787- وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، ومَهْرِ الْبَغِيِّ، وحُلْوَانِ الْكَاهِنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
788- وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ : أَنَّهُ كَانَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قد أَعْيَا، فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ، قَالَ: فَلَحِقَنِي النَّبِيُّ ﷺ فَدَعَا لِي، وضَرَبَهُ، فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ، فقَالَ: بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ، قُلْتُ: لَا، ثم قَالَ: بِعْنِيهِ، فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ، واشْتَرَطْتُ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي، فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ، فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ، ثم رَجَعْتُ، فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِي فَقَالَ: أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لِآخُذَ جَمَلَكَ؟ خُذْ جَمَلَكَ ودَرَاهِمَكَ، فَهُوَ لَكَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وهَذَا السِّيَاقُ لِمُسْلِمٍ.
789– وعَنْهُ قَالَ: "أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنَّا عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، ولَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَدَعَا بِهِ النَّبِيُّ ﷺ فَبَاعَهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
790- وعَنْ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّ فَأْرَةً وقَعَتْ فِي سَمْنٍ، فَمَاتَتْ فِيهِ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْهَا، فَقَالَ: أَلْقُوهَا ومَا حَوْلَهَا، وكُلُوهُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَزَادَ أَحْمَدُ والنَّسَائِيُّ: "فِي سَمْنٍ جَامِدٍ".
791- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا وقَعَتِ الْفَأْرَةُ فِي السَّمْنِ: فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا ومَا حَوْلَهَا، وإِنْ كَانَ مَايِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ، وأَبُو دَاوُدَ، وقَدْ حَكَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ وأَبُو حَاتِمٍ بِالْوَهْمِ.
792- وعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ والْكَلْبِ، فَقَالَ: "زَجَرَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ ذَلِكَ".
رَوَاهُ مُسْلِمٌ، والنَّسَائِيُّ، وزَادَ: "إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ".
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث فيما يتعلق بالبيع وشروطه، وما يُستثنى فيه، وما يصح من ذلك:
الحديث الأول: أن النبيَّ ﷺ نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن، وفي اللفظ الآخر: "ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث"، هذا يدل على تحريم بيع الكلاب، وهكذا الحديث الأخير: أن النبي ﷺ زجر عن ثمن السنور والكلب، ويدل على تحريم بيع الكلاب والهرّ، وزجر عن بيعها، ولو كان الكلبُ كلبَ صيدٍ؛ لأنَّ الحديث الصحيح ليس فيه استثناء، واستثناء النَّسائي غير صحيحٍ، فالكلب لا يُباع مطلقًا، سواء كان كلبَ صيدٍ، أو حرثٍ، أو ماشيةٍ، والهرّ كذلك مطلقًا لا يُباع، فثمنهما خبيثٌ.
كذلك مهر البغي، وهي الزانية، ما تُعطاه في مقابل الزنا خبيث وحرام؛ لأنه في مقابل فعل ما حرَّم الله من الزنا، فهو خبيثٌ منكرٌ، وهكذا حلوان الكاهن، وهو ما يُعطاه حتى يُخبر عن بعض المغيبات، يعطوه فلوسًا حتى يُخبرهم عمَّا يُريدون من أمور الغيب مما يكذبون ويتحيَّلون، ويستخدمون الجنَّ في ذلك، فهو محرَّمٌ ومنكرٌ وحرامٌ؛ لأنه وسيلةٌ إلى الشر، وإلى دعوى علم الغيب.
وحديث جابر في بيع بعيره: كان جابر على بعيرٍ قد أعياه: قد تعب، كان يتخلَّف عن الجيش، فرآه النبيُّ ﷺ، فزجر بعيره، فسار سيرًا حسنًا، ثم قال له النبيُّ ﷺ: بعنيه بأوقية، فقال جابر: لا، قال في روايةٍ: هو لك يا رسول الله، قال: لا، بعنيه .....، فردد عليه النبيُّ ﷺ: بأوقية، فباعه إياه بأوقية، وهي أربعون درهمًا، واشترط جابرٌ حملانه إلى المدينة.
