796- وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ".
رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: "وعَنْ بَيْعِ ضِرَابِ الْجَمَلِ".
797- وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
798– وعَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ، وكَانَ بَيْعًا يَبْتَاعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ: كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ، ثم تُنْتَجُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، واللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
799– وعَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ، وعَنْ هِبَتِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث الأربعة في أحكام البيع:
الحديث الأول والثاني يدلان على تحريم بيع عسب الفحل، والمعنى: ضراب الفحل، يعني: لا يجوز للمسلم أن يبيع عسب الفحل، وهو ضرابه، كونه يأتي بالجمل إلى أخيه لينكح الناقة التي عنده ويقول: بكذا وكذا، تُعطيني عن ضرابه كذا وكذا، تُسمَّى: عسب، تُسمَّى: ضراب الفحل، وهكذا الثّور، وهكذا التَّيس، وهكذا الخروف من الضَّأن، لا يجوز بيع ضرابه؛ لأنَّ هذه أمور عادية، يرتفق بها المسلمون فيما بينهم من غير حاجةٍ إلى الثمن، هذه أمور يجب أن تُبذل من دون ثمنٍ؛ لأنها من مرافق المسلمين، كون الإنسان يُعير أخاه جملَه ليضرب ناقته، أو ثوره، أو تيسه من دون ثمنٍ، يعني: هذه أمور يرتفق بها بين المسلمين، فلا يجوز فيها البيع.
وهكذا فضل الماء: إذا كان عنده ماءٌ فاضلٌ لا يبيع، إذا كان عنده مثلًا بئر فيها ماء جيد، يسمح لأخيه أن يأخذ من ماء البئر، أو عنده حياضٌ من مياه الأمطار كثيرة زائدة عن حاجتها، لا يمنعها أحدًا يشرب من هذا الماء، أو يسقي إبله، أو غنمه، المسلمون إخوة، لا يجوز الظلم بينهم، ولا الشّحناء، ولا التَّعدي، والله جلَّ وعلا أخبر أنهم إخوة: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، وقال ﷺ: المسلم أخو المسلم، فلا يجوز أن يمنعهم فضل الماء.
وفي الحديث الصحيح: ثلاثةٌ لا يُكلِّمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يُزَكِّيهم، ولهم عذابٌ أليمٌ، أولهم: رجلٌ على فضل ماءٍ يمنعه من ابن السبيل، لا يجوز أن يمنع إذا كان عنده فضل ماءٍ، حياض من ماء المطر، أو آبار من الماء ليس له أن يمنع، أما إذا كان بقدر حاجته ما فيه فضل فهو أولى به، لكن إذا كان فيها فضلٌ يخلي، يدلي معه ليشرب، أو يُورد إبله، أو غنمه، أو بقره، لا بأس، المسلمون إخوة.
والحديث الثالث حديث ابن عمر: "أن النبي ﷺ نهى عن بيع حبل الحبلة"، وحبل الحبلة يُفسَّر بمعنيين: أحدهما: أن يبيعه الناقة بثمنٍ مُؤجَّلٍ إلى نتاج نتاجها، يقول: هذه الناقة بألف ريـال مُؤجَّلٍ إلى أن تنتج، ثم ينتج الذي في بطنها، يعني: إلى أن تضع الحملَ الذي في بطنها، وإلى أن يحمل نتاجها، ثم يلد، يعني: إلى نتاج النتاج، هذه الناقة بثمن كذا مؤجل إلى نتاج النتاج، أو يبيع نتاج النتاج يقول: أبيعك هذه الناقة بنتاج نتاج ناقتي، ما هو بنتاجها الأول، بل الثاني، وهذا كله جهالة، وكله غرر، ما يجوز لا بالنتاج، ولا بنتاج النتاج، فلا يبيعها مُؤجَّلًا بثمنٍ إلى نتاج النتاج، ولا يبيعها بنتاج النتاج، لا بالنتاج، ولا التأجيل إليه؛ لأنَّ كله غرر في غرر، خطر، لا يدري متى يحصل، والرسول نهى عن بيع الغرر، وهذا من الغرر، ولهذا جاء الشرعُ بمنعه، سواء كان تأجيلًا أو بيعًا، سواء كان المقصود بيع النتاج أو تأجيل النتاج.
