838- وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري وأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرٍ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ فَقَالَ: لَا، واللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، والصَّاعَيْنِ بالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَفْعَلْ، بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا، وقَالَ فِي الْمِيزَانِ مِثْلَ ذَلِكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ولِمُسْلِمٍ: وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ.
839- وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنَ التَّمْرِ التي لا يُعْلَمُ مَكِيلُهَا بِالْكَيْلِ الْمُسَمَّى مِنَ التَّمْرِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
840- وعَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، وكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
841- وعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: اشْتَرَيْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ قِلَادَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا، فِيهَا ذَهَبٌ وخَرَزٌ، فَفَصَلْتُهَا فَوَجَدْتُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: لَا تُبَاعُ حَتَّى تُفْصَلَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهُداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث الأربعة كلها تتعلق بالربا:
منها حديث أبي هريرة وأبي سعيد: وهذا يدل على أن الواجب على المؤمن الحذر من الربا، فإذا كان النوع من التَّمر طيبًا، والنوع الثاني رديئًا، أو من الحبوب، فإنه لا يشتري الطيبَ بالرديء مُتفاضلًا، فإذا كان نوعٌ من التمر طيبًا كالجنيب، فلا يجوز أن يشتريه الصاع بالصاعين؛ من أجل أن هذا رديء، وهذا طيب، أو هكذا لو كان بُرًّا، أو سكرًا، أو شعيرًا، لا يشتري الطيبَ بالرديء متفاضلًا، بل لا بدّ أن تكون متساويةً، وإلا يشتري بها شيئًا آخر بعملةٍ أخرى، ولهذا قال ﷺ: بِعِ التَّمر بالدراهم، ثم اشترِ بالدراهم جنيبًا، بِعِ الجَمْعَ بالدراهم، ثم اشترِ بالدراهم جنيبًا يعني: يبيع الطيب، ويشتري الرديء، أو يبيع الرديء، ويشتري الطيب، ولا يبيع هذا بهذا، فإذا كان تمرًا طيبًا، وتمرًا رديئًا، فلا يشترِ التمرَ الطيبَ بزائدٍ من التمر الرديء، ولكن يبيع التمر الطيب، ويشتري الرديء، أو العكس: يبيع التمر الرديء، ثم يشتري الطيب، وهكذا الحبوب، وهكذا الذهب والفضَّة، إذا كان نوعٌ من الذهب رديئًا يبيعه بالفضَّة، وإلا بغيرها، ثم يشتري الذهب الجديد، ولا يبيع ذهبًا بذهبٍ مُتفاضلًا.
والمقصود من هذا ما تقدَّم في حديث عُبادة وأبي هريرة: الذهب بالذهب، مثلًا بمثلٍ، والفضَّة بالفضة، مثلًا بمثلٍ، والتمر بالتمر، مثلًا بمثلٍ، والشَّعير بالشعير، مثلًا بمثلٍ، والحنطة بالحنطة، مثلًا بمثلٍ، والملح بالملح، مثلًا بمثلٍ مثلما تقدَّم، فإذا أراد أن يشتري نوعًا بمثله مُتفاضلًا يبيع النوع الرديء، ويشتري بالثمن -الدراهم مثلًا- تمرًا طيبًا، أو بُرًّا طيبًا، أو شعيرًا طيبًا، بالنقود، أما أن يشتري الطيبَ بالرديء مُتفاضلًا، أو الرديء بالطيب مُتفاضلًا فلا يجوز؛ لأنَّ هذا هو عين الربا، ولهذا في الرواية الأخرى قال: أوه! أوه! عين الربا، لا تفعل، بِعِ الجمعَ بالدراهم، ثم ابتَعْ بالدراهم جنيبًا.
وفي حديث جابرٍ الدلالة على أنَّ الصُّبرة لا تُباع كيلًا؛ لأنها مجهولة، لا بدّ أن يُصفيها، ويعرفها، ثم يبيعها بمثلها، وإلا يبيعها بالدراهم، المقصود أنَّ الصبرة المجهولة لا تُباع بمثلها معلومًا، مثل: الصبرة من التمر، أو صبرة من الحنطة، أو صبرة من الشعير، لا تُباع بكيلٍ معلومٍ؛ لأنَّ هذا مجهول التَّماثل، فلا تُباع إلا بالنقود، ثم يشتري بالنقود ما شاء، أو يكيلها، ويبيع بالكيل، يكيلها ويصبر ويبيعها مثلها، كيلًا بكيلٍ، وهكذا صبرة الشعير، صبرة الملح، صبرة البُرِّ مثل التمر، لا تُباع إلا بالدراهم –النقود- ما تُباع بمثلها؛ لعدم تحقق التَّماثل، لكن إذا أحبَّ أن يكيلها ثم يبيعها بالكيل أو بالوزن فلا بأس؛ لحصول المطلوب.