وهذا التَّصرف من النبي ﷺ لبيان الأحكام، ماكسه وقَبِلَ الشرط لتعلم أمَّته هذا الحكم الشرعي، وأنه لا بأس بالمماكسة، وهي المكاسرة، يقول: بعني بكذا، وينزل منه، ويحاول، لا بأس، المشتري يقول: بكذا، والبائع يقول: بكذا، فلا حرج في المماكسة.
وفيه من الفوائد: أنه لا بأس أيضًا باشتراط البيع، أن يشترط ظهر المبيع إلى بلدٍ معينٍ، يقول له: أنا أبيعك السيارة، لكن بشرط أني أركبها إلى بلدي، أو أني أحمل عليها الحمل إلى بلدي، أو هذا البعير أحمل عليه إلى بلدي، لا بأس، النبي أقرَّ الشرط، هذا لا بأس به، يدل على أنَّ الجواز للبيع والشرط.
فلما وصل جابر إلى البلد أتاه بالبعير، فأعطاه النبيُّ ﷺ الثمن، وأرجح له، ثم أعطاه البعير وقال: خذ جملك والدراهم جميعًا، أتراني ماكستُك لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك، فدل على أنه ماكسه وكاسره لبيان الحكم الشرعي، حتى تتعلم الأمة هذا الحكم، ثم أعطاه البعير، وأعطاه الثمن فضلًا منه عليه الصلاة والسلام.
ففي هذا جوده، وكرمه، وحُسن خلقه عليه الصلاة والسلام، وجواز المماكسة والمكاسرة في البيع، وجواز الشرط، وجواز تأجيل الثمن، كل هذا يدل عليه الحديث، كما دلَّ عليه قوله جلَّ وعلا: إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]، يدل على جواز المداينة.
وفي حديث جابرٍ: الذي أعتق عبدًا له عن دبرٍ، ثم باعه النبيُّ ﷺ، يدل على أنه إذا أعتقه عن دبرٍ ما يلزم، فإذا قال: "عبدي فلان حرٌّ بعد موتي" له التَّصرف فيه، ولهذا باعه النبيُّ ﷺ، وقضى دينَه، وفي اللفظ الآخر: احتاج، فباعه النبيُّ ﷺ قال: خذ الثمن فاقضِ دَيْنَك، فدلَّ على أنَّ المعلَّق لا يثبت فيه العتق، فلو قال مثلًا: "عبدي حرٌّ إذا مِتُّ"، أو "إذا دخل رمضان"، ثم أراد أن يبيعه، يبيعه قبل أن يدخل رمضان، الله يفتح عليه، ما بعد جاء الأجل، فإذا قال: "عبدي حرٌّ بعد موتي"، يكون وصيةً، فإذا مات يكون من الثلث، أما إن باعه قبل الموت فلا بأس، وهكذا لو قال: "عبدي حرٌّ إذا دخل رمضان"، فباعه قبل رمضان، أو "عبدي حرٌّ إذا دخل شوال"، فباعه قبل شوال، فلا بأس.
والحديث الرابع حديث ميمونة، وحديث أبي هريرة: إذا وقعت الفأرةُ في السمن الجامد أمر النبي ﷺ أنها تُلقى وما حولها، ويُؤكل السَّمن، إذا وقعت فأرةٌ في سمنٍ، في تنكةٍ، في برميلٍ، في حوضٍ؛ تُلقى وما حولها، والصحيح سواء كان مائعًا أو جامدًا؛ لحديث أبي هريرة، مثلما قال، حكم عليه ابنُ أبي حاتم بالوهم، ضعيف التَّفصيل، فمتى وقعت الفأرةُ في الدهن -مائعًا أو جامدًا- تُلْقَى وما حولها، تأخذ الفأرة وما حولها، والباقي يكون طيبًا طاهرًا؛ لأنه لا شك فيه نجاسة الفأرة، اللهم إلا إذا طال الأمد، وتغيَّر كله بالريح الفطيسة ينجس، أما ما دام لم يتغير شيءٌ فهي تُلْقَى وما حولها، والحمد لله.
