5- تابع باب شروطه وما نُهي عنه منه (الأسئلة2)

813- وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ والِدَةٍ ووَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

رَوَاهُ أَحْمَدُ، وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، والْحَاكِمُ، ولَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، ولَهُ شَاهِدٌ.

814- وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ أَبِيعَ غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ، فَبِعْتُهُمَا، فَفَرَّقْتُ بَيْنَهُمَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: أَدْرِكْهُمَا، فَارْتَجِعْهُمَا، ولَا تَبِعْهُمَا إِلَّا جَمِيعًا.

رَوَاهُ أَحْمَدُ، ورِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وابْنُ الْجَارُودِ، وابْنُ حِبَّانَ، والْحَاكِمُ، والطَّبَرَانِيُّ، وابْنُ الْقَطَّانِ.

815- وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: غَلَا السِّعْرُ في الْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، غَلَا السِّعْرُ، فَسَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ، الْقَابِضُ، الْبَاسِطُ، الرَّازِقُ، وإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى ولَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ ولَا مَالٍ.

رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ، وصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

816- وعَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

817- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَا تَصُرُّوا الْإِبِلَ والْغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا: إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وصَاعًا مِنْ تَمْرٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَلِمُسْلِمٍ: فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَلَّقَهَا -الْبُخَارِيّ: ورَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، لَا سَمْرَاءَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: والتَّمْرُ أَكْثَرُ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث في بيوعات نُهي عنها، وفي بيوعات نُهي عن الغشِّ فيها، وعن أشياء مُنع فيها التَّسعير.

فالمقصود أنه ﷺ نهى عن التَّفريق بين الرجل وأخيه، وبين المرأة وولدها، وبين الوالد وولده؛ لما بينهما من الصلة التامَّة، فلا يجوز التَّفريق بينهما في البيع، فإذا كان لدى الإنسان غلامٌ وأبوه، أو غلامٌ وأمه، أو غلامٌ وأخوه، ليس له التَّفريق بينهما، يبيعهما جميعًا، أو يتركهما جميعًا؛ لما في التفريق من مشقَّةٍ عظيمةٍ؛ لأنَّ هذا قد يذهب في بلادٍ بعيدةٍ، وهذا في بلادٍ بعيدةٍ، وقد يحتاج أحدُهما للآخر؛ لما بينهما من الصِّلات القريبة، وهذا من رحمة الله لعباده، ومن إحسانه إليهم جلَّ وعلا: أن يُباع الأخوان، أو الرجل وأمه، أو الرجل وأبوه جميعًا، أو يُتركا جميعًا؛ رحمةً بهما، وإحسانًا إليهما.

والحديث الثالث حديث أنس: أنهم قالوا: يا رسول الله، سعِّر لنا، لما غلا السعر في المدينة، قال: إن الله هو المسَعِّر، القابض، الباسط، الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله تعالى وليس أحدٌ منكم يطلبني بدمٍ، ولا مالٍ.

هذا يدل على أنه لا يجوز التَّسعير، ما يجوز للسلطان أن يُسعِّر على الناس أموالهم: دعوا الناسَ يرزق الله بعضَهم ببعضٍ، لكن إذا شذَّ بعضُ الناس وأراد أن يرفع السعر يُمْنَع، ويقول له: بِعْ كما يبيع الناس، ولا يُسمح له بأن يغشَّ الناس ويظلمهم، فإذا علم ولي الأمر أن طائفةً أو إنسانًا يبيع للناس بالغلاء، ويُخالف السوق الدارج يُمنع؛ لأنَّ هذا فيه مضرَّة، مسعر عليه، يقول له: بع كما يبيع الناس، وإلا اعتزل السوق.

