10/384-وعن مُعَاذٍ ، أَنَّ رَسُول اللَّه ﷺ، أَخَذَ بِيَدِهِ وَقالَ: يَا مُعَاذُ واللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ، ثُمَّ أُوصِيكَ يَا مُعاذُ لاَ تَدَعنَّ في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ تَقُولُ: اللَّهُم أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ، وحُسنِ عِبَادتِك. حديث صحيحٌ، رواه أَبُو داود والنسائي بإسناد صحيح.
11/385-وعن أَنسٍ، ، أَنَّ رَجُلًا كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَمَرَّ بِهِ رجل، فَقال: يا رسول اللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّ هَذا، فَقَالَ لَهُ النبيُّ ﷺ: أَأَعْلمتَهُ؟ قَالَ: لا قَالَ: أَعْلِمْهُ فَلَحِقَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّكَ في اللَّه، فقالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْببْتَنِي لَهُ. رواه أبو داود بإِسنادٍ صحيح.
الشيخ: هذان الحديثان في المحبة لله، وفي الذكر، وفي آخر الصلاة في الدعاء، آخر الصلاة فيهما فوائد.
في حديث معاذ الدلالة على تواضع النبي ﷺ وحسن خلقه ومعاشرته لأصحابه وتواضعه لهم، فيه أنه أخذ بيد معاذ، ومعاذ هذا هو ابن جبل من الأنصار من الخزرج ، من أهل العلم والبصيرة والتقدم في الخير قال: إني لأحبك ثم قال: لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك دعوة جامعة يستحب أن يقولها الإنسان في آخر كل صلاة قبل أن يسلم في الفريضة والنافلة هذه الدعوة المباركة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك دعوة كريمة جامعة يستحب أن يقولها قبل أن يسلم لأن الرسول ﷺ قال في حديث ابن مسعود بعدما علمه التشهد قال: ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو يعني قبل أن يسلم، وإن دعا بعد السلام وبعد الذكر فلا بأس، لكن قبل السلام أفضل.
وفي هذا أن الرسول ﷺ قال: إني لأحبك فدل على أن الإنسان إذا أحب إنسانا يخبره يقول: إني لأحبك في الله؛ لمزيد الصلة بينهما والتواضع والمحبة والتعاون والتواصي بالحق وصفاء القلوب، ويؤيد هذا الحديث الثاني أن رجلا قال للرسول ﷺ: إني أحب فلانا، فقال: أعلمته؟ قال: لا، قال: قم فأعلمه، فلما أعلمه قال: أحبك الذي أحببتني له، فهذا فيه فائدتان: إحداهما: شرعية المحبة في الله، وأن التحاب في الله من الأمور المطلوبة، وقد تقدم الحديث قوله ﷺ: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم رجلين تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، وتقدم حديث عنه ﷺ أنه قال: يقول الله يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي، وتقدم الحديث الآخر يقول الله سبحانه: وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاورين في، والمتباذلين في المتباذلين يعني الذين يبذلون العطية في المحبة في الله.
وفيه من الفوائد: أن الإنسان إذا قيل له: إني أحبك، يقول: أحبك الله الذي أحببتني له، إذا قال له: إني أحبك في الله، يجيبه ويقول: أحبك الله الذي أحببتني له، هذا هو المشروع.
ومن فوائد المحبة في الله التواصي بالحق والتناصح والتعاون على البر والتقوى، هذه من فوائد المحبة في الله، من فوائدها: أن المتحابين يتعاونون على الخير ويتواصون بالحق والصبر عليه، ويتآمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر، هذه من فوائد المحبة في الله. وفق الله الجميع.
47-باب علامات حب الله تَعَالَى للعبد والحثَّ عَلَى التخلق بِهَا والسعي في تحصيلها
قَالَ الله تَعَالَى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، وَقالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة:54].
1/386-وعن أَبي هريرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ: مَنْ عادَى ليَ ولِيًّا، فقدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، ومَا تَقَرَّبَ إِليَّ عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإذَا أَحْببْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، ويَدَهُ الَّتي يبْطِشُ بِهَا، وَرجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بِها، وإنْ سَأَلَني أَعْطَيْتُهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ رواه البخاري.
معنى آذَنْتُهُ: أَعْلَمْتُهُ بِأَنِّي مُحَارِبٌ لَهُ. وقوله: اسْتَعَاذَني روي بالباءِ وروي بالنون.
2/387- وعنه عن النَّبيّ ﷺ، قَالَ: إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ تَعَالَى العَبْدَ، نَادَى جِبْريل: إِنَّ اللَّه تَعَالَى يُحِبُّ فُلانًا، فَأَحْبِبْهُ، فَيُحبُّهُ جِبْريلَ، فَيُنَادى في أَهْلِ السَّمَاء: إِنَّ اللَّه يُحِبُّ فُلانًا، فَأَحِبوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوْضَعُ لَهُ القَبُولُ في الأَرْضِ متفقٌ عليه.
وفي رواية لمسلمٍ: قال رسولُ اللَّه ﷺ: إِنَّ اللَّه تَعَالَى إِذا أَحبَّ عبْدًا دَعا جِبْريلَ، فقال: إِنِّي أُحِبُّ فُلانًا فَأَحْبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْريلُ، ثُمَّ يُنَادِي في السَّماءِ، فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّه يُحِبُّ فُلانًا، فَأَحِبُّوهُ، فَيُحبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ في الأَرْضِ، وإِذا أَبْغَضَ عَبدًا دَعا جِبْريلَ، فَيَقولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلانًا، فَأَبْغِضْهُ، فَيُبْغِضُهُ جِبْريلُ، ثُمَّ يُنَادِي في أَهْلِ السَّماءِ: إِنَّ اللَّه يُبْغِضُ فُلانًا، فَأَبْغِضُوهُ، فَيُبْغِضُهُ أَهْلُ السَّماءِ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ البَغْضَاءُ في الأَرْضِ.
3/388-وعن عائشةَ رضي اللَّهُ عنها، أَن رَسُول اللَّه ﷺ، بعَثَ رَجُلًا عَلَى سرِيَّةٍ، فَكَانَ يَقْرأُ لأَصْحابِهِ في صلاتِهِمْ، فَيخْتِمُ بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] فَلَمَّا رَجَعُوا، ذَكَروا ذلكَ لرسولِ اللَّه ﷺ، فَقَالَ: سَلُوهُ لأِيِّ شَيءٍ يَصْنَعُ ذلكَ؟ فَسَأَلوه، فَقَالَ: لأنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّه تعالى يُحبُّهُ متفقٌ عليه.
الشيخ: هذه الآيات والأحاديث فيما يتعلق بحب الله ، وأنه ينبغي للمؤمن أن يجتهد في الأسباب التي تكون سببا لمحبة الله ، وذلك باستقامته على طاعة الله، وتركه لمعاصي الله، من استقام على دين الله أحبه الله، فهو يحب المؤمنين ويحب المتقين جل وعلا، ويحب المحسنين، فمن اتقى ربه واستقام على دينه فهو من أحباب الله، قال الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54] يعني أنهم متواضعين لأهل الإيمان، ضد أهل الكفر والنفاق فهم للمؤمنين أذلة متواضعون، ولأعداء الله حرب لهم، ومع هذا يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ [المائدة:54] لحبهم لله يجاهدون في سبيله، وقال جل وعلا: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31] فاتباع النبي ﷺ والسير على سنته من أعظم الأسباب في محبة الله للعبد.