وحديث جابرٍ تقدَّم أنه يدل على تحريم بيع الكلب والسنور، وأنهما محرَّمان، الهرَّة ولو ربَّيتَها، ولو أحسنتَ إليها لا يجوز بيعها، وهكذا الكلب لو ربَّيتَه، وجعلتَه للصيد، وللزرع، أو الماشية لا يجوز بيعه؛ لأنه خبيثٌ، وثمنه خبيثٌ -نسأل الله السلامة.
وفَّق الله الجميع.
الأسئلة:
س: إذا قتل الرجلُ كلبَ الصيد لشخصٍ، هل يُعاقَب؟
ج: إذا قتله عمدًا يُعزَّر، لكن ما له قيمة.
س: وهل يُعزَّر بالمال؟
ج: يُعزَّر بالمال، وبالذي يراه الحاكم –القاضي- بالمال، أو بالضرب، أو بالسجن.
س: الكلب ما يُجعل له شيء؟
ج: لا، ما له قيمة.
س: كلب الصيد إذا استُغني عنه هل يُهْدَى؟
ج: الهدية لا بأس بها، أو أهدى الهرَّة لا بأس.
س: بيع المُدبر هل هو مطلقًا أم عند الحاجة؟
ج: بل مطلقًا؛ لأنه في ملكه حتى يأتي الوقتُ، مثل: لو أوصى ببيته أو نخله في وجوه البرِّ بعد الموت، له أن يرجع عن الوصيَّة.
س: مَن قال أن شراء الكلب ليس لذات الكلب، إنما للمنفعة المرجوة منه؟
ج: ولو، ولو، حتى الهرّ، الهر من أجل أن تُحارب الفأرَ في البيت، ما يجوز بيعها مطلقًا.
س: ولو أنه تعب في تعليمها؟
ج: بدل الكلب يُربِّي كلبًا آخر.
س: موجودٌ الآن كلاب للزينة، وتُشترى، هل يدخل؟
ج: لا، ما يجوز، لا للزينة، ولا غيرها.
س: شخصٌ له ستّ عبيدٍ، فأعتقهم، وليس له مالٌ غيرهم، بعد الموت هل توفى الوصية أو تخرج من الثلث فقط؟
ج: الثلث فقط، مثلما جاء عن النبي ﷺ أنه أعتق ثلثهم، وأرقّ الثلثين، أعتق عبدين، وأرق أربعةً.
س: وقول بعض الفقهاء: إذا اشترى المُدبر يكون عنده مُدبر؟
ج: لا، ما هو مدبر، يملكه بارك الله فيك، انتهى التَّدبير، بطل.
س: الكلب العقور الأفضل قتله؟
ج: نعم، السنة قتله، النبي ﷺ نهى عن قتل الكلاب إلا الكلب الأسود البهيم، والعقور، يُقتلان، الكلب الأسود شيطان، والعقور لأذاه وظلمه، والأسود شيطانٌ يُقتل.
س: هل ينذره أحسن الله إليك؟
ج: لا، ما في إنذار، العقور يُقتل، والأسود يُقتل بدون إنذارٍ.
س: قوله: وحلوان الكاهن يدخل فيه المُشعوذ وغيره؟
ج: كلهم مُشعوذون، سواء كاهن، أو عرَّاف، أو ساحر، كله ما يجوز؛ لأنه عوضٌ عن مُحرَّمٍ، أو طلب عند الغيب.
س: إذا اتَّفق صاحبُ التاكسي مع الفندق أو أحد المطاعم بأنه إذا أتى بزبائن يُعطيه مقابل الزبائن هؤلاء شيئًا؟
ج: ما فيه شيء، فقط عليه أن يتَّقي الله، لا يُحابي، وعلى صاحب التاكسي ألا يُحابي، لا يُحضرهم للفندق الغالي ويخلي الفندق الذي يُناسبهم، ويغُرُّهم ويخدعهم حتى يأخذ الفلوس، عليه أن يتَّقي الله.