وهكذا الاحتكار: يُمنع الاحتكار، كونه يمنع بيع الشيء ينتظر الغلاء، والناس بحاجةٍ إليه، سواء كان طعامًا، أو غيره، وذهب بعضُ أهل العلم إلى أنه يختص بالطعام، والصواب أنه لا يختصُّ بالطعام، فإذا كان الناس في حاجةٍ، وهذا يحبسه، ولا يبيع حتى يغلو؛ يُمنع، ولا سيما الطعام، فالحاجة إليه أشدّ، فإذا كان عنده طعام، والناس بحاجةٍ يبيع مثلما يبيع الناس، لا يحتكر، وهكذا لو كان غنمًا أو إبلًا أيام الضَّحايا، أو غيرها، أو أيام الحاجات؛ يُمنع، يبيعها مثلما يبيع الناس، أو إذا دعت الحاجةُ إلى ملابس يحتاجها الناسُ لا يحتكر، لكن الطعام أشدّ، الحاجة فيه أشد.

وكذلك حديث التَّصرية؛ لأنَّ التصرية فيها غشٌّ، والتَّصرية: جمع اللبن في الضَّرع، يقول النبي ﷺ: لا تصرّوا الإبل، ولا الغنم، والتَّصرية: كونه يجمع اللبن، له حلبة في الليل، وحلبة في النهار، يخلي حلبة الليل مع حلبة النهار، ويبيعها، ويقول: هذا حليبها الصبح، وهو يكذب، حليب الصبح والبارحة حتى يرغب الناس ويغشّهم، لا يجوز هذا، فإذا علم هذا الغشّ يكون المشتري بالخيار: له ردّها، ويرد صاعًا من تمرٍ عن اللبن، إذا كان أخذ منها لبنًا، أو يرد اللبنَ بنفسه؛ لأنَّ الغشَّ حرامٌ، لا يجوز أن يغش: مَن غشَّنا فليس منَّا، لكن متى علم الغشّ فالمشتري بالخيار.

وهذه التَّصرية تحيين، يُسميها العامَّةُ: تحيينًا، فإذا عُلم أنه حيَّنها، وأنه غشَّها، وأنَّ هذا الحليب ما هو بحليب الصبح، حليب البارحة، أو حليب يومين، أو ثلاثة؛ فإنَّ المشتري يكون بالخيار؛ لأنه مغشوشٌ، وإذا كان ذهب اللبن، وأخذ اللبن؛ يردُّ صاعًا من طعامٍ بدل اللبن الذي أخذه منه.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: احتكار سلعةٍ واحدةٍ في السوق، يعني: ما يبيعها إلا شخصٌ واحدٌ، مثل: بعض الشركات تكون لها ماركة تأخذها حسب الدولة وتُعطيها؟

ج: هذا إذا كان من جهة الدولة لئلا يتلاعبوا، تسمح لشخصٍ أو شركةٍ تُورد هذا الشيء معها؛ لأنها لو سمحت للآخرين أفسد عليه، وضيَّع عليه عمله، هذا يحتاج إلى جهة الدولة واجتهادها ونظرها في مصلحة المسلمين، كونها تُعطي هذا فسحًا، ولا تُعطي الآخر، هذا له مُبرراته؛ إذا رأت الدولةُ أنَّ هذا أصلح، هذا يُفسح له يورد الغنم، وهذا يُفسح له يورد بقرًا، وهذا يُفسح له يورد ملابس صفتها كذا، حتى لا يتضاربون، وحتى لا يضرّ بعضُهم بعضًا.

س: بعض التّجار يشتري كميةً كبيرةً، ثم يُخزِّنها في المخازن، ثم بعد فترةٍ يُخرجها؟

ج: إذا كان ما في ضررٌ ما في شيء، إذا كان ما في زحمة، ولا ضرر، والخير واجد؛ ما يضرّ.

س: لا، هناك ضررٌ من قبل الآخرين؟

ج: هذا يُنظر من جهة الدولة، تنظر الدولة بواسطة العلماء، أو بواسطة أهل الخبرة، فإذا كان احتكاره يضرُّ الناسَ مُنِعَ، وإن كان ما يضرُّ الناسَ لا يُمْنَع.