والمقصود أن العبد إذا استقام على دين الله واتبع شريعة الله فهو من أحباب الله، كل مؤمن هكذا، كل مؤمن من أحباب الله، فهو سبحانه يحب المؤمنين، ويحب المتقين، ويحب المحسنين، ويحب الصادقين.
وفي الحديث يقول ﷺ: يقول الله جل وعلا: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب يعني من عادى مؤمنا لأن أولياء الله هم المؤمنون أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63] فأولياء الله هم المؤمنون، هم أهل التقوى، فمن عاداهم فقد عادى الله، من عاداهم وأبغضهم فقد عادى الله، من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب يعني أعلمته بالحرب، يعني فهو عدو الله، فمن عادى المؤمنين فقد عادى الله، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه أحب شيء إلى الله جل وعلا أن تتقرب إليه بالواجبات بما فرض عليك، هذا أحب شيء، والتطوع بعد ذلك، فأحب شيء إلى الله أن تقرب إليه بما فرضه عليك من صلاة وزكاة وصوم وحج وترك المعاصي، فإذا زاد على العبد على ذلك وتقرب بالنوافل صارت المحبة أكمل وأكثر، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به يعني حتى أحبه المحبة الكاملة فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها معناه يعني أنه يوفق في هذا كما في الرواية الأخرى فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي لأن الله يوفقه في سمعه وبصره وأخذه وعطائه ومشيه، هذا معنى كنت سمعه، يعني: فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، يعني أن الله يسدده ويوفقه في أعماله، وإن استعاذني لأعيذنه، ولئن سألني لأعطينه فجدير بالمؤمن أن يتقرب إلى الله بالنوافل مع الفرائض، وأن يحذر ما حرم الله عليه حتى يكون من أحباب الله، من المؤمنين ومن المتقين المحبوبين لله جل وعلا.
ويقول ﷺ: إن الله إذا أحب عبدا نادى جبرائيل فقال: إن الله يحب فلانا فأحبه، فيحبه جبرائيل، ثم ينادي في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم توضع له المحبة في الأرض والعكس بالعكس إذا أبغض عبدا قال الله لجبرائيل: إني أبغض فلانا فيبغضه جبرائيل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض نسأل الله العافية.
فأسباب محبة الله تقواه والإيمان به، وطاعته وطاعة رسوله، وأسباب البغضاء معاصي الله ومخالفة أمره، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فجدير بالمؤمن أن يتحرى الخير، وأن يجتهد في طاعة الله ورسوله، وأن يحرص على أسباب محبة الله له، وأن يبتعد عما حرم الله عليه، وعن المعاصي التي تبغضه إلى الله .
وفي الحديث الثالث: أن بعض الأمراء كان يصلي بأصحابه صلواتهم ويختم كل قراءة بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ كل ركعة يختمها بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فقيل له في ذلك، فقال: إني أحبها، فرفعوا الأمر إلى النبي ﷺ وأخبروه، فقال: إن الله يحبه فهذا يدل على جواز قراءة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ في الركعات مع القراءة التي يقرأها الإنسان، وأن الإنسان إذا قرأها محبة لله لأنها وصف الله، وهي ثلث القرآن، فمن قرأها محبة لها وتعظيما لها كان هذا من أسباب محبة الله له، في صلاته وفي غير صلاة، أخبر النبي ﷺ أنها تعدل ثلث القرآن، وكلها ممحضة لصفة الله قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4]، ولهذا يقال لها سورة الإخلاص لأنها ممحضة مخلصة لوصف الله .
48- باب التحذير من إيذاء الصالحين والضعفة والمساكين
قَالَ الله تَعَالَى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب:58]، وَقالَ تَعَالَى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ [الضحى:9-10].
وأما الأحاديث فكثيرة مِنْهَا:
حديث أَبي هريرة ، في الباب قبل هَذَا: مَنْ عَادَى لِي وليًا فقد آذنته بالحرب.
ومنها حديث سعد بن أَبي وَقَّاص، السابق في "باب ملاطفة اليتيم"، وقوله ﷺ: يَا أَبَا بَكْرٍ لَئِنْ كُنْتَ أغْضَبْتَهُمْ، لَقَدْ أغْضَبْتَ رَبَّكَ.
1/389-وعن جُنَدَبِ بنِ عبداللَّه قال: قالَ رسول اللَّه ﷺ: مَنْ صَلَّى صَلاَةَ الصُّبْحِ، فَهُوَ في ذِمَّةِ اللَّه، فَلا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيءٍ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيءٍ، يُدْرِكْهُ، ثُمَّ يَكُبُّهُ عَلى وَجْهِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ رواه مسلم.
الشيخ: هذه الأحاديث والآيتان الكريمتان كلها فيما يتعلق باحترام المسلم، ولاسيما أهل الخير والصلاح، ولاسيما أيضا الضعفاء والمساكين، فالواجب إكرامهم والإحسان إليهم ورحمة حالهم وعدم إيذائهم، فالله جل وعلا حرم إيذاء المسلم، وحرم الظلم فقال عليه الصلاة والسلام: كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه، والله يقول في كتابه المبين وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب:58] فالإيذاء يكون بالكلام السيئ، ويكون بالفعل السيئ، وقال جل وعلا: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ [الضحى:9-10].
فعليك يا عبد الله أن تجتهد في إكرام إخوانك، والإحسان إليهم، وتقديرهم وعدم التكبر عليهم، وإيذائهم، يقول ﷺ لأبي بكر: لئن كنت أغضبتهم يعني فقراء المهاجرين لقد أغضبت ربك فالمؤمن يتقي الله، ويراقب الله، ويحذر أن يؤذي أحدا من المسلمين بشيء، ويقول ﷺ: من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله بشيء من ذمته، فإنه من طلبه يدركه، ومن يدركه يكبه في النار والمعنى أن المسلم في ذمة الله، وفي حرمة الله، وفي أمان الله، وهكذا المسلمة، وإن كان غير يتيم ولا فقير كل في ذمة الله جل وعلا، ولهم حرمة الإيمان والإسلام، فلا يجوز للمؤمن أن يؤذي أحدا من المسلمين بشيء، لا في ماله، ولا في عرضه، ولا في بدنه كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه، ولا يجوز أيضا أن يتسبب في ذلك عند غيره، وأن يتسبب في ظلم الغير بكلامه أو غيره، فلا يظلم بنفسه ولا يتسبب في ظلم غيره، وليكن بعيدا عن ذلك، يحب الخير لإخوانه المسلمين، ويكره لهم الشر، ويسعى فيما ينفعهم، ويبتعد عما يضرهم. وفق الله الجميع.
49-باب إجراء أحكام الناس على الظاهر وسرائرهم إِلَى الله تَعَالَى
قَالَ الله تَعَالَى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5].
1/390-وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما، أَن رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤتوا الزَّكاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلكَ، عَصمُوا مِنِّي دِماءَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلامِ، وحِسابُهُمْ عَلى اللَّه تَعَالَى متفقٌ عَلَيهِ.
2/391-وعن أَبي عبداللَّه طَارِقِ بن أُشَيْمٍ، ، قَالَ: سمعتُ رسولَ اللَّه ﷺ يَقُولُ: مَنْ قالَ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَكَفَرَ بِما يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، حَرُمَ مالُهُ وَدَمُهُ، وَحِسابُهُ عَلَى اللَّه تَعَالَى رواه مسلم.