والحديث الرابع حديث ابن عمر: أن رسول الله ﷺ نهى عن بيع الولاء، وعن هبته، الولاء لا يُباع، ولا يُوهَب، مثلما قال ﷺ: الولاء لحمةٌ كلحمة النَّسب، إنما الولاء لمن أعتق، فالولاء لا يُباع، ولا يُوهَب، وهو العصوبة، الولاء هو العصوبة، فإذا أعتقت عبدًا لك اسمه: سعيد، فلك عصوبته وعصوبة ذريته، ما لهم عصبة، لو مات وذريته ما لهم عصبة، ما لهم أولاد، ولا إخوة، ولا شيء، أنت عصيبهم، أنت وليُّهم، كما أنَّك عاصبُ أبيهم، فإذا مات أبوهم وما له ذُرية ولا عصبة، أنت عاصبه أو ذريته، ماتوا ما لهم أحد، أنت عاصبهم: إنما الولاء لمن أعتق، هذا لا يُباع، لا تقل: يا زيد، اشترِ من عصبي من سعيد، أو عصبي من عياله، ما يُباع، ولا يُوهَب، مثل النَّسب، مثلما أنك لا تقول: أبيع قرابتي من ابن عمي، أو أبيع قرابتي من أخي، تقول لواحدٍ: اشترِ مني قرابتي من أخي حتى تصير محلي، أنت خلة ترثه، ما يصحّ، أو: اشترِ مني قرابتي من ابن عمي، وعصوبتي من ابن عمي، أنا أبيعك إياها بمئة ريـال، تصير عاصبًا له، ما يصلح، باطل، العصوبة بالنسب لا بالثمن، العصوبة بالنسب، والقرابة ما تُشترى بالثمن، وهكذا الولاء لا يُشترى بالثمن، الولاء لمن أعتق، ما يُباع، كالنَّسب سواء.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: ملبس النساء يعني هنا في السعودية الحمد لله، الحريم يلبسون البشت فوق الملابس، لكن هناك في أوروبا يخرجون هكذا يعني، الذي يبيع هذه الملابس هو المسؤول؟
ج: لا، المسؤول التي تلبس، عليها أن تلبس اللبس الطويل، عليها أن تلبس ما يُغطي عورتها –فتنتها- بجلبابٍ، أو غيره.
س: فقط هناك ما يبغون أن يلبسوا الطويل؟
ج: هذا يختلف، إن كان يعلم أنَّ هذا اللباس ما يستر عورتها، وأنه يبيع عليها، يرضى بأن تلبس لبسًا ما يستر العورةَ يكون شريكًا في الإثم، أما إذا كان ما يعلم ما عليه شيءٌ، يبيع الملابس ولا يعلم مَن الذي يستر والذي ما يستر، قد تشتري امرأةٌ كبيرةٌ لباسًا قصيرًا، وقد تشتري امرأةٌ قصيرةٌ لباسًا يكفيها ويسترها.
س: الناس شُركاء في ثلاثةٍ؟
ج: نعم، الماء، والكلأ، والنار، إذا كان فيها سعة هم شُركاء فيها، أما إذا كان فيها ضيقٌ فصاحبها أولى، إذا كان عنده كلأ قدر غنمه سبق إليه فهو أحقّ به، أو ماء قدره هو أحق به، أو نار هو أحق بها إذا كان ما فيها فضل، أما إذا كان فيها فضلٌ يمكن أن يستوقد منها فلا بأس، والعادة أن النار يمكن أن يستوقد منها، يأخذ جمرةً يستوقد منها، أو يجيب شيئًا يشبّ فيه من نكوصٍ، أو غيره، ينقله، النار مُتيسرة، لكن لو قدر في حالته ما فيها حيلة فهو أولى بها.
س: ...........؟
ج: قد ملكه، إذا كان في خزَّانه ملكه، أو في قرابه ما له حقّ فيه، ملكه، صار ملكًا له، هذا المشترك الذي في الآبار، في الحياض.
س: ...........؟
ج: مكروه التَّشبيك إلا بعد الصلاة، ما دام في طريق الصلاة، أو ينتظر الصلاة لا يُشبّك.
س: كراهة تحريم أم تنزيه؟
ج: المعروف أنها كراهة تنزيه، والأصل في النَّهي التحريم، لكن المعروف عند العلماء: كراهة التنزيه.