س: البيعان إذا تفرَّقا هل هما بالخيار بعد العلم بأنه فيه غبنٌ؟

ج: إذا تفرَّقا لزم البيع، إلا أن يكون أحدُهما مغبونًا، وهو مثله يغبن له الخيار، مثلما في حديث: لا خلابة، إذا كان الإنسانُ مغبونًا، ما يفهم السلع، وغبنه إنسانٌ؛ يُخَيَّر عند ولي الأمر -المحكمة يعني.

س: قطعة حديدٍ تُساوي قيمتها خمسة ريالات، وما يُحضرها إلا واحدٌ في السوق يبيعها بعشرين ألف ريـالٍ مثلًا؛ لأنه ما في الدولة إلا هذه القطعة، هل هذا يجوز؟

ج: هذا يُنظر من جهة الدولة، تنظر مصلحة المسلمين.

س: حديث النَّهي عن الاحتكار؟

ج: هذا إذا كان يضرُّ الناس، هذا المقصود، وإلا فالناس يبيعون كيف يشاؤون: دعوا الناسَ يرزق الله بعضَهم من بعضٍ، ما أحدٌ يمنع أحدًا، لك أن تبيع في الطعام، والآخر يبيع في الطعام، والآخر يبيع في الثياب، والآخر يبيع في الحمير، والآخر يبيع في البقر: دعوا الناس يرزق الله بعضَهم من بعضٍ، إذا كان ما فيه مضرَّة على الناس، أما إذا كان الإنسانُ يحتكر شيئًا يضرُّ الناس؛ لقول النبي: لا ضرر، ولا ضرار يُمْنَع، وإلا إذا ضيَّق على الناس تكون مشقةٌ على الناس تُفْسِد الأمور.

س: إنَّ الله هو المُسَعِّر؟

ج: يعني: الذي يُسعِّر للناس، كونه يُسَعِّر لهم بحكمته، ويجعل أرزاقهم تسير، وبيعهم يسير، بما شاء لهم سبحانه وتعالى، وإذا تعرَّض لهم ولاةُ الأمور فسدت الأمور، فسدت الأسواق، وتضرر الناس، أما إذا تركوا مشت الأمور.

س: في مكة في أيام الحج أو أيام رمضان يكون ازدحامًا، التَّاكسي هناك يرفعون الأسعار؟

ج: هذا شيء له أسبابه، قلَّة التاكسي، وكثرة الناس، هذا لا يحتاج احتكارًا، هذا إهماله، ما في حيلة.

س: هناك وعيد غريب؟

ج: في بعض الأحاديث: طعام، احتكر الناس طعامًا أربعين يومًا ضربه الله بالفاقة، في بعض سندها بعض المقال، لكن حديث معمر أصحّها: لا يحتكر إلا خاطئٌ، هذا أصحُّها.

س: من ريالين يطلعون إلى عشرين ريالًا؟

ج: إذا دعت الحاجةُ إلى هذا ما هو من باب الاحتكار، هذا من كثرة الناس، الزحمة، كذلك إذا كان الناس عندهم طعام كلهم يبيعون، لكن قلَّ الطعام بأيدي الناس وغلا، ما في أيدي الناس شيء، هذا بأمر الله جلَّ وعلا.

س: قول بعض أهل العلم: ألا إنَّ الله المُسَعِّر كلها أسماء من أسماء الله؟

ج: نعم، من أسماء الله.

س: أيضًا: القابض، الباسط؟

ج: كلها من أسماء الله، القابض، الباسط اسمان، مجتمعان، مزدوجان.

س: كيف نُفَرِّق بين السلع الضَّرورية، والسلع الثانوية؟

ج: إذا كان الاحتكارُ يضرُّ الناس -يرى وليُّ الأمر بواسطة الخبرة أنه يضرُّ الناس- يُمْنَع، وإلا يترك الناس يبيعون، كلٌّ يبيع، حتى يتسع الناسُ في الخير، وحتى يكثر الرزقُ بين الناس، وحتى يبتهج الناس، وتهدأ القلوب، أما إذا دعت الحاجةُ إلى التَّسعير فهذا إلى ولي الأمر.