3/392-وعن أَبي مَعْبدٍ المقْدَادِ بنِ الأَسْوَدِ، ، قَالَ: قُلْتُ لرِسُولِ اللَّه ﷺ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَقيتُ رَجُلًا مِنَ الكُفَّارِ، فَاقْتَتَلْنَا، فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ، فَقَطَعهَا ثُمَّ لاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ، فَقَالَ: أَسْلَمْتُ للَّهِ، أَأَقْتُلُهُ يَا رسولَ اللَّه بَعْدَ أَنْ قَالَها؟ فَقَالَ: لا تَقْتُلْهُ، فَقُلْتُ يَا رسُولَ اللَّهِ قطعَ إِحدَى يَدَيَّ، ثُمَّ قَالَ ذلكَ بَعْدَما قَطعَها؟ فَقَالَ: لا تَقْتُلْهُ، فِإِنْ قَتَلْتَهُ، فَإِنَّهُ بِمنَزِلَتِكَ قَبْلَ أنْ تَقْتُلَهُ، وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ التي قَالَ متفقٌ عَلَيهِ.
ومعنى إِنَّهُ بِمَنْزِلَتِك أَيْ: مَعْصُومُ الدَّمِ مَحْكُومٌ بِإِسْلامِهِ، ومعنى إنَّكَ بِمَنْزِلَته أَيْ: مُبَاحُ الدَّمِ بِالْقِصَاص لِوَرَثَتِهِ، لا أَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ في الْكُفْرِ، واللَّه أعلم.
الشيخ: هذه الأحاديث مع الآية الكريمة فيها الدلالة على أنه يجب على ولاة الأمور وعلى جميع المسلمين إجراء الأمور على الظواهر، وأخذ الناس بما ظهر من أعمالهم، أما البواطن فإلى الله، أما أحوال القلوب فالله الذي يعلمها ويؤاخذ بها جل وعلا ويثيب، أما الناس في الدنيا فالواجب أن تبنى أمورهم على الظواهر، ما ظهر منهم من أقوالهم وأعمالهم تبنى عليها الأحكام من خير وشر، قال تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة:5] يعني قد أظهروا الإسلام فيخلى سبيلهم لا يقاتلون، ويؤمرون ببقية أمور الإسلام، وهكذا في الآية الأخرى فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11] يعني حتى يتبين منهم خلاف ذلك فيؤمرون بالحج، يؤمرون ببر الوالدين، يؤمرون بترك الفواحش، بترك الربا إلى غير ذلك.
وهكذا حديث طارق بن الأشيم يقول عن النبي ﷺ أنه قال: من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون حرم ماله ودمه، وحسابه على الله يعني من أظهر التوحيد والإخلاص لله وترك الشرك وكفر بما يعبد من دون الله، يعني أنكر عبادة غير الله وكفر بها وأنكرها فهو مسلم يكف عنه، وحساب قلبه إلى الله، ويؤمر بما أمر به الإسلام من صلاة وزكاة وغير ذلك، وينهى عما نهى عنه الإسلام، وهكذا حديث ابن عمر يقول النبي ﷺ: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله يعني يؤمرون ببقية حق الإسلام من الصوم، والحج، وبر الوالدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترك سائر المعاصي، وهكذا جاء في المعنى حديث معاذ بما بعثه الرسول إلى اليمن قال له: إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم الحديث، وهكذا حديث المقداد بن الأسود سأل النبي ﷺ أنه يقاتل الرجل في سبيل الله، فيقطع الكافر يده بالسيف ثم يلوذ عنه بشجرة أو غيرها، ويقول: أسلمت لله، أو يقول: لا إله إلا الله هل أكف عنه أو أقاتله؟ قال النبي ﷺ: كف عنه بعدما أظهر الإسلام كف عنه مثلما قال لأسامة: أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله.
فالكافر إذا كان لا يقولها، ثم قالها يكف عنه، فإن استقام على الإسلام فالحمد لله، وإلا عومل معاملة المرتدين إذا ارتد عن ذلك، فإذا قتله بعد أسلم صار بمنزلته قبل أن يقول ما قال، يعني حلال الدم على سبيل القصاص، وصار المقتول بمنزلته قبل أن يقتله لأنه أسلم، فالحاصل: أن الواجب على المسلمين أن يأخذوا الناس بالظواهر، وأن من أظهر الإسلام ودخل في دين الله يكف عنه ولا يقتل حتى يتبين أمره، فإذا تبين أنه قالها كذبا وظهر منه الردة يعامل معاملة المرتدين، وإلا فالأصل وجوب قبول إسلامه وتشجيعه على الخير وترغيبه في الخير حتى يستقيم، وفق الله الجميع.
4/393-وعن أُسامةَ بنِ زَيْدٍ، رضي اللَّه عنهما، قَالَ: بعثَنَا رسولُ اللَّه ﷺ إِلَى الحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَصَبَّحْنا الْقَوْمَ عَلى مِياهِهمْ، وَلحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلًا مِنهُمْ فَلَمَّا غَشِيناهُ قَالَ: لاَ إِلهِ إلاَّ اللَّه، فَكَفَّ عَنْهُ الأَنْصارِيُّ، وَطَعَنْتُهُ بِرْمِحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدينَةَ، بلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ لِي: يَا أُسامةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ؟ قلتُ: يَا رسولَ اللَّه إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا، فَقَالَ: أَقًتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ؟، فَما زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذلِكَ الْيَوْمِ. متفقٌ عَلَيهِ.
وفي روايةٍ: فَقالَ رسولُ اللَّه ﷺ: أَقَالَ: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟، قلتُ: يَا رسولَ اللَّهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلاحِ، قَالَ: أَفَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لا؟، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَؤْمئذٍ.
الحُرَقَةُ بضم الحاءِ المهملة وفتح الراءِ: بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ القَبِيلةُ المَعْرُوفَةُ، وقوله مُتَعَوِّذًا: أيْ مُعْتَصِمًا بِهَا مِنَ القَتْلِ لاَ معْتَقِدًا لَهَا.
5/394-وعن جُنْدبِ بنِ عبد اللَّه، ، أَنَّ رسولَ اللَّه ﷺ بعثَ بعْثًا مِنَ المُسْلِمِينَ إِلى قَوْمٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، وَأَنَّهُمْ الْتَقَوْا، فَكَانَ رَجُلٌ مِنَ المُشْرِكِينَ إِذا شَاءَ أَنْ يَقْصِدَ إِلى رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ قَصَدَ لَهُ فَقَتَلَهُ، وَأَنَّ رَجُلًا مِنَ المُسْلِمِينَ قَصَدَ غفلته، وَكُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَلمَّا رَفَعَ عَلَيهِ السَّيْفَ، قَالَ: لا إِله إِلاَّ اللَّهُ، فقَتَلَهُ، فَجَاءَ الْبَشِيرُ إِلى رَسُول اللَّه ﷺ، فَسَأَلَهُ، وأَخْبَرَهُ، حَتَّى أَخْبَرَهُ خَبَر الرَّجُلِ كَيْفَ صنَعَ، فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: لِمَ قَتَلْتَهُ؟ فَقَالَ: يَا رسولَ اللَّهِ أَوْجَعَ في المُسْلِمِينَ، وقَتلَ فُلانًا وفُلانًا وسَمَّى لَهُ نَفرًا وإِنِّي حَمَلتْ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى السَّيْفَ قَالَ: لا إِله إِلاَّ اللَّهُ. قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: أَقَتَلْتَهُ؟ قَالَ: نَعمْ، قَالَ: فَكيْفَ تَصْنَعُ بلاَ إِله إِلاَّ اللَّهُ، إِذا جاءَت يوْمَ القيامَةِ؟ قَال: يَا رسولَ اللَّه اسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ: وكيفْ تَصْنَعُ بِلا إِله إِلاَّ اللَّهُ، إِذا جاءَت يَوْمَ القِيامَةِ؟ فَجَعَلَ لاَ يَزيدُ عَلى أَنْ يَقُولَ: كيفَ تَصْنَعُ بِلا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ إِذَا جاءَتْ يَوْمَ القِيامَةِ رواه مسلم.