س: الآبار إذا حفرها أحدٌ على حسابه؟
ج: هو أولى بالماء، لكن لا يملكه ملكًا، إذا كان فيه فضلٌ يُساعد إخوانه، لو جاءوا يأخذون دلوًا أو دلوين يشربون أو يسقون غنمهم، والماء راكد فيه بركة؛ ما يمنعهم.
س: لو كان حفره في مزرعته الخاصَّة؟
ج: ولو في مزرعته إذا دعت الحاجةُ.
س: ....... للراعي فتح المزرعة كذا بدون استئذان وسقي مواشيه؟
ج: لا، يتفق معه على شيءٍ ما يضرّ: لا ضررَ، ولا ضرار.
س: وإذا أبى؟
ج: يروحوا المحكمة، يتحاكموا إلى المحكمة.
س: حكم إعطاء زكاة الفطر للرافضة؟
ج: لا، تُعطيها لأهل السنة، لا تُعطيها الرافضة، ما يُعطاها الكافر، يُعطاها المسلم.
س: يستعملون الذهبَ تميمةً؟
ج: ماذا؟
س: في يد صغيرة خمسة، ويحطون في سلسلة ذهب، ويستعملوها تميمةً؟
ج: لا يجوز، إن كانت تميمةً ما يجوز، وإن كانت زينةً في اليدين ما في بأس، حُلي للنساء، أما إن كانت تميمةً لقصد دفع الجنّ أو كذا ما يجوز.
س: ما يجوز بيعها؟
ج: لا بيعها، ولا لبسها، كله.
س: لو كان على شكل تمثال؟
ج: شكل يد أو غيره كله واحد، شكل يد، أو شكل خاتم، إذا كان الاعتقادُ أنَّ هذه التَّميمة لدفع الجن، أو لدفع كذا، أو كذا ما يجوز.
س: ...... يتبرَّكون بها، يتحفَّظون بها من العين.
ج: تصير تميمةً.
800- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
801– وعَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنِ اشْتَرَى طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
802– وعَنْهُ قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ".
رَوَاهُ أَحْمَدُ، والنَّسَائِيُّ، وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وابْنُ حِبَّانَ.
وَلِأَبِي دَاوُدَ: مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوكَسُهُمَا، أو الرِّبَا.
803- وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وبَيْعٌ، ولَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، ولَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، ولَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ.
رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وابْنُ خُزَيْمَةَ، والْحَاكِمُ.
وَأَخْرَجَهُ فِي "عُلُومِ الْحَدِيثِ" مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ عَمْرٍو الْمَذْكُورِ بِلَفْظِ: "نَهَى عَنْ بَيْعٍ وشَرْطٍ"، ومِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي "الْأَوْسَطِ"، وهُوَ غَرِيبٌ.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث أحكام من أحكام البيع:
الأول: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ: أنه نهى عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر، هذا من البيوع المجهولة؛ لما فيها من الغرر، لا بدّ أن يكون البيعُ عن علمٍ بالمبيع، وعن علمٍ بالثمن، وألا يكون هناك غررٌ على واحدٍ منهما، وهذا من محاسن الشريعة، من محاسن الشريعة أن تكون المعاملات واضحةً لا لبس فيها، ولا غرر، كل واحدٍ على بصيرةٍ؛ لأنَّ الغرر يضرّ الجميع، ولهذا نهى عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر.
ومثل ذلك ما ثبت عنه أنه نهى عن بيع الملامسة والمنابذة، كلها من أجل الغرر، بيع الحصاة كونه يقول: أرمي بهذه الحصاة هكذا، فما بلغت فهو عليك بكذا، هذا فيه غرر؛ لأنَّ الرمي قد يصير جيدًا، ويأخذ أرضًا واسعةً، وقد يكون رميًا خفيفًا فلا يأخذ أرضًا واسعةً، ففيه غررٌ، فلا يجوز، لو قال: ما بلغتْ هذه الحصاة من هذه الأرض فهو عليك بكذا، يكون بيعًا باطلًا؛ لما فيه من الغرر.
وهكذا بيع الغرر من كل الوجوه: كأن يقول: هو عليك بكذا إن قدم فلانٌ اليوم، أو إن قدم فلانٌ بعد غدٍ، أو قدم فلانٌ بكذا؛ لأنه ما يدري: قد يقدم أو ما يقدم، أو يقول: أبيع عليك بكذا إن ثبت أن فلانًا ولد في كذا، أو ولد في كذا، أو أنه تولى كذا، أو ما أشبه ذلك؛ لأنَّ هذا مما لا يُدرى ماذا يكون، فيكون فيه غررٌ، دخل على غير بصيرةٍ.