 

818- وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَرَدَّهَا، فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا".

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَزَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: "مِنْ تَمْرٍ".

819- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّ عَلَى صُبْرَةٍ من طَعَامٍ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ؛ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

820- وعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ حَبَسَ الْعِنَبَ أَيَّامَ الْقِطَافِ، حَتَّى يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا، فَقَد تَقَحَّمَ النَّارَ عَلَى بَصِيرَةٍ.

رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "الْأَوْسَطِ" بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.

821- وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الخَرَاجُ بِالضَّمَانِ.

رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ، وأَبُو دَاوُدَ، وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وابْنُ خُزَيْمَةَ، وابْنُ الْجَارُودِ، وابْنُ حِبَّانَ، والْحَاكِمُ، وابْنُ الْقَطَّانِ.

الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فهذه الأحاديث في أحكامٍ تتعلق بالبيع والشراء، والغشّ والتدليس:

الحديث الأول: يدل على أن الشاة المحفَّلة، والبقرة المحفَّلة، والناقة المحفَّلة كما تقدَّم يُعتبر صاحبُها غاشًّا، فإذا اطلع المشتري على الغشِّ فإنه يردها وصاعًا من تمرٍ كما تقدم.

والمحفَّلة: هي المحينة المصرَّاة، التي يُجمع فيها لبنُ ما قبل الوجبة الأخيرة، فإذا باعها نهارًا أبقى فيها وجبة الصبح ووجبة البارحة أو أكثر؛ حتى يظنَّ المشتري أنَّ هذا لبنها اليوم، وهذا غشٌّ، فلصاحبها الخيار إذا علم: إن شاء قبلها، وإن شاء ردَّها وصاعًا من تمرٍ عن الحليب الذي أخذه منها، سواء بإقرار صاحبها، أو بمعرفة الواقع أنه إذا كانت مُحينةً عرف الواقع، فإنها في اليوم الثاني ما يكون فيها اللبنُ الذي راغ فيها، تبين، تقدم حديثُ عمران في ذلك.

والحديث الثاني: كذلك فيه تحريم الغش، وهو أنه ﷺ مرَّ على صُبرةٍ من طعامٍ، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماءُ يا رسول الله، يعني: المطر، قال: أفلا جعلتَه فوق الطعام؛ كي يراه الناس، مَن غشَّ فليس منا.

هذا يدل على أنه ﷺ رأى شيئًا يدل على الغشِّ؛ ولهذا أدخل يده، وهذا يدل على نصحه ﷺ، وعنايته بأمر الأمة، وأنه قد يمر في الأسواق للتَّفقد والتنبيه على الخطأ.

وهذا يدل على أنَّ ولاة الأمور يجب عليهم أن يحتاطوا للمسلمين، وأن يفعلوا ما يستطيعون من منع الغشِّ والظلم، ولو بأنفسهم، فإنهم مسؤولون، فعليهم أن يفعلوا ما يستطيعون بأنفسهم، أو بالواسطة التي يأمنونها، ويطمئنون إليها، حتى يمنع الظلم والغشّ.

ومثل هذا الذي يأتي بالفواكه أو التمر في الأساطيل، ويكون التمر الطيب فوق، والفاكهة السليمة فوق، والرديء يكون في الأسفل؛ حتى لا يفطن له المشتري إلا إذا كبَّه في ماعونه، هذا أيضًا من الغشِّ، يجب أن يكون أسفله وأعلاه سواء، وإذا كان الرديء في أعلاه لا بأس، يحطه فوق، وإلا يُبين ويقول: ترى الحال فيها بعض الشيء، لا بد أن تكبَّه، تشوف الحقيقة.

