7- من حديث (من أقال مسلما بيعته أقاله الله عثرته)

باب الخيار

829- وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ، فَكُلُّ واحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، وكَانَا جَمِيعًا، أو يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَد وجَبَ الْبَيْعُ، وإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا، ولَمْ يَتْرُكْ واحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وجَبَ الْبَيْعُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، واللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.

830- وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: الْبَائِعُ والْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، ولَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ.

رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ، ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ، وابْنُ خُزَيْمَةَ، وابْنُ الْجَارُودِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا عن مَكَانِهِمَا.

831- وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ذَكَرَ رَجُلٌ لِرسول الله ﷺ أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ، فَقَالَ: إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خَلَابَةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فهذا الباب في الخيار، والخيار هو كون البائع أو المشتري أو كليهما له الخيار في إمضاء البيع أو عدمه، هذا الخيار، كون البائع له الخيار، أو المشتري، أو كلاهما، في مسائل بيَّنها الشرعُ، وإلا فالأصل لزوم البيع، هذا هو الأصل، قال الله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275]، لكن متى تبايعا ببع خيارٍ فلهما الخيار.

منها حديث ابن عمر: يقول النبيُّ ﷺ: إذا تبايع الرجلان فكلُّ واحدٍ منهما بالخيار ما لم يتفرَّقا، أو يُخيِّر أحدُهما الآخر، فإن خيَّر أحدُهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيعُ، وإن تفرَّقا بعد أن تبايعا فقد وجب البيعُ.

فإذا قال البائعُ للمُشتري: بعتُك، وقال المشتري: قبلتُ، فهما بالخيار ما داما في المجلس، ما لم يتفرَّقا، فإذا تفرَّقا لزم البيع، قاما، إذا تفرَّقا من مكانهما، قام أحدُهما، أو قاما تفرَّقا؛ لزم البيع، التَّفرق المعروف العُرفي يعني أن مشى خطوات، فقد تفرَّقا، قام أحدُهما، أو قاما جميعًا ..... لزم البيع في هذه الحالة.

والحالة الثانية: أن يُخيِّر أحدُهما الآخر، يقول له: ترى ما بيننا خيار، ترى البيع لازم الآن، أو يقول البائعُ: ترى البيع من جهتي لازم، أو يقول المشتري: من جهتي لازم، يلزم البيع، إذا خيَّر أحدُهما الآخر فقد وجب البيع؛ لأنهما أسقطا الخيار.

فالمقصود أنَّ لهما الخيار حتى يتفرَّقا، إلا أن يُسقطاه، فإذا أسقطاه قالا: لا خيارَ بيننا؛ لزم البيع.

وهكذا حديث عمرو بن شعيب: البيعان بالخيار إلا أن تكون صفقة خيارٍ يعني: إلا أن تكون هناك صفقة مشروع فيها الخيار، فهما على شرطهما، إذا قال: الخيار أسبوع، شهر، شهران، فهما على شرطهما، المسلمون على شروطهم، أما إذا لم يشترطا وتفرَّقا فإنه يلزم البيع، أو خيَّر أحدُهما الآخر ولو لم يتفرَّقا؛ لزم البيع.

وهذا من رحمة الله؛ لأنَّ الإنسان قد يندم، قد يبدو له قبل البيع، وهو في المجلس، قد يتذكر شيئًا، فمن رحمة الله أنَّ كلَّ واحدٍ له الخيار ما دام في المجلس، يقول: يا فلان، بدا لي أني أرجع، أو: تذكرتُ أن هناك مانعًا من البيع.

المقصود أنَّ له أن يرجع، يحول، والمشتري كذلك، إلا إذا تفرَّقا فقد لزم البيع، إلا إذا سامح فأقاله فله الخيار مثلما تقدم: مَن أقال مُسلمًا بيعتَه أقال الله عثرتَه، إذا لزم البيعُ، لكن البائع أقال المشتري، أو المشتري أقال البائع سماحًا منه؛ فهو مأجورٌ.