6/395- وعن عبداللَّه بنِ عتبة بن مسعودٍ قَالَ: سمِعْتُ عُمَر بْنَ الخَطَّابِ، يقولُ: "إِنَّ نَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بالوَحْي في عَهْدِ رَسُول اللَّه ﷺ، وإِنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِما ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنا خَيْرًا، أَمَّنَّاهُ، وقرَّبناه وَلَيْس لنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شيءٌ، اللَّهُ يُحاسِبُهُ فِي سرِيرَتِهِ، ومَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا، لَمْ نأْمنْهُ، وَلَمْ نُصَدِّقْهُ وإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَه حَسنَةٌ" رواه البخاري.
الشيخ: هذه الأحاديث الثلاثة كلها تدل على وجوب الأخذ بالظواهر، وأن من أظهر الإسلام واتبع الحق وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يوجب ردته أو يوجب إقامة حد عليه، فالناس يؤخذون بالظواهر والبواطن إلى الله جل وعلا كما تقدم في حديث ابن عمر: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله.
فالواجب على أهل الإسلام وعلى المجاهدين أن يتحروا الحق، من أظهر الإسلام من العدو وجب الكف عنه حتى يعلم أمره، فإذا تلاقي الفريقان وأظهر بعض العدو كلمة التوحيد سواء كان عند اللقاء أو قبل اللقاء فإنه يكف عنه حتى يتبين أمره، إذا كان صادقا تبين أمره، وإذا كان كاذبا تبين أمره، ولهذا أنكر النبي ﷺ على أسامة لما حمل على الرجل من جهينة، فقال الرجل: لا إله إلا الله، فكف عنه الأنصاري وقتله أسامة، أنكر عليه النبي ﷺ، قال: أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟ كررها عليه كيف لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟ المقصود أن من أظهر الإسلام وهو لا يتكلم بلا إله إلا الله قبل هذا يكف عنه، أما مشركو اليوم عباد البدوي وعباد أشباهه هؤلاء يقولون: لا إله إلا الله، وهم يعبدون غير الله، ما تنفعهم لا إله إلا الله لأنهم أبطلوها بشركهم وكفرهم، وتعلقهم على غير الله من أصحاب القبور والجن وغير ذلك، أما من كان لا يقولها مثل كفار قريش، كفار العرب في أول الإسلام ما يقولونها، ومن قالها دخل في الإسلام. المقصود أن من أظهر الإسلام وقال: تبت أو أنا مسلم، أو رجعت عما عليه من الباطل، لا يستعجل عليه حتى ينظر في أمره، فإن كان صادقا فالحمد لله، وإن كان كاذبا صار مرتدا يعامل معاملة المرتدين، يقول النبي ﷺ: من بدل دينه فاقتلوه فإذا بدل دينه وأظهر ضد ما أقر به صار مرتدا.
وهكذا قول عمر : كان الناس يؤخذون بالوحي في عهد النبي ﷺ، ينزل فيهم الوحي وإن الوحي قد انقطع يعني بموت النبي ﷺ، لما مات النبي انقطع الوحي لأنه خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر من أعمالكم، يقول عمر للناس: نأخذكم بما ظهر من أعمالكم، فمن أظهر خيرا أمناه وقربناه على ما ظهر منه الخير، ومن أظهر شرا لم نأمنه ولم نصدقه وإن زعم أن باطنه طيب، فالعمدة على الظواهر، الناس يحاسبون على ظواهرهم وليس على القلوب، القلوب إلى الله هو الذي يعلم ما فيها ، فمن أظهر الخير والصلاح والاستقامة حكم له بالخير، ومن أظهر الشر والفسق والمعاصي كان من أهلها، ولا يجوز الحكم على القلوب لأن هذا إلى الله ، وإنما يجب على أهل الإسلام سواء من حكومات وغير الحكومات، الواجب على أهل الإسلام الأخذ بالظواهر حتى يبين خلاف ذلك، وفق الله الجميع.
50-باب الخوف
قَالَ الله تَعَالَى: وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [البقرة:40]، وَقالَ تَعَالَى: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ [البروج:12]، وَقالَ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ [هود:102-106]، وَقالَ تَعَالَى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران:28]، وَقالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيه وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه [عبس:34-37]، وَقالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:1-2]، وَقالَ تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46]، وَقالَ تَعَالَى: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [الطور:25-28]، وَالآيات في الباب كثيرة جدًا معلومات، والغرض الإشارة إِلَى بعضها وقد حصل.
وأما الأحاديث فكثيرة جدًا، فنذكر مِنْهَا طرفًا، وبالله التوفيق.
1/396- عن ابنِ مسعودٍ، ، قَالَ: حدثنا رسولُ اللَّه ﷺ، وَهُوَ الصَّادِقُ المصدوقُ: إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْن أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مثْلَ ذلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ، فَيَنْفُخُ فِيهِ الرَّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِماتٍ: بِكَتْبِ رِزقِةِ، وَأَجلِهِ، وَعمَلِهِ، وَشَقيٌّ أَوْ سعِيدٌ. فَوَ الَّذِي لا إِله غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وبَيْنَهَا إِلاَّ ذِراعٌ، فَيَسْبقُ عَلَيْهِ الْكِتابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْل النَّارِ، فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا متفقٌ عَلَيهِ.
2/397-وعنه قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا رواه مسلم.
3/398-وعن النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ، رضي اللَّه عنهما، قَالَ: سمِعتُ رسولَ اللَّه ﷺ، يقول: إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيامَة لَرَجُلٌ يُوضَعُ في أَخْمَصِ قَدميْهِ جمْرَتَانِ يغْلي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ مَا يَرى أَنَّ أَحدًا أَشَدُّ مِنْه عَذَابًا، وَإِنَّه لأَهْونُهُمْ عذَابًا مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
الشيخ: فهذه الآيات الكريمات والأحاديث النبوية كلها تدل على وجوب الخوف من الله، وخشيته ، ومراقبته والحذر مما يغضبه جل وعلا؛ لأن الله خلق الخلق ليعبدوه، ووعدهم على ذلك الجنة والكرامة، وحذرهم من الشرك به وعبادة غيره، ووعدهم على ذلك بالنار والغضب من الله.
فالواجب على جميع المكلفين أن يخافون خوفا صادقا يحملهم على أداء الفرائض وترك المحارم، هذا هو الخوف الصادق، هذا هو الخوف المطلوب أن يخافوا ربهم خوفا صحيحا يحملهم على أداء الفرائض وترك المحارم، وأن يرجوه رجاء صحيحا صادقا يحملهم على أداء الواجبات وترك المحارم وحسن الظن بالله، وهذه الدار هي دار العمل، والله ابتلاهم فيها بالشر والخير، والسراء والضراء، والصحة والمرض، ودعاة الباطل ودعاة الخير، فالواجب على كل مكلف أن يحذر دعاة الباطل، وأن يحذر النفس الأمارة بالسوء، وأن يستقيم على الحق، وأن يخاف مقامه بين يدي الله حتى يؤديه حقه، ويبتعد عن مساخطه ، يقول جل وعلا: فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [النحل:51] يعني يخافون، ويقول سبحانه: فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175]، ويقول: فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ [المائدة:44]، ويقول جل وعلا: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ [البروج:12]، ويقول سبحانه: ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ [إبراهيم:14]، وقال جل وعلا إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ [البروج:12-13]، ويقول جل وعلا: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]، ويقول سبحانه: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46].