س: بعض المحلات نفس الشيء، بعض المحلات سواء كان ملابس، أو أي شيءٍ، يُخبره صاحبُ التاكسي بأنه يُحضر له زبائن، ويُعطونه مقابلًا؟
ج: لا، خطأ، إن كان يتَّقي الله فلا بأس، وإلا ما يجوز؛ لأنه قد يُحابيهم ويُحضر لهم، ولو أنَّ غيرهم أرخص منهم، أما إذا كان يتحرى ويبحث عن الخير فلا بأس.
س: هل يُفرَّق بين السمن القليل والكثير المائع؟
ج: الشيء الذي تأتي فيه النَّجاسة ما يحتمل، القليل الذي فيه النَّجاسة ما يحتمل .....
س: النَّهي عن حلوان الكاهن هو للكاهن، أو أكل من ..؟
ج: مَن يدَّعي علم الغيب سواء كاهن، أو عرَّاف، أو مُنَجِّم، يعني: مَن يُشعوذ.
س: المقصود أنه يأتي أكل من هذا المال، أو النَّهي هو الذي كاهن؟
ج: لا يُعْطَى شيء، حرام.
793- وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: إني كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي، فَقُلْتُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ ويَكُون ولَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا فَقَالَتْ لَهُمْ، فَأَبَوْا عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَالِسٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ، فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: خُذِيهَا واشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها، ثم قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وأَثْنَى عَلَيْهِ، ثم قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فمَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تعالى، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وإِنْ كَانَ مِئَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، واللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
وَعِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ: اشْتَرِيهَا، وأَعْتِقِيهَا، واشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاء.
794- وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَهَى عُمَرُ عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، فَقَالَ: "لَا تُبَاعُ، ولَا تُوهَبُ، ولَا تُورَثُ، يَسْتَمْتِعُ بِهَا مَا بَدَا لَهُ، فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ".
رَوَاهُ مَالِكٌ، والْبَيْهَقِيُّ، وقَالَ: رَفَعَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ، فَوَهِمَ.
795- وعَنْ جَابِرٍ قَالَ: "كُنَّا نَبِيعُ سَرَارِيَنَا -أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ- والنَّبِيُّ ﷺ حَيٌّ، لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا".
رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وابْنُ مَاجَهْ، والدَّارَقُطْنِيُّ، وصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
الشيخ: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذا حديث عائشة في عتق المكاتب وغيره، يدل على أنَّ الولاء لمن أعتق، وأنَّ مَن شرط الولاء لنفسه مع البيع فإنَّ شرطه باطلٌ: قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، ولهذا قال: اشتريها، وأعتقيها، واشترطي لهم الولاء، فإنَّ الولاء لمن أعتق، ثم خطب الناس، وبيَّن لهم عليه الصلاة والسلام أن شرط الله أوثق، وقضاء الله أحقّ، وأنَّ الولاء لمن أعتق، وذلك يدل على أن الشروط التي تُخالف شرع الله تكون باطلةً، ولو شرطها الناس، فينبغي للمؤمن أن يحذر اشتراط شيءٍ شرع الله خلافَه، بل يكون تابعًا للشرع، ولا يحيد عمَّا يُوجبه الشرع.
وفيه دليلٌ على جواز بيع المكاتب، والبيع إلى أجلٍ، والتَّقسيط، فإنهم باعوها نفسها مقسطةً على تسع سنين، كل سنة أوقية، والأوقية: أربعون درهمًا، فدلَّ على جواز بيع الأجل، كما قال الله جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوه [البقرة:282]، وهو جائزٌ بالإجماع بنصِّ الآية الكريمة، وهكذا بالعتق: كون السيد يبيع مملوكه أو جاريته -يبيعها نفسها- إلى أجلٍ معلومٍ ثم تعتق لا بأس بذلك، وهذا معنى: فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا [النور:33].