والحديث الثالث: أن رجلًا قال: يا رسول الله، أنه يُخدع في البيوع، قال: الناس يخدعوني في البيع، ماذا أفعل؟ يقول: أنا ما أفهم في السلع، ماذا أفعل؟ قال: قل: لا خلابةَ، إذا بعتَ قل: يا إخواني، ترى ما في خلابة، ما بيننا تغابن، ما بيننا خديعة، ترى أنا أخوكم، لا خلابة، أو لا خديعة بيننا، أو ارحموني لا تخدعوني، ترى أنا ما أفهم في البيع، يقول لهم: خافوا الله فيَّ، فإذا خدعوه فله الخيار، إذا كان ما يُحسن وخدعوه وباعوه الذي يُساوي مئتين بثلاثٍ، بأربعٍ، خدعوه، فله الخيار إذا ثبت أنه مخدوعٌ؛ لأنَّ المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخدعه، ولا يخونه.

إذا كان الإنسانُ ما يُحسن البيع والشراء، أو خدعوه وباعوا عليه أبو ريـالٍ بريالين، أو بثلاثةٍ، أو بأربعةٍ، أو أبو مئةٍ بمئتين، أو أبو ألفٍ بألفين، أو بأقلّ، أو أكثر، وخلاف المعتاد؛ فله الخيار إذا ثبت، إذا ادَّعى الغبنَ.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: إذا اتَّفقوا على البائع، ثم انصرفوا، ثم تأسَّف المُشتري، هل له أن يُطيب خاطره بمبلغٍ من المال؟

ج: إذا اصطلحوا لا بأس، إذا اصطلحوا ينزل عنه، يقول: أنا اشتريتُها منك، وأنا هونتُ، أعطني تسعين، ولك عشرة، ما في بأس، يصير بيعًا جديدًا.

س: ما يدخل في العينة؟

ج: لا، يصير بيعًا جديدًا.

س: .............. إذا تبايع شخصان، ثم قال أحدُهما للآخر -صاحب المتاع يعني- قال له: خذه بما تُريد، ثم بعد فترةٍ كتب له خطابًا بأن المبلغ الذي بيني وبينك مثلًا قدره خمسة آلاف، وربما البضاعة أكثر من هذا؟

ج: لم يتَّفقا على ثمنٍ؟

س: لم يتَّفقا على ثمنٍ، قال له: خذه بما تُريد.

ج: ما يصح البيع حتى يتَّفقا على ثمنٍ.

س: طيب، هل تحديد المبلغ من صاحب المتاع؟

ج: يتَّفقان جميعًا، لا بدّ أن يُحدد هذا، وذا يقبل.

س: إذا قال: لا خلابةَ؟

ج: لا خديعةَ يعني.

س: إذا قال: "لا خلابةَ" ما حدّ الذي يرد؟

ج: العُرْفُ، الذي يعرفه الناسُ أنه غبنٌ له أهمية، أما الشيء الخفيف الذي ما ينضبط فهذا يُعفا عنه.

س: ما أنواع الخيار؟

ج: هناك خيار الشرط، وخيار المجلس، وخيار الغبن، وخيار العيب، أنواع.

س: ما حكم اليانصيب؟

ج: هذا قمارٌ.

س: الأسعار على (كيفه) يعني؟

ج: لا، ما يجوز، لا بدّ على ولي الأمر ..... السعر المناسب.

س: بعض الناس يقول: تريد عدَّادًا، أو اتِّفاق، يعني أي شيء؟

ج: العادة الاتِّفاق بين الرجل وصاحب السيارة، لكن على ولي الأمر إذا تغالوا أن يمنع عنهم.

س: إذا غُبِنَ الإنسانُ في السلعة، وقد استخدمها، هل له الحقّ في الرجوع بهذه السلعة إلى البائع؟

ج: إذا كان فيها عيبٌ عليه ضمان العيب.

س: نعم؟

ج: إذا كان فيها عيبٌ: انكسرت، أو فيها جرح، أو فيها مرض؛ عليه ما يُقابل العيب الجديد.