المقصود أنه متى غشَّ: بجعل الرديء هو الأسفل، والطيب فوق، ثم علمه المشتري، فله الخيار.

الحديث الثالث: مَن حبس العنب أيام القطاف حتى يبيع منها للخمَّارين، هذا لا يجوز؛ لأنه مساعدٌ له على الظلم، على العدوان، فيبيعهم العنب حتى يتَّخذوه خمرًا، أو التمر أو العسل حتى يتَّخذوه خمرًا، وهو يعلم، فقد تقحَّم النارَ على بصيرةٍ يعني: قد أقدم على أسباب النار، والله يقول جلَّ وعلا: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، فليس له أن يبيع على أصحاب الخمور أو غيرهم ممن يستعين بمبيعه على الظلم والشرِّ؛ لأنَّ ربنا يقول: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، ويقول ﷺ: كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعِرْضه، ويقول ﷺ: لا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يَبِعْ بعضُكم على بيع بعضٍ، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه أيضًا لا يغشُّه.

كذلك حديث عائشة: الخراج بالضمان، ومعناه: أن الغلة تكون للمالك الضَّامن، غُلَّة الشيء تبع الضَّامن، لما فيه غلة، والخراج هو الدخل والثمرة، فالمبيع إذا كان عن ضمان زيدٍ؛ دخله له، خراجه له، هذا هو الضمان، فإذا اشترى سلعةً: اشترى نخلًا ثم أثمر، اشتراه قبل أن يُثْمِرَ، ثم أثمر، فهو للمُشتري –ثمره- قبل أن يلقح، أو اشترى شاةً أو بقرةً، إن ضربها فحلٌ وحملت فحملها للمُشتري؛ لأنه هو ضامنها، أو ما أشبه ذلك: كأن اشترى أرضًا، وتم البيعُ فيها، ثم نزل المطر، وأنبتت، فالنبات فيها للمُشتري؛ لأنها صارت تبعه، ..... الضمان، والخراج هو الدخل والغلة.

وفَّق الله الجميع.

 

الأسئلة:

س: ..... مدة الخيار تبدأ من متى؟

ج: من علمه.

س: حتى لو لم يحلبها إلا بعد يوم؟

ج: من علمه.

س: الشَّاة هذه المُصراة: لماذا لا ينطبق عليها حديثُ الخراج بالضمان؟ لماذا يرد معها صاعًا من تمر؟

ج: لأن دخلت، اللبن الجديد ما له شيء، ما يُضمن، تبع المالك، لكن هذا الصاع الذي دخله .... البائع، جاءت له؛ لأنه ملك البائع سابقًا، أما اللبن ..... هذا للمُشتري؛ لأنه من ضمانه.

س: حديث بُريدة: مَن حبس العنب بعض أهل العلم يأخذ منه أنه لا يجوز لليهودي ولا النصراني في الأرض التي يسكنون فيها، يكون ذِمِّيًّا، لا يجوز له شرب الخمر؛ بناءً على هذا الحديث؟

ج: لا، هذا ما تعلق، يقرون على دينهم، لكن لا يُجاهرون بالفسق، أقرَّهم النبيُّ ﷺ على دينهم، وأعظم من هذا الكفر، لكن ليس لهم المجاهرة بدينهم: لا يُجاهر بشرب الخمر، ولا يُجاهر بسبِّ المسيح، ولا يُجاهر بسبِّ الأنبياء، ليس لهم هذا، يُمْنَعُون من إظهار ما يُخالف الإسلام.

س: في بعض البلاد شباب المسلمين يقتطفون العنب للنصارى، ويعلمون؟

ج: يعلم أنه منكر، هذا إعانةٌ لهم على المعاصي.

س: اليهود والنَّصارى هل لهم إظهار الكنائس في بلاد المسلمين؟

ج: لا، يُمْنَعون، إلا إذا فُتِحَتْ على كنائس، وأقرَّهم وليُّ الأمر عليها، فُتحت وهي بأيديهم، يقرون على كنائسهم التي بأيديهم إذا فُتحت، وأقروا بالجزية.

