12- من حديث (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته)

بَابُ التَّفْلِيسِ والْحَجْرِ

867- عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْنا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

- ورَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ومَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ مُرْسَلًا بِلَفْظِ: أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ ولَمْ يَقْضِ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا، فَوَجَدَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وإِنْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ.

وَوَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وضَعَّفَهُ تَبَعًا لِأَبِي دَاوُدَ.

868- ورَواه أَبُو دَاوُدَ، وابْنُ مَاجَهْ: مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ خَلْدَةَ، قَالَ: أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ فِي صَاحِبٍ لَنَا قَدْ أَفْلَسَ، فَقَالَ: لَأَقْضِيَنَّ فِيكُمْ بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَفْلَسَ أو مَاتَ، فَوَجَدَ رَجُلٌ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ.

وصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وضعَّفه أبو داود، وضَعَّفَ أَيضًا هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي ذِكْرِ الْمَوْتِ.

869- وعَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وعُقُوبَتَهُ.

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، والنَّسَائِيُّ، وعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ، وصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

870- وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا، فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فأفلس، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ، فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ، ولَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وفَاءَ دَيْنِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِغُرَمَائِهِ: خُذُوا مَا وجَدْتُمْ، ولَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث تتعلق بالإفلاس والحجر، كثيرًا ما يقع الإفلاسُ على بعض الناس، يستدين، أو يشتري سلعًا، ثم تُصاب ماليته بتلفٍ أو بجائحةٍ فيُفلس، بيَّن النبيُّ ﷺ أن أي إنسانٍ باع سلعةً على غيره، ثم أفلس المشتري، فوجدها البائعُ بعينها لم تتغير، فهو أحقُّ بها، ما دام المفلسُ حيًّا، والعين بحالها: ناقة، أو إناء، أو غير ذلك، فهو أحقُّ بسلعته إذا كان المفلسُ حيًّا، ولم يقبض من ثمنها شيئًا –البائع- وأما إن مات المشتري، أو قبض البائعُ بعضَ الشيء فهو أسوة الغُرماء، وهذا يُسمَّى: حجر التَّفليس، يُسمَّى الحكم على الجاني بالتَّفليس، يعني: محجور عليه في هذا الشيء الذي وجده بعينه، ليس له التَّصرف فيه، بل صاحبه أولى به إذا طلبه، ويأتي بقيةُ ما يتعلق بالحجر.

وفي الحديث الثاني الدلالة على أنَّ ليَّ الواجد يُحلّ عرضَه وعُقوبته، يعني: مُماطلته وهو يستطيع الوفاء يحلّ عرضه وعقوبته، الليُّ: المماطلة، يحلّ عرضه، يقول: سأشتكي، يقول: تراه ماطلني، عطَّل حقِّي، ما يصير غيبةً، وللقاضي أو الأمير أن يُعاقبه حتى يسلم الحقَّ، ما دام مليئًا عليه أن يُسلم الحقَّ لمستحقه، ولو بالسجن، أو بالتَّأديب.

كذلك حديث الرجل الذي أُصيب في ثمارٍ ابتاعها فكثر دَينُه، فقال: تصدَّقوا عليه، فتصدَّق الناسُ عليه، ثم قال لهم: خذوا ما وجدتُم، وليس لكم إلا ذلك، هذا فيه الدلالة على أنه يُشرع مساعدة المصاب بالجوائح، وأن إخوانه يُساعدونه حتى يُوفي ما عليه، فإذا أُصيبت ثمارُ إنسانٍ بجائحةٍ ففسدت ثمرتُه، أو جاءها بردٌ، أو جاءها فسادٌ آخر؛ فإنه يُساعَد، يُشرع لإخوانه أن يُساعدوه، ويبرؤوه، الإخوان شيء واحد: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10]، والمؤمن مرآة أخيه المؤمن: لا يؤمن أحدُكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه، فالتعاون والصدقة أمرٌ مطلوبٌ، فإذا وفَّى ما عليه هذا الذي طرح فالحمد لله، وإلا يُمهله في الباقي، يأخذ ما وجد وليس له إلا ذلك؛ لأنَّ الله يقول: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280]، فالواجب عليهم ألا يُشددوا، بل يأخذوا ما تيسر، وما ساعده به إخوانه يقسم بينهم، والباقي يُؤجل إلى ميسرةٍ؛ لأنَّ الله أمر بهذا: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ يعني: فأنظروه إِلَى مَيْسَرَةٍ، لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: الرِّواية التي ضعَّفها أبو داود يرحمه الله ضعيفة؟

ج: فيها أو مات، زيادة أو مات ضعيفة، أما هذا إذا كان حيًّا.

