتسبوا، ويعلموا ما له من الحكمة العظيمة في ذلك ، فهو يبتلي عباده بالسراء والضراء، والشدة والرخاء؛ ليشكروه عند النعمة والرخاء، وليصبروا عند البلية؛ ولهذا في الحديث الصحيح يقول النبي ﷺ: عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له.
في هذا أنه ﷺ عاد سعد بن أبي وقاص لما مرض في حجة الوداع، فقال: اللهم اشفِ سعدًا، اللهم اشفِ سعدًا، اللهم اشفِ سعدًا، فشفاه الله، وعاش مدةً طويلةً، وتوفي في عام ستٍّ وخمسين من الهجرة، عاش بعد النبي ﷺ ستًّا وأربعين سنةً، فهذا فيه الدعاء للمريض، وأنه يُستحب الدعاء للمريض.
وذكر في الدعاء ثلاثًا، كان النبي ﷺ إذا تكلم بكلمةٍ أعادها ثلاثًا حتى تُفهم عنه، كان إذا دعا يدعو ثلاثًا عليه الصلاة والسلام للتأكيد والإلحاح والرغبة فيما عند الله .
وقال لعثمان بن أبي العاص لما اشتكى: ضع يدك على محل الألم وقل: بسم الله –ثلاثًا- أعوذ بعزة الله وقُدرته من شرِّ ما أجد وأُحاذر -سبع مرات- فهذا من أسباب الشفاء، كون الإنسان إذا تألم بشيءٍ من جسده: يد أو رجل أو غير ذلك، يضع يده على محلِّ الألم ويقول: "بسم الله، بسم الله، بسم الله"، يعني: ثلاث مرات، ثم يقول: "أعوذ بعزة الله وقُدرته من شرِّ ما أجد وأُحاذر" سبع مرات، يُكررها سبعًا: "أعوذ بعزة الله وقُدرته من شرِّ ما أجد وأُحاذر"، هذا من أسباب الشفاء، يدعو والله جلَّ وعلا هو الحكيم العليم، إذا شاء عجَّل الشفاء، وإذا شاء أجَّل ، هذه أسباب؛ يضع يده على محل الألم ويقول: "بسم الله، بسم الله، بسم الله" ثلاث مرات، ثم يقول سبع مرات: "أعوذ بعزة الله وقُدرته من شرِّ ما أجد وأُحاذر".
وفي حديث ابن عباسٍ -الحديث الثالث- أنَّ الرجل إذا عاد أخًا له مريضًا فقال: "أسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يشفيك" سبع مرات أن الله يشفيه من مرضه، هذا الحديث في سنده بعض المقال وإن صححه الحاكم، في سنده أبو خالد الدالاني، وفيه ضعف، لكن هذا من الفضائل، ومن الترغيب، فيُستحب للمؤمن إذا زار مريضًا أن يدعو له: اللهم اشفه، اللهم عافه، أسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يشفيك. وإذا كررها سبع مراتٍ فحسن، كل هذا من أسباب الشفاء والعافية، ومن الرحمة لأخيك، ومن حسن الإخاء بما يسر المريض، أو بما يُسبب المحبة والتآلف؛ ولهذا شرع الله سبحانه عيادة المرضى والتزاور بين الإخوان والدعاء، كل هذا من أسباب المحبة، وأسباب التآلف، وسلامة القلوب، والتعاون على الخير. وفَّق الله الجميع.
146- باب استحباب سؤال أهل المريض عن حاله
1/910- عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أنَّ عليَّ بن أبي طالب خرج من عند رسول الله ﷺ في وجعه الذي تُوفي فيه، فقال الناس: يا أبا الحسن، كيف أصبح رسول الله ﷺ؟ قال: أصبح بحمد الله بارئًا. رواه البخاري.
147- باب ما يقوله مَن أيس من حياته
1/911- عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعتُ النبيَّ ﷺ وهو مُستند إليَّ يقول: اللهم اغفر لي، وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى متفق عليه.
2/912- وعنها قالت: رأيتُ رسول الله ﷺ وهو بالموت، عنده قدح فيه ماء، وهو يُدخل يده في القدح، ثم يمسح وجهه بالماء، ثم يقول: اللهم أعني على غمرات الموت وسكرات الموت رواه الترمذي.
الشيخ: هذه الأحاديث فيما يتعلق بسؤال أهل المريض عن حال المريض، وما يُستحب للمريض إذا شعر بقرب وفاته وانقطاعه من الدنيا، وأنه ينبغي له أن يُكثر من الدعاء النافع المفيد.
من هذا أنَّ عليًّا خرج من عند النبي ﷺ في بعض أيامه التي مرض فيها عليه الصلاة والسلام، فسأله الناس عن ذلك قالوا: يا علي، كيف أصبح رسول الله؟ قال: أصبح بارئًا بحمد الله؛ لأنَّ المخبر عن المريض يقول: طيب، بخير، إن شاء الله طيب، وإذا كان قد برئ يقول: برئ والحمد لله، إذا كان يظهر له من حاله أنه سلم من المرض يقول: برئ والحمد لله، وإلا يقول: طيب إن شاء الله، هو بخير إن شاء الله، كلام طيب، يُعبر بكلامٍ طيبٍ يسرّ السائل.
ويُستحب للمريض أن يقول: "اللهم اغفر لي، وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى، اللهم أعني على سكرات الموت وغمراته، اللهم أحسن خاتمتي" إلى غير هذا، كما كان النبي يدعو: اللهم اغفر لي، وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى، الرفيق الأعلى هم النَّبيون والصديقون والشُّهداء والصَّالحون الذين قال فيهم جلَّ وعلا: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69] يعني: اللهم اجعلني منهم، وألحقني بهؤلاء الأخيار، وهم الأنبياء وأتباعهم، وهكذا "اللهم اغفر لي، وارحمني، وأعني على سكرات الموت، اللهم أحسن خاتمتي، اللهم اغفر لي زلاتي، اللهم وفقني لما يُرضيك، اللهم أصلح قلبي وعملي" إلى غير هذا من الدَّعوات الطيبة، ولا سيما في المرض، وفي وجود علامات قرب الأجل يجتهد في الدعاء بطلب المغفرة وحُسن الخاتمة، وأن يُلحقه الله بالسلف الصالح والأخيار، كما دعا النبيُّ ﷺ بذلك. وفَّق الله الجميع.