س: كتابة أن البضاعة لا تُستبدل؟

ج: ما يكفي، إذا ما فيها عيبٌ ما يكفي، إلا إذا قال: تراها .....، ولم يخدعه بشيءٍ، هذا يُنظر فيه.

س: يقول: موجودة الفاتورة .....؟

ج: ولو، لكن إذا كان فيها عيبٌ، وهو يعلمه يكون غاشًّا.

س: كل ما أدَّى معنى: لا خلابة ..؟

ج: الغبن العُرفي.

س: ............؟

ج: يُبَيِّن، يُبَيِّن مثلما يعرفون: ترى ما بيننا غبنٌ، يُبين بما يفهمونه، كل ناسٍ لهم عُرفهم، خاطبهم بما يعرفون.

 

بَابُ الرِّبَا

832- عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ آكِلَ الرِّبَا، ومُوكِلَهُ، وكَاتِبَهُ، وشَاهِدَيْهِ، وقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

833- ولِلْبُخَارِيِّ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ.

834- وعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الرِّبَا ثَلَاثَةٌ وسَبْعُونَ بَابًا، أَيْسَرُهَا مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ، وإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِرْضُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ.

رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مُخْتَصَرًا، والْحَاكِمُ بِتَمَامِهِ، وصَحَّحَهُ.

835- وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، ولَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، ولَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، ولَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، ولَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

836- وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، والْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، والْبُرُّ بِالْبُرِّ، والشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، والتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، والْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

837- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَزْنًا بِوَزْنٍ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، والْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَزْنًا بِوَزْنٍ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَمَنْ زَادَ أو اسْتَزَادَ فَهُوَ رِبًا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الشيخ: الحمد لله، وصلَّى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذا الباب في الربا، الربا: هو الزيادة المخصوصة في الأموال الربوية، يقال لها: ربا، ويُطلق الربا على كل زيادةٍ، ومنه: اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ [الحج:5]، ربى رابية: ما ارتفع من الأرض، وربى هذا على هذا: زاد هذا على هذا.

والمراد به في الشرع: الربا هو معاملة مخصوصة بأموالٍ مخصوصةٍ، يقال لها: ربا، وهي بيع النقود بعضها ببعض، والأطعمة المكيلة والموزونة بعضها ببعضٍ، من غير تساوٍ، أو من غير قبضٍ، تُسمَّى: ربا، فإن لم يتساوَ: كصاعٍ بصاعٍ ونصف، وكدرهم بدرهمين، وكدينار بدينارين، هذا ربا الفضل، وتارةً يكون ربا نسيئةٍ: كصاعٍ بصاعين نسيئة، ودرهم بدرهمين نسيئة، وريـال بريالين نسيئة، يُسمَّى: ربا النَّسيئة، وهناك أنواع من الربا تلحق بهذا.

ويُطلق الربا على الأشياء المحرمة؛ لأنها زائدة على ما شرع الله؛ ولهذا سُميت الغيبة: ربا، فإنَّ أربى الربا استحلالُ الرجل في عِرْض أخيه؛ لأنه زائدٌ على ما أباح الله، الله أباح له التَّحدث مع أخيه، والثناء على أخيه، والشيء الذي لا بأس به، بخلاف الغيبة والنَّميمة، فشيءٌ زائدٌ ما يجوز؛ ولهذا يقول ﷺ في الحديث الصحيح عن جابرٍ: أن رسول الله ﷺ لعن آكل الربا، وموكله.

آكله: المتعاطي له، وموكله: الذي يبيعه على غيره، ويوقع غيره فيه، وكاتب الربا: ليكتبه، وشاهديه اللذين يشهدان عليه شركاء في الربا -في الإثم- لأنَّ هذا من باب التَّعاون على الإثم والعدوان، وهم شُركاء، وهكذا الذي يكيله، والذي يزنه، والذي يُساعد على فعله بالقول أو الفعل داخلٌ في هذا؛ لأنَّ الله يقول: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ والْعُدْوَانِ [المائدة:2].