س: يحلّ عرضه في نفس الذي ..... أو عرضه عُمومًا؟

ج: لا، عرضه عند القاضي والأمير، عند مَن له سلطة.

س: في حقِّ هذا الرجل فقط، وليس له أن يتعدَّى على غير حقِّه؟

ج: لا، لا، في حقِّ هذ الرجل الذي ماطله، يقول: يا أمير، هذا ضيَّع حقِّي، هذا ماطلني، ولا أعطاني حقِّي، أعطوني حقِّي، خافوا الله فيَّ، ويقول للقاضي كذلك.

س: إذا كانت الروايةُ ضعيفةً فلا وجهَ للاستدلال، هل يوجد دليلٌ آخر؟

ج: لا، الأصل أنه أسوة الغرماء، هذا الأصل، فيُستثنى من ذلك ما بيَّنه الرسولُ ﷺ إذا كان المبيعُ بعينه، والمشتري حيًّا، والبائع لم يقبض شيئًا.

س: مَن أدرك ماله عند رجلٍ، وقد تغيَّر تغيرًا كبيرًا؟

ج: هو بالخيار ما دام أنه بعينه، مجرد فقط أنه هزل، يريد أن يأخذه خير له .....، أما إذا كان ما هو بعينه، زاد سمنًا، فمن أول كان يُساوي كثيرًا، صار يُساوي أربعين وخمسين، سمن، ما له شيء؛ لأنه زاد في ملك المشتري.

س: ..... ضيّقه ناسٌ وأخذه؟

ج: النَّقص ما يُخالف، أما الزيادة لا.

س: الذي كان به زيادة؟

ج: لا، يكون بعينه، الرسول قال: بعينه.

س: الذي كان كافرًا، ثم أسلم، وكان عنده تجارة، يعني: ترك الديون، أو كذا، أو كذا، ما حكمه؟

ج: إذا أسلم يُؤدي الدَّين الذي عليه، يلزم أن يُسدد الدين الذي عليه، إذا طالبه غُرماؤه، وإذا سامحوه فجزاهم الله خيرًا.

س: وإذا ما سامحوه؟

ج: يُعْطَون ديونهم.

س: حتى التّجارة كانت في مفاسق الخمر؟

ج: لا، لا، الديون ثابتة، شرعية.

س: مَن وجد ماله يأخذه بنفسه، أو عن طريق الدولة؟

ج: يأخذه عن طريق المحكمة، من طريق الشرع، من طريق ولاة الأمور.

س: إذا كانت الشاةُ هزيلةً، ثم سمنت، هل يحقّ للبائع أن يأخذها ويرد الفرق؟

ج: لا، الرسول ﷺ قال: بعينه، هذا السمن ينفع الغُرماء.

س: يُعطى من الزكاة، أو من الصَّدقات، مَن خسر بضاعته وأفلس؟

ج: من ذا، ومن ذا، إذا كان فقيرًا يُعطَى من الصدقة ومن الزكاة.

س: هل يحذّر الناس من التَّعامل مع المُفْلِس؟

ج: لا، ما هو بلازمٍ.

س: يغرّ الناس بأخذ حقوقهم، وهذا مُشتهرٌ الآن! ما يحذر، ولا يكون من باب الغيبة؟

ج: هذا محلُّ نظرٍ، أما هو في حقِّه فله أن يشتكيه، وله أن يقول: ظلمني، أبطلني حقِّي؛ لأنه مظلومٌ، أما مسألة إخبار الناس أنه مفلس فهذا محل نظرٍ؛ لأنه قد يكون مُضطرًّا ليشتري حاجات .....