148- باب استحباب وصية أهل المريض ومَن يخدمه بالإحسان إليه
واحتماله بالصبر عَلَى مَا يشقّ من أمره
وكذا الوصية بمَن قرب سبب موته بحدٍّ أَوْ قصاصٍ ونحوهما
1/913- عن عِمران بن الحُصَين رضي اللَّه عنهما: أَنَّ امرأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتِ النبيَّ ﷺ وهِي حُبْلَى مِنَ الزِّنَا، فَقَالَتْ: يَا رسول اللَّهِ، أَصبتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ علَيَّ، فَدعا رسولُ اللَّهِ ﷺ وليَّهَا، فقالَ: أَحْسِنْ إِلَيْهَا، فَإِذا وضَعَتْ فَأْتِني بِهَا، فَفعلَ، فَأَمر بِها النبيُّ ﷺ فشُدَّتْ علَيها ثِيابُها، ثُمَّ أَمر بِها فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا. رواه مسلمٌ.
149- باب جواز قول المريض: أنَا وجع، أَوْ شديد الوجع
أَوْ مَوْعُوكٌ، أَوْ وارأساه، ونحو ذلك
وبيان أنَّه لا كراهةَ في ذلك إِذَا لَمْ يكن عَلَى سبيل التَّسخط وإظهار الجزع
1/914- عن ابنِ مسعودٍ قَالَ: دَخَلتُ عَلى النَّبِيِّ ﷺ وهُو يُوعَكُ، فَمسِسْتُه، فقلْتُ: إِنَّكَ لَتُوعَكُ وعْكًا شَديدًا! فَقَالَ: أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
2/915- وعن سعدِ بن أَبي وَقَّاصٍ قَالَ: جَاءَني رسولُ اللَّه ﷺ يعودُني مِن وجعٍ اشتدَّ بِي، فَقُلْتُ: بلَغَ بِي مَا تَرَى، وأَنَا ذُو مَالٍ، وَلا يرِثُني إِلَّا ابْنَتِي. وذَكر الحديث. متفقٌ عَلَيْهِ.
3/916- وعن القاسم بن محمدٍ قَالَ: قالَتْ عائشَةُ رضي اللَّهُ عنها: وارأْسَاهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: بلْ أَنَا وارأْسَاهُ وذكر الحديث. رواه البخاري.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: في هذه الأحاديث -الحديث الأول- الدلالة على شرعية الإحسان إلى مَن أصابه مرضٌ وشدَّة؛ أن يُصبر عليه، وأن يُحسن إليه، والوصية بالتوبة النصوح والاستقامة لمن اشتدَّ مرضه، أو دنا أجله بحدٍّ أو قصاصٍ أو نحو ذلك؛ حتى يختم حياته بخاتمةٍ حسنةٍ: بالتوبة الصادقة والعمل الصالح، قال الله جلَّ وعلا: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر]، أخبر النبي ﷺ أنَّ هذا علامة أجله، أنه أُمر عند قرب الأجل أن يُسبح ربه ويستغفره ويتوب إليه.
فالمشروع للمؤمن عند كبر السن، عند شدة المرض، عند قرب الأجل أن يجتهد في العمل الصالح، والإكثار من الأعمال الصالحة والحسنات، ولزوم التوبة، وكثرة الاستغفار؛ رجاء أن يُختم له بخاتمةٍ حسنةٍ.
في قصة الجهنية أنها أتت النبيَّ ﷺ وقالت إنها حُبلى من الزنا، يعني: حامل، وفي رواية أنها غامدية، فقال النبيُّ ﷺ لوليها: أحسن إليها، وليها يعني: أبوها أو أخوها، الذي هي عنده: أحسن إليها، فإذا وضعت –يعني: ولدت- فأتني بها، فلما وضعت جاء النبيّ فأخبره، فأمر النبي ﷺ بأن يُقام عليها الحدّ، وفي روايةٍ: أنها جاءت، وقال: أجله حتى تفطمه، قال: أرضعيه، فلما فطمته جاءت به، وقال النبي ﷺ أمر أن تشدّ عليها ثيابها، يعني: أن تُمسك عليها ثيابها حتى لا تتكشف، ثم أمر بها فرُجمت، وهذا حد الزاني المحصن، يُرجم، رجل أو امرأة، إن كان محصنًا، قد تزوج ودخل رجلٌ بامرأته، ثم زنا أو زنت تُرجم بالحجارة حتى تموت، وهكذا الرجل، أما البكر فتُجلد مئة جلدة، إن كان بكرًا، ما بعد تزوج، زنا وهو بكر، شباب، وهكذا الفتاة، يُجلد كل واحدٍ مئة جلدة، ففي قوله : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]، أما الرجل الذي قد أحصن، قد تزوج ودخل بالمرأة، وهكذا المرأة المتزوجة التي قد دخل بها إذا زنيا يُرجمان بالحجارة حتى يموتا.
وفي الحديث الثاني والثالث والرابع الدلالة على أنَّ الإنسان قد يُوعك وعكًا شديدًا ويمرض، فيقول: أنا أوعك، أنا في مرض شديد، لا بأس أن يُخبر على سبيل الخبر، ما هو على سبيل الشكوى للمخلوقين، على سبيل الخبر؛ ولهذا قال ابن مسعودٍ للنبي ﷺ: إنك لتُوعك! يعني: معك حمة شديدة، فقال النبيُّ ﷺ: نعم، إني لأُوعك كما يُوعك رجلان منكم يعني: تُصيبني الحمى وتشتد عليَّ مثل حمة اثنين منكم، يعني: يُضاعف عليه البلاء عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا في الحديث الصحيح يقول النبي ﷺ: أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، فالأنبياء أشد الناس بلاءً ومصائب عليهم الصلاة والسلام؛ حتى تعظم أجورهم، وتُرفع درجاتهم، ويكونوا قدوةً لغيرهم.