وللبخاري عن أبي جُحيفة نحوها، لفظ البخاري: أن رسول الله ﷺ لعن آكل الربا، وموكله، والواشمة، والمستوشمة، والمصور.

رواية البخاري ما فيها الكاتب والشاهدان، بل هي في رواية مسلم، وفي رواية البخاري زيادة مع آكله وموكله: الواشمة، والمستوشمة، والمصور.

الواشمة: التي تغرز إبرةً في خدِّها، أو في يدها، فإذا ظهر الدمُ وضعت كُحْلًا أو غيره من الأصباغ، يُسمَّى: وشمًا، والواشمة التي تفعل ذلك، والمستوشمة التي تطلب ذلك، وهو معروفٌ، الوشم مُنكر لا يجوز؛ لأنه تغيير لخلق الله.

والمصور معروف؛ وهو المصور لذوات الأرواح، ملعونٌ في هذا الحديث، والرسول ﷺ لعن المصورين، وقال: إنَّهم أشدُّ الناس عذابًا يوم القيامة.

والتصوير يختص بتصوير ذوات الأرواح: كالإبل، والغنم، والطيور، وبني آدم، أما تصوير الجماد: كالجبل، والشجر، والحجر، فلا بأس، إنما هذا يختصُّ بالشيء الذي له روح من إنسانٍ أو حيوانٍ.

والحديث الثاني: يقول ﷺ: الربا بضعٌ وسبعون بابًا، وفي روايةٍ: ثلاث وسبعون بابًا، أيسرها مثل أن ينكح الرجلُ أمَّه، هذا يدل على أن الربا يُطلق على غير المعاملات المالية، وإن أيسرها مثل أن ينكح الرجلُ أمَّه، هذا له شواهد من حديث أبي هريرة، ومن أحاديث أخرى في أنَّ الربا يتنوع، وأن الغيبة والتوسع في الغيبة من أربى الربا.

فهذا يُفيد الحذر من الربا بأنواعه، فالواجب على المؤمن أن يحذرها، وألا يتساهل فيها، ولهذا قال جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ  ۝ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ [البقرة:278- 279]، دلَّ على شدَّة تحريمه، وأنه من الكبائر التي وقعت عليها اللعنة، والوعيد بالنار، فالواجب الحذر من ذلك.

والحديث الثالث حديث أبي سعيدٍ: أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلًا بمثلٍ، ولا تشفّوا بعضَها على بعضٍ، ولا تبيعوا الفضةَ بالفضة إلا مثلًا بمثلٍ، ولا تشفّوا بعضَها على بعضٍ يعني: لا تزيدوا بعضَها على بعضٍ، تكون متساويةً، ولا تبيعوا منها غائبًا بناجزٍ يحرم ربا الفضل، وربا النَّسيئة جميعًا، لا تشفّوا بعضها على بعضٍ هذا ربا الفضل، ولا تبيعوا منها غائبًا بناجزٍ هذا ربا النَّسيئة، وهو ممنوعٌ، إلَّا يدًا بيدٍ في أنواع الربا، إن كانا من جنسٍ واحدٍ حرم الأمران: ربا الفضل، وربا النَّسيئة، وإن كانا من نوعين: كالتمر والبر، حرم النسأ، يكون يدًا بيدٍ، مثل: الذهب والفضة.

والحديث الرابع حديث عبادة، والخامس حديث أبي هريرة: الذهب بالذهب، مثلًا بمثلٍ، وزنًا بوزنٍ، والفضة بالفضة، وزنًا بوزنٍ، والتمر بالتمر، والبر بالبرِّ، والملح بالملح، والشَّعير بالشعير، مثلًا بمثلٍ، سواء بسواء، يدًا بيدٍ، فمَن زاد أو استزاد فقد أربا، فهذه الأشياء لا تُباع إلا مثلًا بمثلٍ، يدًا بيدٍ، فمَن زاد فقد أربا، فإذا اختلفت الأصنافُ فبيعوا كيف شئتُم، إذا كان يدًا بيدٍ، إذا اختلفت: ذهب بفضةٍ لا بأس أن يُباع بعضُها ببعضٍ أجزاء، لكن يدًا بيدٍ، تمر بشعيرٍ، تمر بِبُرٍّ، تمر بأرزٍ، لا بأس، وإن تفاوتا، لكن يدًا بيدٍ، مثل: بيع صاع أرز بمئتي صاع تمر، أو مئتي صاع شعير، أو مئتي صاع ملح، لا بأس، لكن يدًا بيدٍ، باختلاف الجنس.