وفيه جواز التَّقسيط، وكونه يشتري السلعة مُقسَّطةً: كسيارةٍ أو بيتٍ إلى آجالٍ متعددةٍ، فلا حرج في ذلك، سواء أراد بالسلعة الاستمتاع بها، أو بيعها لحاجةٍ من الحاجات، فالنصوص عامَّة، والله يقول: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275].
وفيه الإنكار على مَن خالف الشرع، وأنَّ الواجب على ولاة الأمور إنكار مَن خالف الشرع على رؤوس الأشهاد؛ حتى يعلم الناسُ الحكم الشرعي، ولهذا خطب الناس وبيَّن لهم الحكم الشرعي، حتى يكون البلاغُ أعمَّ.
الحديث الثاني: حديث عمر في أمّهات الأولاد، عمر رضي الله عنه لما استُخْلِفَ رأى أنَّ بيع أمهات الأولاد لا يجوز، وأنَّهن بعدما ولدنَ من ساداتهن يُعتقنَ بموت السادة، وتابعه الصحابةُ، وتابعه العلماء، وهو قول الأكثرية: أن الأَمَة متى مات سيدُها عتقت، وليس له بيعُها بعدما ولدت منه، لكن يستمتع بها، ولكن لا يبيعها، فإذا مات فهي حرَّة يُعتقها ولدها.
ويقول جابر: "كنا نبيع سرارينا -أمهات الأولاد- في عهد النبي ﷺ"، حتى نهى عمر عن ذلك رضي الله عنه، والمصلحة في ذلك أنه قد يضرُّها البيع، وقد يكون معها أولاد من سيدها فيضرها البيع، ويضرّ أولادها، تكون لعبةً في أيدي الناس، فرأى عمر أنها بعدما استولدها سيدُها تكون حرةً، مُعلِّقًا ذلك بموت السيد، وهو الذي عليه عمل المسلمين بعد عمر وأرضاه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسَّكوا بها، وعضُّوا عليها بالنَّواجذ.
والظاهر والله أعلم أنَّ عمر والصحابة عرفوا من النبي ﷺ أن إذنه في البيع إنما هو في حال عدم موت السيد، أما إذا مات السيدُ وقد استولدها فلا يمنع، وما هو محل نظرٍ، محل اجتهادٍ.
والأقرب والله أعلم أنه ينبغي العمل بقول الجمهور؛ رفقًا بأمهات الأولاد، وربما يكون معهن بنات أو أولاد فيضرهنَّ بيع أمهنَّ، وتنقلها في الناس.
فالحاصل أنَّ هذا هو قول الجمهور والأكثرين، والسبب والله أعلم مُراعاة المصلحة العامَّة من عمر والصحابة في زمانهم رضي الله عنهم.
والله ولي التوفيق.
الأسئلة:
س: .............؟
ج: ..... يعني: مُراغمة لهم، كالتنكيل لهم.
س: الولاء ما هو؟
ج: عصوبته، يعني: عصوبة الرقيق، إذا مات الرقيقُ وليس له ورثة يرثه المُعْتِق.
س: إذا جعل التَّقسيط عشرة أشهر فلم يفي، فكتب في العقد: إن جعلت اثني عشر شهرًا فأنا أزيد عليك المبلغ، هل يجوز؟
ج: لا، ما يصلح، هذا يكون ربًا، هذا إما أن تربي وإما أن تقضي.
س: هذا من باب الشرط الجزائي؟
ج: لا، ما يصلح هذا، هذا معناه زيادة في الدَّين.
س: الشرط الجزائي ما حكمه؟
ج: هذا تنزيلٌ، الشرط الجزائي تنزيلٌ من القيمة، عشرة آلاف، يقول: إذا تأخرت يومًا تأخَّر، أو خمسة أيام تأخَّر ينزل خمسين، ينزل مئة، ما هو بزيادةٍ عليه، نزول.
س: هو جائز؟
ج: نعم، على الصحيح؛ لأنه يحثُّه على العمل، وينفع صاحب الحاجة.