وفي الحديث الثاني -قصة سعد بن أبي وقاص- قال: يا رسول الله، اشتد مرضي. في حجة الوداع اشتد به المرض، واستفتى في الوصية، فدلَّ على أنه يجوز أن تقول: اشتدَّ مرضي، أو معي مرض شديد، لا بأس أن تُخبر بهذا على سبيل الخبر.
هكذا قول عائشة رضي الله عنها: وارأساه، قال النبي: وأنا وارأساه يعني: أتألم من رأسي، وارأساه، وارجلاه، واصدراه، وما أشبه ذلك لا حرج، من باب الخبر، رجلي توجعني، اشتدَّ بها المرض، رأسي يُؤلمني، لا بأس على سبيل الخبر فقط، لا حرج في هذا. وفَّق الله الجميع.
150- باب تلقين المُحتضر: لا إله إِلَّا اللهُ
1/917- عن معاذٍ قالَ: قَالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ كَانَ آخِرَ كلامِهِ لا إِلهَ إِلَّا اللَّه دَخَلَ الجنَّةَ رواه أَبُو داود والحاكم وقال: صحيح الإِسناد.
2/918- وعن أَبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّه ﷺ: لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لا إِله إِلَّا اللَّهُ رواه مسلم.
151- باب مَا يقوله بعد تغميض الميت
1/919- عن أُمِّ سَلمةَ رضيَ اللَّهُ عنها قالت: دَخَلَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ على أَبي سلَمة وَقَدْ شَقَّ بصَرُهُ، فأَغْمَضَهُ، ثُمَّ قَال: إِنَّ الرُّوح إِذا قُبِضَ تبِعَه الْبَصَرُ، فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَقَالَ: لا تَدْعُوا عَلى أَنْفُسِكُم إِلَّا بِخَيْرٍ، فإِنَّ المَلائِكَةَ يُؤمِّنُون عَلى مَا تَقُولونَ، ثمَّ قالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر لأَبِي سَلَمَة، وَارْفَعْ درَجَتهُ في المَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ في عَقِبِهِ في الْغَابِرِين، واغْفِرْ لَنَا ولَه يَا ربَّ الْعَالمِينَ، وَافْسَحْ لَهُ في قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ رواه مسلم.
الشيخ: هذه الأحاديث الثلاثة: الأول والثاني يتعلقان بتلقين الميت، وأنه ينبغي أن يجتهد في أن يكون آخر كلامه: لا إله إلا الله، وأن يختم حياته بالتوحيد، وما يُستحب لأهل الميت إذا مات الميتُ أن يفعلوا، والدعاء له بالمغفرة والرحمة، وتغميض عينيه، إذا مات يُدعا له بالمغفرة والرحمة، يقول ﷺ: مَن كان آخر كلامه: لا إله إلا الله، دخل الجنة، هذا فيه حثٌّ وتحريضٌ على ختم الحياة بالتوحيد، فمَن كان آخر كلامه: لا إله إلا الله، صدقًا من قلبه -كما في الحديث الآخر: صدقًا من قلبه- دخل الجنة؛ لأنه إذا كان صادقًا فيها محت سيئاته، فإذا كانت له سيئات وقالها صادقًا مخلصًا فإنَّ هذا يتضمن توبته من السيئات، وندمه على ما هو عليه، فيكون حينئذٍ مات على توبةٍ صادقةٍ، وعلى إخلاصٍ، فيُرجى له النَّجاة والعاقبة الحميدة.
وهكذا حديث أبي سعيدٍ: لقِّنوا موتاكم: لا إله إلا الله، يقول ﷺ: لقِّنوا موتاكم: لا إله إلا الله يعني: ذكِّروه بها عند الموت حتى يقولها، وحتى يُختم له بها، إذا رُئيت فيه آثار الموت وعلامات الموت يُقال عنده: لا إله إلا الله، حتى يقولها، أو يقول: قل: لا إله إلا الله، إذا لم يقلها يُذكر حتى يُختم له بها، فمَن كان آخر كلامه هذه الكلمة العظيمة عن صدقٍ وإخلاصٍ وإيمانٍ كان من أهل السعادة والجنة. نسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية.
أما ما يقوله أهلُ الميت: فإن السنة لهم بعد تغميض الميت أن يدعوا له بالمغفرة ولهم، كما قال النبي لأبي سلمة، لما مات أبو سلمة ودخل عليه وقد شَقَّ بصره، يعني: فُتح بصره، صعدت تلك الروح، قد خرجت الروح، قال: إنَّ الروح إذا قُبض تبعه البصر، يتبعه ينظر أين يذهب؟ ثم لما ضجُّوا -يعني: شعروا بأنه مات ضجُّوا- قال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخيرٍ، النبي ﷺ نصحهم وأوصاهم قال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخيرٍ؛ فإنَّ الملائكة تُؤمن على ما تقولون، ما يقوله الناس عند المصيبة إن دعوا بخيرٍ الملائكة أمَّنت عليه، وبشرٍّ كذلك، فينبغي لأهل الميت أن يدعوا بالخير، وأن يترحموا على ميتهم، ويسألوا الله لهم حُسن العزاء والصبر، لا يتكلَّموا إلا بالكلام الطيب.
ثم قال عليه الصلاة والسلام بعدما أغمض عينيه قال: اللهم اغفر لأبي سلمة وهو زوج أم سلمة، أحد الصحابة المشهورين المهاجرين، وارفع درجته في المهديين، وافسح له في قبره، ونور له فيه، واخلفه في عقبه، وفي روايةٍ أخرى: واغفر لنا وله يا ربّ العالمين، فالسنة الدعاء للميت وأهله بالمغفرة عند الموت، يُعزّون ويُدعا لهم، ويُدعا للميت بالمغفرة والرحمة، وللأحياء بحُسن العزاء والصبر والتوفيق لما يُرضي الله. وفَّق الله الجميع.
س: بعض المناطق إذا تُوفي أحد الناس يكون هناك واعظٌ بعد الدفن يعظ الناس في المقابر؟
ج: ما في بأس، ما في بأس، النبي ﷺ وعظ عند الدفن، لما جاء والقبر لم يُدفن جلس ووعظ الناس.