فالضابط هو أن يكون البائع على غررٍ، أو المشتري على غررٍ، أو كل منهما على غررٍ، ليس الأمر مضبوطًا، ومثله بيع الملامسة والمنابذة، كأن يقول: أي ثوبٍ لمسته أو نبذته إليك فهو عليك بكذا، أو: أي إناء لمسته أو حيوان لمسته فهو عليك بكذا، فهذا أيضًا فيه غرر، هذه المنابذة.
عنده غنم، أو بعير، أو بقر، أي بعير لمسته فهو عليك بكذا، أو: أي ثوبٍ من هذه الحجرة أو هذا المبسوط لمسته فهو عليك بكذا، أو: أي إناء لمسته، أو: أي ثوبٍ نبذته إليك فهو عليك بكذا، كله غرر، والضابط هو الغرر، أن يدخل كلٌّ منهما أو أحدُهما على غير شيءٍ مضبوط، بل على شيء محتمل.
الحديث الثاني: يقول: "نهى النبيُّ ﷺ عن بيع الطعام حتى يكتالها المشتري"، لا يبع حتى يقبض، يكتالها يعني: حتى يقبضها، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: حتى يستوفيه: حتى يقبضه، ما دام عند البائع ما بعد قبضه لا يبيعه، وقال ابن عباس: "ولا أحسب كل شيءٍ إلا مثل الطعام، لا يُباع حتى يقبض".
ولهذا في الحديث الصحيح عن زيد بن ثابتٍ قال: "نهى رسول الله ﷺ أن تُباع السلع حتى يحوزها التّجار إلى رحالهم"، رواه أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ، وغيره.
وكذلك حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال رسول الله ﷺ: لا يحل سلفٌ وبيعٌ، ولا شرطان في بيعٍ، ولا بيع ما ليس عندك، ولا ربح ما لم يُضْمَن، ونهى عن بيعتين في بيعةٍ.
كل هذا فيه شيءٌ من الغرر، واللبس بيعتان في بيعةٍ، قد يلتبس الأمر فيهما، فيقول مثلًا: أبيعك هذه السلعة بمئة مُؤجلة، على أن أشتريها منك بثمانين نقدًا، وهذه تُسمَّى: العينة، فله أوكسهما، أو الربا، ليس له إلا الأقل، تُسمَّى: العينة؛ لأنها حيلة بأن يبيع دراهم قليلة بدراهم كثيرة مُؤجلة، فإذا باع مثلًا السيارة بخمسين ألفًا إلى أجلٍ، أو آجالٍ، ثم قال له: آخذها منك نقدًا بأربعين ألفًا، معناها أنه باع أربعين بخمسين، ربح عشرةً من أجل التَّأجيل، حيلة، جعل السلعة حيلة، هذه تُسمَّى: مسألة العينة، بيع عينٍ بدَيْنٍ.
وفي هذا المعنى يقول ﷺ: لا يحل سلفٌ وبيعٌ، ونهى رسول الله ﷺ عن بيعتين في بيعةٍ، تسلفه كذا على أن يبيع كذا، أو يبيع كذا على أن تُقرضه كذا وكذا، هذه بيعتان في بيعةٍ، ما تجوز: أن أُسلفك قدر مئة ألف على أن تبيعني هذه السيارة بخمسين ألفًا، أو أن أبيعك هذه السيارة بخمسين ألفًا على أن تُقرضني مئة ألفٍ، فلا يجوز بيعتان في بيعةٍ، ولا شرطان في بيعٍ، شرطان خارجان عن اتِّصال البيع، أجنبيان، مثل أن يقول له: أبيعك هذا البيت بشرط أنك تُسافر معي إلى كذا، وبشرط أنك تُسلفني كذا، أو تبيعني كذا، أو تحمل لي كذا، شرطان خارجان عن البيع، مثل: لو أراد أن يبيع الحطب ويشترط عليه أنه يحمله ويكسره، شرطان، بخلاف الشروط التي من ضمن البيع، هذه ما فيها بأس، كأن يقول: أبيعك عبدًا صفته كذا، عبد كاتب، حاذق، نجار، ما في بأس، صفات للعبد، هذه الصفات لو تعددت: أن أبيعك دارًا فيها عشر حُجَرٍ في الطابق الأول، وعشرون حجرةً في الطابق الثاني، وثلاثون حجرةً في الطابق الثالث، يفصل الشروط، هذه من صفات المبيع، هذه صفات المبيع ..... الثمن لا بأس، ما هي بخارجةٍ عن المبيع، لا بأس.