الثالث: حديث معمر بن عبدالله العدوي، يقول : أن رسول الله ﷺ نهى عن بيع الطعام إلا مثلًا بمثلٍ، وكان طعامُهم يومئذٍ الشَّعير، فهذا يدل على أنَّ جنس الطعام المكيل لا يُباع إلا مثلًا بمثلٍ، سواء كان شعيرًا، أو بُرًّا، أو حنطةً، أو دخنًا، أو ذرةً، أو غير ذلك، لا بد أن يكون مثلًا بمثلٍ.
وكان الغالبُ على أهل المدينة ذاك الوقت الشَّعير، والبُرُّ عندهم قليل، فإذا أراد أن يبيع الشَّعير بالشعير فلا بدّ أن يكون كيلًا بكيلٍ، مثلًا بمثلٍ، وإن باعه بالوزن فكذلك مثلما تقدم .....، لو باع المطعومَ بدل الكيل باعه بالوزن، لا بدّ من تحقق التَّماثل، ولهذا قال في الميزان مثل ذلك، لا بدّ من التَّماثل: كيلًا أو وزنًا.
الرابع: حديث فضالة لما اشترى قلادةً باثني عشر دينارًا، وكان فيها ذهبٌ وخرزٌ، فلما فصلها وجد فيها من الذهب أكثر من اثني عشر دينارًا، يعني: أكثر من الثمن، فقال له النبيُّ ﷺ: لا تُباع حتى تُفْصَل، إذا كان ما يتميز هذا يفصل الذهب الذي يُباع بمثله، أو بعملةٍ أخرى، والذي معه من خرزٍ وغيره يُباع بمثله، وإلا يشتري بعملةٍ أخرى، إذا كان فيها ذهبٌ تُباع بالفضة، فيها فضة تُباع بالذهب، أما ما دام أنها ذهب وخرز فلا تُباع بالذهب؛ لأجل عدم تحقق التَّماثل، لكن تُباع القلادة بفضةٍ، بتمرٍ، بملابس، لا بأس، أما أنها تُباع بذهبٍ وفيها ذهبٌ فلا بدّ من التَّماثل، وفصل الزيادة عن الذهب مع التماثل، هذا لا بدّ منه، لا تُباع حتى تفصل، يعني: يُباع الذهب بمثله، وزنًا بوزنٍ، ويُباع الذهب والخرز في الحال ببيعٍ آخر، وإلا تُباع بشيءٍ آخر بدل الذهب: بالفضة، بحبوبٍ، بملابس، بأوانٍ، شيء غير الذهب، غير ربوية.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: ما فائدة بيع الطعام بالطعام؟
ج: إذا كان مثلًا أرزًا بأرزٍ، تمرًا بتمرٍ، حنطةً بحنطةٍ يُسمَّى: طعامًا.
س: كيف يتصور بيع هذا؟
ج: عندك ذرة تريد أن تبيعها بدخن، عندك ذرة وتريد أرزًا، عندك ذرة وتريد بُرًّا، لا بدّ مثلًا بمثلٍ، ولو أنَّ النوع مختلف، واحد عنده صبرة دخن يبيع مثلًا بمثلٍ، صاعًا بصاع، صاعين بصاعين، ثلاثة بثلاثة، أربعة بأربعة، وهكذا.
س: الأسعار تختلف في البُرِّ والشَّعير مثلًا؟
ج: يبيع بالدراهم ...
س: بيع الذهب بالذهب لا تُعتبر صناعةً؟
ج: لا، ما تُعتبر، لا بدّ من الوزن ولو اختلفت الصناعة، لا بد أن يكون وزنًا بوزنٍ، قلادة صناعتها طيبة، وقلادة صناعتها ما هي طيبة، لا تُباع إلا وزنًا بوزنٍ.
س: ... وعليها مجوهرات؟
ج: لا يُباع إلا مثلًا بمثلٍ، يفصل.
س: واحد عنده سيارة مُستعملة لكنَّها نوع ممتاز، ويريد أن يُبدلها بسيارةٍ جديدةٍ؟
ج: السيارة ما هي بربوية، يجوز بيع هذه بهذه بزيادة دراهم، ما هي من الربا.
س: بالنسبة للمُساهمة في الشركات: هل فيها شيء؟
ج: ما أعرف عنها شيئًا، إذا كان فيها تعامل بالربا اتركوها، وإن لم تعلموا شيئًا فالأصل الإباحة.
س: الظاهر أنها ..؟
ج: إذا كانت تعامُلًا بالربا فلا تعملوا معها شيئًا، وإن كانت نزيهةً أو ما تعلموا عنها شيئًا فالحمد لله.