س: ولو كان أيضًا بصورةٍ مُستديمةٍ لا بأس به؟
ج: ما في بأس، مَن حضر يُحيي العلم، إن ذكَّرهم طيب.
152- باب ما يُقال عند الميت وَمَا يقوله مَن مات له ميت
1/920- عن أُمِّ سلَمَةَ رضي اللَّه عنها قالت: قالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذا حَضَرْتُمُ المرِيضَ -أَوِ المَيِّتَ- فَقُولُوا خيْرًا؛ فَإِنَّ الملائِكَةَ يُؤمِّنونَ عَلى مَا تقُولُونَ، قالت: فلمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَة أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقُلْتُ: يَا رسُولَ اللَّه، إِنَّ أَبَا سلَمَة قَدْ مَاتَ، قالَ: قُولي: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلَهُ، وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً، فقلتُ: فأَعْقَبني اللَّهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ لِي مِنْهُ: مُحمَّدًا ﷺ. رواه مسلم هكَذا: إِذا حَضَرْتُمُ المَرِيضَ أَو الميِّت عَلَى الشَّكِّ، رواه أبو داود وغيره: الميِّت بلا شَكٍّ.
2/921- وعنها قَالَتْ: سمعتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يقول: مَا مِنْ عبدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فيقولُ: إِنَّا للَّهِ وَإِنَّا إِليهِ رَاجِعُونَ، اللَّهمَّ أَجِرْنِي في مُصِيبَتي، وَأَخْلِف لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَجَرَهُ اللَّهُ تعَالى في مُصِيبتِهِ، وَأَخْلَف لَهُ خَيْرًا مِنْهَا، قالت: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَة قلتُ كَمَا أَمَرني رسولُ اللَّهِ ﷺ، فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي خَيْرًا منْهُ؛ رسولَ اللَّهِ ﷺ. رواه مسلم.
3/922- وعن أَبي موسى : أَنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذا ماتَ وَلدُ العَبْدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لمَلائِكَتِهِ: قَبَضْتُم وَلدَ عَبْدِي؟ فيقولُونَ: نعَم، فيقولُ: قَبَضْتُم ثمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فيقولونَ: نَعم، فَيَقُولُ: فَمَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فيقُولُونَ: حمِدكَ واسْتَرْجَعَ، فيقولُ اللَّهُ تَعَالَى: ابْنُوا لعبدِي بَيتًا في الجَنَّة، وَسَمُّوهُ بيتَ الحمدِ رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
الشيخ: هذه الأحاديث الثلاثة في بيان ما ينبغي أن يُقال عند الميت وإذا أُصيب عبدٌ بمصيبةٍ، النبي ﷺ يأمر أهل الميت ومَن حضر الميت أن يقول خيرًا؛ فإنَّ الملائكة تُؤمن على ما يقول الناس، فينبغي لمن حضر الميت أن يقول خيرًا: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم هوِّن مصيبة ذويه، اللهم أحسن عزاءهم، اللهم ارزقهم الصبر والاحتساب، اللهم عوِّضهم خيرًا منه. وما أشبه هذا من الكلام الطيب، وهم يقولون -المصابون يقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون، الحمد لله، إنا لله وإنا إليه راجعون. هكذا المؤمن، يقول إذا أُصيب بمصيبةٍ: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها. كما علَّم النبي أمَّ سلمة، الله يقول في كتابه العظيم: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155- 157].
وفي الحديث يقول ﷺ: المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجزنَّ، فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلتُ كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن "لو" تفتح عمل الشيطان، فالإنسان يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، قدر الله وما شاء فعل، الحمد لله رب العالمين. وإذا كان ميت يقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم آجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها. الله يُعوضه خيرًا من ذلك.
ولما مات أبو سلمة وأخبرت أمُّ سلمة النبيَّ ﷺ بموته قال: قولي: اللهم اغفر لي وله، وأعقبني فيه عقبى حسنة، فأعقب اللهُ أمَّ سلمة النبي عليه الصلاة والسلام، وهو خير من أبي سلمة، هكذا يُستحب، قالت: اللهم اغفر لي وله، اللهم أعقبني منه عقبى حسنة.
وفي اللفظ الآخر يقول رسول الله ﷺ: ما من عبدٍ يُصاب بمصيبةٍ فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها، إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرًا منها، هذا من فضل الله، هذا التعليم وهذا التوجيه من فضل الله وإحسانه .
وفي حديث أبي موسى: إذا قُبض الولد يقول الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، قال: فماذا قال عبدي؟ قالوا: حمدك واسترجع، هكذا المؤمن، فيقول: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة، وسموه بيت الحمد، ففي هذا الحثّ على حمد الله عند المصائب، والصبر والاحتساب، وأن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، الحمد لله رب العالمين، وبذلك تحصل له الفائدة العظيمة، والعقبى الحسنة، والأجر العظيم. وفَّق الله الجميع.
4/923- وعن أَبي هُريرةَ : أَنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: يقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لعَبْدِي المُؤْمِن عِنْدي جزَاءٌ إِذا قَبَضْتُ صَفِيَّه مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الجَنَّةَ رواه البخاري.
5/924- وعن أُسامةَ بنِ زيدٍ رضي اللَّه عنهما قَالَ: أَرْسَلَتْ إِحْدَى بَناتِ النَّبيِّ ﷺ إِلَيهِ تَدْعُوهُ وتُخْبِرُهُ أَنَّ صَبِيًّا لهَا أَو ابْنًا في المَوتِ، فَقَالَ للرَّسول: ارْجِعْ إِلَيْهَا، فَأَخْبِرْهَا أَنَّ للَّهِ تَعَالَى مَا أَخَذَ، ولَهُ مَا أعطَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمَّى، فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ ولْتَحْتَسِبْ وذكر تمام الحديث. متفقٌ عَلَيْهِ.
الشيخ: هذان الحديثان الصحيحان وما جاء في معناهما فيهما الدلالة على شرعية الاحتساب عند المصيبة، وأن المؤمن يحتسب أجره عند الله، ويتصبر ولا يجزع، ولا يسخط، ولا يتعاطى ما لا ينبغي، بل يحتسب ثواب ذلك عند الله، ويصبر، ويعلم أنه حكيم عليم فيما يقضي ويقدر من موتٍ وغيره؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح: يقول الله : ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا أخذتُ صفيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنَّة، صفيه يعني: حبيبه، إن كان ولدًا، إن كان أخًا، إن كان أمًّا، كان أبًا، إذا احتسبه الإنسانُ صبر واحتسب رجاء الثواب عند الله فجزاؤه عند الله جلَّ وعلا.