س: وأما الزيادة؟
ج: أما الزيادة فلا، تكون ربا الجاهلية، إما أن تُربي، وإما أن ...
س: حديث ابن عمر ما يُقال: حديث جابر كان في عهد النبي ﷺ ...؟
ج: مثلما تقدَّم، هذا اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
س: في وقت الرسول ﷺ هل هي حُرَّة بعد وفاته؟
ج: مَن هي؟
س: أمّهات الأولاد، قول عمر تكون حرةً؟
ج: هذا من اجتهاد الصحابة، يرى عمر أنَّ ولدها أعتقها، ذكرًا كان أو أنثى.
س: وقت الرسول؟
ج: كلام جابر يقتضى أنَّ وقت الرسول يُبَعْنَ، لكن محل نظر، يحتاج إلى مزيد عنايةٍ، الجمهور على قول عمر، على ما أفتى به عمرُ .
س: مَن لديه أعمال شاقَّة لا يستطيع الصوم، هل يلحق ..... يعني: على مدار السنة عنده عمل شاقّ، هل هذا بعذر؟
ج: لا، ما هو بعذرٍ، أحد عشر شهرًا تخدم شهرًا، يُخفف من أعماله الشاقَّة في رمضان مقابل أحد عشر شهرًا، عنده سعة، والإنسان يفتح باب شرٍّ ...
س: يعني ما يُعتبر عذر؟
ج: لا، ما هو بعذرٍ، لا بد أن يُخفف حتى يستطيع، أما لو كان ضرورةً مثل: خوف الموت، أو شيء مثل: ما وجد لقمةً تنقل إلا بإفطارٍ، هذا شيء ..... لو وجد ضرورة شيء ثانٍ.
س: لو كان الشخصُ ..... ومُورست عليه أعمال شاقَّة، وجاء إليه رمضان في مثل هذه الحالة ما يستطيع الصوم، هل يصوم؟ أو ماذا يصنع؟
ج: هذا شيء نادر، وإذا وجدت النَّوادر لا حكمَ لها: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، الله يقول: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، إذا وجد وما اسمه: تلاعب، ما فيه بأس فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.
س: في درس أمس قوله: "ورواه مسلم والنسائي، وزاد: إلا كلب صيد"، الزيادة؟
ج: ما هي صحيحة، تقدم التَّنبيه عليها، شاذَّة، مخالفة للأحاديث الصَّحيحة.
س: الزوجة إذا اشترطت على زوجها: لو ..... تزوج عليها فهي طالق، الخيار لها، هل هو وجيه؟ هل شرط مُخالف للشرع؟
ج: ..... لها الخيار، إذا اشترطت وتزوّج عليها فلها الخيار.
س: ما يُقال أنها خالفت الشرع؟
ج: المسلمون على شروطهم، يضرّها، والشرط ينفعها، والزواج يضرُّها، وصرح العلماء بأنَّ لها شرطها، إذا تزوج عليها فلها الخيار: إن شاءت سمحت، وإن شاءت فارقته، لا يحتاج طلاقًا، ولا يحتاج شيئًا.
س: والمُعْتِق لو أباح الولاء للمُشتري، واشترط الزيادة؟
ج: لا، البيع، يتَّفق معه على البيع؛ لأنه له أن يعجزها، إذا اشترط مع البيع ..... له أن يهون ويبيع بشيءٍ معلومٍ، بأقلّ أو بأكثر، لكن لا يشترط الولاء.
س: الأصل في التَّعدد أو الواحدة؟
ج: الأصل التَّعدد: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3]، هذا هو الأفضل؛ لما فيه من رحمة النساء، وكثرة النَّسل، وعفَّة النساء، وعفَّة الرجل أيضًا، كلما كان العددُ أكثر صار أعفَّ للجميع: للرجال وللنساء.
س: صلاة الجنازة: بعد تكبير الرابعة هل ورد شيء؟
ج: ما ورد شيء صحيح، ورد شيء ضعيف.