س: ما يعلم عنها إلا ..؟
ج: يُشارك فيها.
س: ما معنى: أوه! أوه!؟
ج: معناه: عجبٌ، عجبٌ، أو: غريبٌ، غريبٌ، إنكار.
س: بالنسبة لمسألة التَّورق؟
ج: لا بأس بها، يُسمونها: الوعدة، الناس تشتري السيارة بعشرة آلاف، وتبيعها باثني عشر ألفًا، على اثني عشر شهرًا، كل شهر ألف؛ لأجل فائدة الألفين هذه.
س: البائع: هل لا بد أن يحوز السلعة؟
ج: لا بد أن يحوزها، لا يبيع إلا بعد الحيازة.
س: إذا كان يأخذ سعرًا أكثر من السيارة، يأخذ زيادة غبنٍ؟
ج: المقصود: إذا شراها بنقدٍ، ثم باعها بآجالٍ، هذا ..... القصد يأتي يبيعها ويتزوج، أو يقضي دينًا، أو يبني بيتًا، شرى الأرض بمئة ألفٍ ليبيعها ويريد أن يتزوج، أو يبني بيتًا، وهذا شراها بمئة ألفٍ مُؤجَّلة، مقسّطة، كل شهر ألف، أو كل شهر ألفان، أو كل شهر عشرة آلاف، أو ما أشبه ذلك، هذا يُسمونه: الوعدة، ويُسمونه: التَّورق.
س: لكن التاجر ..........؟
ج: يشتريها ويبيعها، إذا حازها أو ملكها يبيع بعد ذلك، يقول: عُدْ إليَّ بعد يومين أو ثلاثة، مثل التجار، هذا شغل التجار، يروح ويشتريها ثم يبيعها عليه.
س: بعض التّجار عنده قهوة أو هيل، ثم يأتي إليها المُشتري، ثم يشتريها من نفس الشخص الذي يريد أن يستفيد من المبلغ، هل يكون فيه ربا؟
ج: مَن الذي يشتري؟ هو الذي يشتري؟
س: يشتريها الذي باعها، يشتريها منه.
ج: باعها إلى أجلٍ.
س: لا، مثلًا: هو يريد أن يشتري هيلًا بعشرة آلاف ريـال، يقول: خلها، ادفع مثلًا، أعطيك ثمانية آلاف، يرجع هو نفسه ويشتريها منه بثمانية آلاف ريـال.
ج: مَن هو الذي اشتراها منه؟
س: نفس البائع.
ج: هذه مسألة العينة، باعها بعشرةٍ إلى أجلٍ، واشتراها بثمانيةٍ، هذه العينة، مُحَرَّمة، إذا باعها بعشرةٍ إلى أجلٍ ثم أخذها منه بثمانيةٍ نقدًا فهذه مسألة العينة، معناه: أنه أعطاه ثمانيةً، ويُعطيه عشرةً، هذا معناه ربا، حيلة، سلعة حيلة.
س: الآن يشتري السلعة من أجلي، ويُلزمني فيها؟
ج: لا، ما هو بلازمٍ، لا بيع إلا بعدما يملكها، إذا ملكها ثم اتفقتم يلزم البيع، أما قبل فلا، فالكل بالخيار.
س: يعني: إذا كان هناك اتِّفاق أول ما يجوز؟
ج: إذا كان ما بعد شراها ما يصلح البيع.
س: معنى قوله ﷺ: الراكب شيطانٌ، أو الراكبة شيطانة؟
ج: الوعيد للتَّحذير، معناه: الترهيب؛ لأنَّ كونه يُسمَّى: شيطانًا؛ ترهيبًا منه.
س: يدًا بيدٍ، إذا اختلفت الأصنافُ وكانت يدًا بيدٍ؟
ج: تبيع عشرة آصع بُرٍّ بعشرين صاع شعير يدًا بيدٍ ما يُخالف، مع اختلاف الأصناف، أما إذا كان صنفًا واحدًا فلا، يصير ربا.
س: بالنسبة للراكب مثلًا بين الرياض ومكة أو المدينة، طريق عامرة بالمُسافرين، في مثل هذه الحالة هل يطبق على الإنسان هذا الحديث؟
ج: الأحوط له إذا تيسر أنه لا يُسافر إلا مع اثنين أو أكثر، هذا الأحوط، وإلا تصير من باب الضَّرورات: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119].
س: أصحاب الرحلات في البرية يجوز لهم الجمع والقصر؟
ج: إذا كان السفر طويلًا.
س: يزيد عن 100 كيلو؟
ج: سفر قصرٍ، وإقامة أربعة أيام فأقل فلا بأس.