هذا فيه أن احتساب المصائب والصبر عليها من أسباب دخول الجنة، يعني مع بقية الأسباب الأخرى: من التوحيد، والطاعة، والامتثال، ليس معناه أنه إذا احتسبه على غير .....، المقصود إذا احتسبه مع القيام بما أوجب الله عليه وترك ما حرَّم الله عليه، المقصود أن احتساب المصيبة والرضا والصبر وعدم الجزع وعدم التَّسخط هذا من جملة الأسباب التي يدخل بها صاحبُها الجنة.
وهكذا الحديث الثاني -حديث أسامة- في قصة إحدى بنات النبي ﷺ: كانت إحدى بنات النبي عندها صبي وأحسَّت به أمارات الموت، فأرسلت إلى النبي ﷺ ليحضر؛ لتحصل لهم فيه التعزية والتَّصبر والتَّحمل إذا حضر عليه الصلاة والسلام .....
فقال للرسول الذي أرسلته –مندوبها: قل لها: لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيءٍ عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب، هذان الشرطان، قال: فلتصبر ولتحتسب، فلتصبر على المصيبة، ولتحتسب ثوابها عند الله جلَّ وعلا، ولا تجزع، ولا تقول ما لا ينبغي .....، وأن المؤمن يحتسب الأجر عند الله .....، ويبتعد عمَّا حرَّم الله.
وتمام الحديث أنها عزمت عليه، قالت للرسول: ارجع وقل له: أعزم عليك أن تحضر، فرجع إليه الرسول وقال: يا رسول الله، إنها تعزم عليك إلا تحضر، فقام عليه الصلاة والسلام وتوجه إليها، هذا من خلقه العظيم الكريم، وحلمه وصبره، وتواضعه عليه الصلاة والسلام، لما عزمت عليه قام وبعض الصحابة: سعد بن عبادة وجماعة، فلما أتوا إلى منزلها إذ الصبي نفسه تقعقع عند خروج الروح، فلما رآه النبيُّ ﷺ وفيه الموت دمعت عيناه عليه الصلاة والسلام –بكى- فقال له سعدُ بن عبادة: يا رسول الله، تبكي؟! قال: إنها رحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرُّحماء.
فمَن كان يبكي عند المصيبة بغير نياحةٍ رحمة .....؛ لأنَّ المصيبة لها خطب، ولها أثر في النفوس، فإذا ..... أو دمعت عيناه وبكى لا بأس، مثلما قال ﷺ في موت إبراهيم؛ لما مات ابنه إبراهيم قال: العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يُرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون، وقال في حديثٍ آخر يُخاطب الصحابة: اعلموا أنَّ الله لا يُؤاخذ بدمع العين، ولا بحزن القلب، وإنما يُؤاخذ بهذا -وأشار إلى لسانه- أو يرحم يعني: الخطر اللسان، الكلام الطيب هو سبب الرحمة، والكلام الخبيث هو سبب الشقاء .....
ولهذا دمعت عيناه، لما رأى الصبي في السياق دمعت عيناه وبكى، وقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: إنها رحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء، فدلَّ على أن البكاء عند الميت من غير صراخٍ ومن غير نياحةٍ لا بأس به، ولا حرج فيه، وإنما المحرم النياحة ورفع الصوت، أو شقّ الثوب، أو لطم الخدّ، أو حثو التراب، هذا هو المنكر، أما كونه تدمع عينه ويحزن ..... ابن آدم يتأثر بموت القريب، بموت الحبيب، يتأثر به لكن يتحمل ويصبر ويحتسب، ولا يفعل إلا ما أذن له فيه الشرع. وفَّق الله الجميع.
س: إنسان ينصح الناس أو يتكلم في الدين وقال: الأمر من الله بين الكاف والنون، يعني: إذا قال: كن، فكان، هذه الكلمة، هل فيها نهي؟
ج: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل:40] س: يعني ما فيها نهي؟
ج: ما فيها شيء.
س: سؤال آخر يا شيخ، هل للإنسان أن يقول مثلًا: الشيخ الفلاني بجلالة قدره أو الأستاذ الفلاني بجلالة قدره.
ج:....
س: ما فيها شيء.
ج: ما فيها شيء.
أحسن الله إليك، السلام عليكم ورحمة الله، جزاك الله خيرا، الله يحفظك ويتقبل منك.
156- باب استحباب تكثير المُصلين عَلَى الجنازة
وجعل صفوفهم ثلاثة فأكثر
1/932- عَنْ عائشةَ رضي اللَّهُ عنها قَالَتْ: قالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: مَا مِنْ ميِّتٍ يُصَلِّي عليهِ أُمَّةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يبلُغُونَ مئةً، كُلُّهُم يشْفَعُونَ له؛ إِلَّا شُفِّعُوا فيه رواه مسلم.
2/933- وعن ابنِ عباسٍ رضي اللَّه عنهما قَالَ: سَمعْتُ رَسُول اللَّه ﷺ يَقُول: مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلمٍ يَمُوتُ، فَيقومُ عَلَى جنَازتِهِ أَرْبَعونَ رَجُلًا لا يُشْرِكُونَ باللَّه شَيئًا إِلَّا شَفَّعَهُم اللَّهُ فيهِ رواه مسلم.
3/934- وعن مَرْثَدِ بن عبدِاللَّه اليَزَنِيِّ قَالَ: كانَ مالكُ بنُ هُبَيْرَةَ إِذا صلَّى عَلى الجنَازَةِ، فَتَقَالَّ النَّاسَ عَليها، جزَّأَهُمْ عَلَيْهَا ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ، ثُمَّ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: مَنْ صَلَّى عليهِ ثَلاثَةُ صُفُوفٍ فَقَدْ أَوْجَبَ رواه أَبُو داود، والترمذي وقال: حديث حسن.