وهكذا يبيع دولارًا بريال سعودي، يدًا بيدٍ، أو دولارًا بدينار أردني، أو دينار عراقي، يدًا بيدٍ، أو جنيه استرليني، أو مصري بعملةٍ أخرى، لكن يدًا بيدٍ، فإذا اشتريت دولارات بدراهم سعودية فلا بدّ أن يكون يدًا بيدٍ، ولا يُشترط التَّماثل لأنه مختلف، أو اشتريت جنيهات مصرية أو غيرها بعملةٍ أخرى لا بأس، لكن يدًا بيدٍ.

أما عملة واحدة فلا بد من التَّماثل، فلا يجوز ثلاثة دولارات بأربعةٍ، لا يجوز لأنهما من جنسٍ واحدٍ، عملة واحدة كالذهب، لكن الدولار بخمسة ريالات سعودية أو بأكثر أو بأقل يدًا بيد لا بأس؛ لأنَّ الجنس مختلف.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: هؤلاء الذين يبيعون الريال بعشرة، تسعة هللة، يُعاملون، يعني: يُهجرون؟

ج: لا، الأمر سهلٌ إن شاء الله، لكن كثيرًا من أهل العلم يُجيز ذلك؛ لأنَّ الجنس مختلف، الفضة، توزيع الورقة المعروفة، العملة المعروفة من معدن، من حديد، من جنسٍ مختلفٍ، لكن ترك هذا أحوط، من باب الاحتياط؛ لأنَّ كله ريالًا ريالًا، من باب الاحتياط.

س: قول بعض الفقهاء: إذا اختلف الجنسُ، لو كان ريـال ورقيّ، وريـال غير ورقي؟

ج: مثلًا بمثلٍ، يدًا بيدٍ، يمنع عن النسأ، ويُباح يدًا بيدٍ.

س: بعض الناس يقول أنَّ العملة واحدة؟

ج: ولو كانت العملة واحدة، الجنس مختلف، من أول يبيعون الريال بريال فرنسي، يبيعون الريال 45 جديد بريال فرنسي؛ لأنَّ الجديد عملة مُستقلة، ريـال حديد.

س: الثِّقَل له اعتبار ..؟

ج: لا، فقط الجنس، المادة.

س: المادة المصنوع منها، وإلا أصل؟

ج: المادة الموجودة التي يتعامل بها الناسُ، سواء الحديد، وإلا فضة، وإلا ورق، وإلا معدن آخر.

س: في حديث أبي هريرة: كيف استنبط الفقهاءُ العلَّة الجامعة، الحديث ما ذُكر فيه علَّة؟

ج: العلماء أخذوا من الكيل والوزن والطعم، الذهب والفضة للجنس والوزن، وكونها عملة، كلها عملة ثمنية، وأخذوا من التمر والشعير والملح ما كان طعامًا يُكال، أو إذا كانت إدامةً للطعام: كالملح، وما أشبهه من أنواع الحبوب التي كإدام، فحكمها حكمه؛ لحديث معمر بن عبدالله في "صحيح مسلم"، قال: الطعام بالطعام، مثلًا بمثلٍ، قال: "وكان طعامُنا يومئذٍ الشَّعير"، فأخذوا من قوله الطعام يعني: جنس الطعام.

س: المادة المصنوع منها يا شيخ، وإلا أصل؟

ج: المادة الموجودة التي يتعامل بها الناس، سواء كانت حديدًا، أو فضةً، أو ورقًا، أو معدنًا آخر.