فالواجب على كل مكلف من الرجال والنساء، من الجن والإنس أن يخاف الله، أن يراقب الله، أن يخشاه سبحانه خشية حقيقية، خشية صادقة من قلبه تحمله على أداء فرائض الله، وعلى ترك محارم الله، ولهذا علق عليها الجنة، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [الملك:12] لأن الخشية الصادقة تحمل على أداء الفرائض وترك المحارم، فيستحق صاحبها المغفرة والجنة، وقال: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46] علق دخول الجنة بخوفه، وما ذاك إلا لأن الخوف الصادق يحمل على أداء الفرائض وترك المحارم، فيكون صاحبه من أهل الجنة.
وفي الباب حديث ابن مسعود في الصحيحين يقول ﷺ: إن خلق ابن آدم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة مني أول نطفة وهي المني، ثم هذه النطفة تحول إلى علقة دم في أربعين أخرى، ثم هذه العلقة وهي الدم تكون مضغة لحمة في الأربعين الثالثة، وفيها التخطيط في هذه اللحمة، تخطيط يده ورجله وأمعائه وقلبه ورأسه وغير ذلك، فإذا تم عليه مائة وعشرون نفخت فيه الروح وأرسل الله إليه الملك بأربع كلمات: رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فأنت في بطن أمك قد كتب لك هذا: أجلك، وعملك، وشقاوتك وسعادتك، ورزقك، فعليك بالجد في طاعة ربك، والاستقامة على أمره، والحذر مما نهى عنه، وفي هذا الحديث: أن الرجل قد يعمل بعمل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا الشيء اليسير إلا الذراع، ثم والعياذ بالله يختم له بخاتمة السوء، يعمل أعمالا خبيثة عند الموت، ويختم عليه بها ويموت من أهل النار، نسأل الله العافية، وقد يكون عاملا بعمل أهل النار الدهر الطويل، ثم يمن الله عليه بالتوبة عند أجله، عند قرب أجله فيموت على توبة صادقة فيكون من أهل الجنة، فعلى المؤمن أن يحذر شر نفسه وهواه، ويجاهد نفسه في طاعة ربه لعله ينجو، لعله يسلم، لا بد من مجاهدة، ولا بد من صبر، لا بد من عناية.
كذلك فيه ذكر جهنم، وأنه يؤتى بها يوم القيامة لها سبعون ألف زمام، خطام تجر تبرز للناس، قال تعالى: وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ [الشعراء:91]، وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى [النازعات:36] تبرز يوم القيامة، يراها الناس لها سبعون ألف خطام، ألف زمام، كل زمام بيد سبعين ألف ملك يجرونها، سبعين ألف في الزمام الواحد، فكم ألف يجرها لعظمها وبعد قعرها والعياذ بالله، فعليك يا عبد الله أن تحذر هذه النار التي حذرك الله منها، وأن تبتعد عن أسبابها، فالله أعدها للأشقياء، للكفرة، وقد يدخلها بعض العصاة بذنوبهم دخولا مؤقتا، وبعد أن يطهروا ويمحصوا يخرجون منها، فاحذرها بالتوبة والعمل الصالح والاجتهاد في طاعة الله، والاستقامة على دين الله، والحذر مما يغضب الله ، فالنار حقيقة، ولا بد أن تمر عليها وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مريم:71-72]، فهي مرصدة للطاغين للضالين للهالكين يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ق:30]، فالواجب عليك يا عبد الله، وعلى كل أنثى، وعلى جميع العرب والعجم، والجن والإنس، الواجب على الجميع الحذر بطاعة الله، وتقوى الله، وخوفه سبحانه، والابتعاد عن معصيته، هذا هو طريق النجاة، هذا هو سبيل النجاة.
كذلك حديث: إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة من يوضع على أخمص قدميه جمرتان من نار يغلي منهما دماغه فهو يرى أنه أشد الناس عذابا وهو أهونهم عذابا، وفي بعض الروايات: إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة أبو طالب، وإنه لينعل نعلين من النار يغلي منهما دماغه. المقصود: أن هذا الصنف من أهون الناس عذابا من يكون له نعلان من نار، أو جمرتان على قدميه من نار، أو قدماه في النار، هذا أهونهم عذابا، فكيف بمن يصلاها من جميع جوانبه، من فوقه، ومن تحته، وتغمره غمرة نسأل الله العافية، كلهم بشر، كلهم بشر، ولكنهم يتفاوتون، فالواجب الحذر، وقد حذرك الله منها في كتابه العظيم القرآن، وهو أصدق الكلام، وأفضل الكلام، كلام الرب ، فاحذرها بماذا؟ بتوحيد الله وطاعته، والحذر من معصيته، وعليك أن تضرع إلى الله، وأن تسأله كثيرا أن يعينك على ذلك، وأن يمنحك التوفيق، وأن يعيذك من النار، وعملها وصحبة أهلها، استجر بالله واضرع إليه وتوجه إليه بقلب صادق، وهو الذي يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186] نسأل الله للجميع التوفيق والعافية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
4/399-وعن سمُرةَ بنِ جُنْدبٍ، ، أَن نبيَّ اللَّه ﷺ قَالَ: مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذهُ النَّارُ إِلى كَعْبَيهِ، ومِنْهُمْ منْ تأْخُذُهُ إِلى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ منْ تَأْخُذُهُ إِلى حُجْزتِهِ، وِمِنْهُمْ منْ تَأْخُذُهُ إِلى تَرْقُوَتِهِ رواه مسلم.
"الحُجْزَةُ": مَعْقِدُ الإِزارِ تحْتَ السُّرَّةِ. وَ التَّرْقُوَةُ بفتحِ التاءِ وضم القاف: هِي العظْمُ الذِي عِندَ ثُغْرةِ النَّحْرِ، وللإِنْسَانِ ترْقُوَتانِ في جَانِبَي النَّحْرِ.
5/400-وعن ابنِ عمر رضي اللَّه عنهما أنَّ رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العالمِينَ حَتَّى يَغِيب أَحدُهُمْ في رَشْحِهِ إِلى أَنْصَافِ أُذُنَيه متفقٌ عَلَيهِ.
و الرَّشْحُ العرَقُ.
6/401-وعن أَنس، ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسول اللَّه ﷺ، خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ، فَقَالَ: لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قلِيلا ولبَكيْتمْ كَثِيرًا فَغَطَّى أَصْحابُ رسولِ اللَّهِ ﷺ وجُوهَهمْ، وَلهُمْ خَنينٌ. متفقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية: بَلَغَ رسولَ اللَّه ﷺ عَنْ أَصْحابِهِ شَيءٌ فَخَطَبَ، فَقَالَ: عُرضَتْ عَلَيَّ الجنَّةُ والنَّارُ، فَلَمْ أَر كَاليَوْمِ في الخَيْر وَالشَّرِّ، ولَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعلَمُ لَضحِكْتُمْ قلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا فَما أتَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُول اللَّه ﷺ يوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُ غَطَّوْا رُؤُسهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ.
الخَنِينُ بِالخاءِ المعجمة: هُوَ البُكَاءُ مَعَ غُنَّةٍ وَانْتِشَاقُ الصَّوتِ مِنَ الأَنْفِ.