الشيخ: هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بكثرة المصلين على الجنازة، وأن كثرة المصلين على الجنازة من أسباب تشفيعهم لها ..... ومن أسباب مغفرة الله لها وسلامتها.
الحديث الأول حديث عائشة رضي الله عنها: ما من مسلمٍ يقوم على جنازته أمَّة من الناس يبلغون مئةً إلَّا شفَّعهم الله فيه، هذا فيه الحثّ على تكثير المصلين، وأن الحرص على كثرتهم من أسباب مغفرة الله للعبد؛ لكثرة الداعين له والشافعين له أن يغفر الله له، وأن يُكفر سيئاته.
في حديث ابن عباسٍ: ما من مسلمٍ يقوم على جنازته أربعون رجلًا لا يُشركون بالله شيئًا إلَّا شفَّعهم الله فيه، وفي حديث عائشة: مئة، وهنا أربعون، هذا فضل من الله جلَّ وعلا، جعل العدد أقل من مئةٍ، فالعدد الأول محمول على أنه كان أولًا، ثم تفضل الله وتفضل بأن يقبل الشفاعة من أربعين في هذا الميت إذا شفعوا له ودعوا له، فكلما كانت الجماعة أكثر صار الأجر أكثر، وصار الرجاء في مغفرة الله له أكثر.
فينبغي تحري الصلاة على الميت في المسجد الذي يكثر فيه المصلون؛ رجاء أن ينفعه الله بشفاعتهم ودعائهم.
في حديث مالك بن هُبيرة الصحابي : أنه كان يُجزئ الجماعة، إذا قلُّوا جعلهم ثلاثة صفوفٍ، ويحتج بحديث: ما من ميتٍ يقوم على جنازته ثلاثة صفوفٍ إلا أوجب يعني: وجبت له المغفرة.
وفي حديث جابرٍ في قصة النَّجاشي: أنه صلَّى عليه صفوف، قال جابر: كنتُ في الصفِّ الثاني أو في الثالث. الأصل في هذا أنَّ الجماعة يُصلون صفوفًا: يصف الأول، ثم الثاني، وهكذا، يُتممون الأول فالأول.
أما حديث مالك بن هُبيرة ففي سنده ضعف؛ لأنه من رواية ابن إسحاق، وقد عنعن، فلو صحَّ لكان هذا خاصًّا بالجنازة، لكن في سنده ضعف، والأصل في هذا أن المصلين يكملون الأول فالأول، فإذا كانوا مئةً أو أربعين أو أكثر أو أقلَّ كل ذلك فيه خير عظيم، لكن تحري الكثرة والحرص على المشي الذي تكون فيه الكثرة يكون هذا أبعد للميت رجاء أن يشفعهم الله فيه ويقبل دعاءهم. وفَّق الله الجميع.
157- باب مَا يقرأ في صلاة الجنازة
يُكَبِّرُ أرْبَعَ تَكبِيرَاتٍ، يَتَعوَّذُ بَعْدَ الأُولَى, ثُمَّ يَقْرَأُ فَاتِحَةَ الكِتَابِ, ثُمَّ يُكَبِّرُ الثَّانِيَةَ, ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبيِّ ﷺ فيقول: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ, وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ. والأفضل أن يُتمَّه بقوله: كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إبرَاهِيمَ .. إِلَى قَوْله: إنك حميد مجيد.
ولا يفعل ما يفعله كَثيرٌ مِنَ العَوامِّ مِنْ قراءتِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ الآية [الأحزاب:56]، فَإنَّهُ لا تَصحُّ صَلاتُهُ إِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ.
ثُمَّ يُكَبِّرُ الثَّالِثَةَ, وَيَدعُو للمَيِّتِ وَللمُسْلِمِينَ بِمَا سَنَذكُرُهُ مِنَ الأحاديث إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, ثُمَّ يُكَبِّرُ الرَّابِعَةَ وَيَدْعُو, وَمِنْ أَحْسَنِهِ: اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا أجْرَهُ, وَلا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ, وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ.
وَالمُخْتَارُ أنه يُطَوِّلُ الدُّعاء في الرَّابِعَة، خلافَ مَا يَعْتَادُهُ أكْثَرُ النَّاس؛ لحديث ابن أَبي أَوْفى الذي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاء الله تعالى.
فأمَّا الأَدْعِيَةُ المَأثُورَةُ بَعْدَ التَّكبِيرَةِ الثالثة, فمنها:
1/935- عن أبي عبدِالرحمنِ عوفِ بن مالكٍ قَالَ: صلَّى رَسُولُ اللَّه ﷺ عَلى جَنَازَةٍ، فَحَفِظْتُ مِنْ دُعائِهِ وَهُو يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وارْحَمْهُ، وعافِهِ، واعْفُ عنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، واغْسِلْهُ بِالماءِ والثَّلْجِ والْبرَدِ، ونَقِّه منَ الخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوبَ الأبْيَضَ منَ الدَّنَس، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِه، وَأَهْلًا خَيْرًا منْ أهْلِهِ، وزَوْجًا خَيْرًا منْ زَوْجِهِ، وأَدْخِلْه الجنَّةَ، وَأَعِذْه منْ عَذَابِ القَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّار حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ أنَا ذلكَ المَيِّتَ. رواه مسلم.
2/936- وعن أَبي هُريرة وأبي قَتَادَةَ، وَأبي إبْرَاهيمَ الأَشْهَليِّ، عنْ أبيه، وأبوه صَحَابيٌّ ، عَنِ النبيِّ ﷺ أنَّه صلَّى عَلى جَنَازَةٍ فَقَالَ: اللَّهم اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَميِّتِنا، وَصَغيرنا وَكَبيرِنَا، وذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، وشَاهِدِنا وَغائِبنَا، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَه منَّا فأَحْيِهِ عَلَى الإسْلامِ، وَمَنْ توَفَّيْتَه منَّا فَتَوَفَّهُ عَلى الإيمانِ، اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنا أَجْرَهُ، وَلا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ رواه الترمذي من رواية أَبي هُرَيْرةَ والأشهَليِّ، ورواه أَبُو داود من رواية أَبي هريرة وأبي قَتَادَةَ.