أو أبيعك هذه السلعة بثمانين ريالًا، لكنها تكون من ذوات العشرة، من فئات العشرة، على أن تُسلمها اليوم، أو تُسلمها بعد يومين لا بأس.
ولا ربح ما لم يضمن: الذي ما هو في ضمانك ما تربح فيه، مثل: مبيع ما بعد قبضته، أما إذا قيل لك: تأخذ رأس المال ما فيه بأس، أما أن تبيعه بزيادةٍ لا؛ لأنه ما في ضمانك حتى تقبضه، شيء ما هو بضمانك، لا تأول، أو طعام عند البائع ما قبضته لا تبعه، لا تبع ما ليس عندك، ولا تربح ...... جميعًا، ولهذا قال: ولا بيع ما ليس عندك، اشتريتَ منه طعامًا لا تبعه حتى تقبضه، وهكذا اشتريت ملابس، أو أواني، أو حيوانًا لا تبعه حتى تقبضه، ولهذا في حديث زيد: "نهى رسول الله ﷺ أن تُباع السلع حتى يحوزها التُّجار إلى رحالهم".
أما رواية أبي حنيفة: "عن بيعٍ وشرطٍ" فهي ضعيفة، بيع الشرط لا بأس به، جائز الشرط الواحد، أبو حنيفة ضعيفٌ في الرواية، وإن كان فقيهًا وإمامًا في الفقه، لكنه ضعيفٌ في الرواية، فخبره هذا ضعيفٌ وشاذٌّ ومخالفٌ للأحاديث الصحيحة.
وصحَّ عن رسول الله ﷺ أنه اشترى من جابرٍ بعيرًا، واشترط عليه جابرٌ شرطًا، اشترط عليه جابر أن يبقى معه البعير حتى يصل المدينة، فوافق النبيُّ ﷺ على الشرط، فلما وصل المدينة أتى جابر بالبعير وسلَّمه للنبي ﷺ، فهذا بيعٌ وشرطٌ، فلا حرج في ذلك.
الأسئلة:
س: شخصٌ يريد أن يشتري سيارةً بالتقسيط، أو يشتري بيتًا، يذهب إلى الشركة -وهي ليست بحوزتها- فيقول: أرغب في شراء هذه الفلَّة، وهم يشترونها على رغبته، ثم يُقسِّطونها عليه؟
ج: إذا تم الشراء على حسابهم، ثم باعوا عليه، لا يضرُّه، لكن ما يتم البيع إلا بعدما يشتروا، يُسمَّى: القبض.
س: ما يشترون إلا بعد؟
ج: ولو من أجله، كل التجار ما يشترون إلا لك ولغيرك، ما يشترون إلا ليبيعوا عليك، التجار ما يشترون السلع إلا ليبيعوها، فإذا اشتروها ودخلت في ملكهم وانتهوا وقبضوها جاز البيعُ عليك وعلى غيرك، أما إن كان من الأول ما يضبط ما يلزم.
س: ما رأيك بأناسٍ يشترون بيوتًا في دول غير المسلمين بالتقسيط والربا؟
ج: بالتقسيط لا بأس به، النبي ﷺ أقرَّ بيع بريرة بتسع أواقٍ، كل عام أوقية بالتقسيط.
س: فقط عندهم فتوى يقولون: يجوز الربا؟
ج: الذي يُجَوِّز الربا محاربٌ لله ورسوله.
س: يعني: حتى هناك ما يجوز؟
ج: لا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ [البقرة:278- 279]، الذي يستحلُّ الربا كفر إن كان مسلمًا.
س: بعض الناس يُجيز الرِّبا مع غير المسلم؟
ج: لا، ما يجوز، الصحيح الذي عليه جمهورُ أهل العلم تحريم الربا مع الكافر والمسلم جميعًا.