الشيخ: هذه الأحاديث كالتي قبلها في التحذير من التساهل والغفلة والإعراض، وأن الواجب على المؤمن أن يحذر الله، وأن يخافه، وأن يتذكر موقفه يوم القيامة، وأهوال يوم القيامة، وأهوال النار وما فيها من الأخطار، حتى يستعد للقاء الله، حتى يتأهب للقاء الله، حتى يكون عنده من العناية والحرص على أداء فرائض الله، وترك محارم الله، ما يحسبه على الصبر والثبات والاستقامة، فالنار أمرها خطير، وشرها عظيم، بين الله شأنها في كتابه العظيم إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا لِلطَّاغِينَ مَآبًا لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا [النبأ:21-25] المقصود أن شرها عظيم وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فاطر:37]، ويقول سبحانه: كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [الإسراء:97]، ويقول : فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا [النبأ:30].
وفي حديث سمرة أن بعض العصاة تأخذه النار إلى قدمه، إلى ركبته، إلى حجزته، إلى ترقوته، أما الكفار فتغشاهم تغمرهم النار لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى [الليل:15-16] يعني الذي تغمره النار غمرا، العصاة على خطر عظيم من دخول النار، فمنهم من تأخذه النار إلى قدميه كما في الحديث الصحيح: إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة من يوضع على قدميه جمرتان من نار يغلي منهما دماغه، وفي اللفظ الآخر: من يكون له نعلان من النار يغلي منهما دماغه، ومنهم من تأخذه النار فوق ذلك إلى الركبة، إلى الوسط، إلى الترقوة على حسب أعمالهم الخبيثة التي ماتوا عليها، أما الكفار فتغمرهم النار والعياذ بالله، ويخلدون فيها أبد الآباد، أما العصاة فيدخلونها إلا من رحم الله، إلا من عفا الله عنه، وبعد التطهير والتمحيص فيها يخرجهم الله من النار، ويشفع فيهم النبي ﷺ، ويشفع فيهم الشفعاء، وبقيتهم يخرجهم الله من النار بغير شفاعة أحد، ولا يخلد في النار إلا الكفرة، لا يخلد فيها إلا من كفر بالله، ثم يصيبهم أيضا من الهم والغم العظيم حتى يعظم العرق، حتى يغشاهم العرق العظيم، حتى إن بعضهم يصل عرقه إلى أذنيه من شدة الهول يخوضون فيه كما يخاض الماء العظيم، فهذا يفيد أن الواجب الإعداد والحذر وعدم التساهل في هذا الأمر العظيم الذي لا بد أن يرده الناس، هذا الموقف العظيم، موقف الحساب، موقف الجزاء، موقف يوم القيامة، فالأمر عظيم وخطير، فالواجب الإعداد والحذر، ولا يخلص من هذا بتوفيق الله ورحمته إلا الإعداد للآخرة إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف:13-14] لا بد من إعداد إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الكهف:107].
كذلك يقول ﷺ لما خطبهم ذات يوم وذكر الجنة والنار وقال: ما رأيت كاليوم في الخير والشر الخير ما في الجنة، والشر ما في النار، قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا فغطوا رؤوسهم ولهم خنين من البكاء، من شدة الوعظ والتذكير والترهيب من عذاب الله، فإذا كان هذا أصحاب الرسول ﷺ فكيف بغيرهم؟ والمقصود أن الواجب الحذر، وأن المؤمن لا يتساهل في هذا الأمر، بل يكون أمر الآخرة على باله، أمر النار، وأمر الحساب والجزاء، وأمر الكرب يوم القيامة يكون على باله، حتى يعد له عدته، لا بد من عدة يرضاها الله وهي الاستقامة على طاعة الله، والحذر من محارم الله، إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30]، ويقول سبحانه: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [هود:112] فلا بد من الاستقامة والثبات والسير على المنهج القويم، والتواصي بهذا حتى الموت، رزق الله الجميع التوفيق والهداية.
س: منهم من تأخذه النار إلى كعبه ، ومنهم من تأخذه .. إلى آخر الحديث، هل معنى ذلك أن الباقي من الجسد لا يأتيه النار؟؟
ج: يعني يصيبه شرها وعذابها ملاصقا له نسأل الله العافية، هذا القصد العصاة يعني إلى المحل هذا على الحد الذي بينه الرسول ﷺ، والباقي يتألم حتى الأصبع يتألم ... لكن المواضع التي تصيبها النار تمسها نسأل الله العافية.
7/402-وعن المِقْدَاد، ، قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ ﷺ يَقُولُ: تُدْني الشَّمْسُ يَومَ القِيَامَةِ مِنَ الخَلْقِ حتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيل قَالَ سُلَيمُ بْنُ عَامرٍ الرَّاوي عنْ المِقْدَاد: فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْني بِالميلِ، أَمَسَافَةَ الأَرضِ أَمِ المِيل الَّذي تُكْتَحَلُ بِهِ العيْنُ فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمالِهمْ في العَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلى كعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلى رُكْبَتَيْهِ، ومِنْهُمْ منْ يَكون إِلى حِقْوَيْهِ، ومِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ العَرَقُ إِلجامًا وَأَشَارَ رَسُول اللَّه ﷺ بِيدِهِ إِلى فِيه. رواه مسلم.
8/403-وعن أَبي هريرة، ، أَنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ حَتَّى يذْهَب عَرَقُهُمْ في الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِراعًا، ويُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ متفقٌ عَلَيهِ.
ومعنى يَذْهَبُ في الأَرْضِ: ينزِل ويغوص.
9/404-وعنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه ﷺ إِذ سَمِعَ وَجْبَةً فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّه وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: هذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ في النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَريفًا فَهُوَ يهْوِي في النَّارِ الآنَ حَتَّى انْتَهَى إِلى قَعْرِهَا، فَسَمِعْتُمْ وجْبَتَهَا رواه مسلم.
الشيخ: هذه الأحاديث كالتي قبلها في بيان أهوال يوم القيامة، وأن يوم القيامة يوم عظيم شديد الأهوال كما بين الله ذلك في كتابه العظيم الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [القارعة:1-5] فيوم القيامة يوم شديد الأهوال، عظيم الكرب إلا على من يسره الله عليه من أهل الإيمان والتقوى، ولهذا قال: يعرق الناس يوم القيامة من شدة الهول، فمنهم من يبلغ العرق إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه، ومنهم من يبلغ إلى حقويه، ومنهم من يلجمه إلجاما، وفي اللفظ الآخر: يذهب في الأرض سبعين ذراعا كالسيل العظيم العميق، ومع هذا يلجمهم إلجاما، بعضهم إلى كعبه، إلى ركبته، إلى حقوه، إلى إلجامه من شدة الأهوال والكرب يوم القيامة، فجدير بالمؤمن أن يعد العدة لهذا اليوم العظيم الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ [القارعة:1-4]، ويقول جل وعلا: إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا [الواقعة:1-6]، وهكذا يقول: الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة:1-3]، وهكذا فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى [النازعات:34]، كذا فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ [عبس:33] فلها أسباب كثيرة، هذا اليوم العظيم بين عظم شأنه وكثرة هوله ليستعد كل مكلف لهذا الأمر، وذلك بتقوى الله وطاعته، والاستقامة على دينه، والتواصي بحقه، والتعاون على البر والتقوى، والحذر من أسباب غضب الله، هكذا المؤمن يجتهد في طاعة الله، ويحذر معاصي الله، ويستعد لهذا اليوم العظيم الذي تدنو منه فيه الشمس ويلجمهم العرق، ويغشاهم الهم العظيم، والكرب العظيم، ثم بين حال جهنم، وقد بين الله أمرها في كتابه العظيم إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا لِلطَّاغِينَ مَآبًا لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا [النبأ:21-23]، فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى [النازعات:34]، وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى [النازعات:36] فالأمر عظيم والهول شديد فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:37-39]، وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا [الزمر:71] فالواجب الحذر من هذه النار التي أعدها الله لأعدائه وخصومه الذين خالفوا أمره وركبوا ما نهى عنه جل وعلا.