قَالَ الحاكم: حديث أَبي هريرة صَحيحٌ عَلَى شَرْطِ البُخاريِّ ومُسْلِمٍ.
قَالَ التِّرْمِذي: قَالَ البخاريُّ: أَصحُّ رواياتِ هَذَا الحديث روايةُ الأَشْهَليِّ. قَالَ البخاري: وَأَصَحُّ شيءٍ في هَذَا الباب حديث عَوْفِ بن مالكٍ.
3/937- وعن أبي هُريْرَةَ قَالَ: سمعتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقول: إذا صَلَّيْتُم عَلى المَيِّت فأَخْلِصُوا لهُ الدُّعاءَ رواه أبو داود.
الشيخ: في هذه الأحاديث بيان شيءٍ مما يُدعا به للميت، وبيان صفة الصلاة، جاءت الأحاديث دالة على أن صفة الصلاة أنه يُكبر أربعًا، هكذا استقرت الشريعة من فعله ﷺ حين صلَّى على النَّجاشي، وحين صلَّى على قبرٍ بعدما دُفن كبَّر أربعًا، وكان ربما كبَّر خمسًا .....، يتعوذ بالله من الشيطان، يُسمِّي ويقرأ: الحمد، الفاتحة، وإن قرأ معها زيادةً فحسن؛ بعض السور القصيرة، وبعض الآيات، كما جاء في حديث ابن عباسٍ: أنه قرأ بالفاتحة، وقرأ معها سورةً، وقال: هكذا السنة، ثم يُكبِّر الثانية فيُصلي على النبي ﷺ، والأفضل عدم الاستفتاح في الأولى؛ لأنها صلاة مبنية على التَّخفيف، الاستفتاح: سبحانك اللهم وبحمدك، لا بأس، لكن الأفضل تركه؛ لأنها مبنية على التَّخفيف والتَّعجيل.
ويُكبر الثانية ويُصلي على النبي ﷺ الصلاة الإبراهيمية، مثلما يُصلي في الصلاة -في آخر الصلاة- في الفرائض والنوافل: "اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صليتَ على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد" بأي صفةٍ من الصفات الثابتة يكفي.
ثم يُكبر الثالثة فيدعو للميت يقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم مَن أحيته منا فأحيِهِ على الإسلام، ومَن توفيته منا فتوفَّه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعفُ عنه، وأكرم نُزله، ووسع مُدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقِّه من الخطايا كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله. وإن كانت له زوجة: وزوجة خيرًا من زوجه، اللهم أدخله الجنةَ، وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار. وفي روايةٍ أخرى: ووسع له في قبره، ونوِّر له فيه. وإن زاد بدعواتٍ أخرى فلا بأس.
قال عوف بن مالك لما سمع هذا الدعاء: تمنيتُ أن أكون صاحب القبر، لما سمع هذه الدَّعوات من النبي ﷺ.
ثم يُكبر الرابعة، والصحيح أنه لا يقول شيئًا بعدها، يُكبر ثم يسكت هنيهةً ثم يُسلم، وأما ما ذكره المؤلف من الدعاء بعد الرابعة فهو ضعيف، رواية ابن أبي أوفى ضعيفة، فالأفضل أن يُكبر الرابعة ويسكت هنيهةً ثم يُسلم تسليمةً واحدةً كما فعله الصحابةُ ، ولم يُنقل عن النبي ما يُخالفه عليه الصلاة والسلام، ويأتي بقية ما جاء في هذا. وفَّق الله الجميع.
س: إذا قُبر وفاتت الصلاةُ كم يوم محدد؟
ج: الأقرب شهر وما يُقارب الشهر؛ لأنَّ هذا أكثر ما ورد عن النبي ﷺ، شهر فقط، صلَّى على الميت على قبره، شهر وما يُقاربه.
س: المرأة مثل دعاء الرجل؟
ج: نعم مثله، يقول: "اللهم اغفر لها" إن عرف أنها امرأة، وإن قال: "اللهم اغفر له" كفى للميت.
س: لو كبَّر الإمامُ خمسًا ماذا يقرأ بعد الرابعة والخامسة؟
ج: ما فيها شيء، ما فيها قراءة .....
4/938- وعَنْ أبي هريرة، عَنِ النَّبيِّ ﷺ في الصَّلاةِ عَلى الجَنَازَة: اللَّهُمَّ أَنْت ربُّهَا، وَأَنْتَ خَلَقْتَها، وأَنْتَ هَدَيْتَهَا للإسلامِ، وَأَنْتَ قَبَضْتَ رُوحَهَا، وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِسِرِّها وَعَلانيتِها، جئْنَاكَ شُفعاءَ لَهُ، فاغفِرْ لهُ رواه أَبُو داود.
5/939- وعن واثِلة بنِ الأسقعِ قَالَ: صَلَّى بِنَا رسولُ اللَّهِ ﷺ عَلى رجُلٍ مِنَ المُسْلِمينَ، فَسَمِعْتُهُ يقولُ: اللَّهُمَّ إنَّ فُلانَ ابْنَ فُلانٍ في ذِمَّتِكَ وَحَبْلِ جِوَارِكَ، فَقِهِ فِتْنَةَ القَبْر وَعَذَابَ النَّارِ، وَأَنْتَ أَهْلُ الوَفاءِ والحَمْدِ، اللَّهُمَّ فاغفِرْ لهُ وَارْحَمْهُ، إنَّكَ أَنْتَ الغَفُور الرَّحيمُ رواه أَبُو داود.
6/940- وعن عبدِاللَّه بنِ أبي أَوْفى رضي اللَّه عنهما: أَنَّهُ كبَّر عَلَى جَنَازَةِ ابْنَةٍ لَهُ أَرْبَعَ تَكْبِيراتٍ، فَقَامَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ كَقَدْرِ مَا بَيْنَ التَّكْبيرتَيْن يَسْتَغْفِرُ لهَا وَيَدْعُو، ثُمَّ قَالَ: كَانَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصْنَعُ هكذَا.