س: لا يُنْشِئون ابتداءً؟

ج: لا يُنْشِئون ابتداءً.

س: إذا وطء الرجلُ الأمةَ كيف يردّها؟

ج: إذا ما فيها عيبٌ انتهت، وإن حملت فالحمد لله.

س: إذا رفض لأنَّها بكرٌ؟

ج: ولو، إذا كان غشّه له أن يردّها: مَن غشَّنا فليس منا، وله الخيار.

س: الوطء ليس بعيبٍ؟

ج: لا، لا.

س: بالنسبة للبلدان الإسلامية: أغلبها فيها ممارسات شركية، ويُوجد فيها مبانٍ يقولون أنهم صالحون وكذا، الشاهد في هذا الموضوع: هل هذه البلدان تُسمَّى: إسلامية، أو تُسمَّى: غير إسلامية؟

ج: محل نظرٍ: إذا غلبت عليها شعائرُ الكفر فهي بلاد الكفر، وإذا غلبت عليها شعائرُ الإسلام فهي بلاد إسلام، على حسب الظاهر فيها، والغالب عليها.

س: يُصلون، ويصومون، ولهم مساجد؟

ج: على حسب الغالب عليها، ما غلب عليها لها حكمه.

س: أغلبهم مسلمون؟

ج: إذا غلب عليها وصفُ الإسلام، والصلاة، وغيرها من شعائر الإسلام؛ فهي بلاد إسلام، وإن كان الحاكمُ كافرًا.

س: ..... هل هو موافقٌ للقياس: يردّها وصاعًا من تمرٍ، وفقًا للقياس؟

ج: نعم، موافقٌ للقياس، وموافقٌ للشرع، لو اشتريتَ عنزًا، أو بعيرًا، أو بقرةً، ومعها ثور، أو معها قعود، أو مع العنز عناق، ثم بان فيها عيبٌ؛ ترد العناق أو ما ترد العناق؟ تردها أو ما تردها؟ ترد ولدها معها؟

س: نعم.

ج: إذن دخلت عليه.

س: لكن أقصد في الحديث: يردّها وصاعًا من تمرٍ، مع أنَّ اللبن له مثل؟

ج: ولو؛ لأنَّ اللبن قد يتغير، وهذا يحسم النزاع، الشارع له حكمة؛ لأنَّ الصاع يحسم النزاع؛ لأنه قد يقول: أخذتَ من لبني، أفسدته، نقص، ما هو بهذا لبنها، يحصل نزاعٌ، هذا حاصل، هذا من حكمة الشرع، وسماحة الشرع؛ قطعًا للنزاع.

س: بعض الشركات تكون بينها منافسة، مثلًا: يضعون: مَن اشترى عُلْبَتَي لبنٍ يأخذ الثالثة مجانًا، فهل هذا التنافس فيه شيء؟

ج: تركه أحوط؛ لأنَّ هذا قد يُفضي إلى الشَّحناء والفتنة، تركه أحوط.

س: بالنسبة للمُشتري: هل يشتري منه؟

ج: تركه أحوط -ترك الشراء منه- ولا يُبالي، يشتري حاجاته ولا يُبالي بالزيادة أحوط.

س: مرغِّبة هذه الزيادة، وهو يُريد هذا الشيء، إذا أراد أن يأخذ علبتين سيأخذ ثلاثًا، وهو بحاجته، هو سيأخذها سيأخذها، ولكن يوم أن رأى العلبة تشجَّع فيأخذ من هذه النَّوعية؟

ج: ولو، تُفضي إلى نزاعٍ بينهم وبين الناس؛ لأنها منافسات بين البائعين، بين الجيران، يتنافسون وتحصل بينهم شحناء.

س: هي لصالح المُستهلك الضَّعيف المسكين، أما الشركات هذه؟

ج: الله أعلم، الذي يظهر لي أن تركه أولى؛ سدًّا لباب الفتنة.