س: ما الفرق بين العينة والتَّورق؟
ج: العينة: بيع السلعة بثمنٍ، ثم تشتريها بأقلّ، هذه العينة، تشتريها من مُشتريها بأقلّ؛ حيلةً، على أنَّك تُعطيه دراهم قليلة، وتأخذ كثيرة، هذه العينة، والتورق: أن تشتري السلعة بثمنٍ معينٍ مؤجلٍ لأجل أن تبيعها وتتزوج وتوفي الدَّين الذي عليك، أو تعمر بيتك، تقول: بعني هذه السيارة بأقساط، ثم بعدما تملكها تبيعها على الناس الآخرين، ما هو عليه هو، على الناس الآخرين بثمنٍ مُعَجَّلٍ؛ حتى تتزوج، أو تُوفي الدَّين الذي عليك، أو تعمر بيتًا، أو ما أشبه ذلك، هذا يُسمَّى: تورق، وبعض الناس يُسمونها: الوعدة، الصحيح لا حرج فيها، بعض أهل العلم يمنعها، لكن الصحيح لا حرج فيها.
س: زكاة التَّقسيط إذا قسط سيارةً بمئة ألفٍ يُزَكِّيها؟
ج: يُزَكِّي الدَّين، يُزَكِّي كل سنةٍ؛ لأنه أجَّله لمصلحته، لفائدةٍ.
س: ...........؟
ج: يزكي كل شيء، كلما حال الحول يُزكي الجميع، إذا كان على مليءٍ متى حلَّ سلَّم له، أما إن كان مُعْسِرًا فما عليه شيء.
س: ........... أو لا بد أن يكون القبضُ؟
ج: ظاهر السنة أنه لا بدّ من القبض؛ لأنه يكتاله حتى يقبضه، المراد بـ"يكتل" يعني: حتى يكتاله قابضًا له، أما أن يكتاله وعنده المبيع ما قبضه فالأحوط ألا يبيع حتى ينقله؛ لأنَّ الروايات جاءت: "يكتاله"، وجاءت: "يقبضه"، قال: "حتى يستوفيه"، يُفسِّر بعضُها بعضًا.
س: بالنسبة لأصحاب الذهب، مثلًا: يأتي لهم الشخص، ثم يطلب مثلًا رشرشًا أو قطعةً ليست موجودةً عنده، ثم يذهب إلى جاره ويُحضرها ويبيعها على الشخص؟
ج: إذا أحضرها قد اشتراها من صاحبها وباعها ما في بأس، أو أحضرها كالوكيل يبيعها عن جاره ما في بأس.
س: إذا باعها عن جاره؟
ج: وكيلًا، أو اشتراها من جاره وقبضها ثم باعها على الراغب ما في بأس، كحال التُّجار.
س: أحيانًا تصير بينهم اتِّفاقية ...؟
ج: أنت عندك سيارة على رغبة هذا الشخص، وجاء جارك يبيع هذه السيارة، وقال جارك: لا، أنا أكفيك المؤنة، أروح أشتريها لك كوكيلٍ عنك، فاشتراها منك؛ لا بأس، أو يشتريها منك، ثم يبيعها عليه.
س: الذي اشترى بيتًا بالربا، ثم كمل الدفع كله، ثم أراد أن يتوب، ماذا يسوي؟ يترك البيت، يبيع البيت، ماذا يُسوي؟
ج: يعني اشتراه بالربا؟
س: نعم، اشتراها بالربا وسددها، ثم أراد أن يتوب، ماذا يترك البيت، يبيع البيت؟
ج: أولًا: لا بدّ أن نتصور صورة البيع؛ لأني أخاف أنه ما يكون اشتراه بالربا، كيف اشتراه بالربا؟ إذا كان اشتراه إلى أجلٍ فهذا ما هو ربا.
س: لا، ما هو بأجلٍ يا شيخ، بالربا؟
ج: وأيش لون الربا؟
س: يعني: يدفع كل شهر، البنوك يأخذون فائدةً كل شهر؟
ج: هذه استدانة، ما هو بيع، هذا يستدين منهم، هذا قرضٌ، هذا ربا مع البنك، لكن اشتراه من صاحب السلعة، ما هو بربا من صاحب السلعة، ربا مع البنك.
س: فقط إذا أراد أن يتوب؟
ج: التوبة إلى الله فقط الندم، وعدم العود.
س: ما يترك البيت؟
ج: لا، ما يترك البيت؛ لأنَّ الربا بينه وبين البنك، عليه التوبة إلى الله، ولا يُعطي البنك زيادةً، الزيادة لا يُعطيها البنك إذا تيسر، إن أمكنه، وإن ألزموه فالشكوى على الله.