وفي روايةٍ: كَبَّرَ أَرْبعًا، فَمَكَثَ سَاعةً حتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سيُكَبِّرُ خَمْسًا، ثُمَّ سلَّمَ عنْ يَمِينهِ وَعَنْ شِمالِهِ، فَلَمَّا انْصَرَف قُلْنا لَهُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: إنِّي لا أزيدُكُمْ عَلى مَا رَأَيْتُ رسُول اللَّهِ ﷺ يَصْنَعُ. أوْ: هكَذَا صَنعَ رسولُ اللَّهِ ﷺ. رواه الحاكم وقال: حديث صحيح.
الشيخ: هذه الأحاديث فيما يتعلق بالدعاء للميت، تقدمت أنواع من الدعاء، تقدم الحديث الصحيح: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعفُ عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقِّه من الخطايا كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله، وزوجًا خيرًا من زوجه، اللهم أدخله الجنةَ، وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار.
وفي هذا أيضًا يقول: اللهم أنت ربها، وأنت خلقتها، وأنت هديتها للإسلام، وأنت قبضتها إليك، وأنت أعلم بسرِّها وعلانيتها، وقد جئنا شفعاء لها، فاغفر لها، وهكذا يقول: اللهم قه فتنة القبر وعذاب النار، اللهم اغفر له، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، كل هذا مما يُشرع، وما أشبه ذلك من الدعاء.
أما الوقوف بعد الرابعة والدعاء وتسليم تسليمتين من حديث عبدالله بن أبي أوفى فهو حديث ضعيف، وإن صححه الحاكم فهو ضعيف، والحاكم يتساهل في التصحيح، والمحفوظ أنه ﷺ بعد الرابعة لم يدع بشيءٍ، بل سلَّم تسليمةً واحدةً، سكت قليلًا ثم سلَّم كما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
فالتسليمة الواحدة في الجنازة، والدعاء بعد الثالثة، أما الرابعة ما بعدها شيء، يسكت قليلًا ثم يُسلم تسليمةً واحدةً، هذا هو المشروع.
أما تصحيح الحاكم لحديث عبدالله بن أبي أوفى فهو ليس في محلِّه؛ في إسناده إبراهيم بن المهاجر، وهو ضعيف.
المقصود أنَّ السنة للمُصلين أن يدعوا للميت في الثالثة -بعد التكبيرة الثالثة- ويقرأوا الحمد في الأولى، ويُصلوا على النبي في الثانية، أما الرابعة فليس بعدها دعاء ولا قراءة، سكوت قليل ثم السلام تسليمة واحدة، هذا هو الذي عليه أهل العلم. وفَّق الله الجميع.
س: ثم سلَّم عن يمينه وعن شماله؟
ج: ضعيف ..... ضعيف وإن صححه الحاكم، ما علَّق بشيءٍ؟
الطالب: علَّق عليه قال: رواه الحاكم، وأخرجه ابن ماجه كذلك، والإمام أحمد في "المسند"، وفي سنده إبراهيم الهجري، وهو ضعيف لسوء حفظه، وقد رواه البيهقي بإسنادٍ صحيحٍ من حديث أبي يعفور، عن عبدالله بن أبي أوفى قال: شهدتُه وكبَّر على جنازةٍ أربعًا، ثم قام ساعةً –يعني: يدعو- ثم قال: أتروني أُكبر خمسًا؟ قالوا: لا، قال: إن رسول الله ﷺ كان يُكبر أربعًا.
الشيخ: هذا هو الذي استقرت عليه الشريعة: التكبير أربعًا، أما زيادة الدعاء فهي غير محفوظةٍ بعد الرابعة.
س: ...... يقال هذا الدعاء للميت أو أي دعاء؟
ج: بما تيسر من الدعاء، لكن الذي دعا به النبيُّ أفضل.
158- باب الإِسراع بالجنازة
1/941- عن أَبي هُرَيْرَةَ ، عَن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: أَسْرِعُوا بِالجَنَازَةِ، فَإنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونها إلَيْهِ، وَإنْ تَكُ سِوَى ذلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ متفقٌ عَلَيْهِ.
وفي روايةٍ لمُسْلِمٍ: فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا عَلَيْه.
2/942- وعن أَبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ النَّبيُّ ﷺ يَقُولُ: إِذَا وُضِعَتِ الجِنَازَةُ فَاحْتَملَهَا الرِّجَالُ عَلى أَعْنَاقِهِمْ، فَإنْ كَانتْ صَالحةً قالتْ: قَدِّمُوني، وَإنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ لأَهْلِهَا: يَا وَيْلَهَا! أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِهَا؟! يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الإنسانَ، وَلَوْ سَمِعَ الإنْسَانُ لَصَعِقَ رواه البخاري.
الشيخ: هذان الحديثان فيما يتعلق بالإسراع بالجنازة، السنة الإسراع بها؛ لأنها إن كانت صالحةً فإنها تقدم إلى خيرٍ، وقبرها روضة من رياض الجنة، وإن كانت غير صالحةٍ يُستراح منها؛ فلهذا قال ﷺ: أسرعوا بالجنازة يعني: في تغسيلها، وفي الذهاب بها إلى الصلاة وإلى المقبرة، يهتمون، فإن كانت صالحةً فخيرٌ تُقدمونها إليه، وفي اللفظ الآخر: تُقدمونها عليه، وإن تكُ سوى ذلك فشرٌّ تضعونه عن رقابكم، وفي اللفظ الآخر: إن كانت صالحةً قالت: قدِّموني، قدِّموني، وإن كانت غير ذلك قالت: يا ويلها! أين تذهبون بها؟! يسمعها كلُّ شيءٍ إلا الإنسان، وفي اللفظ الآخر: لو سمعها الإنسانُ لصعق.
فالمقصود أنَّ المؤمن يقدم إلى الخير، فالإسراع به مطلوب، وتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، أما الجنائز الأخرى التي يُظنّ بها السوء فإنها تقدم إلى السوء، ويُستراح منها، فالسنة تشييعها، فالمشاة يكونون أمامها، وعن يمينها، وعن شمالها، والراكبون خلفها، والسنة ألا يجلسوا حتى تُوضع في الأرض، إذا وُضعت جلس المشيِّعون لها، السنة ألا يجلسوا حتى تُوضع في الأرض. وفَّق الله الجميع.