في هذا الحديث يقول ﷺ أنه سمع وجبة فقال: أتدرون ما هذه الوجبة؟ يعني سقطة عظيمة، فقالوا: لا يا رسول الله، قال: هذا حجر رمي به في جهنم فلم يزل يهوي حتى بلغ قعرها الآن، وإن قعرها لسبعون خريفا يعني ما بين أعلاها وأسفلها مسيرة سبعين عاما، وهذا يدل على عظمها وعمقها وعظم شرها، نسأل الله العافية. ومع هذا تملأ، لا يزال جهنم يلقى فيها وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع الجبار فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط، فالمؤمن يعد العدة ويحذر ما نهى الله عنه وينتفع بالذكرى، والكافر والمنافق لا ينتفع بالذكرى، ولا يزيده ما ذكر الله ورسوله إلا بعدا بسبب إعراضه وغفلته واتباعه لهواه وإيثاره العاجلة على الآجلة، أما من تدبر وتعقل وأراد الآخرة فالله يوفقه ويبصره ويهديه، فعلى المؤمن أن يتقي الله ويسأل ربه التوفيق، يسأل ربه العون على كل خير، ويقبل على الله ويحاسب نفسه ويجاهدها لله لعله ينجو، أما الإعراض والغفلة فذلك دأب المشركين، قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ [الأحقاف:3]، وقال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ [الكهف:57] فلا أظلم من هذا الصنف يذكر ويحذر ويعرض ولا حول ولا قوة إلا بالله، نسأل الله للجميع العافية والهداية.
10/405-وعن عَدِيِّ بنِ حاتمٍ، ، قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بيْنَهُ وبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمنَ مِنْهُ، فَلا يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرى إلاَّ مَا قَدَّمَ، وينْظُرُ بيْنَ يَدَيهِ، فَلا يَرَى إِلاَّ النَّارِ تِلْقَاءَ وَجهِهِ، فاتَّقُوا النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ متفقٌ عَلَيهِ.
11/406-وعن أَبي ذَرٍّ، ، قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: إِنِّي أَرى مالا تَرَوْنَ، وأسمع مالا تسمعون، أَطَّتِ السَّماءُ وحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا موْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلاَّ وَمَلَكٌ واضِعٌ جبهتهُ ساجِدًا للَّهِ تَعَالى، واللَّه لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لضَحِكْتمْ قَلِيلًا، وَلَبكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذتُم بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرجْتُمْ إِلى الصُّعُداتِ تَجْأَرُون إِلى اللَّه تَعَالَى رواه الترمذي، وَقالَ: حديثٌ حسن.
وَ أَطَّتْ بفتح الهمزة وتشديد الطاءِ، وَتَئِطُّ بفتح التاءِ وبعدها همزة مكسورة، والأَطِيطُ: صَوْتُ الرَّحلِ وَالْقَتَبِ وشِبْهِهِمَا، ومعْناهُ: أَنَّ كَثْرَةَ مَنْ في السَّماءِ مِنَ المَلائِكَةِ الْعابِدينَ قَدْ أَثْقَلَتْهَا حَتَّى أَطَّتْ.
وَ الصُّعُدَاتِ بضم الصاد والعين: الطُّرُقَاتُ، ومعنى تَجأَرُونَ: تَسْتَغِيثُونَ.
12/407-وعن أَبي بَرْزَة بِراءٍ ثُمَّ زايٍ نَضْلَةَ بنِ عُبَيْدٍ الأَسْلَمِيِّ، ، قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: لا تَزُولُ قَدمَا عبْدٍ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيم فَعَلَ فِيهِ، وعَنْ مالِهِ منْ أَيْنَ اكْتَسبهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَن جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ رواه الترمذي، وَقالَ: حديث حسن صحيح.
الشيخ: هذه الأحاديث تبين عظم شأن يوم القيامة، وأن الواجب على كل مؤمن ومؤمنة على كل مكلف أن يعد العدة لهذا اليوم، وأن يستقيم على أمر الله، وأن يحذر ما حرم الله عليه، فالأمر عظيم والخطر كبير، فالواجب على كل مكلف أن يعد العدة للقاء الله، وأن يحذر أن يساق إلى النار بأسباب تفريطه وأعماله السيئة، يقول عدي بن حاتم الطائي ، يقول النبي ﷺ: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه يعني يوم القيامة كافر ومسلم ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان ليس بينهما واسطة فينظر عن يمينه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر عن شماله فلا يرى إلا ما قدم يعني من أعمال وينظر تلقاء وجهه يعني أمامه فلا يرى إلا النار، فاتقوا النار ولو بشق تمرة يعني اتقوها بالأعمال الصالحة وبالصدقات ولو بالقليل، فمن لم يجد فبكلمة طيبة هذا الحديث العظيم الصحيح يوجب على المكلف أن يحذر، وأن يعد العدة، وأن يحذر التساهل في أمر الله، أو في ركوب محارم الله، وهذا يعم كل إنسان، كل مكلف، فالله يكلم عباده المؤمنين كلام رضا وكلام محبة، ويكلم أعداءه كلام غضب، لا يرضى عنهم، لا يكلمهم الله -ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم- كلاما ينفعهم، وإلا فهو ينظر الجميع، ويرى الجميع، ويكلم الناس يوم القيامة جميعا، لكنه يكلم أولياءه كلام الرحمة والمحبة.
وفي الحديث الآخر حديث أبي ذر: أطت السماء وحق لها أن تئط يعني تحركت واضطربت من كثرة ما فيها من الملائكة عباد الله، جاء في الحديث الصحيح في حديث المعراج أن البيت المعمور الذي على وزان الكعبة في السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك كل يوم، ثم لا يعودون إليه كل يوم سبعين ألفا غير السبعين الماضين، وهكذا من كثرة الملائكة، فالبيت المعمور في السماء السابعة على وزان الكعبة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك يتعبدون ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم، وفي هذا أن السماء أطت، وحق لها أن تئط يعني هزيزها وتحركها بسبب ثقل ما عليها، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك ساجد لله، وفي اللفظ الآخر: إلا وملك ساجد، أو قائم، أو راكع» يتعبدون والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا لو يعلم الناس ما يعلمه من شدة عذاب الله لمن عصاه لكانت الحال غير الحال، يعني لخافوا ووجلوا وكثر بكاؤهم، وقل ضحكهم، ولخرجتم إلى الصعدات إلى الطرقات تجأرون إلى الله تسألونه النجاة والعافية، فالواجب على المكلفين جميعا أن يتقوا الله، وأن يراقبوا الله، وأن يحذروا معصيته ، فالموعد عظيم، وليس بينك وبين ذلك إلا خروج هذه الروح، من مات فقد قامت قيامته، فالواجب أن تنتهز الفرصة، وأن تحفظ الوقت، وأن تجتهد في طاعة ربك، والاستقامة على دينه، والحذر من معصيته لعلك تنجو.