س: في حديث أبي هريرة، كيف استنبط الفقهاءُ العلَّة الجامعة، الحديث ما ذُكر فيه علَّة؟

ج: العلماء أخذوها من الكيل والوزن والطعم، الذهب والفضَّة للجنس، والوزن كونها عملة ثمنية، وأخذوا من التمر والشعير والملح ما كان طعامًا يُكال، أو إدامًا للطعام: كالملح، وما أشبهه من أنواع الحبوب التي كإدام، حكمها حكمها؛ لحديث معمر بن عبدالله في "صحيح مسلم"، قال: الطعام بالطعام، مثلًا بمثلٍ، قال: "وكان طعامُنا يومئذٍ الشَّعير"، فأخذوا من قوله الطعام يعني: جنس الطعام، مثلما أخذوا من الذهب والفضة، مع مراعاة العلَّة، وهي الثمنية في الذهب والفضة، الزيادة التي تُستعمل ثمنًا للسلع، وقيمتها في السلع، ومُراعًا الكيل في التَّمر والشعير، مع مُراعاة الطعم؛ جمعًا بين النصوص.

س: للتَّنبيه .............؟

ج: إيه، ولهذا قالت الظاهرية: ما في قياس، الظاهرية قالوا: يقطع على الوارد فقط، ولا يلحق به شيء، لكن الصواب أنه يلحق بالطعام ما كان مثله، يلحق بالبر والتمر الذرة والدخن والأرز، كله بمعنًى واحدٍ.

س: والراجح من قول العلماء؟

ج: أنها مُعللة بعلَّة اختلاف الطعام مع الكيل، وفي الموزونات الجنس مع العملة مع الثمنية.

س: تجد بعض النساء الذهب، تذهب إلى صاحب المحل، ثم تختار ما تُريد من الذهب، ثم تُقارن بيع هذا الذهب والذهب الجديد، ثم تدفع الفرق؟

ج: تبيع عليه الذهب القديم، ثم تشتري منه الذهب الجديد، وتُعطيه الزيادة، لا يُباع الذهبُ إلا مثلًا بمثلٍ.

س: يعني: تبيعه أولًا، ثم تقبض منه، ثم تشتري؟

ج: لا بد من هذا.

س: بعض الناس يُطلق التَّكفير على مَن يستحلّ التَّعامل بالبنوك، وبعضهم له شُبهة؟

ج: لا، المقصود محرَّم، والتَّكفير لمن يستحلّ الربا كله، يقول: الربا كله حلال، وأما إذا أباح بعض الأنواع فلا، له شُبهة، أما إذا قال: الزنا حلال، والربا كله حلال، وظلم الناس كله حلال، والخمر كله حلال؛ فهذه ردَّة.

س: إذا كان هناك بنك ربوي تشمل اللعنة حتى الحارس الذي يحرس في البنك؟

ج: يُخشى عليه؛ لأنه من باب التَّعاون: ولَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ والْعُدْوَانِ [المائدة:2]، وقوله ﷺ في الخمر: "لعن الخمر، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وعاصرها، ومُعتصرها، وبائعها، وآكل ثمنها"، هذا يدل على أن المساعد داخلٌ في هذا.

س: بعض الناس يأخذ التَّعريف من العمل أنه موظف، ويُؤدِّيه لبنك ربوي ليأخذ قرضًا، هل يأثم المُوظف؟

ج: الذي ساعده نعم، يشترك، الذي يُشارك في تسهيل أمره في الربا شريك.

س: ابنٌ يعلم أنَّ أباه يأخذ من البنك ربا، وأعطاه مالًا، هل يأخذه؟

ج: ينصحه، ينصح والده، وإذا كان من مالٍ مُشتركٍ يأخذه، الله أباح طعامَ أهل الكتاب وفيهم الرِّبا، عندهم الربا، إذا كان المال مُشتركًا ما يعرف عينه.

س: هل يجوز أن نبيع البنك آلات حاسبة يستخدمونها في غير الربا؟

ج: الآلات الحاسبة تُستعمل في الربا وفي غير الربا.