كذلك يقول ﷺ: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسمه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه فأنت مسؤول عن جسمك وشبابك وعمرك فيما استعملته، هل استعملته في طاعة ربك؟ أو في غير ذلك؟ وأنت مسؤول عن مالك من أين ورد؟ وفي أي شيء خرج؟ من أين اكتسبته؟ وفيما أنفقته؟ وعن علمك قليل أو كثير ماذا عملت فيه؟ هل عملت بعلمك؟ أو تابعت الهوى وخالفت العلم؟ قال الله جل وعلا: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92-93]، وقال جل وعلا: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ [الأعراف:6-7] فأعد لهذا السؤال جوابا، الواجب على كل مكلف أن يعد لهذا السؤال جوابا، وأن يجتهد في استعمال جسمه وحياته في طاعة ربه، وأن تكون حياته معمورة بطاعة ربه، وأن يحرص على اكتساب المال من الطرق المباحة، وأن يحذر اكتسابه من الطرق المحرمة كالربا والسرقة والنهبة والخيانة والغش وغير هذا، وأن يحرص على إنفاقه فيما أباح الله، لا فيما حرم الله، رزق الله الجميع التوفيق والهداية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
13/408-وعن أبي هريرةَ، ، قَالَ: قرأَ رسولُ اللَّه ﷺ: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:4]، ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا أَخَبَارُهَا؟ قالوا: اللَّهُ ورَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّ أَخْبَارَها أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا، تَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وكذَا في يَوْمِ كَذَا وَكَذَا، فهَذِهِ أَخْبَارُهَا رواه التِّرْمِذِي، وَقالَ: حديثٌ حسنٌ.
14/409-وعن أَبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ، ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ، وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ فَكَأَنَّ ذلِكَ ثَقُلَ عَلى أَصْحَابِ رسولِ اللَّه ﷺ فقالَ لَهُمْ: قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوكِيلُ رواه الترمذي، وقال حديثٌ حسنٌ.
الْقَرْنُ: هُوَ الصُّورُ الَّذِي قَالَ اللَّه تَعَالَى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ [الكهف:99] كَذَا فَسَّرَهُ رَسُول اللَّه ﷺ.
15/410-وعن أَبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه ﷺ: مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ المَنْزلَ، ألا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَاليةٌ، أَلا إِنَّ سِلْعةَ اللَّهِ الجَنَّةُ رواه الترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ.
وَ أَدْلَجَ بِإِسْكان الدَّال، ومعناه: سَارَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَالمُرَادُ: التَّشْمِيرُ في الطَّاعَة. واللَّه أعلم.
الشيخ: هذه الأحاديث الثلاثة تقتضي حث المؤمن على الاجتهاد في الخيرات، والمسارعة إلى الطاعات، والحذر من السيئات، هذه الدار وهي الدنيا دار العمل، والآخرة دار الجزاء، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وقد جاء القرآن الكريم والسنة المطهرة كلاهما يحثان العباد على المسارعة في الخيرات، والإعداد للآخرة والتأهب لها، والحذر من الغرور والتسويف وعدم المبادرة بالأعمال الصالحات، تلا النبي ﷺ ذات يوم قوله جل وعلا: إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا [الزلزلة:1-5] يقول للصحابة: أتدرون ما أخبارها؟ إنها تحدث بما عمل على ظهرها من خير وشر، تقول: عملت كذا، وعملت كذا، وعملت كذا فهذا فيه الحث على العمل الصالح والحذر من ركوب السيئات، فإن الجوارح تشهد، والأرض تشهد، والله يعلم، والملائكة تكتب، فأعمالك مكتوبة وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:10-12]، ويقول سبحانه: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] وربك يعلم كل شيء، وإن لم يكتب شيء ربك يعلم أعمالك، فاعمل تجد، وهذه الجوارح تشهد عليك، والأرض تشهد عليك بما عملت على ظهرها، فجدير بك أن تحذر، وأن تستعمل بدنك في طاعة ربك، وأن تعمر أوقاتك في طاعة ربك حتى تكتب لك الأعمال الطيبة، وعليك أن تحذر ما حرم الله عليك حتى لا يكتب عليك، ولا يشهد عليك بذلك ملك ولا أرض ولا جوارح.
وفي الحديث الثاني: أنه قال ﷺ: كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وأصغى متى يؤمر فينفخ في الصور يعني إسرافيل عليه الصلاة والسلام، والقرن هو الصور، يعني كيف يطيب العيش؟ كيف يرتاح الإنسان وهذا سوف القرن سوف ينفخ فيه، ويحشر الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا، ثم يجازون بأعمالهم؟ كيف يهنأ الإنسان العيش في هذه الدار؟ كيف يتساهل، وكيف يغفل وهو سوف يحشر يوم القيامة ويجازى بأعماله؟ وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ [النمل:87]، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر:68] فأنت يا عبد الله سوف تحشر، وسوف تقوم يوم القيامة، وسوف تجازى بعملك، فجدير بك أن تعد العدة الصالحة قبل أن تقول: يا أسفاه، يا حسرتاه على ما فرطت في جنب الله، الأمر عظيم، فالجدير بكل مؤمن وكل مؤمنة العناية بما شرع الله، والحذر مما حرم الله، والتزود من الطاعات كما قال سبحانه: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197]، وقال سبحانه: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم:31]، ويقول سبحانه: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا [فصلت:46]، ويقول جل وعلا: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا [الإسراء:7].
فأنت يا عبد الله تعمل لنفسك إن أحسنت فلها تجازى بالنعيم المقيم، وإن أسأت فعلى نفسك، وأنت متوعد بعذاب الجحيم إذا أسأت وتابعت الهوى فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:37-41]، ويقول ﷺ: من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة يعني من خاف أن ينقطع به السير أدلج في الليل، وجد في الليل حتى يقطع المسافة، ومن أدلج بلغ المنزل من صدق في السير، وأدلج سار في الليل والنهار بلغ المنزل بتوفيق الله، فهكذا من خاف الله وراقب الله جد في العمل الصالح، وسار في طريق النجاة، ووصل إلى بر السعادة وبر النجاة، ومن ضعف عن ذلك وتابع الهوى وآثر الكسل والعجز ندم حين لا تنفعه الندامة، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة لا تدرك بالأماني والتسويف، لا ثمنها العمل الصالح، ثمنها التوحيد والعمل الصالح، فمن أراد الجنة فليعمل إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ [البينة:7-8]، مثل ما قال ﷺ: من خاف أدلج، ويقول جل وعلا: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185]، من وقي النار وشرها فقد فاز، ولكن هذه الوقاية لها أسباب، أسبابها طاعة ربك إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ [لقمان:8]، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الكهف:107]، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ [الطور:17]، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الحجر:45].
فالتقوى طاعة الله وتوحيده والإخلاص له، والاستقامة على ما يرضيه، وهذا هو التقوى، التقوى هي طاعة الله، هي توحيد الله وطاعته، هي البر وهي الهدى، وهي الإيمان والإسلام، وهي العبادة التي أنت مخلوق لها، هي توحيد الله وطاعته، والمسارعة إلى مراضيه والحذر من مناهيه، هذه هي التقوى، وهذا هو الإيمان، وهذا هو الهدى، وهذا هو العبادة التي أنت مخلوق لها، فجدير بك إن كنت ذا همة عالية، جدير بك أن تعمر أوقاتك بطاعة الله، وأن تحذر عمارتها بمساخط الله، وأن يكون على بالك دائما أنك ملاق ربك وأنك ميت يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ [الانشقاق:6] أنت ملاق ربك، وملاق كدحك، فاكدح خيرا تلقى خيرا، أما إن كدحت شرا فسوف تلقى شرا فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7-8]، وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47]، ويقول : إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:40]، فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [النساء:41] يعني النبي عليه الصلاة والسلام، وفق الله الجميع.